{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(015)وقاية المجتمع من تعاطي المسكرات والمخدرات

(015)وقاية المجتمع من تعاطي المسكرات والمخدرات



المبحث الثاني: ما يترتب على قيام المجتمع الإسلامي بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عدم قيامه بذلك. وفي هذا المبحث فرعان:



الفرع الأول: قيام ولاة أمور المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



لقد جعل الله رسوله صلّى الله عليه وسلم، قدوة حسنة للمسلمين في كل شيء، إلا ما نص على اختصاصه به، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) [الأحزاب: 21].



وقال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث …) [الأعراف: 157].



وقال في ولاة أمور المسلمين المقتدين به صلّى الله عليه وسلم: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) [الحج: 41].



وقد شرع رسول الله صلّى الله عليه وسلم لولاة الأمور، أن يقوموا في رعاياهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في السفر والحضر والمسجد والمنزل والشارع والسوق، وعلى كل حال من الأحوال، لما يترتب على ذلك من مطاردة المنكر بكل أنواعه، في كل مكان، حتى لا يجد له مأوى في المجتمع الإسلامي يستقر فيه.



فمن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في المسجد، ما رواه جابر رضِي الله عنه، أن رجلاً مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها، فأمر أن يأخذ بنصولها لا يخدش مسلماً، وفي حديث أبي موسى عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها … أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء) [البخاري (8/90) و مسلم (4/2019)] .



ومن أمره صلّى الله عليه وسلم بالمعروف ونهيه عن المنكر في السوق، ما رواه أبو هريرة رضِي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام)؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس منا) [مسلم: (1/99)] .



ومن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في السفر، وعلى مرأى من جموع كبيرة من البشر، في وقت عبادة من أعظم العبادات، ما رواه جابر رضِي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (استنصت الناس) ثم قال: (لا ترجعوا بعدي كفارا،ً يضرب بعضكم رقاب بعض) [البخاري (8/91)].



ومن ذلك قصة الفضل بن عباس، الذي كان راكباً خلفه صلّى الله عليه وسلم في هذه الحجة، فمرت نساء يسألن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأخذ الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، ليحول بينه وبين النظر إلى النساء، فحول الفضل وجهه ينظر من الشق الآخر، فحول الرسول صلّى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر، ليحول بينه وبين النظر إليهن [راجع البخاري (2/551) و مسلم (2/891)].



إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضع لأولياء أمور المسلمين منهاجاً يسيرون عليه، وهو أن يبذلوا وسعهم في اتخاذ الأسباب التي تحول بين الشباب ووصوله إلى معصية الله، حتى لو اقتضى الأمر أن يقوم ولي الأمر بنفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو قارنا بين سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشرعه، وبين ما يحصل اليوم في أكثر الشعوب الإسلامية من منكرات يقرها ولاة أمور المسلمين، إما صراحة وإما ضمنا،ً في الأسواق، والنوادي، والمسارح، وأجهزة الإعلام، من إذاعة وتلفاز وفيديو وجريدة ومجلة وغيرها، حتى إن التلفاز يعرض ما هو منكر ويدعو إلى المنكر في كل بيت، فيرى الشاب مغازلة الرجال للنساء، بل ما هو أعظم، ويرى عرض أفلام تدعوا إلى الجرائم الخلقية والجنائية، ومن ذلك تناول المسكرات والمخدرات، وهذه الأخيرة يقال: إنها تعرض للتنفير من عواقبها، ولكن لو تتبع المسئولون فقراتها بدقة، لرأوا أنها تدعوا إلى العكس في كثير من الأحيان، إذ يكون الفوز في المسلسلة لبائعي المخدرات ومروجيها، حيث يصبحون أغنياء، وإن كان فيها ضحايا من غيرهم، وهل يأمن ولاة الأمور من أن يتفق الممثلون اتفاقات سرية مع تجار المخدرات، لتكون المسلسلات في حقيقة الأمر من وسائل ترويج المخدرات؟



قارن أيها العاقل بين تغطية الرسول صلّى الله عليه وسلم وجه الفضل بن العباس من -وهو شاب غلبته نفسه-أن ينظر إلى ما حرم الله عليه، وبين ما يقره كثير من ولاة الأمور في شاشة التلفاز وغيره، مما يعرض فيها من منكر، على الأسر وفيهم الشباب والشابات، ثم نرى بعد ذلك الاستنجاد بالإسلام لوقاية الشباب من بعض المنكرات، أترى هذا منطقاً مستقيماً، أم تراه مكبا على وجهه؟



إن المنكرات يجر بعضها بعضا، فالخمر تدعو إلى الزنا والاعتداء على الأنفس والأموال، والزنا يدعو إلى غيره، والواجب على ولاة الأمور أن يتخذوا كل الوسائل المشروعة، لمحاربة كل الموبقات ليطهروا المجتمع من أرجاسها.



وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن من خصائص هذه لأمة، الأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر، لكل أحد من البشر [كتاب الاستقامة (2/200-203)].



فالمعصية التي تتمكن من الإنسان تجره إلى غيرها، والإنسان الذي يصر على معصية ينقلها لغيره، وإقبال النفوس على المعاصي أكثر من إقبالها على الطاعات، وهذا يوجب الاستمرار واليقظة من ولاة الأمور، لمتابعة المنكرات ومطاردتها، وكف الناس عنها بكل الوسائل المشروعة والمتاحة.



الفرع الثاني: قيام المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



وقد أوجب الله تعالى على كل فرد من أفراد المسلمين، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما ورد في الحديث: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [مسلم (1/69)].



ولفظه: (من) تفيد العموم فلا يخرج أي فرد من أفراد المسلمين من هذا العموم، ولكن لما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية التي إذا قام بها أحد قياماً كافياً سقط عن الباقين، فإن الفرد إذا رأى منكراً ورأى من يغيره فقد سقط عنه، لأن الهدف هو إزالة المنكر، لكن لا يخرج من هذا العموم أي مسلم، فيما يتعلق ببغض المنكر بالقلب، فالذي لا يبغض المنكر آثم، ولو لم يتعاطاه هو، أو أنكره غيره فكفاه.



وأمر الرسول صلى اله عليه وسلم الأسرة، أن تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما بينها كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: كما روى عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر" [الترمذي (2/259) وقال:… حديث حسن صحيح، وأبو داود (1/332-333) وقال المحشي عليه: "وفي المجموع للنووي (3/10): حديث سبرة صحيح.." وهو في شرح السنة للبغوي (2/406) قال المحشي: وإسناده حسن].



وأمر صلّى الله عليه وسلم المجتمع بتغيير المنكر في الشارع والنادي والسوق، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضِي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات) فقالوا: "ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها" قال: (فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه) قالوا: "وما حق الطريق"؟ قال: (غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر) [البخاري (3/103) ومسلم (3/1675)].



وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لا يدعون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في أشد الحالات حرجا عليهم، في مرض الموت، ومن أمثلة ذلك أن أبا موسى الأشعري رضِي الله عنه، وجع وجعاً فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً، فلما أفاق قال: "أنا بريء مما برئ منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة" [البخاري (1/436) ومسلم (1/100) والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة].



ويترب على قيام ولي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الأفراد والأسر، وكل المجتمع، أن يكون أهل المنكر في وحشة، يُعتَبرون نشازاً في المجتمع، لأنهم يرون المجتمع ينبذ منكرهم ولا يرضى به، فلا يفشوا المنكر، وإنما يختفي الأفراد الذين يصرون عليه، ولا يجاهرون به، فالمجتمع في هذه الحالة مجتمع نظيف، يرفض الدنس ويحارب الأمراض ويقي نفسه من انتشارها، والعصاة يشعرون بأنهم مرضى يحتاجون إلى علاج ينالون به الشفاء، حتى يعودوا إلى المجتمع أسوياء أصحاء مقبولين.



أما إذا تركت المعاصي تنتشر ولم يغير المنكر، فإن تلك المعاصي تَشبُّ في المجتمع كما تشب النار في الهشيم، وعندئذ يصعب إطفاء تلك النار الشاملة.



ولعل هذا يوضح لنا السبب في انتشار المسكرات والمخدرات بشكل مخيف، في كثير من بلدان المسلمين التي أُقِرَّت فيها المنكرات الكثيرة، ولهذا بدأ ولاة الأمور يشعرون بالخطر من المخدرات من الناحية الاقتصادية، وقد يهتمون بها من الناحية الاجتماعية، فأخذوا يحاولون محاربتها ويستغيثون بأي وسيلة تخفف من شرها القاتل، ومن تلك الوسائل نصائح علماء الإسلام التي يظنون أنها قد تفيد في هذه المعضلة، ولكن استغاثتهم تلك، شبيهة بقطع أغصان الأشجار المتدلية التي تزيدها قوة ونماء وجمالاً، ولم يحاولوا اجتثاث الشجرة من أصلها، وذلك بتربية الشعوب على الإيمان والعمل الصالح، ونشر الأخلاق الفاضلة ومحاربة الأخلاق السيئة الفاسدة كلها.



إن الاستعانة بالإسلام عند الحاجة لمحاربة بعض المنكرات، وعدم أخذه وتطبيقه كاملاً، هي شبيهة باستنجاد دول الغرب بالإسلام الذي لم تهدأ عن محاربته، يستعينون به في محاربة الشيوعية، في بعض بلدان المسلمين، ثم يعودون لمحاربته بضراوة، كما هو شأنهم اليوم، فهل يليق بالمسلمين أن يكونوا كذلك؟ وهل ينتظرون من الإسلام الذي يحاربون تطبيقه في كل شئون الحياة، أن ينجدهم في أوقات الضنك المحرجة وهم يحاربونه في شتى المجالات؟





السابق

الفهرس

التالي


14235954

عداد الصفحات العام

1602

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م