66- سافر معي في المشارق والمغارب
يوم أمس, 12:24 PM
الصين الشعبية ـ القسم الثاني (66)
المذكرات اليومية 1416ﻫ ـ 1995م والنتائج والتوصيات
رغبة وأسباب:
1 ـ لقد كانت رغبتي في زيارة الصين الشعبية أشد من رغبتي في زيارة أي بلد آخر من بلدان العالم، مع اشتياقي الشديد لزيارة كل بلدان العالم بل ومدن كل بلد.
2 ـ وهذه الرغبة الشاملة ـ لزيارة بلدان العالم ـ نبتت نواتها في نفسي منذ بدأت طلب العلم، عندما درست الجغرافيا [سنة: 1376ﻫ].التي كان ينفر من دراستها غالب زملائي في معهد صامطة العلمي، حتى إن إدارة المعاهد العلمية في الرياض أصدرت قراراً بتخيير الطلاب في دراسة الجغرافيا والحساب والهندسة أو عدم دراستها، وسُمِّي الطلاب الذين رفضوا دراسة تلك العلوم (متخصصين)، وكان أستاذ الجغرافيا [واسمه: فكري، وهو مصري]. لا يجرؤ على القول بأن الأرض كروية ـ فضلاً عن القول بأنها تدور! ـ
إشكال وسؤال وجواب
وعندما سألته ذات يوم ـ فيما بيني وبينه ـ كيف نتصور كروية الأرض؟ قال لي: هل تكتم السر إذا أريتك الكرة الأرضية التي تتمكن بها من هذا التصور؟ قلت: نعم. قال: فتعال عندي في المنزل، فاستأذنته في أن يحضر معي أحد زملائي [هذا الزميل هو الأخ علي بن عبد الله الأهدل الذي تخرج معي في المعهد، ثم ذهب هو لكلية الشريعة بالرياض، وأنا ذهبت إلى الجامعة الإسلامية، وبعد تخرجه تعوقد معه للتدريس في المعاهد العلمية، ومنها المعهد العلمي في صامطة، ولا زال حياً وق كتابتي هذه الحلقة، وقد توفي بعد ذلك رحمه الله.]. ـ وهو يعرف أنه من الراغبين في ذلك ـ فأذن لنا.
فذهبت أنا وزميلي إليه، فأخرج لنا الكرة الأرضية التي كان يريد إحضارها إلى المعهد، ولكنه عندما بدأ يتحدث عن كروية الأرض، ثار عليه جميع طلاب الفصل منكرين، أخفاها في منزله، وأخذ يشرح لنا كروية الأرض وقتاً طويلاً ـ وكان زميلي أسرع فهماً لها مني، لأنه درس مبادئ الجغرافيا في المرحلة الابتدائية بجدة.
وأما أنا فلم أكن أعرف عنها شيئاً ـ وكان من ضمن أسئلتي له، عندما رأيت صورة المياه البحرية التي تأخذ مساحة واسعة من اليابسة: كيف لا يسقط الماء من على وجه الأرض مع أنه يوجد كثير منه في الجانب الأسفل منها؟ فذكر لي أن العلو والسفل نسبيان.
ومع ذلك التصور ثم دراسة القارات والدول وتصورها في الخارطة، بدأت تحدثني نفسي بما كنت أظنه من المستحيلات، وهو زيارة بعض تلك البلدان والاطلاع على العجائب التي كنا نسمع عنها ونقرأ، فيما يتعلق بالجبال والغابات والبحار والجليد والأرض التي لا يرى أهلها الشمس إلا نادراً، وألوان البشر والحيوانات المتنوعة...!
3 ـ ثم اختفت تلك الرغبة الميؤوس من تحقيقها، إلى أن بدأت طلب العلم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة [سنة: 1382ﻫ ـ 1962م]. حيث كان زملائي من شتى أقطار العالم، وكانوا كل عام يزدادون وتزداد الأقطار التي يفدون منها.
وكنت أسمع عن أحوال المسلمين في تلك البلدان الإسلامية أو غيرها، كما كنت أسمع عن وصف تلك البلدان وما فيها من كثرة الأمطار والأنهار والغابات والوحوش.... فعاودتني الرغبة في الاطلاع على عجائب مخلوقات الله في أرضه، وبخاصة أن بعض زملائي كانوا يسافرون في الإجازة الصيفية ثم يعودون للدراسة فتتجدد المعلومات وتشتد الرغبة، ولكن تحقيقها كان عندي شبيهاً بالأحلام الممتعة.
4 ـ ثم مضى الوقت وانتهيت من الدراسة وأصبحت مدرساً في المعهدين التابعين للجامعة (المتوسط والثانوي)، وبدأ بعض المسؤولين والأساتذة في الجامعة يسافرون إلى بعض البلدان في إفريقيا وغيرها، وبدأت أقرأ عن رحلاتهم التي لم يسجلها منهم تسجيلاً فيه شمول ـ نسبي ـ ووصف للرحلة إلا أحد المسؤولين في الجامعة [وهو الشيخ محمد بن ناصر العبودي الذي ألف أول كتاب له في الرحلات، وهو (في إفريقيا الخضراء) وقد زار بعد ذلك غالب دول العالم، وكتب رحلاته وطبع الكثير منها توفي رحمه الله].
وهنا ازدادت الرغبة وزاد التفكير في الرحلات إلى الخارج، وبدأ الأمل في تحقيق تلك الرغبة ينمو، فأنا من مدرسي المعهدين (المتوسط والثانوي)بالجامعة، وصلتي بالجامعة قوية، ويمكن أن يأتي وقت يقال لي فيه: هل ترغب أن تسافر إلى البلد الفلاني؟ فيكون الجواب سريعاً بالإيجاب.
5 ـ وجاء تكليفي بعد ذلك من قِبَل سماحة شيخي العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الذي كانت وظيفته الرسمية في تلك الفترة، نائب رئيس الجامعة، و (كان رئيس الجامعة ـ رسمياً ـ سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مفتي المملكة العربية السعودية]. القيام بالإشراف على شئون الطلاب في الجامعة الإسلامية.
فإذا أنا أعيش ليلاً ونهاراً بين طلاب العالم الإسلامي الذين زادت جنسياتهم بعد فترة عن مائة جنسية، وكان لاختلاطي بهم ومعرفة الكثير عن بلدانهم ومشكلاتها، حافزاً آخر على الرغبة في الأسفار، حيث كانوا يقدمون بحوثاً في الندوات والرحلات الكثيرة التي كانت تنظم لهم، للتعريف بتلك البلدان وأحوال المسلمين فيها وما يجد فيها من أحداث، واستمر ذلك مدة تقارب عقداً من الزمان.
|
|