{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(04) دور المسجد في تربية الأولاد ووقايتهم من الانحراف

(04) دور المسجد في تربية الأولاد ووقايتهم من الانحراف



تمهيد عن المدرسة



سبق في الحلقة الماضية تقوية مؤسسة الأسرة لدور المسجد في تربية الأولاد، وهذه الحلقة تتعلق بتقوية مؤسسة المدرسة لدور المسجد في تربيتهم:



إن الإنسان لا يستغنى مطلقاً عن التعلّم، والتعليم ضرورة من ضرورات حياته، فهو في حاجة إلى التعبير عما في نفسه للآخرين، كما أنه في حاجة لفهم ما في نفوس الآخرين، ووسيلتهم إلى فهم التعبير إما اللسان، ولابد أن يشتركوا في لغة التخاطب، وإما الكتابة، وهي كالتعبير باللسان لابد أن يشترك الكاتب والقارئ في لغة الكتابة، وأما الإشارة، وهى التي لا يحتاج فيها الناس إلى فهم اللغة، ولا الكتابة، ولكن نفع الإشارة ضيق، إذ لابد أن يكون المشير، والمشار له، والمشار إليه، في مكان واحد يمكن فيه للمشير والمشار له أن يرى كل منهما الآخر، وأن يريا المشار إليه، ولابد أن يكون كل منهما مبصراً كذلك. ومن هنا كان التخاطب باللسان والكتابة، أمراً ضرورياً لا غنى عنه لأي أمة من الأمم.



ويظهر ذلك في امتنان اللّه سبحانه وتعالى على آدم وذريته بتعليمهم أسماء الأشياء، وتعليمهم البيان الذي هو الإعراب عما في نفوسهم. قال تعالى: (وَعلمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31]. وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلّمَ الْقُران، خلق الإنسانَ. عَلَّمَهُ الْبيَانَ} [الرحمن: 1ـ4]. وامتن عليهم كذلك بالقراءة والكتابة، كما امتن عليهم بالتعليم فقال تعالى: {اقْرَأ بِاسْم رَبك الذي خلَقَ. خلَقَ الإنسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرأ وَرَبُّك الأكرم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يعلم} [العلق: 1ـ5]. ولعل في اقتران المنة بالخلق والمنة بالتعليم، إشارة إلى أن التعليم ضرورة كضرورة الخلق.



فلا غنى للبشر عن التَعلُّم والتَّعليم، والمدرسة إنما تنشأ لذلك- وإن اختلفت أهداف كل أمة عن الأخرى من التعليم - لأن المؤهلين للتعليم لا يوجدون في كل بيت، حتى تستغني كل أسرة بمعلمها في بيتها، لندرة المعلم، وندرة التعليم في بعض جوانب الحياة، فاقتضت الضرورة أن يشترك عدد من الناس في مكان واحد لتلقي التعليم، لأن المعلم الواحد. يمكنه أن يعلم عدداً من الناس- مجتمعين- ولكنه لا يقدر على تعليم عدد كبير، كل فرد منهم على حدة. ومنصة الشبة العالمية التي وجدت الآن لا يمكن أن تحل محل التعليم المباشر، إلا للضورة مع ضعف أثر التعليم عن طريقها، لأسباب كثيرة، ليس هذا محل تفصيلها.





والمدرسة تتكون من مكان يجتمع فيه الدارسون والمدرسون، ليعلم هؤلاء أولئك، ومن منهج يوضع لتحقيق هدف معين، ولابد أن يكون ملائماً لمستوى الدارسين، ومن دارسين يتعلمون، ومدرسين يعلمون، ومشرفين ينظمون الدراسة، ويديرون المدرسة، ويذللون الصعاب التي تعترض التعليم.

والمدرسة المعنية- هنا- هي المدرسة الإسلامية، والدور الذي تقوم به هو التعليم والتربية.



المبحث الأول: المنهج المحقق للهدف من التربية والتعليم في الإسلام، والملائم لمستويات الطلبة

وفي هذا المبحث فرعان:



الفرع الأول: بيان الأهداف المطلوب تحقيقها في المدرسة.



إن الهدف العام للتعليم في الإسلام، هو رضا اللّه سبحانه وتعالى بعبادته التي خلق الخلق من أجلها، وعمارة الأرض بتطبيق شريعته التي تسعد البشرية في ظلها بالعدل والإحسان والسلام. كما قال تعالى: {وَمَا خلَقت الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِيعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وقال تعالى: {قُل إن صلاتي ونسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّه رَبّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيك لَهُ وَبذَلِك أمرت وَأنا أوَّلُ المسلمين} [الأنعام: 62ـ63].



فعبادة الله تعالى شاملة لنشاط الإنسان كله: نشاط قَلبه من قصد وتصديق، ومحبة وإنابة وغيرها، ونشاط جوارحه من أداء شعائر تعبدية، كالصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد وغيرها، ونشاط لسانه، كالنطق بالشهادتين والذكر وقراءة القران، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغيرها.



وبهذا الشمول عرف شيخ الإسلام ابن تيمية العبادة في الإسلام، فقال رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه اللّه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة " [العبودية ص38، طبع المكتب الإسلامي، بيروت]. إذا علم هذا، وجب أن يكون هذا الهدف - وهو رضا اللّه تعالى بتحقيق عبادته - هو الأساس الذي تدور حوله جميع الأهداف الفرعية، وكل الوسائل الموضوعة للتعليم والتربية في المدرسة - بل وفي غيرها من مناشط الحياة.



وهناك أهداف فرعية مرتبطة بهذا الهدف العام ومحققة له، ومنها: تثبيت الإخلاص للّه سبحانه وتعالى في عبادته، بحيث يكون قصد العبد وجه اللّه والتجرد له تعالى، لا يشوب قصده شيء من الأشياء، لا جاه، ولا مال ولا منصب، ولا سمعة تحقيقاً لقول اللّه تعالى: {وَما أمِرُوا إلا ليَعْبُدُوا اللّه مُخلِصِينَ لَهُ الدِيّنَ حُنَفَاَءَ وَيقيموا الصلاةَ وَيُؤتُوا الزّكَاةَ وَذَلِك دِينُ القَيّمَة} [البينة: 5]. وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا وَلا يُشْرك بِعِبَادَةِ رَبّهِ أحَدا} [الكهف: 110]. وقوله تعالى في الحديث القدسي: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا أشْرَكَ مَعي فِيهِ غَيْري تَرَكتهُ وَشِركَه) [مسلم، وهو في جامع الأحوال (4/545)].



ومنها: تحقيق الاتباع للرسول صلّى الله عليه وسلم، الذي تتحقق به محبة اللّه ومحبة رسوله صلّى الله عليه وسلم. كما قال تعالى: (قل إنْ كُنْتُمْ تحِبُّونَ اللهّ فَاتبعُونِي يُحْبِبْكمْ اللهّ ويغَفِرْ لَكُمْ ذنوبَكُمْ وَاللهّ غَفُور رَحِيم) [آل عمران: 31].



ومعنى تحقيق الاتباع للرسول صلّى الله عليه وسلم، ألّا يختار قول أحد على قوله، ولا يقدم على شريعته أي قانون أرضي، وأن يجعل هواه تابعاً لأمره. كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ ولا مُؤمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسولُه أمْراً أنْ يكون لَهُمُ الخِيْرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ، ومَنْ يعص اللهّ وَرَسُولَه فَقد ضَلَّ ضَلالا مُبينا) [الأحزاب: 36]. وقول الرسول صلّى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت) [الأربعون النووية، راجع جامع العلوم والحكم لابن رجب ص338]. والمقصود من الإخلاص والاتباع، هو تحقيق معنى الشهادتين: "شهادة أن لا إله إلا اللّه" التي يتحقق بها الإخلاص وشهادة "أن محمداً رسول اللّه" التي يتحقق بها الاتباع.



ومن الأهداف الفرعية تعليم كل فرد من أفراد المسلمين، فروض العين التي فرضها اللّه على الناس كلهم، بحيث لا تسقط عن أحد لقيام غيره بها، حتى يؤدي كل واحد ما فرض الله تعالى عليه عن علم وبصيرة، لأن شرط قبول العمل موافقته للشرع، والموافقة لا تتحقق إلا بالعلم بما يشرع الله فيه، كالصلاة والزكاة والحج والصيام التي فرضها الله سبحانه وتعالى فرضاً عاماً على كل مسلم، بلا سبب ظاهر بخلاف ما وجب لسبب، فإنه يجب على من وجد السبب في حقه كالكفارات والنذور ونحوها.



ومنها فروض الكفاية، كإمامة الصلاة، وخطب الجمع، وكذا القضاء، والإفتاء، وإتقان بعض الصنائع التي يحتاج إليها الناس، كالبناء، والطب، والجغرافيا، وتعلم الفروسية إعداداً للمستطاع، لجهاد أعداء اللّه، وغيرها، كل ذلك من أجل القيام بعبادة اللّه وعمارة الأرض بطاعته معنوياً ومادياً، إذ لا يمكن أن يعبد الله في الأرض حق عبادته بدون ذلك، فعباد الله مأمورون بعبادته، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله.



وأعداء الله لابد أن يصدوا أولياءه عن القيام بما فرض الله عليهم، وإذا لم يستكمل أولياء الله عدة الحياة في الأرض للسلم والحرب، فكيف يستطيعون أن يقوموا بما كلفهم الله إياه؟! وخلاصة القول: إن أهداف التعليم والتربية في الإسلام، تقوم على أساس عبادة الله، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، وعمارة الأرض بما يرضيه، فيجب أن يكون منهج المدرسة الإسلامية – وهي شاملة لكل مراحل الدراسة – شاملاً لكل تلك الجوانب المحققة لتلك الأهداف، حتى يكون المسلمون قادة للناس في الدين والدنيا معاً، قيادة ناشئة عن جدارة وقوة. ذلك هو المنهج المطلوب للمدرسة الإسلامية. فإذا حصل قُصُور في أي جانب من جوانب المنهج، أثر ذلك في تحقيق الأهداف المطلوبة بمقدار ذلك القصور.






السابق

الفهرس

التالي


14225117

عداد الصفحات العام

1953

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م