{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(026) سباق أهل الحق إلى العقول للاتصاف بالرحمة

(026) سباق أهل الحق إلى العقول للاتصاف بالرحمة
رابعا: صفة الرحمة.


ومن صفات أهل الحق الرئيسة خُلق الرحمة، وهي تقتضي من المتصف بها الإشفاق على المخلوقين من الناس والحيوانات والرأفة بهم والإحسان إليهم.



ولما كان الله هو الحق ومصدر الحق ومُشَرِّعَه ومنزل الوحي به وباعث الرسل من أجله، فهو تعالى الرحمن الرحيم الرؤوف الودود الذي وسعت رحمته كل شئ. [يجب أن يعلم ابتداء أن الله تعالى ليس كمثله شئ في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته: {قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد...} واشتراك المخلوق مع الخالق في الاتصاف بالرحمة ونحوها إنما هو اشتراك لفظي مثل أن يقال: إن الله موجود والمخلوق موجود، والفرق بين الوجود ين: أن وجود الله ذاتي أزلي أبدي ووجود المخلوق استمده من الخالق وهو وجود محدود ببداية ونهاية وغير ذلك.]



وقد افتتح تعالى كتابه الذي أنزله على رسوله رحمة للعالمين بالبسملة {بسم الله الرحمن الرحيم} وافتتحت بها كل سور القرآن الكريم[ما عدا سورة براءة، التي يرى بعض العلماء إنها مكملة لسورة الأنفال، لأن موضعهما واحد.] وتكرر لفظ الرحمة ومقتضياتها كثيرا في القرآن الكريم وكذلك في سنة الرسول صَلى الله عليه وسلم.



وقد وعد الله تعالى أهل الحق من المؤمنين -الذين يقومون بمقتضى إيمانهم- برحمته، فقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}. [التوبة 71]



وأهل الحق المتصفون بالرحمة يطلبون من ربهم أن يرحمهم، كما قال تعالى:{ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين[286 البقرة]



ووصف سبحانه كتابه الذي جاء بالحق بأنه رحمة، فقال تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون، أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين، أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة}. [الأنعام 157]



ويدعو ملائكة الله المقربون-وهم في السماوات-للمؤمنين-وهم في الأرض-الذين يشتركون معهم في الإيمان والعمل بالحق، بأن يدخلهم الله الجنة ويقيهم السيئات التي تكون سببا في دخول النار، ثم يختمون دعاءهم لهم بقولهم: {ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم}. [غافر 9]



بل إنهم استفتحوا دعاءهم للمؤمنين بالتوسل إليه برحمته، كما قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم}.[غافر 7]



ووصف الله إرساله نبيَّه محمدا صَلى الله عليه وسلم بأنه رحمة للعالمين، فقال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.[غافر 107].



وقال عن نبيه لوط عليه السلام: {وأدخلناه في رحمتنا إنه كان من الصالحين}. [الأنبياء 75]. وقال عن بعض أنبيائه بعد ذكرهم: {وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين}. [الأنبياء 86]



وقال عن نبيه محمد صَلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.[التوبة 128].



ولشدة رحمته صَلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه على أن يأخذوا منه الحق الذي جاءهم به، وخشيته عليهم من البقاء في الضلال الذي يؤدي بهم إلى سخط الله وأليم عقابه، كان صَلى الله عليه وسلم يأسف أسفا شديدا يُخشى أن يقع بسببه في الهلاك، ولذلك خاطبه الله تعالى مسليا ومصبِّرا: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}.[الكهف 6]



ووصفه الله تعالى هو وأصحابه –وكذا من تبعهم من أمته-بأنهم رحماء بينهم، فقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}.[ الفتح: 29، وشدتهم على الكفار إنما هي في الحقيقة من أجل رحمتهم إياهم وشفقتهم عليهم من أن يموتوا على كفرهم فينالوا عذاب الله.] .



وبرحمة الحق عز وجل التي وسعت كل شئ في هذه الدنيا-وإن خص بها أهل الحق في الهداية والرضا والثواب الجزيل يوم القيامة في الآخرة-بعث رسله وأنزل كتبه وشرع أحكامه لهداية البشر، وبها جعل الناس والدواب يتراحمون فيما بينهم في حياتهم.



ولكن الرحمة الحقيقية هي تلك الرحمة التي يتصف بها أهل الحق، فتستولي على نفوسهم ومشاعرهم، وتجعلهم في كل لحظة من لحظات حياتهم يشفقون على أهل الباطل الذين قست قلوبهم وخلت من الرحمة، حتى على أنفسهم فأصروا على رفض الحق ومحاربته ومحاربة أهله والصد عنه، واستكبروا استكبارا.



لذلك ترى أهل الحق الرحماء يحملون الحق إلى الناس، ويسابقون به أهل الباطل إلى عقول البشر، ويتحملون من المشاق والمحن والمؤامرات، ما لا تتحمله الجبال الرواسي.



والذي يرجع إلى قصص الأنبياء وحوارهم مع أممهم ومواقف تلك الأمم من دعوتهم، من التكذيب والاستهزاء والتحقير والتهديد، بل والقتل، مع صبر أولئك الأنبياء وتلطفهم ولينهم وحسن أسلوبهم، تتبين له الرحمة التي حلت في قلوب ألئك الرسل لقومهم.



تلك هي الصفات التي يتصف بها أهل الحق، ومنها صفة الرحمة كما مضى، فما نصيب أهل الباطل من الاتصاف بالرحمة؟



بادئ ذي بدأ لا يمكن نفي الرحمة عن كل أهل الباطل، فهم بشر، ولهم قلوب قد تتأثر بطبيعتها ببعض ما يشاهدون في الأرض من مآس وجبروت، ولكن الصفة الغالبة عليهم، هو عدم الرحمة بمن يخالفهم من أهل الحق.





السابق

الفهرس

التالي


14224805

عداد الصفحات العام

1641

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م