{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(030)أثر تربية المجتمع - مظاهر الولاء للمؤمنين:

(030)أثر تربية المجتمع - مظاهر الولاء للمؤمنين:



[سيكون هذا الموضوع في حلقتين: هذه الحلقة الأولى]



يمكن تلخيص مظاهر الولاء للمؤمنين في قاعدتين:



القاعدة الأولى: تحقيق الأخوة الإسلامية، بتعاطي أسباب قوتها وتجنب ما يضادها، وقد تضمن هذه القاعدة: الفصل الأول والفصل الثاني من هذا الجزء.



القاعدة الثانية: إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



إن المجتمع الذي يقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو مجتمع يرجى له الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، إذ يدل القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أمرين هما ضرورة لبقاء المجتمع وتماسكه وأمنه:



الأمر الأول: وعي أفراد هذا المجتمع وعلمهم بما هو معروف وما هو منكر، والعلم بذلك أساس السعي لجلب المنافع والمقاصد ودفع المضار و المفاسد.



الأمر الثاني: اهتمام أفراد هذا المجتمع بالمحافظة عليه وعلى مصالحه بجلب ما ينفعه ودفع ما يضره أو يخل بأمنه، وأن أفراده صادقون في محبة مجتمعهم، وحرصهم على تنبيهه على المخاطر التي تهدده، وأن ولاء بعضهم لبعض ثابت محقق.



بخلاف المجتمع الذي لا تقوم فيه هذه القاعدة، إذ يدل عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الجهل بما ينفعه أو يضره، وعلى عدم الإحساس بالأخطار التي تحيط به، كما يدل على نِفاق أفراده وعدم مبالاتهم بما يحدث فيه من خلل واضطراب، تكون نهايتهما القضاء على ذلك المجتمع.



ومن هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض هذا الدين على أهله، وقد تكاثرت النصوص الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب والسنة.



قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(104)} [آل عمران].



أمر الله تعالى المسلمين أن يقيموا طائفة منهم، تتولى القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث تكون على علم تام بما هو معروف تأمر به، وما هو منكر تنهى عنه، وتكون كذلك كافية لإقامة هذه الفريضة، حتى تُسقط الإثم عن المجتمع كله، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع هو من فروض الكفاية، إذا قامت به طائفة كافية سقط عن الباقين، وإن كان جنس الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض عين على كل المسلمين، من حيث إن كل فرد في الأسرة مسئول عما كلفه فيها ومن رأى منكراً وجب أن ينكره وهكذا...



ووصف سبحانه هذه الأمة بأنها خير أمة، وذكر أهم ما أهلها لتلك الخيرية، ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله،كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ(110)}.[آل عمران].



والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي وصفه بها القرآن، ويجب أن تتصف بها أمته، وهو من أبرز وظائف جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ(157)}.[الأعراف].



وهو من لوازم ولاء المؤمنين، بعضهم لبعض، ومن الأمور التي تؤهلهم لرحمة الله تعالى، كما قال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71)}[التوبة].



وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحفظ أولياءُ الله دينَ الله تعالى، كما قال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ(112)} [التوبة].



وهو من أركان شكر المؤمنين ربهم إذا مكنهم في الأرض، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(41)}[الحج].



وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم وظائف أولياء الله من الرسل عليهم السلام وأتباعهم، ومن لوازم ولاء بعضهم لبعض، فإن أعداء الله ينهجون عكس هذا النهج فيأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ـ وكل من سلك هذا المسلك فهو منهم وإن زعم أنه مسلم ـ .



قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(67)}[التوبة].



وما نال أولياءَ الله من الأنبياء والرسل، وأتباعهم من الدعاة إلى الله من الأذى من أعداء الله، إلا بسبب أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(21)}[آل عمران].



قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "دلت هذه الآية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجباً في الأمم المتقدمة، وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة، قال الحسن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه) [مرسل].



وعن درة بنت أبي لهب، قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر، فقال: من خير الناس يا رسول الله؟ قال: (آمرُهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم للرحم) [أحمد (6/432).].



وفي التنزيل: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ} ثم قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}. فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فرقاً بين المؤمنين والمنافقين، فدل على أن من أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأسها الدعوة إلى الإسلام والقتال عليه" انتهى كلام القرطبي، من [الجامع لأحكام القرآن (4/47).].



أما السنة فقد وردت فيها نصوص كثيرة جداً تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المسلمين، وهذه طائفة منها:



أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك: كما روى أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إياكم والجلوس في الطرقات)، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُد، نتحدث فيها، فقال: (إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه) قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) [البخاري (7/126) ومسلم (3/1675).].



هذا كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمنكرات في الطرق قليلة جداً كما يظهر من استجابة المؤمنين آنذاك لأمر الله واجتناب نهيه، فما بالك بطرق المسلمين وشوارعهم وأسواقهم التي تعج اليوم بالمنكرات اليوم في غالب البلدان الإسلامية، فلا تجد فيها من يجرؤ على الأمر والنهي؟!



ولهذا تجد غالب من يرتاد تلك الأسواق والطرقات والأسواق من يتلذذون برؤية المنكر فيها، ولا تجد من الصالحين الذين يخشون الله ويخافون عقابه من يرتادها إلا لقضاء بعض حاجاتهم مع تحرجهم مما يرون ويسمعون.



وفي حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر...) الحديث [ابن ماجة (2/1331) وسيأتي قريباً...].



وحديث أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده...) الحديث [مسلم (1/69).].



ومنها إخبار الله تعالى وإخبار رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن الله يعاقب هذه الأمة كما عاقب من قبلها، بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك العقاب يعم فاعل المنكر وغيره عندما لا تتصدى للأمر والنهي طائفة كافية في ذلك.



كما قال سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(25)}[الأنفال].



قال شيخنا العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي رحمه الله: "والتحقيق في هذه أي الآية المذكورة أن المراد بتلك الفتنة التي تعم الظالم وغيره، هي أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، عمهم الله بالعذاب صالحهم وطالحهم، وبه فسرها جماعة من أهل العلم" [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/171).].








السابق

الفهرس

التالي


14239811

عداد الصفحات العام

1320

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م