{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(030) سافر معي في المشارق والمغارب

(030) سافر معي في المشارق والمغارب



هل يؤاخذ المسلمون على ثوراتهم التي أحدثت لهم تلك الأضرار من جماعة المانشور الصينية؟



لا بد ـ هنا ـ من كشف بعض الحقائق التي بها يَعلم الجواب عن هذا السؤال:



الحقيقة الأولى: أن الحق والباطل ـ دائماً ـ في تدافع، وأن للباطل قوته التي تطغيه، وأنه لا بد للحق من قوة تحميه. قال تعالى في الباطل وأهله: {َلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا}. [البقرة] وقال تعالى في الحق وأهله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال]



الحقيقة الثانية: أن سنة الله قضت أن تكون الغلبة للحق على الباطل، وهذه السنة لا تتخلف، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ (173)} [الصافات]. وقال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(47} [الروم]



الحقيقة الثالثة: أن كون نصر الله تعالى لعباده المؤمنين لا يتخلف، معناه أن العاقبة الحسنة تكون لهم، ولا يلزم من ذلك عدم تأخر هذا النصر أحياناً لابتلاء المؤمنين وتمحيصهم واتخاذ شهداء منهم، أو لتقصيرهم في إعداد القوة الذي أمرهم به، أو ضعف إيمانهم الذي علق تعالى نصره لهم عليه. والإيمان الذي علق نصره لأهله هو الإيمان الذي فصله تعالى في كتابه وفي سنة رسوله، وهو ما تترتب عليه طاعة الله وعدم معصيته، وليس الإيمان لمريض أو الميت الذي لا يمنع من معصية، ولا يدفع إلى طاعة، وهو ما يتحلى به كثير من المسلمين، ويظنون أنه مراد الله.



ولهذا ابتلى الله أصحاب نبيه بسبب معصية صدرت من بعضهم له في غزوة أحد بإدالة المشركين عليهم، ولو قورنت تلك المعصية بالمعاصي التي حصلت ولا تزال تحصل ممن جاء بعدهم من المسلمين، لا تعد شيئاً يذكر، وعندما تعجبوا من إدالة المشركين عليهم والرسول صلى الله عليه وسلم هو قائدهم، وجبريل ينزل بالوحي إليه موجها لهم! نزل القرآن مجيباً لهم بأنهم هم السبب في تأخر نصر الله لهم كما قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (166}.[165]



الحقيقة الرابعة: أن من مقتضيات الإيمان الذي ينصر الله به عباده، اجتماع كلمتهم على الحق، وترك الأسباب المؤدية إلى التنازع الذي يترتب عليه فشلهم وذهاب قوتهم وهيبتهم، كما قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال] [ويراجع لما تدل عليه هذه الآيات كتب التفسير، ويراجع كتاب السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد الكريم زيدان].



هذه الحقائق الأربع تناسب الحديث عن هذه الفِقْرة والإجابة عن هذا السؤال. فالمسلمون الصينيون كانوا أهل حق، والحكام المنشوريون كانوا أهل باطل، وأهل الباطل كانوا يملكون قوة اتخذوها وسيلة لظلم المسلمين هم والاعتداء بها عليهم، والمسلمون شعروا بالظلم والاعتداء على أنفسهم ودينهم وعرضهم، فأرادوا أن يدفعوا الظلم والعدوان بالقوة التي كانوا يملكونها.



والمسلمون ـ وهم أهل حق ـ كانوا ينتظرون من الله نصرَه الذي وعد به عباده المؤمنين على عدوهم، وأنهم مهما توالت عليهم الابتلاءات بسبب كثرة عدوهم الظالم وقوته، وقلتِهم هُمْ وضعفِهم، فإن العاقبة ستكون لهم، لقول الله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)} [البقرة]. وعلى ضوء ما سبق يمكن أن يقال: إن المسلمين لا يؤاخذون على ما قاموا به من محاولة دفع العدوان عن أنفسهم بحسب قدرتهم.



والذين لاموهم على تلك الثورات، رأوا أنهم وقفوا أمام عَدد لا طاقة لمثلهم به عادة، إضافة إلى أن ذلك العدد هو جيش الدولة وقوته هي قوة الدولة بكل إمكاناتها، والمسلمون لا دولة لهم، ووضعهم شبيه بوضع المسلمين في مكة قبل الهجرة، وقد أصابهم من البلاء ما هو معلوم، ومع ذلك عندما هَمَّ بعضهم بدفع العدوان بالقوة أمرهم الله بالكف عند ذلك، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (77)} [النساء].



قال ابن كثير رحمه الله: (كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة... وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدائهم، ولم يكن الحال إذ ذاك مناسباً لأسباب كثيرة؛ منها: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدوهم. ومنها: كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام أشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال ابتداء كما يقال، فلهذا لم يؤمروا بالجهاد إلا بالمدينة، لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار) [تفسير القرآن العظيم (1/576) الطبعة الأولى ـ دار الخير].



وهذا المبدأ يجب الأخذ به وتطبيقه كلما نزلت بالمسلمين حالة تشبه تلك الحالة التي كان عليها المسلمون في مكة، فحفظ الدين لا يكون بالجهاد المسلح فقط، بل قد يكون - أحياناً - بالصبر على المحن والعدوان، وهو نوع من أنواع الجهاد الشرعي، عندما يستفحل الطغيان ويقوى أهله قوة لا يدان للمسلمين بها، بحيث إذا قاوموه سحقهم سحقاً.








السابق

الفهرس

التالي


14230776

عداد الصفحات العام

3065

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م