(049) سافر معي في المشارق والمغارب
الجمعة: 19/3/1420ﻫ ـ 2/7/1999م
زيارة متحف الأسماك:
أغراني الإخوة في جوهانسبرج وفي كيب تاون بزيارة "متحف الأسماك" في كيب تاون، فذهبنا اليوم إلى المتحف في الساعة التاسعة والنصف، واسمه "أكور يوم AQUAR IUM ) وفيه نماذج من الأسماك الصغيرة والكبيرة إلى سمك القرش، وهي ذات ألوان وأشكال متنوعة، وكلها تدل على كمال قدرة الله الذي خلق. وفي المتحف أنواع من الأسماك المتحجرة. وهنا تذكرت متحف الأسماك الذي زرته في مدينة شيكاغو سنة: 1405ﻫ ـ 1985م الذي يفوق هذا المتحف بكثير.
هذا مع العلم أن الفضائيات التلفزيونية تبث عن طريق ما سجل في الفيديو من عجائب المخلوقات الحيوانية ـ ومنه الحيوانات البحرية ـ وغيرها ما يصعب الوقوف عليه لكل أحد على طبيعته، وإن كان الوقوف المباشر أفضل وأكمل.
في جامعة غرب الكيب:
ذهبنا ـ بعد زيارة متحف الأسماك ـ إلى جامعة غرب الكيب، حيث كنا على موعد مع "الأستاذ محمد عبد الله هارون" الذي اشتهر والده (عبد الله هارون) بالعلم والدعوة والقدوة الحسنة.
مع محمد عبد الله هارون:
ولد الأخ محمد في 15 أكتوبر سنة 1955م(). دراسته الثانوية كانت في كيب تاون. ودراسته الجامعية في كلية الآداب في جامعة دربن. قسم الدراسات الإسلامية، تخرج سنة: 1977م. من أساتذته الدكتور سلمان الندوي، وهو موجود في الجامعة إلى الآن() وكذلك الأستاذ حبيب الحق الندوي، وقد توفي في السنة الماضية، وكان يرأس قسم اللغة العربية والفارسية والأردية.

الكاتب مع الأستاذ محمد عبد الله هارون في جامعة الكيب الغربية
التحق الأخ محمد بمعهد اللغة العربية في جامعة الرياض سنة: 1979 ـ 1980م وكان من أساتذته الدكتور عمر الصديق، ورئيس المعهد الدكتور إسماعيل الصيني. ثم التحق بجامعة جنوب أفريقيا في (بريتوريا) عن طريق المراسلة، في اللغات السماوية (العربية والعبرية) وتخرج منها سنة: 1984م. ثم أكمل الماجستير في جامعة كيب تاون في الدراسات الدينية، سنة: 1986م.
ونال شهادة الماجستير في اللغة العربية من جامعة الحرية في أمستردام، وقد أنشئ بها معهد الدراسات الإسلامية الحديث. وقام بالتدريس في جامعة غرب الكيب، وفصل من العمل في آخر شهر يونيو من هذا العام 1999م بسبب قلة طلاب اللغة العربية، وكان ثالث ثلاثة في قسم الدراسات الإسلامية، ويواصل البحث الآن عن وظيفة.
وسألته عن سبب قلة الدارسين في هذا القسم فقال: أكثر الذين يلتحقون به من المسلمين، وقد قويت الدراسات الإسلامية والعربية الآن في المساجد والمؤسسات الإسلامية، فانصرف الطلاب إليها، لأنهم يستفيدون منها أكثر من الجامعة.
تأسيس جامعة الكيب: وقد أسست هذه الجامعة في عام: 1960م. وكانت خاصة بالملونين. ثم أصبحت في منتصف الثمانينات مشتركة للبيض والسود والملونين. فيها سبع كليات: الآداب، العلوم، طب الأسنان، الصحة، العلوم الاجتماعية، والأديان, عدد الأساتذة فيها: 160 تقريباً. وعدد الطلاب: عشرة آلاف طالب تقريباً.
نبذة عن الشيخ عبد الله هارون:
طلبت من الأخ محمد أن يعطيني نبذة عن والده رحمه الله. فقال: والدي اسمه الكامل: "عبد الله بن عماد الدين هارون". أصل الجد من إندونيسيا، والجدة من أوربا. ولد سنة: 1924م في كيب تاون. التحق بمدرسة الفلاح في كيب تاون، ولم يكمل فيها دراسته.
سافر إلى مكة لطلب العلم سنة: 1936م. تلقى العلم على يد الشيخ علوي مالكي، بقي في مكة أربع سنوات، وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية رجع إلى كيب تاون. واستمر في الدراسة على يد الشيخ إسماعيل حنيف الأزهري، وهو من علماء كيب تاون، وقد ألف عدة كتب بلغة الأفريكانس ـ بالحروف العربية ـ وهي لغة البيض والملونين. وكان الشيخ عبد الله يحفظ 20 جزءً من القرآن الكريم. وكان يقوم بتدريس الطلاب مبادئ الإسلام في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، والذي شجعه على القيام بالتدريس الشيخ إسماعيل حنيف. وكان يساعد خالته في التجارة.
تزوج في بداية سنة 950م وأنجب ثلاثة أولاد: شاملة ومحمد ـ وهو الذي أدلى بهذه المعلومات ـ وفاطمة.
وفي سنة 1955م أصبح إماماً في مسجد الجامعة، في منطقة: (كْلِيْرْ مونْثْ) ولم يكن يأخذ راتباً على إمامة المسجد، وكان يوزع الحلويات. وكان يحتك بالسود ويدعوهم إلى الإسلام، وأسلم كثير منهم. وقد أصبح معروفاً بين الناس، لأنه كان قدوة حسنة، لذلك أراد الناس أن يعرفوا دينه واحترموه.
وكان يقوم بالدعوة بين السود، مع حركة الدعوة الإسلامية، ومقرها في جوهانسبرج، وهيئات أخرى. وقد سجنته الحكومة البيضاء بسبب نشاطه لأنه كان يعمل مع جبهة سياسية للسود، وهي غير الحزب الديمقراطي، وقد أسست تلك الجبهة سنة: 1959م، وكان يساعد الجبهة بالمال الذي كان يجمعه لأسر المسجونين. وتوفي في السجن في 27 سبتمبر سنة 1969م. ويرى المسلمون أن الحكومة قتلته، وسبب هذا الاتهام أن آثار التعذيب التي وجدت في جسمه.
التفرق موجود والتعاون شبه مفقود!
سألت الأخ محمداً عما يراه من مستقبل المسلمين؟ فقال: المؤسف أن الهيئات الإسلامية لا تتعاون فيما بينها، ومشكلات الملونين نقلت إلى المسلمين السود، يحاول بعضهم إنشاء هيئة خاصة بهم. والهنود والملونون عندهم أموال، والسود ليس عندهم أموال، ولذلك يحاولون الاستقلال بأنفسهم لشعورهم بأن الهنود والملونين لا يهتمون بهم. ويعتمد مستقبل المسلمين في هذا البلد على تعاونهم مع الآخرين، وكيفية نشاطهم في استعمال الوسائل الإعلامية وغيرها. وخلافات المسلمين في كثير من الأمور ـ وبخاصة في العيد والصيام ـ تؤثر سلبياً في غير المسلمين.
وأحمد قاسم يتكلم ضد العلماء ولا يتعاون معهم. [قلت : هذه هي حالة المسلمين تقوم جماعة، فتنشق عنها أخرى، ثم يتهم زعماء كل جماعة أن الزعماء الآخرين لا يريدون التعاون معهم، أحمد قاسم ـ كما سبق ـ أنشأ مؤتمراً لاتحاد المسلمين، وقال: إنه دعا الآخرين للتعاون معه فرفضوا! أين يكمن الداء؟ يبدو أنه في الحرص على الزعامات والمصالح الشخصية، والله اعلم بعباده]. ويتهمه مجلس القضاء الإسلامي بالأفكار الشيعية، وأرى ـ هذا من كلام محمد هارون، وهو ما يصرح به أحمد قاسم وجماعته ـ أننا لا نستطيع اتهامه بذلك، وإن كانت ثورة إيران أثرت على الجميع في النشاط السياسي. ولكن كثيرأ من المسلمين لم يغيروا فكرهم إلى الفكر الشيعي.
وداعاً كيب تاون؟
قضيت في مدينة الكيب عشر أيام، كلها عمل، لم أقعد يوماً واحداً بلا لقاءات ومواعيد، وحاولت الاجتماع بجميع المؤسسات الإسلامية، وزعماء المسلمين وعلمائهم، وبذل الأخوان: محمد نور ومحمد الأعمش قصارى جهدهما في مساعدتي ـ بتحديد المواعيد، والمصاحبة، والترجمة، والتنبيه على بعض الأمور التي أجهلها…
ولكن الزمن المحدد للبقاء في هذه المدينة قصير، وبعض العلماء الذين تقررت زيارتي لهم جاءتهم ظروف طارئة فاعتذروا، وكان بعضهم مسافراً، فكان ضيق وقتي من جانب، وأعذارهم من جانب سبباً في عدم تحقيق الرغبة الكامل، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولعلي قد تمكنت من زيارات غالب المؤسسات الإسلامية ـ على تنوعها ـ المشهورة، والعلماء والزعماء المشهورين.
أما مدينة الكيب، فإن جمالها الطبيعي ـ من بحار هادرة، وخلجان متداخلة، وسلاسل جبال متواصلة، ومبان عالية متناسقة، ومقصورات جميلة ذات حدائق مبهجة، ومزارع واسعة مثمرة، وأزهار ذات ألوان للناظرين إليها سارة، وطقس ممتع ذي هواء عليل، ومساجد مآذنها في السماء عالية يرجع طرْف عدوها عنها كليل، وحفظة لكتاب الله يتلونه تلاوة مؤثرة، يهدي به الله من اتبع رضوانه إلى مصالحه في الدنيا والآخرة.
إن ذلك كله وغيره يغري الزائر لمدينة الكيب بعدم مغادرتها السريعة العاجلة، ولكن الحياة كلها إقامة يسيرة وارتحال، ومكث قصير وانتقال، ولا يمكن أن يبقى على ظهرها مخلوق دائماً على حال. والذي أوجد "كيب تاون" وما فيها من جمال، هو الذي أوجد "دربن" التي سأكون فيها غداً ـ إن شاء الله ـ على أحسن حال.
ملحوظتان:
الملحوظة الأولى: لا يزال البيض هم المسيطرين على شئون البلاد عامة، ولذا ترى عدداً كبيراً من العاملين السود يديرهم رجل أبيض أو امرأة بيضاء.
الملحوظة الثانية: الداعمون للنشاط الإسلامي بالمال ـ في داخل البلد وخارجه ـ تنقصهم دراسة المؤسسات الإسلامية والعاملين فيها، والمقارنة بين تلك المؤسسات وأولئك العاملين، ليضعوا أموالهم في المواقع التي يتحقق بها البلاغ المبين بالدعوة والتعليم ووسائلهما.
ولهذا ترى بعض المؤسسات الصغيرة النشيطة، مع تفقه أفرادها في الدين وقدرتهم على إقامة الحجة والبرهان على ما يدعون إليه، ويظهر عليهم الإخلاص في دعوتهم، ولا ينقصهم إلا المال وأدوات التعليم ووسائل الدعوة المادية، مثل الاتصالات والمواصلات والكتب والطابعات والمباني المدرسية والمساجد، ولا يتحدثون عن أنفسهم وأعمالهم.
وتجد مؤسسات أخرى عندها قلاع من المباني المدرسية والمساجد الكبيرة، ونشاطهم قليل جداً، والأموال تتدفق عليهم، ولهم ضجيج إعلامي بتفخيم أعمالهم والمبالغة في الثناء على أنفسهم، وهم كما قال المثل: "أسمع جعجعة ولا أرى طحينا!"..
|
|