﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(022)السباق إلى العقول

(022)السباق إلى العقول



أمثلة تبين أضرار الكذب السياسي المدمر

ولا بد من ذكر بعض الأمثلة الواقعة لتتنبه العقول الغافلة بها، فقد عميت بصائر الأمم عن الاعتبار بمن سبقها في الأمم الماضية، ولعل في التذكير بالواقع ما ينبه تلك العقول الغافلة:



المثال الأول: الثورة الكمالية التي خطط لها اليهود والنصارى، للإجهاز على ما بقي من رمز الخلافة الإسلامية التي حملها بنو عثمان. فقد ضعفت هذه الخلافة، حتى أصبحت تسمى بالرجل المريض، واحتل أعداء الإسلام من الصليبيين الأوربيين عاصمة الخلافة (الأستانة) وقد أخرجوا صنما أحاطوه بهالة من العظمة والانتصارات-وكان الخليفة سجينا في دار الخلافة-حتى انتعشت آمال المسلمين الذين ظنوا ذلك الصنم مجَدِّدا لمعركة بدر، وجهاد صلاح الدين، وتخيلوا الملائكة وهي تحفه بالنصر في السماء وكتائب الجهاد ترفع رايته الأرض، فمدحه الشعراء وأثنوا عليه ثناء عطرا، فقال فيه شوقي:



الله أكبر كم في الفتح من عجب،،،،،،،،،يا خالد الترك جدد خالد العرب

يوم كبدر فخيل الله راقصة،،،،،،،،،،،،على الصعيد وخيل الله في السحب



وأخذت أجهزة الإعلام المتاحة في تلك الفترة تكيل المديحَ للقائد المنتصر، والقدحَ والذمَّ للخليفة المغلوب على أمره، الذي بقي يصارع المساومات اليهودية الصليبية إلى آخر لحظة من ولايته.



وبذلك سوغ الكذبُ والتضليل لفرعونِ التركِ الصغير أن يقضي على رمز الخلافة ويفصل الدين عن الدولة-كما أراد ذلك اليهود والصليبيون-ويَطرد الخليفة وأسرته إلى خارج حدود تركيا، ويحارب الإسلام وأهله حربا لا هوادة فيها. ولا زال أتباعه يحذون حذوه في محاربة الإسلام والمسلمين، ليضاعفوا له الوزر الذي سيتضاعف لهم كذلك. وما يفعله العسكر وحلفاؤهم في تركيا اليوم من حرب للقرآن ومدارسه، والمساجد وأئمتها، والدعاة إلى الله وأنصارهم، غير خاف على أحد





وعند ذلك استيقظ الغافلون عن المكر اليهودي الصليبي، وأخذوا ينوحون على الخلافة والخليفة والإسلام ويحاولون محاولة فاشلة، أن يجدوا لعودتهما سبيلا، وهيهات، و ذاق المسلمون بعدها أقسى عقاب وأعظم ذل. فناحوا وبكوا، وهل يعيد الموتى النواح والبكاء؟!

وهنا قال شوقي يرثي الخلافة التي أطاح بها خالد الترك!:



عادت اغاني العرس رجْـع نُواح،،،،،،ونُعِـيـتِ بيــن معــــالم الافـــــــــــراح

كُفِّنتِ في ليل الـــزفـــاف بثوبــه،،،،،،،ودُفِـنــتِ عنـــد تَبَلُّـج الإصـبـــــــــــاح

شُيِّعتِ من هَلَــعٍ بعَـبْــرَة ضاحـك،،،،،،فـي كــل ناحيــة وسَكـْــرة صـــــــــاح

ضجـَّتْ عليـك مـــآذنٌ ومنابــــــرٌ،،،،،،وبكـــت عليـك ممــالـك ونــــَـــــــواح

الهنـد والهـة ومصـــر حـزيـنــــة،،،،،،تبكـــي عليـك بمَـدمــع سحّـــــــــــاح

والشـام تسال والعــراق وفــارس،،،،،،،،،أمحــا من الارض الخـلافـةَ مـــــــاح



وأما كيف خدع المسلمين مصطفى كمال أتاتورك، وكذب عليهم حتى صدقوه ودعموه، فيكفي نقل هذا المقطع من كتاب: تاريخ الدولة العلية
العثمانية [للأستاذ محمد فريد بك المحامي تحقيق الدكتور إحسان حقي دار النفائس ص 754 وما بعدها.]: (وكما أن الغربيين قد نجحوا في مخططهم وجعلوا العالم الإسلامي كله يسير فخورا بضع سنوات وراء الثورة الكمالية، فقد استغل مصطفى كمال عواطف المسلمين وأموالهم إلى أبعد حدود الاستغلال، وكسا ثورته لباسا إسلاميا، سواء بأحاديثه وتصريحاته وخطبه أو بمعاملته لزعماء المسلمين، فمن ذلك أنه استعان بالزعيم الليبي الشهير أحمد السنوسي وجعله مستشارا له، وكان يبرق إليه، كما قال لي صديقي الأمير شكيب أرسلان، إذا أراد شن هجوم على مكان ما قائلا: إننا ننوي الهجوم غدا أو بعد غدٍ على مكان ما، فاقرؤوا البخاري الشريف على نية النجاح والتوفيق.



واستغل أيضا أعمال وأقوال جمعية الخلفاء الهندية التي قامت برعاية الأخوين شوكت علي ومحمد علي واستغل الشعراء فمدحوه، والأدباء فأثنوا عليه، ومشايخ الطرق فرفعوه إلى مقام الولاية [ولا زال بعضهم يؤيد علمانيته إلى اليوم. وهكذا يستغل الطغاة المحاربون للإسلام بعضَ المنتسبين إلى العلم والأدب للإشادة بهم حتى يغتر بهم عوام الناس فيؤيد الطواغيت.].



كان مصطفى كمال يبطن غير ما يظهر وينوي أن يفعل غير ما يقول، إذ أنه ما كاد ينتصر نهائيا ويطمئن إلى مصيره، حتى ألغى الخلافة وطرد الخليفة من البلاد وطرد السيد أحمد السنوسي، وتنكر لكل القيم الإسلامية وسار بسيرة ليس فيها أي مصلحة للإسلام ولا للمسلمين، لا بل ليس فيها أية مصلحة لتركيا نفسها، فها هي تركيا بعد مضي ستين سنة على هذه الثورة، ما زالت بلدا ناميا ضعيفا، لا حول له ولا طول، فالحركة العلمية فيها ضعيفة، والأمية سائدة، والحياة الاجتماعية متأخرة والحالة الاقتصادية في الحضيض، وكل ما فعلته هذه الثورة أنها أشغلت الناس بأمور جانبية تافهة مثل إلغاء الطربوش، وسفور النساء، ولو كان هذان الأمران تركا للزمن لتكفل بتحقيقهما من غير ثورة كما حدث في كل البلاد الإسلامية...)
. [ولا زال الكماليون مصرين على تطبيق العلمانية المعادية للإسلام والمحاربة لأهله في تركيا ويضايقون دعاة الحكم بالإسلام، بل بلغ بهم الأمر أن يغلقوا مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ويتخذون كل الوسائل للقضاء على تعليم الشباب المسلم العلوم الإسلامية، ومن ذلك إغلاقهم معاهد الأئمة والخطباء، وعدم اعترافهم بشهادات الجامعات الإسلامية في عواصم الإسلام، كالأزهر والجامعة الإسلامية وغيرهما، ولكن الصحوة الإسلامية تشق طريقها إلى إعادة مجد الإسلام ورفع رايته وسينصرهم الله على أعدائهم، وقد كان لقيام حزب العدالة والتنمية، أثر فعال في التحول من فئة الجيش الكمالي المحارب للإسلام المتمسك بمبادئ أتاتور، إحياء بعض المبادئ الإسلامية، وقد نححوا في التخفيف من القبضة العسكرية...]



ذاك هو المثال الأول.



هذا قبل أن يتولى الحكمَ تلاميذُ الداعية المربي المسلم "أربكان"ر حمه الله: الذي تلقى من العسكر شتى أنواع الأذى في تركيا، وقد خلفه تلاميذه بإنشاء ؛"حزب العدالة والتنمية، ونجحوا في سياستهم نجاحا فائقا لم يعهد في حكم العسكر، ولكن الذين يغيظهم بروز الوجه المشرق للإسلام، خوفا من تأثيره على الناس ودخول غير المسلمين فيه، وتمسك جهلة المسلمين به، لما يرونه من الخير في تطبيقه في واقع الحياة، أخذوا يحيكون المؤامرت ضد الحكومة التركية الحالية، برئاسة أردغان، حتى االذين يحالفون تركيا وعلى رأسهم أمريكا وغالب الدول الأوربية.



وقبل أن أذكر المثال الثاني للكذب السياسي المدمر من طغاة الحكم، أود أن أنوه أن ذكره سيزعج من يسمون بـ"القوميين العرب" الذين أحلوا القومية العربية، محل الإسلام وشريعته، اقتداء بالقوميات الغربية، بل بتخطيط وتوجيه منها، عندما سلطوا على آخر رمز للخلافة الإسلامية في تركيا المثال الأول: "أتاتورك" الذي نفذ لهم في بلاده ضد الإسلام ما لا قدرة لهم هم على تنفيذه، ولذلك تجذرت القومية التركية في هذا البلد، ولا زالت ترفع رأسها ضد الإسلام.



هذه القومية التي خطط الغرب لإحلالها محل الإسلام، الذي دعا علماؤه ومفكروه إلى إحياء خلافته المسلوبة، بإقامة الجامعة الإسلامية، و القوميةالعربية هي التي أقاموا على أساسها "الجامعة العربية" ليصرفوا المسلمين، ومنهم العرب عن الاستجابة لدعاة الجامعة الإسلامية إلى هذه القومية وتم لهم ذلك، ولهذا بقيت الجامعة العربية اسما على غير مسمى، اختلاف دولها هو الأصل في كل ضرورات حياتهم، الدينية والاقتصادية والتعليمية والصناعية والعسكرية وغيرها.



يقيم هذه الجامعة ويقعدها الغرب الذي كان المشير، بل الآمر بها، وعلى ضوء ذلك خططوا لإقامة أحزاب متعددة، وكلها يدعي أنه يريد رفع راية القومية العربية، وكان من نصيب مصر التي هي أكبر البلدان العربية، من حيث السكان، ومن حيث الثقافة والكفاءات التخصصية، أن قفز على كرسي حكمها – بعد القضاء على الملكية فيها - العسكر الذين سموا أنفسهم بـ"الضباط الأحرار" وخدعهم عسكري واحد منهم، أخفى لهم ما كان يبطن، فوضع نفسه في أعلى السلم، وقضى على الآخرين. وتنكر لكل ما كان بينهم من عقود وعهود، -وهذه طبيعة قادة الجيش في مصر إلى الآن يقسمون على السمع والطاعة ثم ينقضون قسمهم-



وأول هدف وضعه لنفسه ذلك الزعيم، هو الحرب على الإسلام ودعاته، الذين كان منهم ضباط مخلصون وزعماء مفكرون، لهم وزنهم في الشعب المصري، تسلق على أكتافهم، ليصل إلى أعلى السلم، باسم القومية العربية، وكال لدعاة الإسلام التهم التي جعلها سببا، لقتلهم واعتقالهم وتعذيبهم، وتشتيتهم، وترميل أزواجهم، وتيتيم أطفالهم، واغتيالاتهم، ومن تهمه لهم، ولكل من لم يوافقه منهم ومن غيرهم من المصريين، بل ومن زعماء الدول العربية الذين كان يُطلِق عليهم صفة "الرجعية" وأتباع الإمبريالية. وكان متعطشا للسيطرة على كل الدول العربية تحت زعامته.



وخدع الشباب بشعارات القومية العربية والتقدمية، ثم بالاشتراكية والاشتراكية العلمية، ومكن للإلحاد والملحدين، أن يسمموا أفكار شباب مصر الذين كانوا يورِّدون أفكارهم إلى بقية الشعوب العربية، فجعلهم يتسابقون إلى عقولهم بأعظم باطل في الإسلام، وهو الإلحاد، والإيمان بأفكار ماركس ولينين، ومكن للفسق والفاسقين من نشر فسقهم في البلد، وضيق على كل من لا يوافقه على مبادئه.



وأنشأ خطته الاقتصادية التي دمرت الشعب المصري، باسم الاشتراكية، فأفقر الأغنياء، وزاد الفقراء فقرا، حتى أصبحوا يتمنون أن يعود لهم فقرهم الملكي السابق لحكمه، بدلا من الفقر الجديد المدقع، وبعثر أموال مصر وميزانياتها في تكديس الأسلحة السوفييتية التي أصبحت – عند الحاجة إليها لدفاع الجيش عن نفسه من عدوان اليهود – خردة لا تسوى شيئا، حتى احتل اليهود من الأرض المصرية صحراء سيناء والسويس والمدن الشمالية الشرقية من مصر، ووصلوا إلى الكيلو "1" من القاهرة، وكانوا قادرين على احتلال القاهرة، لو لم يمنعهم من ذلك حلفاؤهم الغربيون لحسابات سياسية خاصة.



وأزهق اليهود أرواح شباب مصر العسكريين، وحطموا مطاراتهم وطائراتهم التي لم يبق منها إلا ما هرَّبه إلى بعض مطارات المملكة العربية السعودية، ولكنه في نفس الوقت الذي تم فيه احتلال أرضه، كان يرغي ويزبد من صوت العرب، الذي كان هو الوسيلة الإعلامية الأقوى في المنطقة، وينشر إعلاناته الحربية الشجاعة، بأن جيشه قد تمكن من تحطيم طائرات العدو، وجعلها تتساقط على أرض سيناء، وأنه يدمر اليهود وأسلحتهم الأرضية في المعركة الحاسمة.



ثم بعد يومين أو ثلاثة فاجأ الشعب المصري، والشعوب العربية والإسلامية التي كانت مسرورة بانتصارته، بالهزيمة المنكرة التي أصابت أبناء عمرو بن العاص في المقتل، وهنا أراد أن يدغدغ عواطف الشعب ويخدعه كعادته، لأنه يعرف أن الشعب المصري عاطفي، وقد ملأ أدمغته بالأكاذيب الخادعة في وسائل إعلامه، من يوم استولى على حكمه، حتى يوم الهزيمة، ببطولاته ومبادئه السامية، وما حققه للشعب وما سيحققه في المستقبل، فأعلن هزيمته التي فضحته فيها وسائل الإعلام الغربية قبل إعلانه، وشاهدها الشعب بأم عينيه، وأسال دموعه على خديه أمام شعبه، معترفا بأنه يتحمل الهزيمة التي أحلها به أذل خلق الله في الأرض "اليهود" وجعل تلك الدموع وذلك الاعتراف مقدمة لاستقالته، وعلى الشعب أن يختار له رئيسا غيره.



ومعلوم ما عنده من المباحث العامة التي قد يكون أعضاؤها موجودين في كل بيت من بيوت مصر، فينتحلون الأسف والندم على تلك الاستقالة، لزعيم لا يمكن أن تجد مصر من يدانيه في بطولاته الشاملة لكل ما تحتاجه مصر، بل الأمة العربية كلها.



فحشدوا الجماهير بأساليبهم التي لا يعرفها بسطاء الناس، فخرج الشعب المصري، يصيح وينتحب، يرجو القائد الملهم الذي استقال، أن يرجع عن استقالته، فاغتنم الفرصة، وأصدر بيانه الذي بشر الشعب فيه برجوعه، نزولا عند رغبته، مع العلم أن بعض قادة الجيش، كان ناقما عليه، وبان للرجل أنهم ينافسونه، وقد تكون منافستهم له، بالأساليب المعروفة في ذلك الوقت، وهو الانقلاب العسكري الصريح، أو التسميم أو ما أشبه ذلك، وكان ذلك هو السبب الأصيل لاستقالته، ولحشد الشعب بالهتاف لبقائه.

ومعروف ما حصل من لغط حول موت عبد الحكيم عامر وما صرح به بعض أقاربه، هل هو موت عادي، أو غير عادي، فذلك يشير إلى سبب الاستقالة وما تلاها.



لقد ظهرت في تلك الفترة – مع ضعف الإعلام - بحوث وكتب ومقالات، وقصائد شعر، قرأناها وغالب ما فيها حقائق، تفضح القائد الملهم الذي يندر وجوده في الأرض، زد على ذلك من أعمال الرجل، أنه بسبب تلك الشعارات الرنانة، وبخاصة الدعوة إلى القومية العربية والتقدمية والحرية التي كان يكررها في خطاباته التي تأخذ أحيانا ساعات، خدع بها عقول الناس شبابا وشيبا، رجالا ونساء، لأن المسلمين ومنهم العرب، وصلوا إلى اليأس من عودة عزتهم وحريتهم، فأرضهم إما محتلة كأرض فلسطين، وإما يسيطر على حكامها زعماء الغرب، وبخاصة أمريكا، وقد كان جهل الشباب العرب في تلك الفترة في البلدان العربية عظيما – وبخاصة جهلهم بالإسلام – فقد كان الرجل إذا أراد أن يسب صاحبه، يلعنه ويلعن أباه ويلعن دينه.



وكان أفضل ما يوجد من مناهج التعليم في الدول العربية، في جودة طباعة الكتب وترتيب المعلومات، وبخاصة في العلوم التي كانت تسمى "حديثة" هي مناهج مصر وكتب تعليمه، وكانت البلدان العربية فقيرة من وجود مدرسين أكفاء، فكان حكامها يستقدمون لمدارسهم و كلياتهم، مدرسين في غالب العلوم، وكانت المؤسسات التعليمية في الدول العربية، لا تجد مادة دراسية مناسبة، إلا أن أفضل الموجود كانت مواد المناهج المصرية ولم تكن بعض البلدان تحب أن يدرس الكتاب المصري نفسه في بلادها وفي مدارسها، ففوضت الأساتذة المصريين، في تأليف كتب تقرر في المدارس، وكانت هي هي الكتب المصرية، غير أنه يوضع على الكتاب اسم الدولة التي يتدرس الكتب فيها، وكانت كتب التاريخ تحمل الثناء على القومية العربية، وكتب القواعد النحوية، تحمل ذلك في أمثلتها، كما تحمل كلها الهجوم على الرجعية، التي كان لإذاعة صوت العرب، تفسر معنى الرجعية ببعض الدول العربية، التي لم تستجب لاتباع نهجه السياسي.



وقد اغتر بما يثني عليه من المبادئ السياسية والاقتصادية والثورية، كثيرٌ من شباب الدول العربية، فأحدث ذلك انقساما في تلك الدول، حتى بين المسئولين فيها، وجذبت دعايته، كثيرا من أولئك الشباب، الذين ترك بعضهم وطنه غاضبا، ولجؤوا إلى مصر حيث أفسح لهم المجال في التهجم على حكامهم من إذاعة صوت العرب، يطالبون من شعوبهم الثورة على حكامهم.



فقد رفعوا من شأن هذا المثال، حتى كادوا يعبدونه من دين الله، ويحاربون شريعة الله التي نزل بها كتاب الله وطبقها رسول الله صَلى الله عليه وسلم، وسار على صراطها المسلمون أكثر من 1300عام، مع تعثر في ذلك التطبيق، في كثير من الأحيان، ولكن الأمة كلها كانت تعترف بأحكام الشريعة الإسلامية ولم تجاهر بالتنكر لها وتعزلها عزلا كاملا، ولم يجاهر بذلك من قبل حكام مسلمين في حدود علمي، إلا ربيب الاستعمار الغربي "أتاتورك" ومن تلاه من الطغاة.



ونادى هذا المثال حكام الدول العربية إلى الوحدة، وهدفه القضاء عليهم، والاستيلاء على بلدانهم، وقد نجح في اتفاق مع كل من سوريا وإمام اليمن على وجود وحدة، بين الدول الثلاث، وكانت استجابة إمام اليمن مجرد محاولة لاتقاء شر الرجل، لأنه كان يهاجمه وسمح للثوار الأحرار من اليمن، بمهاجمته يوميا من صوت القاهرة، فأراد الإمام أن يحتال عليه ليسكته ويجعله يسكت الثوار اليمنيين الذين يئسوا من إصلاح بلادهم، بسبب مواقف الإمام من الإصلاح، وكان لحضور جيشه -الزعيم القومي- في اليمن، من الجرائم والظلم ما لا يرضاه ذو لب من البشر، وأهمه قتل كل من يشك في ولائه، ومنهم علماء وزعماء كبار وشيوخ قبائل.



هذا إضافة إلى الدماء التي سفكوها فسالت بها شعاب الجبال، في قرى اليمن ومدنه التي كان يختلط فيها اليمنيون المؤيدون للملكيين والجمهوريين.



هذا مع العلم أن الثورة اليمنية، كان لا بد منها، للحالة السيئة التي وقع فيها جميع سكان اليمن، من الفقر والجهل والمرض وغيرها.



وأما سوريا فظهر أن حكامها كانوا راغبين في الوحدة، من أجل تقوية القومية العربية، ولكنهم بعد وقت قصير، عرفوا حقيقة ما يريده زعيم القومية العربية والداعي إلى الوحدة، وهي "أي الوحدة" التي يدعو إليها هدفه منها الاستبداد والاستيلاء عليى البلدان العربية، وإقصاء حكامها، والذي يبحث عن هذه الأمور كلها سيجدها اليوم مشروحة في الشبكة العنكبوتية.



ولقد اتفق المتخصصون في الشئون العسكرية، على أن من أهم أسباب هزيمته النكراء أنه لم يكن عنده استعداد للمعركة، ولم يُعِدّ لها عدتها، وإنما كان دخوله في الحرب، رد فعل ليس إلا، أقول: قبل ذلك أرسل جيشه إلى اليمن، لمناصرة الثورة على الإمامة، ولم يكن ذلك هو هدفه فقط، وإنما كان هدفه أن يهاجم المملكة العربية السعودية، وقد أرهب سكان المملكة وبخاصة المنطقة الجنوبية منها، فكانت جيوشه تقصفها جوا وبحرا وبرا، وأرسل أسلحته إلى بعض مناطق المملكة الغربية، ويبدو أنه كان له تلاميذ ممن تأثروا بقوميته، يريد أن يحدث بهم قلاقل في البلد، كل ذلك لا هدف له فيه إلا الطغيان والعدوان.



إنني الآن كتبت هذه المقدمة الطويلة نسبيا، بدون أن أعود إلى أي مرجع من كتب أو غيرها، لأني عشت تلك الأحداث وما تنشر منها إلى وسائل الإعلام، وما سمعناه من أساتذتنا المثقفين الذين كانوا يتابعون تاريخ البطل المهزوم، مع أني أعتقد أن في الشبكة العالمية تفاصيل لما ذكرته وغيره.



وأنبه هنا على أنني كتبت ما سبق في هذه المقدمة، قبل أن أذكر ما سجلته في كتاب السباق إلى العقول، في طبعته الأولى، والسبب في ذلك، أن ناشر الكتاب، تحرج مما كتبته عن المثال الثاني للكذب السياسي المدمر، لأن الكتاب قد لا يحقق توزيعا، لاحتوائه على هذا المثال، لأن المتأثرين به وبأفكاره كثير، ومنهم أحزاب معلنة في بعض البلدان العربية، وكثير من البلدان التي لا يوجد لهم حزب، يوجد عدد كثير منهم، وطلب مني حذف الموضوع، فرفضت، ولكن أحد العلماء من أصدقائي، نصحني بالسماح بحذف الموضوع، في هذه الطبعة، ليصل الكتاب إلى الناس، فوافقت، وطلبت من هذا الصديق، أن يحذفه، ففعل.



ولست راغبا في ذم أي زعيم عربي أو غيره بدون حق، ولكني أذكر الأمثلة للسباق إلى العقول بالحق أو بالباطل، فقد سبق كيف خدع المثال الأول: "أتاتورك" العلماء والمثقفين، ولبس على عقولهم، حتى صدقوه، ولم يتبين لهم خداعه إلا بعد أن أفصح عن باطله، فحارب الإسلام علنا، وإذا كان أتاتورك، لبس على الأتراك وغيرهم من المثقفين العرب، فإن هذا المثال، قد خدع العرب، وأحدث بينهم من النزاع والشقاق، ما زرع بينهم الأحقاد والبغضاء، بدون فائدة، بل وخدع كثيرا من المسلمين، في كثير من الشعوب الإسلامية غير العرب.[سيأتي في الحلقة القادمة مزيد بيان]





السابق

الفهرس

التالي


15252193

عداد الصفحات العام

987

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م