{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(034)أثر تربية المجتمع - الوسيلة السادسة: قوة الصلة بالله وطاعته:

(034)أثر تربية المجتمع - الوسيلة السادسة: قوة الصلة بالله وطاعته:



وذلك بأداء الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وذكر لله تعالى، وغيرها مما أوجبه الله تعالى لنفسه، أو أوجبه لعباده من الحقوق؛ لأن عدم القيام بالفرائض والواجبات يغضب الله تعالى، فهو من معاصي الله والمعاصي سبب في خذلان الله لأهلها، وخذلان الله مقتض للفشل وليس للثبات على الحق.

والذي يتتبع توجيهات الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، في دعوته للناس وتحمل المشاق التي تواجهه منهم، يجد هذه التوجيهات تحث الرسول صلى الله عليه وسلم، على الاجتهاد في قوة الصلة بالله تعالى في كل أوقاته من أجزاء الليل والنهار يُكثر فيها من تسبيح الله وتحميده والمداومة على قيام الليل.



ذلك أن من يدعو إلى الحق الإلهي ويريد الثبات عليه، يجد من الأسباب والمعوقات التي تضعف قوة إرادته واستمراره في الثبات؛ لأن من يدعوهم إلى الحق قد ألفوا من الباطل خلاف ما يدعوهم إليه من الحق، فيقفون ضد تلك الدعوة وقوفاً صلباً عنيدا، يحاربون كل من يريد تغيير ما ألفوه من الباطل، فإذا لم يكن صاحب الحق له ما يسنده ويقويه على ثباته، سرعان ما ينهار ويصاب باليأس المثبط له عن استمراره.



وليس لصاحب الحق ما يثبته عليه إلا الله الذي منحه الحق وأمره به، فإن قويت صلته به وأكثر من عمل ما يحبه من طاعته، وفقه الله وأعانه، وإن ضعفت صلته به ضعفت قوة إرادته وضعف ثباته، وهذه أمثلة من القرآن الكريم تبين هذه القاعدة وتدعمها.



تأمَّل هذه الآيات من سورة المزمل وما تلاها من آيات في سور أخرى أسردها بدون تعليق، لوضوح المراد منها، تأمَّل كيف يوجه الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى الإكثار من قيام الليل والتسبيح والتحميد والسجود ودوام العبادة في سياق دعوته الناس وثباته عليه؛ لأن ما يتلقاه من ثقل التكاليف القرآنية للقيام بتبليغ الحق إلى الناس والاستمرار على ذلك، لا يتحمله إلا من قَوَّى صلته بمن ألقاه عليه.



قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً(10)} [المزمل].



وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)}[الحجر]. وقال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ(49)}[الحجر]). وقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ(40)} [ق].



وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى(130)} [طه]. وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً(26)} [الإنسان].



فأنت تلحظ في هذه الآيات الكريمات، أن الله تعالى يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، بالصبر الذي يثبت به أمام الشدائد والمحن في دعوته، ويأمره بقيام الليل والتسبيح وكثرة الذكر، والآيات في ذلك كثيرة، والتجارب تدل على أنه لا يثبت الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، إلا إذا ألزم نفسه تقوى الله وكثرة عبادته بالفرائض والنوافل والتزكية لنفسه، ويكثرن من التقرب إلى الله والإخلاص له، ويجعل رضاه هو غايته وهدفه أما غيره ، ممن يجعلون غاياتهم الدنيا وزخارفها، فإنهم لا يقدرون على الصبر على مبادئهم، إلا قليلا.



الوسيلة السابعة: أن يؤدي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى المقصود منه:



بأن لا يؤدي إلى مفسدة أكبر من مفسدة المنكر الذي أريد تغييره، أو إلى تفويت مصلحة أعظم من مصلحة المعروف الذي أريد تحقيقه، فإن كان الأمر والنهي يؤديان إلى تلك المفسدة أو إلى تفويت تلك المصلحة، فلا يجوز الإقدام عليهما حينئذ؛ لأن الشارع لا يأمر بارتكاب أكبر المفسدتين أو تفويت أعظم المصلحتين، وإنما يأمر بارتكاب أخف المفسدتين، وبجلب أعظم المصلحتين.



ومما يبين العمل بهذه القاعدة ترك النبي صلى الله عليه وسلم، إدخال حِجر إسماعيل في بناء الكعبة وبناء بابين فيها للداخل من الشرق والخارج من الغرب، كما كانت على عهد إبراهيم عليه السلام، خشية من افتتان قريش بذلك، لحداثة عهدهم بالإسلام.



كما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن الجدار، من البيت هو؟ قال: (نعم) قلت: فمالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: (إن قومك قصرت بهم النفقة) قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: (فعل ذلك قومك، ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدار في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض). وفي رواية: (لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم) [البخاري (2/156) واللفظ له، ومسلم (2/968).].



قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وأنهما إذا

تعارضا بدئ بدفع المفسدة. وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة" [فتح الباري (3/448) وراجع مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/126ـ131).].



قلت: هنا مصلحتان: الأولى هدم البيت وبناؤه على قواعد إبراهيم، وجعل بابين له، كما كان أمره قبل بناء قريش، والثانية: إدخال الحجر في بناء البيت، لأن ذلك هو الأصل.



والمفسدة التي خشيها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ هي نفور قريش مما رغب الرسول صلى الله عليه وسلم، في فعله؛ لأن قرب عهدهم بالجاهلية، قد يحدث في نفوسهم حزناً على تغيير بنائهم، وقد يترتب على ذلك ما لا تحمد عقباه من معارضة الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد قدم صلى الله عليه وسلم هذه المفسدة، على عمل ما كان يرغب في عمله؛ لأن المفسدة أشد ضرراً من ترك المصلحتين.



ومن الأمثلة الواضحة لهذا الأمر، عدم جواز الخروج بالقوة على الحاكم الفاجر الذي لم يصل فجوره إلى حد الكفر البواح؛ لأن المقصود من الخروج إزاحته عن تولي أمر الناس، ووقايتهم من ظلمه وجوره، وهذا يعتبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنه منع منه خشية من الوقوع في مفسدة أعظم من فجوره وظلمه، وهي الاقتتال والتناحر المؤديين إلى فساد البلاد وهلاك العباد.



ولو تمكن أهل الحل والعقد من إزاحته بالوسائل التي لا تؤدي إلى مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، لكان لهم ذلك؛ لأن النهي عن منابذته ليس تعبدياً، بل هو معقول المعنى، وهو الخوف من المفسدة الأعظم، وقد سبق ذكر بعض الأحاديث التي فيها النهي عن منابذة الأمراء.



ويجب التنبيه هنا على أن بعض الحكام في هذا الزمان، قد يدخلون في باب الكفر البواح، وهم الذين يصرحون أن الشريعة الإسلامية غير قابلة للتطبيق، ويجبرون مع ذلك الشعوب الإسلامية على قبول الأحكام المأخوذة من قوانين البشر، مع مخالفتها الصريحة لحكم الله.



فهؤلاء يجب على أهل الحل والعقد في الشعوب الإسلامية، أن يتخذوا كافة الأسباب المتاحة، لإزاحتهم من تولي أمور المسلمين، مع مراعاة القدرة على ذلك.



ويجب أن يفرق بين الأمير الفاسق الذي يقتصر فسقه على نفسه، وبين الأمير الذي يجمع إلى فسقه نشر الفسق والفجور والفواحش في الأمة، داعماً ذلك بما مكنه الله به من قوة ومال وسلطة، فالأول يمكن الصبر على ولايته، وإن كان الأفضل تنازله عن الإمارة لمن هو أولى منه ممن لا يجاهر بالفسق.



أما الثاني، وهو الذي ينشر الفسق بين الأمة، ويحارب من يمنع ذلك، فهذا لا يجوز السكوت عليه؛ لأنه يفسد الأجيال ويبعدها عن طاعة الله، ولكن يجب في إزاحته مع مراعاة ما تقدم من مراعاة المصلحة والمفسدة.



هذا، ومما ينبغي أن يعلم أنه لا يصلح أن تجعل المسائل الاجتهادية من باب المنكر؛ لأن المجتهد، إذا أصاب فله أجران، وإذ أخطأ فله أجر، فلا يحكم على اجتهاد المجتهد الذي استنبطه من الكتاب والسنة، أو قاسه على أصل قابل للقياس بأنه منكر. ولا يمنع عدم الحكم على تلك المسائل بأنها منكر، من الحوار والمذاكرة فيها والمناظرة بين المجتهدين لإظهار أوجه الاستدلال وتمحيصها، وليس أدعياء الاجتهاد المتطفلين.



ولكن يجب التفريق بين مسائل الاجتهاد التي تتعارض فيها ظواهر الأدلة، وبعض مسائل الخلاف التي يوجد فيها نص من الكتاب والسنة أو الإجماع مع أحد الفريقين دون الآخر، وإنما قدم على النص قياساً ظنه صحيحاً وهو واضح الفساد إذ لا صحة لقياس يعارض نصاً ثابتاً، فهذا خلاف غير معتبر، ويجب مع محاورة صاحبه إنكاره إذا لم يرجع عنه، وإليه أشار الناظم:



وليس كل خلاف جاء معتبرا،،،،،،،،،إلا خلاف له حظ من النظر



قال ابن القيم رحمه الله: "وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها، ليس بصحيح، فإن الإنكار، إما أن يتوجه إلى القول والفتوى، أو العمل.

أما الأول، فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً شائعاً وجب إنكاره اتفاقاً... وأما العمل، فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار.



وكيف يقول فقيه: لا إنكار في المسائل المختلف فيها، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنة، وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء؟



أما إذا لم يكن في المسألة سنة، ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ، لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف، هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف ممن ليس لهم تحقيق في العلم.



والصواب ما عليه الأئمة، أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً، مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه، فيسوغ فيها الاجتهاد، لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها" [إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/288) وراجع كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/169) وما بعدها لشيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، فقد اشتمل على كثير من هذه المسائل.].





السابق

الفهرس

التالي


14225167

عداد الصفحات العام

2003

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م