﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(036)أثر تربية المجتمع - الحالات التي يعفى فيها عن تارك الأمر والنهي:

(036)أثر تربية المجتمع - الحالات التي يعفى فيها عن تارك الأمر والنهي:



إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاعدة من قواعد الإسلام العظام التي لا يجوز تركها والتفريط فيها؛ لأن في تركها هدماً للإسلام وتقويضاً لأركانه.



وعباد الله الصالحون يحرصون على رفع راية الإسلام، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويَفْدون دينهم بأنفسهم وأموالهم، ويتحملون كل أنواع الأذى والمشقة محتسبين ذلك كله عند ربهم.



ولكن القيام بهذا الأمر والنهي قد لا يؤدي إلى المقصود منه، وهو على ثلاث حالات:



الحالة الأولى: أن يؤدي إلى مفسدة أعظم من المصلحة المراد تحقيقها منه، وقد سبق بيان حكم هذه المسألة وذكر أمثلة لها، وفي هذه الحالة يجب فيها ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [وقد فصل الكلام في هذه المسألة كثير من العلماء ومنهم ابن تيمية في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلميذه ابن القيم رحمه الله، وغيرهما في كتب التفسير وشروح الحديث.].



الحالة الثانية: أن لا يرجى من الأمر والنهي نفع يحصل، بل يجزم الآمر والناهي بعدم جدوى أمره ونهيه، وفي هذه الحالة يجوز له ترك الأمر والنهي، وقد اسْتُدِل على ذلك بمفهوم قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى(9)} [الأعلى].



ومن الأحاديث الموضحة لذلك، حديث أبي ثعلبة الخشني، t قال له أبو أمية الشيباني: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ(105)}. قال: سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي

برأيه، ورأيت أمراً لا يَدان لك به، فعليك خويصة نفسك، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن على مثل قبض الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون بمثل عمله)
وفي رواية: "قيل: يا رسول الله، خمسين منا أو منهم؟ قال: (بل خمسين منكم) [الحاكم (4/358) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وابن ماجة (2/1331) والترمذي، والزيادة له (5/257) وقال: هذا حديث حسن غريب. قال شارح سنن أبي داود في كتابه: "عون المعبود": "واعلم أنه وقع في بعض النسخ: >فإن من ورائكم أيام الصبر فيه مثل قبض على الجمر<، قال في فتح الودود قوله: >فإن من ورائكم أيام< هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها أياماً بالنصب وهو الظاهر، والأول محمول على مسامحة أهل الحديث فإنهم كثيراً ما يكتبون المنصوب بصورة المرفوع أو على لغة من يرفع اسم إن أو على حذف ضمير الشأن والله تعالى أعلم انتهى".].



فقد بين صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث، الأسباب المبيحة لترك الأمر والنهي وهي الشح المطاع، واتباع الهوى، وإيثار الدنيا، والإعجاب بالرأي، وعدم القدرة التي يأخذ بها الآمر والناهي على أيدي أهل المنكر.



فيجوز له عندئذٍ أن يعتزل الناس، ولا يأمرهم ولا ينهاهم، ويجتهد في استقامة نفسه على أمر الله، والبعد عما يرتكبه أهل الكفر والفسوق والعصيان. أما ما دام احتمال النفع قائماً والقدرة على التغيير بحسب رتبه السابقة موجودة، فلا يجوز ترك الأمر والنهي.



الحالة الثالثة: أن يخاف الآمر والناهي حصول ضرر عليه، بسبب أمره ونهيه، فإن كان الضرر المتوقع هو مجرد اللوم، وليس الأذى المتعدي إلى نفسه أو أهله أو ماله، فإن الخوف لا يكون سبباً مبيحاً لترك الأمر والنهي؛ لأن اللوم لا يسلم منه أحد، حتى لو لم يأمر ولم ينه، بل استقام على أمر الله وترك الناس وشأنهم، فإن الناس لا يتركون الكلام فيه.



وإن كان الضرر المتوقع هو الاعتداء عليه، بالضرب أو الحبس أو القتل، أو أخذ المال، أو انتهاك العرض ونحو ذلك، وغلب على ظنه أن ذلك سيحصل فعلاً، وليس مجرد ظنون لا سند لها، وكان يرجو من أمره ونهيه حصول المقصود من القيام بهما مع تعرضه للأذى، فالأفضل له أن يأمر وينهى ويصبر على ما يناله من أذى، وبخاصة إذا كان المعروف المتروك من المصالح العامة التي لا يستقيم أمر الناس بدونها، أو كان المنكر المتعاطَى من المفاسد التي يعم ضررها الناس.



هذا إذا كان لديه مقدرة على الصبر، وإن كان لا يستطيع الصبر على الأذى فعليه أن يكره المنكر بقلبه، ويجوز له الكف عن الأمر والنهي، ويدخل عندئذ في مثل قوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286، وراجع الجامع لأحكام القرآن (4/48).].



هذا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن المسلمين إذا أهملوا هذه القاعدة، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اختلت الموازين، وحل كل شيء في غير محله، يتولى قيادة الناس سفهاؤهم، ويتعاطى الفواحش فيهم وجهاؤهم، وينسب العلم إلى فساقهم. كما روى أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: (إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم)، قلنا: يا رسول الله، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: (الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم) [ابن ماجة (2/1331) قال المحقق في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات.].



وبهذا يعلم فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يحققه في المجتمع من منع المعتدي، ونصر المظلوم، وتثبيت الحق، وتثبيت الولاء الصادق بين الأمة، وإزهاق الباطل والأمن من عقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة.



وإن الأمن على الأنفس والأعراض والأموال وسائر الحقوق، يشمل كل أفراد المجتمع، فلا يخاف أفراد الأسرة من اعتداء بعضهم على حقوق بعض؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائم، ولا يخاف الجار من جاره، ولا يخاف المحكوم من الحاكم، ولا الحاكم من المحكوم؛ لأن المجتمع مع صاحب الحق ضعف أم قوي.



وهكذا لا يجد الخارج على أحكام الله وقواعد دينه، ومصالح عباده أفراداً وجماعات، من يؤويه وينصره ويجرئه على خروجه، وإنما يجد نفسه شاذاً يحاصره المجتمع من كل الجوانب، حتى يعود إلى صفه النقي النظيف.



وإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يفسد الدين والنفوس والأعراض والأموال، ويمكن للفواحش في الأرض، ويرفع درجة الأراذل الأنذال، ويحط من قدر الأعزة الصالحين، ويجعل الناس في خوف دائم من الاعتداء على تلك الضرورات.



ولا غرو، فقد قال الله تعالى مبيناً ما يترتب على ترك الأمر والنهي، وهو الخسران المبين الذي لا يسلم منه إلا أهل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، الذين من أهم مظاهر ولائهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)}[العصر].





السابق

الفهرس

التالي


15248344

عداد الصفحات العام

775

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م