{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(053) سافر معي في المشارق والمغارب

(053) سافر معي في المشارق والمغارب



إلى سور الصين العظيم:



في الساعة السابعة صباحاً، أخذنا سيارة أجرة، وذهبنا للاطلاع على ما أمكننا من أجزاء أطول سد وأعجبه في العالم، وهو ما يسمى بسور الصين العظيم، والمسافة من بكين إلى أقرب جزء من السد تزيد على مائة كيلو متر، والاتجاه إلى هذا الجزء نحو الشمال الغربي لبكين، والزمن ساعتان وثلاثون دقيقة تقريباً، في حالة عدم الزحام الشديد.



بلد الدراجات:



لو أن أحداً سمى الصين: (بلد الدراجات) لصحت تسميته لها بذلك، فلا تكاد تجد في مدنها ـ شوارعها العامة والفرعية، والأسواق المركزية والشعبيه، والشركات الكبيرة والصغيرة، والأماكن السياحية والمنتزهات، والإدارات الحكومية، وأماكن العبادات، والطرق الرابطة بين المدن وضواحيها طالت أم قصرت ـ لا تكاد تجد مساحة تخلو من الدراجات بكثرة مدهشة السائرة منها والواقفة، وقد انفردت بشوارع خاصة بها محاذية للشوارع المخصصة للسيارات والمشاة، مثل خطوط الخدمات الموجودة في بعض البلدان، إلا أنه يحظر على غير سائقي الدراجات استعمالها.



ذكرت هذا بمناسبة ما رأيت في طريقنا اليوم من قوافل الدراجات العادية من نقطة انطلاقنا، من الفندق في وسط بكين إلى مكان السد: يسوقها رجال ونساء صغارٌ وكبار، حتى إنك لترى عجائز من الجنسين يصعب عليك تصور أنهم قادرون على قيادتها، وهم يقودونها لمسافات طويلة، ويبدو أن من أسباب بقائهم على قيد الحياة يتحركون في الأرض هو قيادتهم للدراجات، لأن الذين في سنهم أو أقل في البلدان الأخرى، غالبهم إما في المستشفيات، وإما في دار العجزة، وإما على سررهم بين أسرهم، أو قد سبقوا الجميع إلى عالم البرزخ. [والبرزخ شامل لكل من وافاه الأجل، سواء أدفن جثمانه كاملا في قبر، أم أحرق ودفن رماده أم ألقي في بحر أو نهر أو بر!].



أما السيارات فلا تجد في الطريق إلا سيارات الأجرة الصغيرة، وسيارات النقل الكبيرة، التي تنقل الأجانب من السائحين، أو عمال الشركات، وكذلك سيارات النقل الصغيرة التي هي عبارة عن دراجات نارية تجهز بصناديق أكبر من حجمها، لنقل المحتاجين إليها من أهل البلد.



حوار مع سائق السيارة يَنْ شُوْ يِيْ (YAN SHOU YI):



نظراً لطول الطريق إلى السور، قلت للأخ إبراهيم مرافقي: ما رأيك لو حاورنا السائق حول الدين والإلحاد، لنعرف ما عنده ونعرفه بالإسلام؟ قال: هؤلاء لا يقبلون النقاش في أمر الدين، والأولى تركه.

قلت: سله عن مؤهله العلمي؟ فقال: إنه درس إلى أن أتم المرحلة الثانوية، وبدأ كل منهما يرطن لصاحبه بلغتهما، وبعد قليل قال الأخ إبراهيم: إن كنت تريد محاورته فلا أرى بأساً (ولعله اطمأن إليه بعد الحديث معه).



قلت للأخ إبراهيم: هل عندك قدرة على نقل المعاني التي سيكون فيها الحوار؟ قال: إن شاء الله.

قلت: أخبره أني جئت من بلاد العرب، وأني باحث في مقارنة الأديان وأرغب في حوار من أجد، فهل يمكنني أن أسأله بعض الأسئلة؟ قال: نعم.



قلت: هل فكر في الكون، من سماء وشمس وقمر وكواكب ونجوم وسحاب ومطر... وفي الأرض وما فيها من جبال ورمال، وبحار وأنهار وبحيرات، وغابات، وحيوانات، وغيرها، وما في كل ذلك من دقة ونظام عجيبين؟ قال: أنا لم أفكر من قبل، ولكن ما قاله هذا الرجل صحيح، الكون دقيق ومنظم.



قلت: من الذي خلق هذا الكون ووهبه هذه الدقة والإتقان والجمال؟ قال: الطبيعة. قلت: وما هي الطبيعة؟ قال: كل شيء نراه طبيعة. قلت: السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما طبيعة؟ قال: نعم.



قلت: بناء على ذلك نستطيع أن نقول: إن هذه الموجودات خلقت نفسها؟ قال: نعم.



قلت: هل يخلق الشيء نفسه؟ قال: نعم. قلت: ولكن الذي يخلق ويوجِد من العدم، يجب أن تكون له صفات، هي شرط في كونه أهلا للخلق. قال: مثل ماذا؟ قلت: البحر ماء غير عاقل ولا عالم، وكذا النهر، والجبل صخور. . والغابات.. والسماوات والأرض، كلها لا عقل لها ولا علم، والذي لا يعقل ولا يعلم لا يمكن أن يخلق، ثم إن كل شيء من هذه المخلوقات كان معدوماً، والمعدوم لا يقدر على خلق موجود.

قال: بعض أنواع الطبيعة لا تقدر على الخلق، وبعضها تقدر. قلت: مثل ماذا؟ قال: مثل بوذا، خلق نفسه.



وهنا دار نقاش طويل، كان سببه سوء فهم في الترجمة ـ مع أن الأخ إبراهيم جزاه الله خيراً قد أجاد ترجمة المعاني الأخرى - واتضح بعد ذلك أنه يقصد من الخلق: كون بوذا دعا الناس إلى الخير والأخلاق الحسنة.. وطريقته هذه جعلته عَلَما يتبع الناس تعاليمه ويقدمون له القرابين، ولم يقصد أنه أوجد نفسه من العدم.



ثم قلت له: هل أنت من الذين يعبدون بوذا؟ قال: ماذا تقصد بالعبادة؟ قلت: إذا أصابتك مصيبة تدعوه وتستغيث به، وتقدم له القرابين من فواكه وبخور وغيرها. قال: نفعل شيئاً من ذلك، لكن لا ندري عن العبادة، وأنا أومن بالخرافات. [يعني أنه ليس ملحداً].



قلت: هل تعترف بأن الشيء لا يخلق نفسه؟ قال: هذا يحتاج إلى دراسة حتى أتمكن من الجواب عليه.



قلت: سأضرب لك بعض الأمثلة ليتضح لك الأمر. قال: تفضل.



قلت: هل يمكن أن تكون نعلك التي تلبسها في قدمك أوجدت نفسها؟ قال: مستحيل. قلت: لماذا؟

قال: النعلان لا يقدران على إيجاد مصنع ومقوماته. قلت: والسيارة التي تقودها؟ قال: من باب أولى.

قلت: والطائرة؟ قال: وهذه أشد؟



قلت: من هنا يتبين لك أن الشيء لا يخلق نفسه، وأن الذي يخلق الشيء، لا بد أن يكون أقدم في الوجود من ذلك الشيء، ولا بد أن يكون عنده علم بمادته وقدرة على إيجادها، وعلى تصميمها، حتى تكون متقنة. قال: هذا صحيح.



قلت: وكذلك الإنسان لا بد أن يكون مخلوقاً لخالق غيره؟ قال: نعم.



قلت: ولو تعدد الخالقون سيختلفون في تدبير هذا الكون.

قال: كيف؟ قلت: أحد الخالقين يريد المطر ينزل في بلاد الصين، والآخر يريده ينزل في بلاد العرب، وأحدهم يريد من الشمس أن تشرق أولاً على أمريكا، والأخر يريدها أن تشرق أولاً على اليابان، وهكذا... فلا بد أن يكون الخالق واحداً. قال: الظاهر أن هذا أيضاً صحيح.



قلت: والذي يخلق الخلق كلهم هو ربهم وسيدهم، ويجب أن يطيعوه. قال: كيف يعرفون ماذا يريد أن يطيعوه فيه؟ قلت: هذا سؤال جدُّ عظيم، هل تريد أن تعرف جوابه؟ قال: نعم..



قلت: أليس الحكام إذا أرادوا من الشعب أن يفعل شيئاً، أو يترك شيئاً يكتبون له قوانين وينشرونها؟

قال: نعم. قلت: وإذا لم يفعلوا، هل يجوز أن يعاقبوا الناس على فعل شيء أو تركه، وهم لا يعرفونه؟

قال: لا.



قلت: فالله الخالق قد بعث إلى الناس رسلاً، وأنزل كتباً، يعلمهم ماذا يجب أن يفعلوا، وماذا يجب أن يتركوا، وآخر هؤلاء الرسل هو محمد صلى الله عليه ولم، الذي أرسله إلى الناس كافة، وكتابه القرآن لا يزال موجوداً إلى الآن، ويجب على كل من سمع عنه أن يؤمن به، فهل ترى هذا الأمر يستحق الدراسة والاهتمام؟



قال: كلامك معقول، ولكن يجب أن نجلس ونتفاهم زيادة حتى يكون الأمر أوضح. قلت: ما رأيك لو بعثت لك بترجمة معاني القرآن باللغة الصينية، هل تحب أن تقرأه؟ قال: نعم. قلت: إذَنْ سأبعث به لك مع هذا الشاب الصيني.



واتفقنا على ذلك، وأعطى الأخ إبراهيم عنوانه وهاتفه في مدينة بكين، ليوصل إليه الكتاب وغيره من الكتب، وأكدت على الأخ إبراهيم أن يخبر الأخ مصطفى صالح، ليختار له بعض الكتب المناسبة لترسل إليه، ولا أدري ماذا فعل الأخ إبراهيم؟ وعلى كل فقد أصبح هو محملاً مسؤولية الرجل، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.



لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة والله يهدي من يشاء:



بعد هذا الحوار مع هذا الرجل، أقول: إن الدعوة إلى الإسلام تحتاج إلى رجال لا يتركون فرصة تسنح لهم بدون أن يستغلوها في دعوة من أمكنهم دعوته، ولا يجوز أن ييأسوا من أي شعب أو أي شخص، وما يقال: إن الشعب الفلاني لا يقبل الإسلام، وأن من الصعوبة أن يدخل أهل هذا الشعب أو ذلك في

الإسلام... نعم من السهل دخول الناس في الإسلام، وإن كانت الشعوب تتفاوت، بحسب معتقداتها وعاداتها، ولكن يبقى عندنا أربعة أمور يجب ألاّ ننساها:



الأمر الأول: أن الله كلفنا تبليغ دينه، فإذا قدرنا على تبليغ أحد هذا الدين وجب تبليغه بالوسيلة الممكنة والأسلوب المناسب، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهل هناك حاجة أعظم من الحاجة إلى الإسلام الذي يترتب على الدخول فيه، أو عدم الدخول فيه النعيم الأبدي للداخل، أو العذاب السرمدي للرافض؟



الأمر الثاني: أن فطر الناس ـ ولو فسدت ـ هي في صف الدعاة إلى الله، فلا يجوز اليأس من دخول أحد في الإسلام، مهما كان عناده، ومهما كانت غفلته.



الأمر الثالث: أن الواجب علينا إقامة حجة الله على خلقه، وليس علينا هدايتهم، فالهداية من عند الله تعالى.



الأمر الرابع: أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى رجال يطرقون مسامع الناس بالحجج والبراهين الدالة على وجوب الدخول في هذا الدين، وتنبيههم من الغفلة ليقبلوا على دراسة هذا الدين، ليحي من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.



هذا، وقد وافق هذا الرجل بعد النقاش الطويل على أن الله موجود، وعلى الإيمان باليوم الآخر وبعث الأرواح والحساب، وتردد في الإيمان بالرسالة، ووافق على قراءة ما يأتيه من كتب عن الإسلام، وهذه كلها تدل بدون أدنى شك، على إمكان دعوة الناس في الصين إلى الإسلام، بالأسلوب المناسب، والحكمة، مع تجنب ما يثير الدولة التي تمنع الدعوة إلى الأديان قانوناً، وهي شديدة في المعاقبة والبطش.



بعد هذا الحوار الطويل، وصلنا إلى سور الصين العظيم..







السابق

الفهرس

التالي


14217167

عداد الصفحات العام

2264

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م