{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(025) سفر معي في المشارق والمغارب

(025) سفر معي في المشارق والمغارب
أثر العلاقات الطيبة بين أسرة مينغ الحاكمة في الصين وبين المسلمين

العلاقات الطيبة التي قامت بين أسرة "مينغ" وأمراء المسلمين الذين كانوا يحكمون الدول الواقعة غرب الصين، كانت سبباً في استمرار السفارات المتبادلة بين ملوك الصين وأولئك الأمراء إلى حد أن أحد أمراء المسلمين وهو ـ شاه رخ ـ أمير هرات بعث برسالة طويلة إلى ملك الصين سنة 1412م يشرح له فيها محاسن الإسلام ويدعوه إليه، ولم يرد ملك الصين على تلك الرسالة رد الساخط المتكبر، وإنما استمرت السفارات بينهما وتبادل الهدايا. بعث الأمير (شاه رخ) برسالتين إلى ملك الصين يدعوه فيهما إلى الإسلام: إحداهما باللغة العربية، والأخرى باللغة الفارسية، ونصهما منقول في كتاب العلاقات بين العرب والصين [(ص: 216 ـ 221). وراجع كتاب الإسلام في الصين (ص 83 ـ 86) لفهمي هويدي.

نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يُنْصَرُ من خذلهم ولا يطاعُ من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك). لما أراد الله تعالى أن يخلق آدم وذريته قال: كنت كنزاً مَخْفِيًّا فأحببتُ أن أُعرَف، فخلقت الخلقَ لأُعرَف.

فَعُلِمَ أن حكمته جلت قدرته وعلَت كلمتُه من خَلْق نوع الإنسان إيثار العرفان إعلاء أعلام الهدى والإيمان، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون، ليُعَلِّمَ الشرائع والأحكام وسننَ الحلال والحرام، وأعطاه القرآن المجيد معجزة، ليفحم به المنكرين ويقطع لسانهم عند المنازعة والخصام، وأبقى بعنايته الكاملة وهدايته الشاملة آثاره إلى يوم القيامة.

ونَصَبَ بقدرته في كل حين وزمان وفرصة وأوان، في أقطار العالمين من الشرق والغرب والصين ذا قدرة وإمكان وصاحب جنود مجندة وسلطان، ليروج أسواق العدل والإحسان، ويبسط على رءوس الخلائق أجنحة الأمن والأمان، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر والطغيان، ويرفع بينهم أعلام الشريعة الغراء، وأزاح من بينهم الشرك والكفر بالتوحيد في (الملة) الزهراء، فوفقنا الله تعالى بسوابق لطفه ولواحق فضله، أن نسعى في إقامة قوانين الشريعة الطاهرة، وإدامة قواعد الطريقة الزاهرة، وأمرنا بحمد الله أن نفصل بين الخلائق والرعايا في الوقائع والقضايا بالشريعة النبوية والأحكام المصطفوية، ونبني في كل ناحيةٍ المساجدَ والمدارسَ، ونعمر الخوانق والصوامع والمعابد، لئلا يَنْدَرِس أعلامُ العلوم ومعالمُها، وينطمس آثار الشريعة ومراسمُها، ولأن بقاء الدنيا الدنيَّة وسلطنتها واستدامة آثار الحكومة وإيالتها بإعانة الحق والصواب، وإماطة أذى الشرك والكفر عن وجه الأرض، لتوقع الخير والثواب، فالمرجو المأمول من الجانب العالي وأركان دولته أن يوافقونا في المذكورة، ويشاركونا في تشييد قواعد الشريعة المعمورة، ويرسلوا الرسل والقاصدين، ويفتحوا المسالك للسائرين والتاجرين، ليتأكد أسباب المحبة والوداد، ويتعاضد وسائل المودة والاتحاد، ويستريح طوائف البرايا في أطراف البلاد، وينتظم أسباب المعاش بين صنوف العباد والعباد. والسلام على من اتبع الهدى، والله رؤوف بالعباد. [انتهى نص الرسالة]

تعقيب:

هكذا يكون خلفاء المسلمين عندما يشعرون بالاعتزاز بالله وبدينه، ويقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتبعون تنزيله، يبعثون إلى زعماء الأمم غير المسلمين رسلهم برسائلهم، يشرحون لهم دين الله ويبينون لهم محاسنه، ويدعونهم إلى الدخول فيه بلا خوف ولا خجل واضعين أمامهم قول الحق تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت 33].

وهذا بخلاف من لم يرفع بهذا الدين رأساً، ولم يذق طعم الاعتزاز بالله وبدينه، ممن تولى أمر الأمة، فإنه قد يؤدي بعض شعائر الإسلام في نفسه، ولكنه لا يجرؤ على دعوة أنداده من رؤوس الكفر، بل يتوارى خجلاً أن يدعو إلى الله ويقول إنني من المسلمين، وإذا لم يدع قادةَ الأمم غير المسلمة قادةُ الأمة الإسلامية فمن يدعوهم، وعلى من يقع وزر عدم تبليغهم هذا الدين؟!. وبهذا نعلم أن المسلمين في الصين كانوا على حالتين من أول ما وطئت أقدامهم الصين إلى آخر عهد أسرة (مينغ).

الحالة الأولى: كانت الصلة فيها بين المسلمين والصينيين صلة معاملة تجارية وسفارات دبلوماسية، وكان المسلمون محصورين - غالباً - في أماكن معينة في الصين، وهي الموانئ التجارية بالنسبة للتجار، والمدن الصغيرة الملحقة ببعض المدن الصينية، ومنها العاصمة، وقد خصصت للوفود الدبلوماسية والكتائب العسكرية التي جاءت إلى الصين لنجدة بعض ملوكها بطلب منهم كما مضى، وكان الصينيون يُكرمونهم ويعاملونهم معاملة حسنة، وكانت التجارة والحاجة إلى نجدة المسلمين هما اللتين تدفعان الصينيين إلى تلك المعاملة في الجملة، وهذه الحالة تشمل عَهْدَيْ لأسرتين: (تانغ) و(سونغ).

الحالة الثانية: كانت صلة اختلاط وانتشار وعمل، وتشمل عَهْدَيْ الأسرتين (يوان) و(مينغ) إلا أن مكانة المسلمين في عهد أسرة: (يوان) وصلت إلى ذروتها من الاحترام والتوقير والتمكين من المناصب الحكومية، وأن فترة حكم هذه الأسرة كانت هي الفترة التي تمكن المسلمون فيها من الانتشار والنفوذ والتكاثر. ومع الحالتين المذكورتين لم تنقطع الصلات التجارية، ولا السفارات الرسمية بين المسلمين والصين.

وقد لخص الدكتور جميل المصري مسيرة المسلمين في عهد الأسر الأربع السابقة، فقال: (وقد شق الإسلام طريقه خلال ألف عام ببطء شديد بين الصينيين وبقوة، مراعياً صفات الصينيين الذين يتصفون بالبطء والدقة والمحافظة على القديم، وقد أحبوا الإسلام وأحبوا المسلمين فلمسوا فيه الفطرة.

فقد اشتهر المسلمون بالتجارة والكد والنظافة والتعاون والأمانة، ولذلك كانوا مميزين عن الصينيين، وحالهم أجمل وأزين، وكثيراً ما كانوا يأخذون أولاد الفقراء من الوثنيين ويربونهم في حجر الإسلام، خصوصاً عند حصول المجاعات، وكانوا يجمعون الزكاة في صناديق لكل بلد ينفقون منها في شدائدهم ويشدون بها عوز محاويجهم، فتجد المعدمين منهم قليلين، وعندهم الحنان والرأفة، وبسبب تجافيهم الأفيون وأنواع المسكرات كانت أجسامهم أحسن من أجسام غيرهم ـ فكانوا يفوقون الصينيين صورة ومعنى ـ فلذلك كثر العساكر المسلمون.

واعتمد عليهم الملوك كقادة وأمراء، وأكثروا من بناء المساجد، والمساجد في الصين على شكل معابد الأديان الصينية التي هي على شكل السرايا الملكية، ولم يُسمح بتقليده لأهلها إلا لاحترامها، فكانت حرمة المساجد في قلوب الصينيين لا تقل عن حرمة معابدهم، ولا توجد المآذن إلا في مساجد القرى التي لا يسكنها إلا المسلمون، والسبب أن الكونفوشيوسيين يعتقدون أن البناء الأعلى يُذِل الأبنية الوطيئة ويشقيها، ولذلك فإن منازلهم متساوية الارتفاع.. وفي عهد هذه الأسرة وصل البرتغاليون إلى الصين، سنة 920هـ / 1514م، وبانتهاء هذه الأسرة انتهى العصر الذهبي للمسلمين في الصين وأخذ دورهم يؤل إلى الانحدار [حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة (567)]..









السابق

الفهرس

التالي


14217295

عداد الصفحات العام

2392

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م