{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(09) سافر معي في المشارق والمغارب

(09) سافر معي في المشارق والمغارب

سبق في الحلْقة الماضية، الجمعية الإسلامية، أسست فيما يسميه التايوانيون، البر الصيني وأن (يقصدون الصين الشعبية) لأنهم لا يعترفون بوجود دولة تسمي الصين الشعبية) وأن الجمعية أسسته سنة 1938م.

وكان من أهم نشاطات أعضائها في تلك الفترة:

1- إصدار التوجيهات لفروعها في كل أنحاء الصين للقيام بالدفاع عن الوطن وإنقاذه من الغزو الياباني، وجمع التبرعات من المسلمين لهذه المهمة أو التبرع بساعات عمل مجانية ممن لا يستطيع أن يشارك بالمال.
2- تنشيط التعليم المدني بين المسلمين، حيث قامت بإنشاء مدارس في كثير من مقاطعات الصين، بلغت في فترة من الفترات مائتي مدرسة ابتدائية، كما شجعت على توسيع التعليم الثانوي والجامعي عن طريق المنح والمساعدات المالية.
3- بعثت عدداً من الطلاب إلى مصر وتركيا وغيرهما من البلدان الإسلامية، للاستفادة تعليمياً ولتوثيق الروابط بين مسلمي الصين والبلدان الإسلامية.
4- كما أرسلت بعثات صداقة إلى البلدان الإسلامية، لكشف مخاطر الاستعمار الياباني فأدى بعض الوفود مناسك الحج واجتمعوا بزعماء المسلمين في الحج، وزاروا بعد ذلك بعض البلدان الإسلامية في الشرق الأوسط وزاروا الهند.

وعندما استولى الشيوعيون على الصين، اضطرت الجمعية أن تنقل نشاطها إلى مقاطعة تايوان مع الحكومة الوطنية المنهزمة. [راجع كتاب تاريخ المسلمين في الصين في الماضي والحاضر لبدر الدين و.ل. حي ص 136ـ 138].. ونظراً للظروف الاقتصادية السيئة في تلك الفترة، فإن الجمعية ضعف نشاطها، ولكن الحياة بدأت تدب فيها نسبياً من سنة 1958م. والحاج داود هو الرئيس الرابع للجمعية، وقد تولى رئاستها من سنة 1977م.

الاجتماع بزعيم بوذي كبير في تايبيه:

وقد كتب اسمه وعنوانه بالحروف الصينية في الكراسة التي أباشر تسجيل المعلومات فيها.


الزعيم البوذي يكتب عنوانه في دفتري.

وكان المترجم بيني وبينه الحاج داود الذي ضرب لي موعداً معه ورافقني إلى منزله، وهو يعتبر من كبار الباحثين في المذهب البوذي. دار الحوار - بعد التعارف - في بعض المسائل المهمة وذلك كما يأتي:
من أوجد هذا الكون؟

قال الرجل: عند البوذيين لا يوجد خالق للكون، وإنما وجد الكون بتكون عناصره المختلفة في العالم تصادفت فتكونت، مثل العمارة توجد بالمهندسين والعمال، وهذا معنى التصادفية.[هل رأيت قياساً أشنع من هذا القياس الفاسد في المقيس والمقيس عليه جميعاً؟ وهل وجدت العمارة وهي المقيس عليه بالتصادف أو بالمهندسين والعمال؟‍!].

قلت: لكن إتقان الكون يدل على عدم المصادفة، والعمارة وجدت بفعل المهندسين والعمال كما ذكرت ولم توجد مصادفة؟ قال: كان يوجد في الهند دين برومن (الديانة الهندوكية) وهم يعترفون بوجود خالق، ولكن بوذا عندما تعمق في فهم هذه المسألة وجد تناقضاً في ذلك، وهذا التناقض هو: كيف يخلق الخالق الخير والشر، ولماذا يخلق الحياة والموت والجنة والنار والسعادة والشقاوة، ولهذا فضل تجنب الحديث في هذا الأمر، واتجه إلى تخلص الإنسان من الصعوبات والمشكلات عن طريق التعبد والتنزه عن الشهوات البشرية والأمور القبيحة، ليكون الإنسان البوذي متطهراً مثل الملائكة.


وفي الكون كثير من الظواهر والحركات والتدبيرات كالسحاب والمطر والرياح، وهذه الظواهر لا يحركها إله واحد، بل تتحرك بعدة عناصر غير منظورة بالعيون المجردة، ولكن طاقاتها موجودة في العالم، وهي مكونة من عناصر مختلفة، تعتبر كالإله المدبر لتصرفات الكون.

قلت له: هل لهذه العناصر قدرة وسمع وبصر وحكمة وعلم تستطيع بها إيجاد هذا الكون الدال على أن موجده يتصف بهذه الصفات؟ قال: هذه العناصر حينما قامت بتصريف هذه الأشياء، كان عندها حكمة وإرادة وفكرة وبعد أداء هذا التدبير بقيت هذه القوة بدون حكمة ولا إرادة.

قلت: لو كان الأمر كما ذكرتَ لما بقي الكون مدبَّراً هذا التدبير، مثل الطائرة يصنعها الصانع ويتركها بدون صيانة فتصون نفسها وتطير وتهبط بدون مدبر ولا قائد. قال: توجد قوة خفية لا تظهر في البداية، ولكن هذه القوة يمكن أن تدفع العناصر في الكون كالرياح وغيرها وهذه القوة بدون عقل، وفوق ذلك توجد قوة عندها عقل وإرادة. [تأمل كيف تضل عقول فلاسفة المبادئ المحكومة بغير ميزان الله؟‍!. يتناقض أهلها في لحظة واحدة بدون شعور أو بدون مبالاة].

قلت له: ما هي هذه القوة العليا التي توجد عندها عقل وإرادة وما اسمها؟ قال: لا اسم لها ولا عقل ولا إرادة.

قلت: هل تستوي تلك العناصر في القوة والحكمة وغيرها من الصفات؟ وهل هي من نفس الكون أو من خارجه؟ قال: الطاقة في جملتها واحدة ليس لها درجات مختلفة، لكن الجنس البشري تختلف درجاته في هذه القوة كل بحسب نصيبه، وهذه العناصر هي نفس الكون، ولا يوجد شيء خارج الكون.

قلت: إذا كان هذا الكون لم يوجده شيء غيره فهل يخلق الكون نفسه؟ قال: الكون يشتمل على كبير وصغير، وأصغره الذرة أو النواة، والشمس كبيرة، ولكنها في نظر الإنسان سواء كبيرة كانت أو صغيرة.

قلت: أي قوة تصرف هذا الكون؟ قال: قوة خفية من هذه العناصر المختلفة في العالم. قلت: هل هذه المعلومات نقلتموها عن بوذا أو غيره؟ قال: بوذا نفسه لم يقل شيئاً عن هذه الأمور، وإنما جاء بالمبادئ والأصول. وبعد مائتي سنة من وفاته قامت طائفة من أتباعه فأسسوا الفلسفة البوذية وفصَّلوها. ويوجد سبب ومسبب في الدنيا، وهما يتسلسلان باستمرار.

أما بوذا فكانوا يسألونه عن السبب الذي أنشأ الكون، وهو يمتنع عن الجواب، ويرى أن الأحسن عدم الكلام في ذلك، لأن البحث فيه لا يساعد على الوصول إلى معرفة الحقيقة. [وحق له ذلك ما دام لم ينطلق من منطلق الأنبياء والرسل].

قلت: ماذا ترون في الأرواح والجن والملائكة؟ قال: توجد أرواح وجن، ولكن لا نراها ولا تتجسم إلا بوساطة أجسام مادية.

قلت له: الخالق عند المسلمين واحد وهو غير المخلوقين، وله صفات يدل عليها هذا الكون كالعلم والحكمة والقدرة والإرادة، فهل يوجد عند البوذيين ما يمنع الإيمان بذلك؟ قال: يمكن أن يقبل البوذيون بعض أفكار المسلمين مثل الملائكة والأرواح والجن، وهذا ما يسمى بالإله الشخصي، وأما الإله الروحي الذي يرون أنه أوجد العالم فلا يقبلونه.

لقد أصيب الرجل بالحيرة من هذا النقاش!

وعدنا الرجل عندما التقينا أن يبقى معنا خمسين دقيقة، ولكنه عندما بدأنا النقاش تغير وجهه ونشف ريقه، وكان يتكلم ويداه تنتفضان، حتى قال الحاج داود بعد أن خرجنا: لقد أصيب الرجل بالذهول والحيرة من هذا النقاش الذي لم يواجهه في حياته.


حوار مع الزعيم البوذي في تايبيه على اليسار والحاج داود يترجم على اليمين 15/2/1410ﻫ ـ 15/9/1989م.


وكان باستمرار ينظر إلى الساعة، ولكني لم أبال بذلك لأني قد أخذت منه وعداً بخمسين دقيقة، فلما مضت 45 دقيقة، قال الآن جاء موعدي، ولم يكن فيما يبدو عنده موعد، لأنه رافقنا إلى مكتبتهم وشرح لنا الفنون الموجودة فيها، ومر بنا إلى بعض المكاتب الإدارية واستغرق ذلك معه أكثر من ربع ساعة، وهو رئيس البحوث البوذية في الصين.


الزعيم البوذي في مكتبة مركز البوذيين على يمينه الكاتب وعلى يساره الحاج داود ويونس عبد الحي 15/2/1410ﻫ 15/9/1989م.

حوارات الطالبة الصينية جولو (غير مسلمة):

قال لي الأخ يونس عبد الحي: إن طالبة جامعية عندها بعض الأسئلة تتعلق بالإسلام وتريد مقابلتك، وهي ليست مسلمة، قلت: لا بأس، وأنا أيضاً سأسألها بعض الأسئلة. وجاءت إلى الفندق، وكان الأخ يونس هو المترجم بيني وبينها.

وبدأت أنا أسألها: ما ديانتها؟ فقالت: لا ديانة لها، وإنما هي مثل بعض الصينيين يذكرون الأجداد، يكتب اسم الجد الأعلى على خشب ويفعلون ذلك عندما يرجعون من أعمالهم إلى الأسرة.

قلت: هل هي مطمئنة لهذه العادة؟ قالت: إنها تذكر الأجداد وتستعين بهم، وهي تدرس الحضارة الإنسانية، ولذلك لا تميل إلى أي دين وترى أن الأديان كلها سواء.

قلت: هل ترين أن لهذا الكون خالقاً؟ قالت: هي تعترف بوجود قوة خفية، ولكنها لا تبحث عن هذه القوة. قلت لها: هل يمكن أن يوجد مصنوع بدون صانع؟ قالت: علماء البيئة يقولون: إن الموجد هو الطبيعة.

قلت: إن الطبيعة هي الكون وهل يوجد الكون نفسه؟ وضربت لها مثالاً بالطائرة لا توجد ولا تطير إلا بصانع وقائد. قالت: الطائرة لا بد لها من صانع وقائد. قلت: أيهما أكبر الطائرة أم الكون؟ قالت: الكون أكبر ولكنه وجد بالطبيعة، وقد تكون الطبيعة هي الكون، ولكنها ترجح أن الطبيعة هي القانون والنظام. قلت: هل القانون أوجد الكون؟ قالت: القانون حرك الذرة. قلت: من أوجد الذرة؟ قالت: هي هكذا موجودة. قلت: هل عقلك يقر أنه يوجد شيء بدون موجد؟

وطال النقاش في هذا الأمر بدون فائدة، إلا أنها توقفت عن الإجابة وارتبكت. وحاولت أن أثبت لها أن هذا الكون أوجده موجد، وهذا الموجد هو الله الخالق الذي لا يحتاج إلى غيره حتى يوجده. فقالت: إنها لا تستطيع أن تسلم أن الخالق وجد بدون موجد. قلت: وكيف وجدت هذه الأكوان بدون موجد فاعتذرت عن الإجابة.

وسألتها هل يوجد مسلمون في البلد الذي نشأت فيه؟ قالت: لا يوجد في بلدتها مسلمون، وأول معرفتها بأنه يوجد دين يسمى الإسلام كان قبل ثلاث سنوات، عن طريق الحاج داود الذي ألقى محاضرة في المستشفى، وقبل ذلك سمعت باسم الإسلام في المرحلة المتوسطة في كتاب مقرر. وقالت: إنها الآن بدأت تدرس الإسلام، وترى أن فيه بعض الأنظمة طيبة.

ثم سألت هي عدة أسئلة وأجيب عنها بحسب الوقت المتاح، ومن أسئلتها:

1- أن المسلمين في تايوان عندهم مشكلة، وهي أنهم متفرقون في السكن بين غير المسلمين، وهم أقلية فهل توجد أقليات مسلمة هكذا في بلدان أخرى؟
2- هل يطبق الإسلام في العالم الإسلامي، وإذا لم يطبق فلماذا؟
3- هل الإسلام يدعو الناس إلى الدخول فيه ومن المسؤول عن الدعوة إليه؟
4- هل يوجد مركز عام يقود المسلمين ويهتم بأحوالهم؟
5- ما حقيقة الإسلام؟
وقد أجبتها إجابات مختصرة، ولكنها مركزة، لم تعترض على شيء منها، هذا، ولم يننته الاجتماع إلا بعد الساعة الثانية ليلاً.

ملحوظة:

بلغت الخسائر المادية من الأعاصير الشديدة، التي يسموها (التايفونج) خلال أربعة أيام خمسمائة مليون دولار أمريكي، وأذيع أن زعيماً سياسياً كبيراً قد اغتيل في الجنوب.




السابق

الفهرس

التالي


14230974

عداد الصفحات العام

3263

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م