{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(066) سافر معي في المشارق والمغارب

(066) سافر معي في المشارق والمغارب

مع الدكتور يوسف عَصِر:

والتقينا في مدينة دارون الأسترالية، الأستاذ يوسف بن أحمد عصر ـ أستاذ تاريخ الفنون الجميلة في جامعة

دارون ـ أخذ شهادة بكالوريوس 1958م، من كلية الفنون الجميلة في القاهرة، وأخذ الماجستير في نفس التخصص من ألمانيا، وماجستير في الفلسفة الإسلامية والفن الإسلامي سنة 1962م من سدني سنة 1974م ودكتوراه من الهند في أثر الفلسفة الإسلامية على فكر الهندوس من جامعة برودة في كجرات، شمال بومباي، وهو يدرس في جامعة دارون من سنة 1972م، وقد أخذنا الأستاذ يوسف في جولة شمال مدينة دارون على ساحل البحر وداخل المدينة وزرنا منزله. وقال: إن اسم المدينة الأصلي: بالمستوف، وغير اسمها إلى دارون، بعد أن زارها شارلز دارون (صاحب النظرية الداروينية) لمدة أسبوع سنة 1910م.
وعدد سكانها خمسة وستون ألف نسمة.

ويُدرس الأستاذ يوسف الفن الآشوري والمصري، واليوناني والروماني، والسوماتري القديم، وفنون عصر النهضة في أوروبا، وفنون العصر الإسلامي من القرن الثاني إلى سقوط غرناطة. وقال: إنه أسلم على يديه ثمانية من الطلاب، لأنه يشرح لهم الإسلام عندما يدرسهم الفنون الإسلامية. وهو يحمل شهادة دبلوم عالي في مقارنة الأديان من معهد الدراسات الإسلامية في القاهرة.

وقد انتقد سطحية بعض المجلات الإسلامية التي تصدر في بعض الدول الإسلامية، وأثني على مجلات تصدر من بلدان أخرى [وهو يعني المجلات الإيرانية خاصة]. وقال: إن المجلات التي تصدر من بعض الدول العربية يجب أن تكون على مستوى عميق [وقد حصل بيننا وبينه نقاش طويل لتأثره ببعض أهل العقائد الفاسدة الذين يجهل أصول مذهبهم]. لأننا نحن الأمة التي بعث منها الرسول

وقد مر بنا في وسط المدينة بجوار بيت الحاكم العام في الولاية بشمال أستراليا، ولم نشاهد بجواره أو بباب بيته أي جندي، فسألت الأستاذ يوسف عن ذلك؟ فقال: إن أستراليا من الدول الديمقراطية المتقدمة، وحكامها يختارون اختياراً حراً بدون أي تدخل أجنبي أو تعسفي، ولهذا هم آمنون، والعناصر الموجودة في أستراليا الآن عناصر يقل فيها العنف، ويوجد نوع من التقارب في توزيع الثروة، وليس فيه تفاضل فاحش، كما يوجد في بعض الدول الأخرى المتأخرة، وبهذه الأمور يسود الأمن!

الرجاء إبعاد كلبيك عنا!

ثم أخذنا الأستاذ يوسف إلى منزله، ولدى دخولنا من باب داره كان في استقبالنا كلباه، وكان معنا الشيخ عبد القدوس، وهو مثلي يخاف من اقتراب الكلاب منه، ورجونا من الأستاذ يوسف أن يبعد عن أعيننا الكلبين فأمرهما باللغة الإنجليزية أن يدخلا في غرفتهما فامتثلا أمره. والمنازل متجاورة لا تفصل بينها إلا الأشجار التي زرعت على هيئة حائط للمنزل.

هل يوجد تواصل بين الجيران؟

وسألنا الأستاذ يوسف: إذا كانت المنازل هكذا كل جار يرى جاره في فناء داره، فهل يحيي بعضكم بعضا ويزور الجار جاره؟ فقال: إنه لا توجد أي صلة هنا مع هذا المجتمع، ولا أحد يحيي أحداً، ولو أنك جئت أحداً منهم في منزله، لقال لك: ماذا تريد؟ وهم قد كرهوا الدين من حيث هو، فهم لا دينيون [وجهات نظر المسلمين في تقبل الأستراليين للاتصال بهم والتعامل معهم تختلف، وقد خالف: سيد عبد الله السملوطي ما ذكره الدكتور يوسف هنا، كما سيأتي، وفي مقابلاتي للأوربيين ما يدعم رأي الأخ سيد].

وقال الأستاذ يوسف: إن المجتمع متحلل، وقد يبلغ التحلل ذروته في بعض الأحيان، وضرب لذلك مثالاً بأنه توجد منطقة في دارون، تبعد عن الجامع بخمسة كيلومترات، وهي خاصة بالعرايا، ولا يسمح لأحد أن يذهب لهذه المنطقة إلا إذا كان عرياناً، وهو ناد يسمى بنادي الشمس، وله فروع في كل مدينة من مدن أستراليا.

والأستاذ يوسف متزوج بامرأة هولندية مسلمة، وله منها ولد عمره سنتان ونصف السنة، واسمه محمد سالم، وهو يتكلم اللغة العربية والإنجليزية والهولندية إلا أنه في العربية ضعيف. وأبدى الأستاذ يوسف رغبته في الإقامة المؤقتة في المملكة العربية السعودية، ولو لسنة واحدة، لتعيش امرأته الحياة الإسلامية وتتأثر بها.

هاجر الأستاذ يوسف إلى أستراليا سنة 1967م، وكان رائداً في الجيش المصري، وقال إن سبب نزوحه من بلده أنه صدم بالسياسة الهوجاء التي انتهجها عبد الناصر، وكان له في أستراليا أصدقاء دعوه إليها، وقد قابل قبل ذلك عالماً في الفنون من أستراليا ووجده غير مرتاح للأوضاع في بلده مصر، فنصحه أن يذهب إلى أستراليا، ولو لسنتين فلما جاء أعجبه الوضع في أستراليا وبقي إلى الآن. وقال الأستاذ يوسف: إن أسرته أصلها من الجزيرة العربية من الحويطات.
ويرى الأستاذ يوسف أن أنجح الوسائل للدعوة أصعبها، وهي أولا:

أن ينسى المسلمون قومياتهم العصبية، وقال: إن عدد المسلمين في أستراليا أكثر من نصف مليون مسلم، وفي منطقة دارون أكثر من ثمانمائة مسلم، ولكن لما كانت الأغلبية هنا إندونيسيون وباكستانيين وهنوداً في الجمعية، فإن العرب لا يحضرون، والسبب العصبية. وقال: إن أو ل جمعية قامت في سدني سنة 1968م كانت خليطاً من الجنسيات، وكان عملها جيداً، فلما تعددت الجمعيات باسم البلدان حصل التعصب والتفرق.

الأمر الثاني: لا بد من تنظيم مراكز إسلامية عندها إمكانات وبها مؤهلون كثيرون، يقدرون على القيام بالعمل: مدرس متخصص، وداعية وإمام، والإمام عندنا هو الذي يقوم الآن بكل شيء وذلك فوق طاقته والثمرة تكون قليلة. ولا بد من مدرسة خاصة بها إمكانات كافية لتعليم الأولاد، وأثنى الأستاذ يوسف على تبرعات المملكة العربية السعودية لمشروعات الجالية الإسلامية في أستراليا. ولا بد من وجود مكتبة في المركز، تكون فيها المراجع الإسلامية متوافرة، ليتمكن الإمام والمدرس والداعية من المراجعة ليستفيدوا ويفيدوا ويجيبوا على الاستفتاءات.

ولا بد من بيت ضيافة في المركز لاستقبال الدعاة إلى الله، ليختلطوا بالمسلمين بدلاً من نزول الفنادق.
وأكد هذا الشيخ عمر وقال: إن بعض البلدان في إفريقيا إذا نزل الداعية في الفندق لا يزوره فيه المسلمون. وقال الشيخ عبد القدوس: وكذلك يوجد هذا المعنى في الهند.

ويعني هذا كله: أن هذا المركز يجب أن يكون مجمعاً، فيه كل المرافق التي يحتاج إليها المسلمون. وضرب الأستاذ يوسف مثالاً: بأن إمام جامع دارون يسكن بعائلته في غرفة واحدة، والمسؤول المسيحي القبطي في سدني يخصص له بيت كبير وسيارة فخمة تغير كل سنتين وحالته المادية ممتازة، وهم منظمون تنظيماً دقيقاً. وقال الشيخ عمر: إننا قبل إنشاء هذه المرافق نحتاج إلى العالم المخلص الحكيم القادر على قيادة المسلمين وجمع كلمتهم.

وقال الأستاذ يوسف: إن كثيراً من المسلمين فقدوا عزتهم، فقد تجد بعضهم يسمي نفسه باسم مسيحي، من أجل حفاظه على الوظيفة بسبب ضعف الدين في نفسه، ولهذا فإن الإحصائيات الأسترالية ليست دقيقة. ومع أن عدد المسلمين يزيد على نصف مليون، فإنهم لا وزن لهم في السياسة وعدد اليهود لا يزيد عن خمسين ألفاً، ولهم وزنهم السياسي، مثال ذلك أنه لا توجد في دارون من اليهود إلا أسرتين، وقد أصبح أحدهم وزيراً.

وقال الأستاذ يوسف: إنه على رغم الاختلاف الموجود في أستراليا بين المسلمين، فإن التجمع الذي حصل في السنوات الخمس الأخيرة فيه خير كثير جداً، وقال: نحن لا نحب الخلاف ولكن لا ينبغي أن يخيفنا خطره كثيراً. وقال الشيخ عمر: أن الخوف من خطر الخلاف أمر لا بد منه، لما فيه من العواقب الوخيمة. [كان الخلاف شديداً في تلك الأيام بين أعضاء الاتحاد، ولكنه اشتد فيما بعد حتى انصدع إلى
قسمين، كل قسم له تنظيم خاص كما سمعنا]. وسألت الأستاذ يوسف عن تعرضه لجمال الكون وتناسق خلقه ودلالته على الخالق سبحانه، نظرا لما للرسم من أهمية في الفنون الجميلة؟.

فقال: إن مناهج كليات الفنون الجميلة مناهج غربية، ولهذا لا تجد في البلدان العربية المهتمة بالفنون الجميلة تعرضاً لهذا الأمر، وتعلمي للفنون الإسلامية الجميلة إنما حصل في أستراليا، لأن المعلومات متوافرة عن الفنون الإسلامية في البلدان الأجنبية، بخلاف بلداننا فإننا لا نستطيع الحصول على معلومات واسعة في كثير من المجالات التي لا يرضى بها من لهم الهيمنة على تلك البلدان.

زمن إعداد اللوحة الفنية الواحدة!

وقد عرض علينا الأستاذ يوسف بعض لوحاته التي كتب عليها بخطه الجميل بعض العبارات، مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، ومثل: الرزق على الله. وقال: إن اللوحة الواحدة قد يستغرق عملها من الوقت مائة وثمانين ساعة. قلت: ماذا يجدي عمل مائة وثمانين ساعة في لوحة واحدة ـ يعني ـ سبعة أيام ونصف يوم مع لياليها ـ مهما كان جمال تلك اللوحة ومهما كانت المعاني التي ترمز إليها؟!. إن حاجة المسلمين إلى تعليم أولادهم في هذا البلد أهم من كل عمل آخر من الفن وغيره.

فاللوحة الجميلة ستبقى في المتحف يقال عنها: إنها من الفنون الإسلامية، وقد يتأثر بها بعض الناس تأثراً يهديه إلى البحث عن الإسلام والدخول فيه، أو تأثراً يجعله يحترم الإسلام والمسلمين، لأن لديهم فنوناً جميلة، ولكن تعليم الطفل المسلم سيُبقي الإسلام حياً على مدى الأجيال، وترك تعليمه سيكون سبباً في انقراض المسلمين، وما قيمة لوحة فنية جميلة إذا لم يترب المسلمون على الإسلام؟!. وقد سبق أن الأستاذ يوسف نفسه قال: إن إمام المسجد مرهق لأنه لا يوجد من يعينه على تعليم الكبار والصغار من المسلمين. أما كان الأجدر بالأستاذ يوسف بأن يصرف بعض الوقت في تعليم أبناء المسلمين مبادئ القراءة والكتابة وما يعلمه من مبادئ الإسلام؟!. نعم: إن هذا العمل أصبح حرفة الأستاذ يوسف، ولكن لا بد من التوفيق بين الحرفة وما تقتضيه الضرورة من المساعدة في تعليم أبناء المسلمين.






السابق

الفهرس

التالي


14225157

عداد الصفحات العام

1993

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م