﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمًا﴾ [ ١٣٨] ٱلَّذِینَ یَتَّخِذُونَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ أَیَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا﴾ [النساء ١٣٩]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(015) سافر معي في المشارق والمغارب

(015) سافر معي في المشارق والمغارب
علاقة العرب بالصين قبل الإسلام:

ذكرت مصادر التاريخ قِدَمَ علاقة العرب بالصين وأنها كانت قبل الإسلام بقرون. قال بدر الدين حيّ الصيني: (إن علاقة الصين بالعرب لم تكن وليدة لعصر الإسلام، بل ابتدأت قبل الإسلام بقرون، غاية الأمر أن عُراها لم تكن أوثقت كما في زمن الإسلام، لكن العلاقة كانت موجودة على طريقة غير مباشرة أولاً، ثم تطورت إلى علاقة مباشرة عندما قرب ظهور الإسلام... واتفقت المصادر الثلاثة: الصينية والإيرانية والرومانية، على وجود العلاقة بين العرب والصين قبل الإسلام ببضعة قرون في شكل غير مباشر [يقصد بالشكل غير المباشر: اتصال تجار العرب بالصينيين عن طريق التجار الإيرانيين والرومانيين، كما بين ذلك في (ص: 20) من الكتاب المذكور]. ومن المؤكد أن بلاد الصين كانت معروفة عند القرشيين قبل الإسلام، بدليل قوله: (اطلبوا العلم ولو بالصين) [الحديث فيه كلام طويل للعلماء، منهم من حكم عليه بالوضع، ومنهم من حكم عليه بالضعف، ومنهم من رأى أنه قد يرقى إلى رتبة الحسن، قال ابن عراق رحمه الله: (قال الحافظ المزي الشافعي: وله طرق كثيرة عن أنس، يصل مجموعها إلى مرتبة الحسن... . وفي تلخيص الواهيات للذهبي: روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وأبي سعيد، وبعض طرقه أوهى من بعض، وبعضها صالح، والله أعلم. تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (1/258) وحكم عليه الألباني بالوضع (ضعيف الجامع الصغير وزياداته، ص: 129، رقم: 906، 907)].

لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يرتحل إلى خارج بلاد العرب، وإذا صح ما قلنا فلا نشك في أن علمه باسم الصين، قد جاء من الأخبار السائرة في جزيرة العرب في وقته، وذلك لم يكن إلا بعلاقة القرشيين بالصينيين أولاً، ثم عرف هذا الاسم في بلاد العرب حتى شرفه صاحب الرسالة بذكره في الحديث)
[كتاب العلاقات بين العرب والصين، (ص: 8، 20) الطبعة الأولى، مكتبة النهضة المصرية. سنة 1370هـ ــ 1950م.، الصين وفنون الإسلام، للدكتور زكي محمد حسن (ص: 7) مطبعة المستقبل، القاهرة]. وقال: (من الوثائق التاريخية الإسلامية علمنا أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين وسيد المرسلين، قد قال في أحد أحاديثه المشهورة: (اطلبوا العلم ولو بالصين). ويبنى على هذا الحديث الكريم ثلاثة أمور تاريخية:

أولاً: أنه يثبت بهذا الحديث أن هناك نوعاً من الصلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، بين بلاد العرب والصين، قبل ظهور الإسلام، وبفضل وجود هذه الصلة أصبح اسم الصين معروفاً عند العرب، حين ظهر رسول الله، وبدأ يبشر برسالته من قلب جزيرة العرب إلى كافة الناس في العالم.

ثانياً: أن الصين كانت معروفة عند العرب بأنها عظيمة الشأن، وعريقة في الحضارة والمدنية، ولها آداب رفيعة وحِكَمٌ عالية، غير أنها من الناحية الجغرافية بعيدة جداً من جزيرة العرب، التي فيها منزل الوحي ومهد الإسلام.

ثالثاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يشجع بحديثه هذا الصحابة وأتباع الصحابة، ومن دخل في دين الإسلام الحنيف فيما بعد على مخاطرة أنفسهم بالسفر إلى بلاد نائية، كالصين التي تقع في أقصى الشرق، لأجل طلب العلم والبحث عن الحكمة [كتاب تاريخ المسلمين في الصين، (ص: 15) لبدر الدين و. ل. حيّ ـ وهو صاحب كتاب العلاقات بين العرب والصين السابق الذكر، دار الإنشاء للطباعة والنشر، طرابلس لبنان. وسبق تخريج الحديث.].

متى وصل الإسلام إلى الصين؟

سبق أنه يكتنف أصل سكان الصين غموض شديد، وهذا الغموض يخيم ـ أيضاً ـ على أوضاع المسلمين في الصين، مما جعل الأمير "شكيب أرسلان" يقول في ذلك: (مسلمو الصين كأنهم ليسوا من هذه الدنيا، فالمعلومات عنهم قليلة، والروايات بشأنهم متناقضة، وإلى هذه الساعة لم يعرف المؤرخون كيف كان وصول الإسلام إلى الصين... كما أن الجغرافيين وعلماء الإحصاء إلى اليوم لم يتفقوا على عدد المسلمين الصينيين...) [حاضر العالم الإسلامي (2/219]. وأسباب الغموض في أصل سكان الصين ـ وقد سبق ذكر شيء منها قريباً ـ هي أسباب قلة المعلومات عن المسلمين الصينيين.

روايات دخول الإسلام إلى الصين وتقويمها:

بعد هذه المقدمة التي يُعْلَمُ منها صعوبة توثيق تحديد وصول الإسلام إلى الصين، نذكر ما ورد من الروايات في ذلك، ثم نذكر ما نراه أقرب إلى الصواب ـ في الجملة ـ :

الرواية الأولى: يزعم أصحاب هذه الرواية أن الملك الثاني من أسرة "تانجTang " الملقب "تاي تسونجTai Tsung " الذي تولى الحكم في الصين من سنة 627م إلى سنة 644م رأى في منامه حيواناً مفترساً يهاجمه، ولم يخلصه منه إلا رجل وقور يلبس طيلساناً وعمامة بيضاء بيده سبحة، وفسر له وزراءه ذلك بأن ثائراً سيخرج عليه، وأن الرجل الذي يخلصه منه هو نبي ولد في جزيرة العرب، فبعث الملك وفداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يطلب منه إرسال بعثة تنشر الإسلام في الصين، فبعث ثلاثة: توفي اثنان منهم في الطريق، ووصل الثالث، فأكرمه وبنى له مسجداً في العاصمة ينطلق منه لنشر الإسلام. وقد علق على هذه الرواية الشيخ محمد مكين بقوله: (ولكن المؤرخين لا يقيمون لهذه الرواية وزناً).

الرواية الثانية ـ وهي رؤيا منامية أيضاً: أن الملك الأول من أسرة "صي Sui " الملقب "وِن تي Wen Ti " رأى نجماً باهراً، وفسر له بأنه ظهور رجل عظيم الشأن في بلاد العرب، فأوفد رسولاً للتحقق من ذلك، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يسافر إلى الصين، فاعتذر وأرسل معه أربعة من أصحابه، منهم خاله "سعد ابن أبي وقاص" في سنة 587م… وأن الملك أمر ببناء جامع في "كانتون Canton " سماه "جامع الشوق ـ أو "الـحـنـين" أو "الذكرى" ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. "ثم غادر سعد الصين، وقيل: إنه توفي في كانتون ودفن في ضاحيتها!! وسيأتي الكلام عن هذا المسجد عند ذكر ما يتعلق بالمساجد في الصين.

الرواية الثالثة: أن رجلاً يدعى "ابن حمزة" خال النبي صلى الله عليه وسلم، وصل إلى الصين في سنة 632م، ومعه نسخة من القرآن الكريم، يصاحبه ثلاثة آلاف رجل من الجند، وأنهم أصدروا مرسوماً دينياً حددوا فيه الآداب الإسلامية العامة. [كتاب العلاقات بين العرب والصين (ص: 150 ـ 153)].

الرواية الرابعة: أن أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ممن هاجروا إلى الحبشة عام 615م تقريباً، ويدعى: "أسعد لبيب" لم تعجبه الإقامة في الحبشة، فسافر على باخرة إلى "كانتون Canton " وقام بنشر الإسلام بين التجار العرب الذين كانوا يسكنون بها، وبخاصة الحضارم ولم تكن الدعوة الإسلامية قد وصلت إليهم. [الدعوة الإسلامية في ماليزيا ـ ظهورها وانتشارها (ص: 54)، للدكتور وان حسين عزمي، والدكتور هارون دين، كلية الدراسات الإسلامية ـ الجامعة الوطنية الماليزية].

تهافت الروايات الأربع المذكورة وأسبابه:

وهذه الروايات الأربع بعيدة كل البعد عن الصحة، وذلك لسبعة أسباب:

السبب الأول: عدم ثبوت كل هذه القصص في السيرة النبوية ضمن الوفود التي قصدت المدينة المنورة للاجتماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، في السنة التاسعة للهجرة، ولو وقعت هذه القصص أو إحداها، لكانت أولى بالإثبات من غيرها لغرابتها من حيث الوافدون الذين لم يعهد العرب وجود مثلهم في بلادهم، وغرابة وطنهم الذي يضرب به المثل في البعد، وغرابة هؤلاء الوافدين ووطنهم أشد من غرابة سلمان، ووطنه، وقد ذكرت قصته مفصلة غاية التفصيل.

السبب الثاني: عدم ثبوت وصول أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الصين، لا في قصص الرسل الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى الملوك والرؤساء والبلدان، ولا في تراجم الصحابة صلى الله عليه وسلم.

ومرة أخر أقول: إنه لو صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعث أحداً منهم إلى الصين لكانت العناية به في السيرة النبوية، وكتب التاريخ المعتمدة وتراجم الصحابة أولى من العناية ببعثه الرسل إلى فارس والروم وغيرهما، ومن بعث الدعاة والأمراء إلى اليمن والبحرين وغيرهما، وعدم ذكر ذلك في هذه المصادر حجة قاطعة على اختلاق هاتين القصتين.

السبب الثالث: الكذب الصريح واضح في الرواية الثانية التي ذكر فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعث سعد بن أبي وقاص سنة 587م إلى الصين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يُبْعَثْ إلا في سنة 610م أي بعد التاريخ المذكور بثلاث عشرة سنة، فكيف يَبْعَث إلى الصين صحابياً يعلم الناس الإسلام قبل أن يشرفه الله بالرسالة؟!

السبب الرابع: عدم معرفة رجل يدعى ابن حمزة، وأنه خال النبي صلى الله عليه وسلم.

السبب الخامس: دعوى أنه اصطحب معه نسخة من القرآن، مع أن القرآن لم تكتب له نسخ قابلة للتوزيع، إلا في عهد عثمان رضي الله عنه، والسنة التي ذكر أنه وصل فيها إلى الصين هي السنة التي توفي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل أن الصحابة الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يبعثهم للدعوة أو الجهاد كانوا يحملون معهم نسخاً من المصحف.

السبب السادس: دعوى أنه اصطحب معه ثلاثة آلاف من الجند، وهذا أمر لو حصل لكان مشهوراً في كتب السيرة والغزوات والتاريخ!.

السبب السابع: عدم وجود ذكر لاسم "أسعد لبيب" في مهاجري الحبشة في السيرة النبوية، وعدم الإشارة إلى رحلة أي صحابي منهم إلى الصين، وقد كانت هجرتهم إلى الحبشة بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت إقامتهم بها إقامة سعيدة، لما لقوا من إكرام ملكها: "النجاشي" صلى الله عليه وسلم، ويبعد كل البعد أن يشذ أحد المهاجرين ويفارق صحبه تلك المفارقة، ويرحل تلك الرحلة الخيالية، دون أن تذكرها كتب السيرة النبوية.! بل الاسم من حيث هو غريب في أسماء القرشيين.!

الرواية الخامسة: أن أول وفد قدم إلى الصين، كان في عهد الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، في سنة 651م، ويقال أيضاً: إن وفداً آخر من العرب وصل بعد ذلك بخمس سنين، أي في ستة 655م، وهذه الرواية معقولة كما قال الشيخ محمد مكين رحمه الله. [ذكر هذه الروايات الشيخ "محمد مكين" الصيني، رحمه الله في محاضرتيه اللتين ألقاهما في القاهرة سنة 1351هـ، ونشرتا في مجلة الفتح في غرة رمضان، وفي 6 من ذي القعدة من السنة المذكورة كما في حاضر العالم الإسلامي (2/263)، وطبعتا ـ المحاضرتان ـ في كتيب، بعنوان (نظرة جامعة إلى تاريخ الإسلام في الصين وأحوال المسلمين فيها) المطبعة السلفية ومكتبتها للشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله. وقد نقلت من الكتيب المذكور هذه الروايات مع شيء من التصرف (ص: 6 ـ 9)].

وقال محمد يوسف لي هواين: (تفيدنا المصادر الصينية أن أول مندوب مبعوث من الخليفة "عثمان بن عفان" وصل إلى "تشانغآن" (شيئان اليوم، وعاصمة الصين آنذاك) في 25 أغسطس 651م... وقال في الحاشية ـ : (اتفق المؤرخون الصينيون على أن سنة 651م... هي سنة دخول الإسلام إلى الصين) [كتاب المساجد في الصين (ص: 11 ـ 12). الطبعة الأولى ـ عام 1989م ـ بدار النشر باللغات الأجنبية بكين].. بل يقال: إنه من سنة 651 إلى سنة 800م بلغت السفارات العربية إلى الصين أربعا وثلاثين سفارة [كتاب العلاقات بين العرب والصين (ص: 180)].







السابق

الفهرس

التالي


14948260

عداد الصفحات العام

864

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م