﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


رسالة إلى شباب الإيمان والحكمة في اليمن (1)

رسالة إلى شباب الإيمان والحكمة في اليمن (1)



وهي تحمل أربعة أمور:



الأمر الأول: الابتلاء سنة ماضية، فاستقبلوه بالوسائل الشرعية



1-الابتلاء سنة من سَنَن الله التي شملت كل داعية إليه، بما فيهم رسله عليهم السلام من عهد الأبوين، ومن تبعه من ذريته من الرسل وأتباعهم، إلى عهد خاتم الرسل محمد صلى الله عليهما وسلم. وستجدون ذلك في كثير من صفحات كتاب الله، ابتداء بسورة الفاتحة التي سن الله تعالى للمسلمين فيها دعاءه ليهديهم إلى صراطه المستقيم، ويجنبهم صراط المغضوب عليهم والضالين، الذين هم الشيطان وأتباعه الذين يتصدون لهم ليضلوهم عن ذلك الصراط، وهو من أعظم أنواع الابتلاء لعباد الله المؤمنين.



وقد صرح الله بترصد أولئك المغضوب عليهم والضالين، في سورة البقرة وغيرها من السور التي يظهر للقارئ فيها تصديهم لعباد الله الصالحين من الرسل وأتباعه، وما على القارئ إلا فتح صفحات القرآن وتلاوة ذلك في تلك السور، والمغضوب عليهم هم اليهود وكل من علم الحق وحاربه، من أي طائفة كانت، ومنهم المنافقون من هذه الأمة، والضالون هم النصارى، الذين جهلوا الحق وحاربوه دون أن يتحققوا منه، وكل من تبعهم على ذلك من جميع الأمم، ولهذا نجد القرآن الكريم عُنِي ببيان خطر هذه الطوائف الثلاث على الأمة الإسلامية التي يجب أن تتوقع منها اجتماعها على عداوتهم، وإن اختلفوا فيما بينهم...



وبتتبع قصص الرسل وقومهم في كتاب الله تعالى بظهر لقارئه ذلك الخطر ظهورا لا يحتاج إلى شرح أو بيان، وتفصيل هذا الكتاب لطرق محاربة المنافقين لدعوة خاتم المرسلين، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وولائهم لأهل الكفر كلهم ضد الإسلام الذي يظهرونه على ألسنتهم، ويحاربونه بقلوبهم وأعمالهم في غاية افيضاح والتفصيل، لأن خطرهم وهم يعيشون في صفوف المسلمين، مدعين أنهم منهم أشد عليهم من غيرهم من الكفار.



وكل رسول وجَد مِن غالب أمته، من رماه بالكذب والافتراء ووصفه بالسفه السحر والجنون وقابلوا دعوته لهم بالأذى، ومن أعظم الأذى الذي تعاطاه بعضهم الإحراق بالنار، كما في قصة إبراهيم عليه السلام، وقصة أصحاب الأخدود.



ومع أنه تعالى قادر على نصر أهل الحق على أهل الباطل بدون أن يبتليهم ويمتحنهم بما يصيبهم من قومهم، فإن من حكمته تعالى أن يبلو بعض عباده ببعض، ويوجد بينهم سنة التدافع في هذه الحياة، ويجعل أهل الحق يشعرون بمسئوليتهم عن ذلك الحق، ويتبين لهم صدق إيمان المؤمن من دعوى غيره، كما قال تعالى: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات]



وهو لم يخلق البشر على طبيعة الطاعة المطلقة لأمره ونهيه كالملائكة، بل خلقهم مختلفين في ذلك، كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ..(119)} [هو] وقال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج]



ولو شاء لنصر أولياءه من أهل الحق دون أن يكلفهم نصره بأنفسهم، كما قال تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.. (4)} [محمد].



فالابتلاء سنة من سنن الله تعالى الماضية، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، وواقع الأمم السابقةفي تاريخها يؤيد هذه السنة الربانية، وقدجعل الله تعالى تلك السنة أمرا لا يفلت منه فرد ولا أسرة ولا أمة ولا دولة، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة].



وهذا الابتلاء -وهذه المصيبة-اللتان ذكرتا في هذه الآيات الثلاث، شاملتان لكل ابتلاء وكل مصيبة تصيب الناس -كل الناس-في هذه الحياة، وقد يظن بعض العامة، أن ماذكر في آيات سورة البقرة هذه يراد به مصيبة فقد الأقارب والأحبة بالموت فقط، إذ لا يذكرونها-الآيات-غالبا، إلا في التعزية بالموت. وهذا الظن غير باطل لسببين:



السبب الأول: أن الله تعالى، ذكر فيها من البلوى والمصائب: الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وهذه كما نشاهد في الواقع، تحصل على البشر من أعدائهم من البشر، كما يحصل من الأقوياء ماديا من أهل الباطل، بالمال أو السلطان وكثرة العدد، على الضعفاء ماديا من أهل الحق، كما حصل لقادة الدعوة من الرسل وأتباعهم-ومنهم رسول الله محمد صَلى الله عليه وسلم-وصحابته الكرام، من مشركي قريش وسائر مشركي الجزيرة العربية وغيرهم من اليهود والمنافقين، كما حصل ذلك في العهدين: المكي والمدني.



السبب الثاني: أن هذه الآيات ذكرت في سياق بعض آيات الجهاد في سبيل الله، ونهيِ الله تعالى عباده المؤمنين عن قولهم لمن قتل في سبيل الله منهم: إنهم أموات، بل هم أحياء عنده تعالى، وإن لم يشعر بذلك أحد من الناس، فقد قال تعالى قبل الآيات الثلاث: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)} [البقرة] والمصائب المذكورة في آيات البقرة الثلاث الماضية تنزل بالمسلمين في ميادين الجهاد كما تنزل بهم في غيره، كما هو معلوم.



قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كلامه على هذه الآية: "أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن, ليتبين الصادق من الكاذب, والجازع من الصابر, وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان, ولم يحصل معها محنة, لحصل الاختلاط الذي هو فساد, وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. هذه فائدة المحن, لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان, ولا ردهم عن دينهم, فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الأعداء { {وَالْجُوعِ} أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله, أو الجوع, لهلكوا, والمحن تمحص لا تهلك. {وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ } وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية, وغرق, وضياع, وأخذ الظلمة للأموال من الملوك الظلمة, وقطاع الطريق وغير ذلك...." [انتهى من كتاب: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان]



وإذا استعرضنا أنواع الابتلاء التي وقعت لعباد الله الصالحين من الرسل وحوارييهم ومن تبعهم بإحسان، سنجد شملت كل نوع وجد منها على ظهر هذه البسيطة، من سب وشتم وتكذيب، وأذى بدني، من سجن وإخراج من الأرض والديار، وقتل وقطع للأطراف من خلاف وصلب، وإحراق بالنار، وسنجد ذلك الابتلاء يحصل من الآباء للأبناء، ومن الأبناء للآباء، ومن الأزواج -الذكور والإناث-لأزواجهم، ومن فراعنة الملوك والرؤساء، وأعوانهم من الوزراء وقواد الجيوش وعلماء الضلال من أهل الكتاب وأشباههم، وأهل رؤس المال، كل ذلك وغيره ذكر في كتاب الله تعالى، سيجده قارئه إذا طلبه في مكانه.



وقد دونت حقب التاريخ من ذلك الشيء الكثير، مع ما وجد في تلك الحقب من أدوات الابتلاء ووسائله، وفاق كل عصر ما سبقه من عصور التاريخ في تلك الأدوات والوسائل، كما فاق عصرنا هذا الذي نعيش فيه، كل ما سبقه في ذلك من عصور، كما هو واضح للعيان، والسبب في ذلك ابتعاد أهل كل عصر -في الغالب-عن ارتباطهم بالله تعالى وبدينه، فكلما زاد الابتعاد عنه وعن دينه، زاد ظلم متولي أمور الناس وابتكار وسائل القسوة والجبروت والابتلاء للدعاة إلى الله.



الأمر الثاني: استقبال الابتلاء بالوسائل الشرعية.



المراد بالوسائل الشرعية التي يُستَقبَل بها الابتلاء، ما بينتها آيات القرآن، وما صح من سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ونذكرمنا ما تيسر في النصوص الآتية:



أولا: التسلي بما سلى الله تعالى به رسله، لأنهم قدوة أتباعهم، فقد كان يسلي كل رسول من رسله، بما أصاب من قبله من الرسل من الجحود والتكذيب والأذى المتنوع، ليقتدي بهم في دعوتهم وصبرهم، وليقتدي به من اتبعه من أمته في ذلك، كما قال تعالى لآخر رسله محمد صلّى الله عليه وسلم -بعد أن ذكر كلا من نوح وإبراهيم وبعض ذريتهما من الرسل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)} [الأنعام]



وكان الرسول منهم يذكر لأمته ما أصاب أمثالهم ممن سبقهم من الهلاك، بسبب تكذيبهم، ليأخذو من ذلك العبرة والعظة، كما قال تعالى عن نبيه شعيب عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)} [الأعراف]



ثانيا: قوة الصلة بالله وكثرة طاعته، فقد كان تعالى -مع تسلية رسله اللاحقين، بما أصاب رسله السابقين من الابتلاء، يدلهم على ما يجب أن يقوموا به من قوة الصلة به والإكثار من طاعته، ليتزودوا في سبيلهم الذي كُلِّفوا سلوكه، بالثبات والصبر، كقوله تعالى لرسوله محمد صَلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130 [طه] فأمْرُه تعالى نبيه بالتسبح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، ومن أجزاء الليل، وأطراف النهار، بعد أمره بالصبر، على ما يناله من الابتلاء من أذى قومه، يدل على أن هذا التسبيح الشامل لطاعة الله تعالىمعين على الصبر على الابتلاء.



وتأمل قوله تعالى له -وهو يعاني من عناد قومه في مكة وإيذائهم له ولأصحابه- ذاكرا له قوة صلته بربه التي هي زاد ثباته على ما يصيبه منهم: {أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10)} [المزمل]. وغيرها مما شابهها من الآيات.



ففي آيات "طه" بدأ تعالى بأمره بالصبر، ثم أمره بالطاعة المعينة عليه، وفي سورة المزمل أمره بالطاعة المعينة على الصبر، ثم أمره به بعد ذلك.



وإن الدعاة إلى الله تعالى لأحوج إلى الصبر وما يعينهم عليه، لسببين يتعلقان بالمدعوين:



السبب الأول: أن الدعاة إلى الله يدعون غيرهم من البشر، إلى فعل أمور لم يألفوا فعلها، بل ألفوا فعل ما يضادها وما يناقضها، وفعل النفس غير ما ألفته من أصعب الأمور عليها، ألا ترى أن قاعدة قواعد الإسلام "شهادة ألا إله إلا الله" التي قامت البراهين على كونها من أعظم بدهيات الحق التي تجتمع على الإقرار بها وكونها حقا، كل آيات الكون والفطر السليمة، لأن الكون بأرضه وسمائه، وما فيهما وما بينهما من آيات الله تدل على أنه وحده الخالق الرازق المحيي المميت الذي إذا قال للشيء كن كان: وهو وحده المعبود الذي لا يستحق العبادة سواه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} [الأنعام]



وفي كل شيء له آية،،،،،،،،،،تدل على أنه واحد



ومع ذلك نجد أعداء الله وأعداء رسله والدعاةِ إليه، الذين قد ألفت نفوسهم عبادة كل ما سوى الله، أو عبادتهم مع الله، ينكرون على الدعاة دعوتهم على عبادته وحده، أشد الإنكار، ويرون أنها خارجة عن الجادة التي يسلكونها مقلدين لآبائهم وأجدادهم فيها، وهي تعدد الآلهة، وتأمل ما ذا يقول الله تعالى عنهم في ذلك: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)} [ص]



بل وصل بهم إنكار هذه البدهية أن دعوا الله تعالى طالبين منه إن كان ما يدعوهم إليه رسل الله من الإقرار بألوهية الله وعبادته وحده، دون سواه أن ينزل عليهم العذاب الذي يستأصلهم، كما قال تعالى: {قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)} [الأنفال]



وهذا هو شأنهم في كل ما لم تألفه نفوسهم من فرائض يُدعون إلى فعلها، أو محرمات يدعون إلى تركها، أو أخلاق يجب أن يتحلوا بها، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)} [النساء] وهذا ما نشاهده من أعداء الله -ليس من الكفار فقط-بل ممن يدعون الإسلام من أتباع ابن أبي، الذين قال الله تعالى عنهم: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} [المنافقون].



ولهذا كان الدعاة إلى الله في غايةأشد الحاجة إلى الصبر وما يعينهم عليه من الوسائل، ليثبتوا على الحق والدعوة إليه، ومن هنا أمر الله تعالى رسله وأتباعهم بالصبر ولزوم طاعته وكثرة التقرب إليه بطاعته، كما مضى.



وكما أمر تعالى رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلم، بالاقتداء بمن سبقه من إخوانه المرسلين، أمر الأمة بالاقتداء به في قوة الصلة بربها، والإكثار من طاعته والاعتماد عليه، لتثبت على دينه وتصبر كما ثبت وتصبر كما صبر، مهما أصابها من الابتلاء، فقال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (21)}[الأحزاب] فقوله تعالى-بعد حثه هذه الأمة على الاقتداء بنبيه-: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} دليل واضح، على أنه لا يقدر على الاقتداء به، إلا من سلك سبيله في الإكثار من ذكره، حبا في لقاء الله الذي يرجو منه ثوبه.



ولهذا ذكر تعالى -بعد هذه القدوة-كيف ثبت المؤمنون الصادقون من أصحابه، فقال تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)}
[الأحزاب]



وهذا بخلاف من أظهر الإيمان به وهو كاذب من المنافقين، الذين أبان تعالى موقفهم من هذه الغزوة-غزوة الأحزاب- قبل ذلك، بقوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12)} [الأحزاب]



ونحن يجب أن نعترف بصعوبة وصولنا إلى الاقتداء التام برسولنا صلّى الله عليه وسلم، ومن سبقه من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، لعلو منزلتهم وعصمة الله لهم وتكليفهم بتبليغ وحيه، وتوفيقه لهم بالصبر على ابتلائه والعمل بما يعينهم عليه، والله تعالى لا يكلفنا ما لا طاقة لنا به، ولكن تعاطينا لما نطيقه من فعل أمر الله، وترك نهيه، فرض علينا، وهو تعالى يعين من بذل وسعه ليصل إلى أعلى ما يقدر عليه، ولهذا أمرنا تعالى أن نستعينه فيما نكرره من طاعته في كل يوم من أيام حياتنا، كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة].



الأمر الثالث: الثقة بالله والاعتماد والتوكل عليه تعالى، فإن المؤمنين الصادقين في إيمانهم، مهما عملوا من الأسباب التي شرع الله لهم عملها، مادية كانت أو معنوية، لا يعتمدون اعتمادا مستقلا على ما يقومون به من عمل، يبقون خائفين من عدم قبول الله أعمالهم، لما قد يكون نقصا فيها، من رياء أو تقصير في العمل المشروع أو غير ذلك، بل يكونون مع عملهم الذي يرجون أن يقبله الله منهم ويثبتهم به وينصرهم على عدوهم، معتمدين اعتمادا كاملا عليه متوكلين عليه، واثقين من توفيقه وتثبيته ونصره، وما أكثر الآيات الواردة في كتابه الآمرة بالتوكل عليه، والمثنية على من توكل عليه، كما قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)} [آل عمران] .



وقال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران]. وقال عز وجل عن رسله عليهم الصلاة والسلام: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)} [إبراهيم].



{الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران].



وقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله، في صحيحه عن ابن عباس رضيَ الله عنهما، أنه قال في قوله تعالى: {إنَّ النَّاسَ قد جمعوا لكُم فاخْشَوْهُمْ فزَادَهُمْ إِيمَانا، وقَالُوا حسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} "قالها إبراهيمُ حينَ أُلقِيَ فِي النَّارِ، وَقالَها محمدٌ حين قال لهم الناس: {إنَّ النَّاسَ قد جَمَعُوا لَكم} [آل عمران 173]. ولهذا ينبغي للدعاة إلى الله أن يكثروا من هذه الكلمة: "حسبنا الله ونعم الوكيل". يقولونها بصدق وثقة أن الله تعالى هو كافيهم من شر أعدائهم.



ولا شك أن دعاء الله تعالى بصدق وإخلاص، يستجيب الله لصاحبه، وبخاصة الذي يدعو إلى الله لينجيه من بلوى الأعداء، كما دعاه تعالى رسله على قومهم الذين كذبوهم وآذوهم، واستجاب الله دعاءهم، كما قال نوح عليه السلام: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)} [القمر]. وقال تعالى في كل من التجأ إليه ودعاه من عباده الصالحين: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...(60)} [البقرة].



لكن ينبغي للداعية إلى الله ألا يباشر الدعوة على المدعوين الذين لم يستجيبوا لدعوته، لأول وهلة، بل يجب أولا أن يدعو لهم بالهداية التي وفقه الله للاستجابة لها، ثم لدعوة الناس إليها، كما ينبغي أن يتحقق من أنه بين للناس حقيقة ما يدعو إليه، بيانا لا لبس فيه، وهو ما سماه الله تعالى في كتابه: "البلاغ المبين" فكل نبي من رسل الله تعالى بلغ قومه وصبر عليهم حتى يئس من استجابتهم لدعوته، وبلغوا من إيذائه كل مبلغ، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} [يوسف]



ونوح عليه السلام مكث يدعو قومه بشتى الأساليب المؤثرة [التي ذكر شيئا منها في أول السورة المسمة باسمه] ألف سنة إلا خمسين عاما، وحتى ظهر له أن قومه قد ملوا من دعوته، وقد قالوا له ما حكاه الله عنهم في قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (32)} [هود]



وقال تعالى عنه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71)} [يونس]



وللدعاة إلى الله تعالى في رسولهم عليه الصلاة والسلام قدوة كما سبق، فقد رجع من الطائف التي دعا أهلها إلى الإسلام، فآذوه ورجع مهموما إلى مكة، كما حكى ذلك عن نفسه، فقال: (فانطلقت وأنا مهموم. على وجهي. فلم أستفق إِلا وأنا بقَرْن الثعالب. فرفعت رأسي. فإِذا أنا بسحابة قد أظلَّلتني. فنظرت فإِذا فيها جبريل. فناداني.فقال: إِنَّ الله قد سمع قولَ قومِكَ. وما ردُّوا عليك. وقد بعثَ إِليك مَلَكَ الجبال لتأمر بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال. فسلَّم عليَّ. ثم قال : يا محمد. إن الله قد سمع قولَ قومِكَ. وأنا مَلَكُ الجبال. وقد بعثني ربُّك إِليك لتأمرني بما شئت. إنْ شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : بل أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله وحده لا يُشْرِكُ به شيئا). [البخاري ومسلم والأخشبان جبلان بمكة]



وقد حقق الله رجاءه صلّى الله عليه وسلم، فأسلم كثير منهم وأخرج من أصلابهم من عبده ولم يشرك به شيئا.

الأمر الرابع: اجتماع كلمة الدعاة إلى الله على الحق، وعدم التنازع المؤدي إلى الفشل، لأن الجماعة تتعاون على البر والتقوى، ومن ذلك تواصيهم بالحق وتواصيهم بالصبر، كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ...(103)} إلى قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران] قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (6)} [الأنفال].



هذا ومما يجب التنبيه عليه -هنا- اجتماع قادة الدعوة إلى الله تعالى، بعد ما قد ينزل الله بهم من ابتلاء، في أي حدث من الأحداث، ليتدارسوا ما أصابهم وما قاموا به من عمل قبل الحدث وفي أثنائه، ويبحثوا في ذلك ليقوموا أنفسهم فيما اتخذوه من الأسباب المعنوية والمادية، فإن وجدوا أنفسهم قد قاموا بما يقدرون عليه من ذلك، بحسب طاقتهم، ولم يقصروا في شيء يقدرون على فعله، فليحمدوا الله، وليعلموا أن ما قدره الله تعالى عليهم، هو ابتلاء لهم وامتحان ليبتلي به ما في صدورهم ويمحص به قلوبهم، {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)} [آل عمران]



وإن وجدوا في بحثهم وتقليب شئونهم، أنهم قد قصروا في شيء يقدرون على فعله، ولم يفعلوه، كترك طاعة أو عمل معصية، ولا بد أنهم واجدون شيئا من ذلك، فما هم بمعصومين، فليعتبروا وليحاسبوا أنفسهم وليتوبوا إلى ربهم، ويسألوه المغفرة، وليعزموا على تدارك ذلك في المستقبل، ولقد كان الله تعالى في عهد رسوله محمد صلى الله عليه وَسلم، ينزل عليه بعد كثير من الأحداث تعقيبات يبين لهم بها بعض ما تعاطاه أصحابه من عملٍ ما كان ينبغي لهم فعله، حتى يربيهم بتلك التعقيبات على تلك الأحداث.



كما حصل ذلك في عدة غزوات، وأولها: غزوة بدر والتنازع في الأنفال والأسرى، وفي الإقدام على ذات الشوكة أو غيرها، وفي غزوة أحد وما حصل بين حراس جبل الرماه، وفي غزوة الأحزاب وما حصل من المشركين واليهود والمنافقين، وفي غزوة حنين، والإعجاب بالكثرة... وفي غزوة بني المصطلق وما نزل في أول سورة الصف: {إن جاءكم فاسق بنبأ...}، وغيرذلك مما ورد من الآيات في أسباب نزول معينة.



ولكن الدعاة إلى الله لا ينتظرون اليوم أن ينزل بعدما يحدث لهم من ابتلاء، قرآن يوجههم توجيها مباشرا كما كان يحصل في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولهذا يجب عليهم هم أنفسهم أن يبحثوا في شئونهم بعد الابتلاء والأحداث، ويتشاوروا في تلك الشئون، وما فيها من إيجابيات وسلبيات، ليستمروا ملتزمين بإيجابياتهم، ومتجنبين في مستقبلهم سلبياتهم، وفي القرآن والسنة ما يمكن ارجوع إليه لتصحيح مسيرة الدعوة إلى الله.



ومن أهم ما يجب أن يراعيه الدعاة إلى الله بعد الابتلاء والأحداث، اجتماع كلمتهم على هدفهم، ولو اختلفوا في الرأي في بعض الموضوعات الاجتهادية التي لا نص يحسم أمرها من القرآن وصحيح السنة، فاجتماع كلمتهم أشد ضرورة من صحة رأي اجتهادي أو عدم صحته، وإن الشيطان لأشد حرصا على التنازع والانشقاق بين المسلمين، فلا يجوز للدعاة إلى الله أن يعينوه هو وجنوده على أنفسهم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر] وفي معاني الشورى ما يصرفه عن تفريق الكلمة.







السابق

الفهرس

التالي


16477725

عداد الصفحات العام

1403

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م