{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(04) الإخلاص لله

(04) الإخلاص لله

ما يعين المؤمن على الإخلاص والتغلب على صعوبته:

ومما يعين العبد على الإخلاص أمور، منها:

الأمر الأول: تذكر أمر الله تعالى له بالإخلاص في عمله، وعدم الالتفات إلى غيره في كل أعماله، كما مضى قريباً، وهناك نصوص أخرى في السنة، تبين خطر الرياء على حبوط الأعمال التي ظاهرها الصلاح، نذكر منها ما يناسب المقام، وهو في غاية الصراحة في حبوط عمل من لم يخلص لله فيه، بل تثبت أن بعض من يريدون بعبادتهم غير وجه الله يجدون أنفسهم يوم القيامة ممن يسحبون على وجوههم في نار جهنم، بعد أن يكذبهم الله في إظهار أنهم عملوا ما عملوه له تعالى.

كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.

ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأُتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار.

ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتِيَ به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟
قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار)
[صحيح مسلم (3/1513) وأخرجه غيره من أهل السنن].

وهؤلاء الثلاثة الذين سحبوا على وجوههم إلى النار، لا يخلون من إحدى حالتين:

الحالة الأولى: أن يكونوا منافقين نفاقاً اعتقادياً، بمعنى أنهم يكفرون بالله تعالى وبجميع أصول الإيمان وفروعه وبالإسلام جملة، كإخوانهم من المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين قال الله تعالى فيهم: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة]. إلى آخر الآيات المتعلقة بهم في أول سورة البقرة. وقوله تعالى فيمن بنوا مسجداً في عهده قاصدين الإضرار به وبأصحابه وبدعوته وتفريق صف أصحابه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)}[التوبة]. وقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} [النافقون]. وغير ذلك من الآيات الدالة على أن المنافقين نفاقاً اعتقادياً كفار في الدرك الأسفل من النار، وعلى هذا فهم كفار كفراً أكبر مخلدون في نار جهنم، أعاذنا الله منها.

كما قال تعالى فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145)} [النساء]. إلا أن يتوبوا، فيتوب الله عليهم كغيرهم من الكفار الذين يتوبون من كفرهم، كما قال تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيما (24)} [الأحزاب].

الحالة الثانية: أن يكونوا مؤمنين ضعاف الإيمان، ويكون نفاقهم نفاقاً عملياً، كمن إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر، عملوا الأعمال الصالحة في الأصل لله تعالى، ولكنهم خلطوها بالالتفات إلى الناس ليثنوا عليهم، فصار التفاتهم من النفاق العملي، وهو نوع من الشرك الأصغر، وهو مع صغره ذو خطر عظيم ومن أكبر الكبائر، فاستحقوا دخول النار على عمل قلوبهم الخفي لغير الله، ولكنهم كغيرهم من العصاة ولا يخلدون في النار، بل يعذبون بقدر معاصيهم التي لا يرضى الله عن أهلها، ثم يدخلون بعد ذلك الجنة.

وقد بيَّنت مذاهب الفِرق فيما يتعلق بأهل الكبائر، ورجحت على ضوء الكتاب والسنة ما ذهب إليه أهل السنة، خلافاً لمذهبي الخوارج والمعتزلة، في مبحث مستقل بعنوان: "التكفير والنفاق ومذاهب العلماء فيهما". وقد تضمنه الرابط الآتي:
http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_general&p=10

فالمؤمن الذي يعلم أن الرياء يحبط عمله عند الله، يجب أن يجاهد نفسه في الإخلاص، جهاداً لا يفارقه في أي عمل يريد أن يتقرب به إلى الله. {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ.. (78)} [الجج]. وليعلم أن إحباط العمل يكون فيما دخله الرياء، لا في الأصل الذي توجه به إلى الله مخلصاً له، كمن صلى لله، ولكنه طوَّل في صلاته ليقال: إنه يحسن صلاته ويطمئن فيها.

الأمر الثاني مما يعين العبد على الإخلاص:

عدم الاغترار بالعمل الذي يقوم به؛ لأن عباد الله الصالحين يقومون بالأعمال الصالحة وهم في خوف شديد من عدم قبولها، لأي سبب من الأسباب التي عملوها لأمر يعلمه الله وهم لا يعلمونه، وهذا الخوف الذي يرافق أعمالهم يدفعهم إلى المزيد من الأعمال الصالحة والمسارعة فيها، كما قال تعالى عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون].

وكذلك التواضع لله، وعدم التعالي على الناس، والاتصاف بالصفات التي يحبها الله تعالى، فإن ذلك يعين على الإخلاص، كما في قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً..} [إلى آخر سورة الفرقان].

الأمر الثالث مما يعين العبد على الإخلاص:

لجوء المؤمن إلى ربه تعالى في كل أحواله، وبخاصة عندما يريد أن يؤدي عملاً يتقرب به إلى الله، يلجأ إليه ويدعوه أن يرزقه الإخلاص في عمله له ويقول: اللهم اجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم، لا تشوبه شائبة رياء لأحد، فإذا دعاه صادقاً راجياً منه ذلك، أعانه وأذهب عنه الالتفات إلى سواه، ووقاه وساوس الشيطان، وهوى النفس الأمارة بالسوء؛ لأنه تعالى قد وعد عباده بالاستجابة لدعائهم إذا صدقوا فيه، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة].

وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر]. ولا سيما دعاء المؤمن ربه في جوف الليل، الذي يدفعه إيمانه بربه وخوفه منه، إلى هجر ما هو شديد الحب له والركون إليه من نوم عميق، وراحة مرغوبة، على فراش وثير، وخل أثير، يهجر ذلك طمعاً في رضا الله وثوابه، والفوز بما خفي عنه من قرة أعين، وخوفاً من سخط الله وعقابه، فهو خائف خاضع، عامل طامع ، كما قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}[السجدة].

سائراً في درب ذلك الركب العظيم الذين قال الله تعالى عنهم: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69)} [النساء]. والمرء مع من أحب، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: (وما أعددت للساعة؟) قال: حب الله ورسوله، قال: (فإنك مع من أحببت). قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنك مع من أحببت) قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم" [البخاري (5/2283) ومسلم (4/2032) واللفظ له].

وينبغي أن يتحين المؤمن ما يتحينه الصائد الماهر من أوقات الفوز بالمطلوب في أوقات الإجابة، كما روى أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهـما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا، فيقول هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر) [صحيح مسلم (1/523)]. وفي رواية عنهما: (إذا مضى شطر الليل أو ثلث الليل، أمر منادياً فنادى هل من داعٍ فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فيتاب عليه؟).






السابق

الفهرس

التالي


14235719

عداد الصفحات العام

1367

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م