{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(019) أثر التربية الإسلامي في بناء المجتمع المسلم

(019) أثر التربية الإسلامي في بناء المجتمع المسلم

بيان مهم عن أثر نور العلم في حياة الأمة المسلمة

نور الإسلام يحيي القلوب، وفقده يميتها

وصف الله تعالى الجاهل بأنه "ميت" مع أنه حي حياة مادية، ووصف العالِمَ بأنه "حي"، كما قال عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)} [الحديد]. وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)} [الزمر].

والذي لفت نظري في بعض هذه الآيات وغيرها، قوله تعالى في سورة الحديد: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} وقوله في سورة الأنعام: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}
رجعت إلى بعض المراجع الموجودة عندي، فوجدت قول ابن القيم يقول في تفسيره القيم:
"وقوله وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يتضمن أمورا: أحدها انه يمشي في الناس بالنور وهم في الظلمة، فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل فضلوا ولم يهتدوا للطريق، وآخر معه نور يمشي به في الطريق ويراها ويرى ما يحذره فيها، وثانيها انه يمشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لحاجتهم الى النور، وثالثها انه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط اذا بقى اهل الشرك والنفاق في ظلمات شركهم ونفاقهم" انتهىوقال في تفسير الجلالين: يتبصر به الحق من غيره، وهو الإيمان.

ووجدت صاحب تفسير المنار يقول: "وَالتَّقْدِيرُ : أَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَأُولَئِكَ الشَّيَاطِينِ أَوْ كَأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكُمْ بِمَا أَوْحَوْهُ إِلَيْهِمْ مِنْ زُخْرُفِ الْقَوْلِ الَّذِي غَرُّوهُمْ بِهِ، وَمَنْ كَانَ مَيْتًا بِالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ فَأَحْيَيْنَاهُ بِالْإِيمَانِ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ - وَهُوَ نُورُ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَالْهِدَايَةِ بِالْآيَاتِ - إِلَى الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ . كَمَنْ مَثَلُهُ أَيْ كَمَنْ صِفَتُهُ وَنَعْتُهُ الَّذِي يُمَثِّلُ حَالَهُ هُوَ أَنَّهُ خَابِطٌ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ الْأَعْمَى وَفَسَادِ الْفِطْرَةِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا . لِأَنَّهَا قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ وَأَلِفَتْهَا نَفْسُهُ فَلَمْ يَعُدْ يَشْعُرُ بِالْحَاجَةِ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا إِلَى النُّورِ، بَلْ رُبَّمَا يَشْعُرُ بِالتَّأَلُّمِ مِنْهُ فَهُوَ بِإِزَاءِ النُّورِ الْمَعْنَوِيِّ كَالْخُفَّاشِ بِإِزَاءِ النُّورِ الْحِسِّيِّ"

وقد تكرر النور المراد به الوحي الهادي إلى صراط الله تعالى في القرآن كثيرا، وأفصل قليلا في قوله تعالى: {يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أن الذي يؤتيه الله تعالى هذا النور، يسير في حياته مع الناس - جميع الناس - مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم، يعاملهم بما نزل به الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم.

بداية من معاملته لوالديه، وقيامه ببرهما، - ولو كانا غير مسلمين - وطاعتهما في غير معصية الله، ثم معاملته لجميع أسرته بما أمره الله به لهم، من أزواج وأولاد وأقارب، البعيدين منهم والأقربين، وكل من يتعامل معهم من مجتمعه الذي يعيش فيه، يؤدي إلى كل واحد حقه بالعدل، ولا يظلم منهم أحدا، وقد فصل الله تعالى حقوقهم في كتابه، وكذلك فصلها رسوله في سنته. ومعاملته كذلك لجيرانه الذين وصى الله تعالى بهم ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعاملته لكل من له به صلة من شراكة أو ولاية له عليهم أو ولاية لهم عليه، فيعطي كلا منهم حقه الذ شرعه في كتاب وسنة رسوله.

ومعاملته لغير المسلمين، من قيامه بدعوتهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والأساليب المناسبة لهم، التي تقربهم إلى الاستجابة لدعوته لهم، وجدال من يحتاج إلى جداله بالحجج والأدلة المقنعة، التي تدخل فيما يجب من البلاغ المبين، والعدل معهم مع شنآنهم، وهكذا يمشي في الناس كلهم في حياته كلها بالنور الذي رزقه الله "على نور من ربه".

وقد تضمن هذا المعنى حديث معاوية، رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) [البخاري (1/25ـ26) ومسلم (3/1524)]. فقوله صلى الله عليه وسلم: (ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله) لا يمكن أن تكون كذلك، إلا إذا كانت مهتدية بنور الله الذي هو وحيه الشامل لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته، والسيرة التي صار عليها سلفها الصالح من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إذا فقدت هذا النور، فتسير في شعاب مظلمة، متبعة من حذر الله من عداوته لبني آدم، ووسوسته في صدورهم واتباع خطواته، وفي ذلك هدم لمنهاج الله وبعد عن دينه ورضاه. فدل الحديث بمنطوقه على أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به الخير، ودل بمفهومه أن الذي لم يفقهه في الدين، فهو محروم من الخير واقع في الشر.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يحرص أشد الحرص على نشر العلم الذي هو النور، وقيام سامعه وشاهده بتبليغ من غاب عنه، وبخاصة ما يتعلق بحقوق الناس التي يأمنون بسلامتها من الاعتداء عليها، ويخافون إذا اعتدى عليها معتد. كما في حديث أبى بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (...فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هكذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجِعُنَّ بعدى كفاراً... يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهدُ الغائبَ، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال: (ألا هل بلغت؟) [البخاري (2/191) ومسلم (3/1305) وما بعدها].

وإذا كان الواجب على العالِم أن يُعلم لإشعار هذا النور، ولا يكتم ما يجب عليه بيانه للناس، فإن الواجب على الجاهل أن يتعلم ويسأل أهل العلم عما يجب عليه عمله. ليمشي في سلوك حياته بهذا النور، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل].

وينبغي أن يكون العالم رفيقاً بالجاهل في تعليمه، مرغباً له فيه بالوسائل المتاحة التي تجعله يقبل عليه ويحبه، بخلاف ما إذا كان غليظاً شديداً، فإن المتعلم ينفر منه ولا يستفيد من علمه ولا يحبه المحبة التي تجعله يقتدي به. والقدوة في رفق العالم بالجاهل، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي علم أصحابه كيف يعاملون الجاهل.

تأمل في ذلك قصة معاوية بن الحكم السلمي، رضي الله عنه ونفوره من أسلوب تعليم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتأثره بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم، بذلك الأسلوب النبوي العالي، الذي جعل معاوية يزيد إقبالاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسؤاله عن بعض الأمور التي كان يجهل حكمها . قال معاوية، رضي الله عنه: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور. [مسلم (1/381-382)].

كان معاوية رضي الله عنه يتوقع - فيما يبدو من كلامه - تأنيباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، على كلامه في الصلاة، الذي كان سبباً في تلك النظرات المستنكِرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وجد ذلك الرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سكنت نفسه وطاب خاطره، فقال ما قال.

وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، أعرابياً يبول في المسجد، ونهى أصحابه صلى الله عليه وسلم عن تأنيبه، ودعا بماء فأمر بصبه على موضع بوله، كما في حديث أنس رضي الله عنه، قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَه، مَه ـ وفي رواية: فصاح به الناس ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه، دعوه) فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاه، فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن)، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه" [البخاري (7/80) ومسلم (1/236ـ237)].

وروى أبو هريرة الحديث بلفظ: أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد تحجرت واسعاً) ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء) أو قال: (ذنوباً من ماء) [أبو داود (1/263ـ265) والترمذي (1/275ـ277) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو في صحي الترمذين وصيح النسائي، وصحيح أبي داود].

فلو أن كل علماء الإسلام وطلبتهم، بذلوا جهدهم في تعليم الجهال بهذا العطف والرفق - وكثير منهم يفعلون ذلك والحمد لله - لأثروا بتعليمهم وأسلوبهم في الجهال، تأثيراً يجعلهم يستجيبون لتنفيذ أمر الله وهدايته، ويكفون عن ارتكاب ما يقلق المجتمع ويفقده الأمن والسلام.






السابق

الفهرس

التالي


14215092

عداد الصفحات العام

189

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م