{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(028)السباق إلى العقول-نماذ لرحمة أهل الحق في السباق إلى العقول

(028)السباق إلى العقول-نماذ لرحمة أهل الحق في السباق إلى العقول


النموذج الثاني: محمد رسول الله صَلى الله عليه وسلم.


وهو الذي ختم الله به جميع الرسل، وختم بكتابه ودينه المفصل الكامل جميع الكتب والأديان رحمة من الله للعالمين.





فقد بعثه صَلى الله عليه وسلم في وقت أظلمت فيه الآفاق بالشرك والوثنية والجهل، وانطمست معالم الرسالات، وكلف تبليغ هذا الدين إلى قومه الأقربين، ثم عشيرته المحيطين به، ثم العرب أجمعين، ثم أمم الأرض وعظماءها من الأمراء والسلاطين، ولقي صلى الله عليه وسلم ما لقيه إخوانُه المرسلون، من أقوامهم الضالين من الأذى والامتحان، والصد عن سبيل الله واتباع سبيل الشيطان، وأوذي معه صحبه الكرام الذين أقام الله بهم دين الإسلام.



دعا صلى الله عليه وسلم سرا وعلنا، وعرض دعوته على الغني والفقير، والقوي والضعيف، وهجر بلاده مكة هو وصحبه عندما سد المشركون أمام دعوته الأبواب، وكانت أحب البلاد الله إليه.



واصل دعوته في المدينة، وهجم عليه المشركون من كل حدب وصوب، فجاهد في الله حق جهاده مدافعا عن دين الله، وقائما بدعوة الله، وسالت دماؤه الزكية وجرح جسمه الطاهر وكسرت أسنانه النظيفة، وقتل كثير من أصحابه، مستشهدين في ساح الجهاد التي اشترك معهم فيها الملائكة المقربون، حتى نصر الله دينه وأعلى كلمته وكان ذلك كله امتثالا لأمر ربه، ورحمة بعباد الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور.



ولنقرأ كذلك بعض الآيات في معاناته صلى الله عليه وسلم، وكيف وقف قومه المشركون واليهود والنصارى، من الحق الذي جاء به، وكيف صبر ومضى مشفقا عليهم رحيما بهم.



قال تعالى: { وَهُوَ اللَّهُ فِي السماوات وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ(3)وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ ءَايَةٍ مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(5)أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ(6)وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ(7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ(8)وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ(9)وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(10)قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11)قُلْ لِمَنْ مَا فِي السماوات وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِا الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(12)وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13)قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السماوات وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(14)قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ(16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(17)وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(18)قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(19) الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(20)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(21)وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ(22)ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ(23)انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(25)}[الأنعام]



وقال تعالى: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا، وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا}.[الإسراء 89-93]



ومع هذه المواقف الجاسية العنيدة التي كان يقفها قومه المشركون منه، كان يحزن لحالهم ويتحسر ويهتم بأمرهم، رحمة بهم وإشفاقا على ما سيلقونه من مصير سيئ في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى له مُسلِّياً ومصبرا: {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون}. [127 النحل]. وقال تعالى: {ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون}. [النحل 70]. وقال تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}. [الكهف 6].



هكذا كان صَلى الله عليه وسلم يحزن لحال أمته الذين لم يستجيبوا لدعوته، مشفقا عليهم راغبا في هدايتهم برغم عدائهم وحربهم له ولدينه. وكان صلى الله عليه وسلم أشد رحمة وشفقة على من آمن به من أصحابه، كما قال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.[التوبة 128، والعنت: المشقة].



وقال تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم}.[الحجرات 7] وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}.[الفتح 29].



وقد ضرب صَلى الله عليه وسلم، لرحمته وشفقته على أمته، مثلا برجلٍ استوقد نارا فلما أضاءت جعل الفراش والدواب تقع في النار والرجل يحاول منعها وحجزها عن النار، وهي تأبى إلا الوقوع فيها. كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم، وأنتم تقحمون فيه..) وفي لفظ: (مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا أخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها..) [مسلم (4/1789)، والتقحم الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت، والحجز جمع حجزة وهي معقد الإزار.].



والذي يدرس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما قام به من الدعوة إلى الله بين المشركين وحرصه الشديد على هدايتهم، وسيرته صلى الله عليه وسلم مع أهله وخَدَمه وأصحابه، يرى رحمته شاخصة في تلك السيرة العطرة، تتحرك بحركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتحدث بلسانه.



وعلى تلك الرحمة ربَّى أصحابه فكانوا يتسابقون إلى نفع المحتاجين ونصرة الضعفاء. ويكفي لمعرفة رحمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه برعيته، بيانه السياسي بعد بيعته الذي اهتم فيه بمن يستحق الرحمة أوضحه للأمة ، حيث خصه بنسبة كبيرة من معاني ذلك البيان نصا، فكان مما قاله في ذلك البيان:"والضعيف فيكم قوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.." [تاريخ الخلفاء، للإمام السيوطي ص69].



وكان-وهو خليفة رسول الله صَلى الله عليه وسلم-ووزيره عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يتسابقان دون أن يعلم أحدهما بالآخر لخدمة عجوز كبيرة السن، وكان الخليفة يسبق وزيره إليها [نفس المرجع: ص80].





السابق

الفهرس

التالي


14235592

عداد الصفحات العام

1240

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م