{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


مستقبل الجهاد في فلسطين؟

مستقبل الجهاد في فلسطين؟



لست أريد مستقبله الحقيقي الذي سيقدره الله له بما يبذله أهله من إيمان وإعداد عدةٍ قويين، وإنما أريد مستقبله الذي يعده له البيت الأبيض مع اليهود، وحلفائهم، الذين يستجدون السلام من اليهود من أكثر من ستين عاما، ولم تمكنهم مما يستجدون!



لقد حققتْ هذه الحركة المباركة أمام العالم - ما عدا اليهود ومن يدعمهم ويقف في صفهم،كأمريكا وحلفائها-على أمرين كبيرين:



الأمر الأول: التصريحات - وليس كل من يصرح سيطابق فعلُه قولَه - بالوقوف ضد عدوان المغتصب اليهودي الذي لم يحقق بعدوانه إلا ما عرف عنه من التفوق على عدوه النازي، من القتل للمدنيين-نساء وأطفالا وشيوخا وسواهم والتدمير لمرافقهم التي تؤيهم، ومساجدهم التي يصلون فيها ويزكون أنفسهم وأولادهم.



الأمر الثاني: صدق المجاهدين الإيماني وتطبيقهم العملي - ولا نزكي على الله أحدا - وتنظيمهم الإداري، في سلمهم، وحربهم لعدوهم تحت الأرض وفوقها وفي أجواء السماء، وإرادتهم القوية لصنع آلات عُدّة القتال المناسبة لعصرهم الذي يعيشون فيه، مع قلة ذات يدهم وحصارهم الذي حرمهم من الطعام والشراب والدواء والكساء، وكل ضرورات الحياة من قبل اليهود وبعض العرب.



ولقد ضربوا أروع الأمثلة التي تؤهلهم ليكونوا قدوة في تفوقهم ذلك، للحكومات العربية الغنية التي تكدس السلاح المستورد في مخازنه الذي تعده فقط لتخويف وضرب من يتحرك من مواطنيها للمطالبة بحقوقهم المشروعة، حتى يفسد في تلك المخازن، ويصبح شبيها بالفضلات التي ترمى في المزابل، وكلما فسد منه فوج خلفه فوج آخر، من مال المسلمين الذي يذهب هدرا مع حاجتهم إليه.



ولهذا تواطأ الأمريكان واليهود وبعض الحكومات العربية على وجوب تدمير سلاح هذه الفئة المجاهدة التي دل نشاطها المتنوع المعنوي والمادي، أنها مجاهدة صادقة، مؤمنة بموعود ربها وتوكلها عليه، وعدم وجود ارتياب عندها في صحة سيرها على هدى من الله وعلى صراطه المستقيم.



وليست كأولئك الأعراب الذين ادعوا الإيمان، ولما يدخل في قلوبهم، كما قال الله تعالى: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15) [الحجرات].



فما هو مستقبل المجاهدين في فلسطين، وفي مقدمتهم منظمة حماس، ما هو مستقبلها عند إخوانها وأبناء عمومتها، من بعض الحكومات العربية التي تحيط عواصمها بالأرض المباركة "فلسطين" بصرف النظر عن موقف أعدائها الأصليين، من اليهود المغتصبين والأمريكان الداعمين لهم، فهؤلاء الأصل فيهم أن يكونوا حربا على الإسلام الحق الذي اشتمل عليه القرآن الكريم والسنة الصحيحة، لأنهم هم والمشركين وقفوا ضده وحاربوه، من يوم نزلت آياته الآمرة للرسول صَلى الله عليه وسلم، بالدعوة إليه والصدع به: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94)} [الحجر] {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)} [البقرة]



وتبع المشركين في حربهم للإسلام وأنصاره، المنافقون الذين قال الله تعالى فيهم: {أَلَمْ تَرى إِلَى

الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)}
[الجشر]



إن موقف حماس -والفصائل التي شاركتها في حربها لليهود-سيزيد اليهود والأمريكان وحلفاءهم شدةَ حقدٍ في قلوبهم عليهم، لأن هذا الموقف الذي أثبت صلابة المجاهدين، وتضحيتهم بأرواحهم وأموالهم ومساكنهم وآبائهم وأمهاتهم وأولادهم في سبيل الله تعالى حتى دحروا العدو، وخرج يجر أذيال هزيمته في خزي وعار، مع قوته التي كان يقال عنها: "لا تقهر!" وما توقعه من القضاء على من سماهم فرعون من بني إسرائيل أنفسهم "شرذمة" كما حكى الله تعالى ذلك عنه في قوله: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)} [الشعراء]



وكأَن الله تعالى يذكر اليهود بعقابه فرعونَ عندما كان ظالما لهم، وبنصرهم عليه عندما كانوا مظلومين، وأنهم الآن بسبب ظلمهم للمجاهدين في سبيل الله، يستحقون عقاب فرعون الظالم، مع اختلاف نوع العقاب، وأن المظلومين اليوم من قبل اليهود يستحقون النصر عليهم، ولعل من أعظم نصر الله الذي ننتظره لهم، هو إعادته أرضهم المغتصبة، وإخراج عدوهم منها صاغرا ذليلا:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)} [الأعراف] هناك كانوا مستضعفين مظلومين نصرهم على القوي الظالم، وهنا هم أقوياء ماديا ظالمين سيهزمهم الله وينصر من استضعفوهم، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.



نعم! كان العدو اليهودي يتوقع بما يملك من مال وعتاد وجنود، وبما يعرف -قديما- من ضعف أهل غزة في كل شيء من مقومات الحرب، أنه سيقضي عليهم في عشية -دون ضحاها- وبدون خسائر تذكر، ولكنه مكث شهرا يجيش جيوشه الأصليين والاحتياطيين، وحشد سلاحه الجوي والبري والبحري، وهجم على البلدة الصغيرة التي لا يخلو شبر منها من ساكن، وحطم كل ما يقدر عليه، مما شاهده العالم، وإذا بـ"الشرذمة القليلة" تدوس هامته وتجعل فرائصَ سكانِ مدنه وقراه المغتصبة كلها، ترتعد هلعا، وقتلوا من جنوده وضباطه -وجرحوا كذلك- ما لم يدر له في الحسبان، بل وأسروا منهم ما يخيفهم أكثر من القتل والجرح.

http://alahale.net/article/17605



ولا شك أن خسائر المجاهدين المادية والبشرية في الأرواح والمرافق أكثر بكثير مما خسره اليهود في ذلك.



ولكن المقارنة هنا غير واردة ولا صحيحة، إذا نظرنا إلى ما يملكه العدو من الجنود المقاتلين وما يملكه من قوة العتاد الجوي والبري والبحري، وما يملكه من مال واقتصاد، وما يناله من دعم دولي وإقليمي، وما يملكه المجاهدون من ذلك كله، إذا نظرنا إلى ذلك في الجانبين يتضح لنا، أن خسائر العدو -نسبيا- أكثر بأضعاف مضاعفة، ولو لم يكن من خسائره إلا هزيمته واستنجاده بالأمريكان ليسرعوا في اتخاذ الأسباب التي توقف إطلاق النار، لكفاه خزيا وذلا وانكسارا.



إن هذا الانتصار الجهادي الغَزِّي المعنوي والمادي، وهذا الصمود النادر في عصرنا الذي وقفه المجاهدون وهذا الانتصار، سيزيد من غيظ أعداء الجهاد في سبيل الله، من اليهود والنصارى ومن يسمون أنفسهم، بـ"العلمانيين" المحاربين للإسلام، وهم من تلاميذ عبد الله ابن أبي وأتباعه، وسيعدون العدة لمزيد من التحالف القوي بينهم ليواصلوا مسيرتهم في القضاء على رجال الجهاد في سبيل الله، واتخاذ كل وسيلة تمكنهم من ذلك بحسب تصورهم.



وهم مجمعون كلهم بأن منظمة حماس منظمة إرهابية لأنها فرع لمنظمة عالمية قرروا أنها إرهابية، تستحق السعي الجاد في تدميرها وسحقها ومحاصرتها والقضاء عليها، برغم أنها استجابت للدخول في المعترك السياسي، وخاضت الانتخابات وفازت فيها فوزا نالته من الشعب الفلسطيني أمام الملأ، ولكن ذلك الفوز السياسي، وهذا الانتصار الجهادي العسكري، يدل عند أعدائها، على أنها خطر على اليهود وحلفائهم، لأن الشعب الفلسطيني بجميع فئاته سيغتر بها وسيجعلها بوصلته التي تحقق له أمانيه في تحرير أرضه وعودة مشرديه من الشتات، وكذلك الشباب المسلم في البلدان الإسلامية وغيرها، سيتخذ حماسا قدوة له في تحرره من الاستعباد والاستبداد الطاغي، عليهم، وتعيد الثعالب اليهودية إلى جحورها في البلدان التي غادروها لاحتلال فلسطين بدلا من بقائهم فيها، فلا بد من تدمير هذه المنظمة الخطيرة!



ولعل جهاد حماس هذا يكون بداية لما ذكره الله في كتابه، من عودته تعالى لعقاب يهود إن عادوا إلى طغيانهم وإفساهم في الأرض، وقد عادوا إلى الإفساد فعلا، قال تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (8)} [الإسراء].



وفي المخططات الأمريكية الماكرة التي تحيكها وتجمع لتنفيذها أولياءها وحلفاءها، لحرب أعدائها من دعاة الإسلام ومجاهديه، ما قد يظنون أنها ستقضي على حماس وغيرها من المجاهدين في أي بقعة في العالم، كما فعلت في أفغانستان والعراق ومصر وسوريا وليبيا واليمن والصومال وغيرها، وقد نالت بسبب مكرها وعدوانها من الخسائر في الأنفس والأموال والسمعة السيئة، ما عاقبها الله تعالى به، وسيعود مكرها بإذن الله وخداعها عليها، وسيحبط الله كل أهدافها ووسائلها، و سيكون كل ما تقوم به من حرب على الإسلام والمسلمين، حافزا قويا لشباب الإسلام وشاباته لتمسكهم بالإسلام، وبغضهم لأعدائه ومناصرتهم المقدور عليها لدعاته ومجاهديه.



ولَكَأني أرى بأم عيني أدوات أمريكا واليهود وحلفائهم، ممن يسمونهم بأجهزة الأمن من المخابرات والجواسيس، يعقدون الاجتماعات، بما فيهم جواسيس فلسطينيون ومن أظهر رموزهم محمد دحلان الذي يتنقل بين العواصم الغربية وبعض العواصم العربية، بعد أن عاث فسادا في الأرض الفلسطينية وتعاون مع اليهود لقتل واغتيال بعض قادة الجهاد، وعلى رأسهم الشيخ المربي المجاهد أحمد ياسين وبعض تلاميذه الذين دوخوا اليهود ببطولاتهم، كالرنتيسي، وأحمد عياش، وغيرهم، كأني أرى أولئك الجواسيس وهم يرسمون خططهم، الظاهرة والباطنة:



فأما الظاهرة، فهي الإشفاق على سكان غزة وما نالهم من قتل ودمار وحرمان من أبسط حقوقهم الضرورية، والدعوة إلى إغاثتهم بالمال والدواء والكساء، وما يعيد إليهم ما فقدوه من البنية التحتية، من تعمير بيوتهم المهدمة والكهرباء والماء، وغير ذلك من المرافق التي يحتاجون إليها، وفتح بعض المعابر التي تخفف عنهم معاناتهم.



وأما الباطنة، فهي وضع الخطط السياسية والإعلامية والعسكرية التي يتعاون في اتخاذها اليهود والأمريكان وحلفاؤهم، للقضاء على قوة منظمة حماس، ونزع سلاحها الذي يطالب به اليهود، حتى لو اقتضى الأمر تشكيل قوة عسكرية يقرها مجلس الأمن"الخماسي!" تسمى بـ"لجنة تفتيش أسلحة حماس الإرهابية" كما فعلوا في العراق وسوريا.



فإذا نجحوا في ذلك -نسأل الله أن يبطل الله مساعيهم ويخيب آمالهم-أعادوا لليهود هيبتهم، وأراحوهم من مقاومة رجال الجهاد التي تقلقهم وتلهب قلوب الشباب الفلسطيني ليواصل انتفاضاته لمقاومتهم، ويعد نفسه للالتحاق بصفوف المجاهدين الذي أخزوا هذا العدو المغتصب لأرضهم، وتصبح حماس ورجال الجهاد بعد القضاء على مقوماتهم الجهادية كغيرها ممن لم يعد لهم هدف إلا المفاوضات "الأوسلوية" التي أطفأت جذوة الروح الجهادية والانتفاضات المزعجة لليهود، وقضت على مبدأ المقاومة الفلسطينية التي كانت يرغم بساطتها تقلق اليهود.



ذلك هو المستقبل الذي يريد أعداء الإسلام والجهاد في سبيل الله لنصرته، أن يحققوه في حماس المجاهدة، فهل سينالون مرادهم ذلك، وهل سيسلس لهم قياد المجاهدين في غزة ومن يعد نفسه للالتحاق بصفوفهم من الشباب الفلسطيني في كل مدينة وقرية من الشعب الفلسطيني وغيره؟



لقد أثبتت التجارب في الحروب المتكررة من أعدائهم عليهم في فترات متقاربة، أن المجاهدين في غزة -برغم قلتهم وضعفهم المادي-رقم صعب عَصِيٌّ، تُشَبَّه به الجبال الصخرية ولا يُشَبّه بها لأنه أشد صلابة منها، لاعتماده على من بيده ناصية كل شيء في هذا الكون، ولاتخاذه الأسباب التي لا يقطعها من المخلوقات قاطع، و لا يمنعه من الاعتصام بها مانع.



السبب الأول: توكلهم على الله تعالى الذي وعد من استند عليه بأنه كافيه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)} [الطلاق]



وبه نجى الله خليله من إحراقه بالنار، وجعلها عليه بردا وسلاما، كما قال تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ

وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ (70)}
[الأنبياء]



وبه اعتصم موسى عليه السلام، حينما هدده الطاغية فرعون بالقتل، كما قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)} [غافر]



وبه تحدى نوح قومه و وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71)}
[يونس] {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود]



وبه نجى الله إبراهيم من إحراقه بالنار، وجعلها عليه بردا وسلام، وبه ازداد إيمان الرسول صَلى الله عليه وسلم، وأصحبه، عندما خُوِّفوا بكثرة أعدائهم، كما في حديث ابن عباس رَضي الله عنه، الذي قال: في قوله تعالى : {إنَّ النَّاسَ قد جمعوا لكُم فاخْشَوْهُمْ فزَادَهُمْ إِيمَانا، وقَالُوا حسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} قالها إبراهيمُ حينَ أُلقِيَ فِي النَّارِ ، وَقالَها محمدٌ حين قال لهم الناس : {إنَّ النَّاسَ قد جَمَعُوا لَكم} [آل عمران : 173]. [أَخْرجه البخاري.]

؟؟؟

السبب الثاني: أن حماسا ومن يسير في صفها، فإنهم بحسب منهاجهم المتواصل، ومع توكلهم على الله، سيكون الموت في سبيل الله، وهم أعزاء غير راكعين للإعداء كغيرهم وسيبذلون أرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون في هذه الدنيا، للجهاد في سبيل الله الذي لا يدفع عنهم عدوان المعتدين غيره، وإن الشباب الذي يحمل السلاح الآن ويصنعه، هم من حفظة القرآن الكريم الذي لا يقف مواقفهم البطولية إلا من فقهه، وهم يعدون أطفالهم اليوم لحفظ القرآن وتزكية نفوسهم عليه، لينضموا إلى صفوف آبائهم إخوانهم إذا كبروا، ويخلفوهم إذا استشهدوا، أو عجزوا بأي سبب من الأسباب، فالقافلة سائرة والعاجزون قاعدون، ومعلومة هي منزلة القاعدن عند الله تعالى، ول عنها آيات سورة التوبة.



وإني بحسب تتبعي لما يحصل في الشعب الفلسطيني، من مقاومة وثبات لبعض فصائله، وما حصل ولا زال يحصل، من إسقاط المقاومة -فعلا لا قولا- من فصائل أخرى، عَلَّقتْ مستقبل بلادها بمفاوضات اتفاق أسلو، وحرصت ألا تخرج من دائرتها، مع وجود مخارج أخرى يمكن الاستفادة منها، وكثير منها تخجل من ذكر الجهاد في سبيل الله، بسبب الحملات الغربية واتباع كثير من ذراري المسلمين لها، أقول: إنني بحسب تتبعي لذلك كله، يبدو لي أن الذين أسقطوا معنى الجهاد من مشروعهم لتحرير فلسطين من العدو اليهودي المغتصب، وكل من يسير على منهاجهم من المسلمين من العرب وغيرهم، سوف لا يدعون المجاهدين من منظمة حماس وغيرها، يسيرون على طريق الجهاد، لأن منهاج كل فريق -لا أقول يخالف منهاج الفريق الآخر- بل يصادمه كل المصادمة، وإن حصلت محاولات -أحيانا- مظهرية للإتلاف والمصالحة، بدليل أن كل المحاولات قد فشلت فشلا ذريعا ومعلوم من هم الذين يفشلونها.



وما دامت إمبراطورية العصر الحاضر أمريكا، تتزعم حرب كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، وبخاصة الجهاد في سبيل الله، فإنها بما تخطط لحرب الإسلام وما تبذل من وسائل مادية ومعنوية للقضاء على ما يسمونه بـ"إسلام السياسي" الذي لخصه أحد زعماء العرب، في هذه الكلمات" "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة" مع أن ما جاء به وحي الله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه صَلى الله عليه وسلم، يدل دلالة يقينية، أن أي سياسة بأي منهاج يخالف ما سماه العلماء بالسياسة الشرعية أن حكومات الإسلام على مر التاريخ، إنما ساست الأمة بمنهاج الكتاب والسنة، لا بالأنظمة والقوانين المخالفة لهما، مع العلم أن في السياسة الشرعية أبوابا مفتوحة للاجتهادات التي لا تخالف حقائق الإسلام، يقوم بها أهل الحل والعقد من الأمراء والعلماء والخبراء والأعيان، وقد فصلت شيئا من ذلك في موضوعات أخرى، والذين يسيرون على منهاج سياسة الشعوب بغير شريعة الله الواضحة في القرآن والسنة، لا يخلون من أحد فريقين: الفريق الأول: قرر متعمدا نبذ شريعة الله مهما كانت النتيجة، في دنياه وآخرته، والفريق الثاني: جاهل بالقرآن والسنة، ولم يكلف نفسه الرجوع إليهما أو الأخذ بمنهاجهما من علمائه، وفي كلتا الحالتين، وصل المسلمون إلى الحالة المتردية الظاهرة للعيان.



وبناء على ذلك، فإن المتوقع من الفريق الحريص على المفاوضات التي ترتبت على اتفاقية أوسلو من الفلسطينيين، وممن يدعمهم من قادة العرب، والمسلمين، أن يكونوا في الصف الذي تقوده الولايات المتحدة، والدول الغربية، وستستمر هذه المفاوضات على نفس الوتيرة التي مرت طوال السنوات التي أعقبت كارثة: "أوسلو" اليهود يبسطون نفوذهم على المقدسات الإسلامية، ويستعبدون الشعب الفلسطيني، ويحتلون المزيد من الأرض، ويبنون عليها المدن ويستقدمون إخوانهم من جميع بلدان العالم، ليملؤوا بهم هذه الأرض، حتى لا يبقى لأهل الأرض مكان فيها، ويستمرون في اعتقالهم وسجنهم وقتلهم كبت حريتهم...



أما رجال الجهاد في سبيل الله الذين لم يقوموا إلا بجهاد الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأرضهم، فإنهم سيسيرون على منهاجهم الإسلامي الذي آمنوا به وتربوا عليه، من تزكية أنفسهم بالإيمان وأعداد أنفسهم للجهاد والدفاع عن بلادهم، وقد أثبتوا أن ذلك وحده هو الذي سيحررهم من اغتصاب اليهود لبلادهم، وكل المحاولات السياسية، عن طريق المفاوضات إنما هي إدارة للصراع الذي يمكن في النهاية اليهود من الاستقلال الكامل بالأرض، ومن أهم مشروعاتهم -اليهود-طرد الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن، لإقامة دولة لهم هناك بمنة من اليهود، لأنها -في الأصل تابعة- لهم، فدولتهم يحدها النيل من الجهة الغربية، والفرات من الجهة الشرقية.



ولهذا من المتوقع بحسب ما يبدو من تصرفات اليهود والأمريكان والمتحالفين معهم، أن يقود الأمريكان الحملة الفعلية للقضاء على المجاهدين في غزة، كل الفئات المناهضة لمنهج المجاهدين في غزة، وستكون هذه الحملة الظالمة -كالعادة-مشروعة من قبل المجتمع الدولي، عن طريق قرارات مما يسمى بـ"مجلس الأمن" الذي غالب قراراته في موضوع فلسطين، ظالمة لا عدل فيها.





السابق

الفهرس

التالي


14225151

عداد الصفحات العام

1987

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م