﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(050)السباق إلى العقول

(050)السباق إلى العقول


الأساس الثالث لنجاح التعليم. وضع الكتب المناسبة للمراحل الدراسية.


ويجب أن يتحقق بتلك الكتب أهداف التعليم المذكورة آنفا، بدء بالكتب المعدة للأطفال، وانتهاء بالمراحل الجامعية-الكليات وما فوقها-وتشمل كل العلوم والتخصصات.



ويراعى في إعداد هذه الكتب الأمور الآتية.



الأمر الأول: أن يُختار لتأليفها متخصصون في كل علم مؤهلون لذلك قادرون على صياغتها، بأساليب تناسب العصر.



وينبغي تجنب العبارات المعقدة والمصطلحات الصعبة، وبخاصة في المراحل الأولى، مع التقيد باللغة العربية الفصحى، وأن يكون المؤلفون من الصالحين الملتزمين بالإسلام قولا وعملا، ليجتمع في المادة التي يتولون الكتابة فيها العلم الموثق والعاطفة الإيمانية الجياشة المؤثرة.



الأمر الثاني: أن يجمع في المادة المكتوبة بين القواعد والنصوص التي يجب حفظها وفهمها بالشرح والإيضاح، وبين الحوار والأسئلة التي تدرب الطالب على التفكير والاستنباط والاستنتاج والتطبيق.



ولا ينبغي أن يكون الطالب نسخة مكررة للكتاب الذي يحفظه، وهذا الأسلوب يمكن اتباعه في كل المراحل مع مراعاة السن، فالمقصود من التعليم إيجاد عقول تفكر وتبدع وتبتكر، وليس مجرد ببغاوات تتلقى وتقلد.



الأمر الثالث: استعمال وسائل الإيضاح المعاصرة التي تمكن الطالب في جميع المراحل-وبخاصة المراحل المبكرة-من فهم المواد الدراسية، لا فرق بين الدينية منها وغير الدينية.



ومن أمثلة وسائل الإيضاح في المواد الدينية ما يأتي:



المثال الأول: توضيح معنى توحيد الربوبية للطفل في المرحلة الابتدائية:



ينبغي أن يكون في الفصل الدراسي شريط(فيديو) يشتمل على صور للكواكب من شمس وقمر ونجوم، وللأرض من جبال وغابات وأنهار وبحار وسحب ورمال… تعرض كلها عندما يقال للطفل: والدليل على توحيد الربوبية: خلق السماوات والأرض والشمس والقمر… ليتصور الطفل هذه الأدلة تصورا واضحا، فإنه لا يتصور ذلك بمجرد الحفظ والتلقين كما هو المعتاد، وفي الأجهزة المعاصرة لوسائل التوضيح، ما يكفي، وبخاصة حب الأطفال لستعمالها، كآيباد وآي فون وما أشبهها، فإنها قد تغني عن حمل الكتاب التي يرهق الطلاب حملها، ولا تؤدي الغرض من الإيضاح كما تؤديه تلك الأجهزة التي يشتاق الأطفال والشباب لاستعمالها.

المثال الثاني: توضيح معنى صفة الوضوء، وصفة الصلاة.



ينبغي كذلك أن يوجد شريط(فيديو) في الفصل الدراسي مشتمل على تينك الصفتين، بحيث يتصور الطفل صفة الوضوء وصفة الصلاة تصورا واضحا، ويطلب من بعض الأطفال تطبيق ذلك عمليا أمام زملائهم. ويسجل عملهم ليتابعوه في أجهزتهم وهكذا بقية العلوم.



كما ينبغي أن تكون طريقة المدرس في الشرح والإيضاح طريقة الحوار والسؤال والجواب، وليست طريقة الإلقاء والإملاء باستمرار، لما في الطريقة الأولى من إشراك الطالب وتفاعله مع المدرس والمادة والكتاب، وما في الطريقة الثانية من غفلته وشروده وعدم استيعابه وتصوره للمعاني التي لا يدرك غالبها. وهكذا ينبغي أن يراعى في تأليف الكتب وإخراجها، ليقضى بذلك على الشكوى المتكررة من عدم فهم الطلاب، بل من الملل الذي يصيبهم في أوقات التدريس، ومن الرغبة في الخروج من المدارس، ويمكن إدخال الكتب المؤلفة في الأجهزة الحديث كما ذكر.



الأمر الرابع: أن تكون الصبغة الإسلامية شاملة للكتب الدراسية كلها.



يستوي في ذلك ما يتعلق بالعبادة أو بغيرها، كالمعاملات والحدود والقصاص، وما يتعلق بعلوم الإنسان الأخرى، كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة وعلم الاقتصاد.



ولا يجوز أن تكون –العلوم الإنسانية-نقلا محضا لأفكار الغربيين ونظرياتهم، وهذا لا يمنع من المقارنة وإيضاح ما بها من أخطاء وإبراز تفوق الإسلام عليها، فإن الكتاب والسنة إنما جاءا لإصلاح النفس البشرية للجماعات والأسر والأفراد والدول، فلا بد أن يكون الكتاب والسنة وما استنبطه منهما علماء الإسلام ومقاصد الشريعة الإسلامية، هي مصدر هذه العلوم ومرجعها، ولا يوجد باب من الأبواب التي يحتاج إليها الإنسان لإصلاح نفسه وعمارة الأرض والقيام بالخلافة فيها، إلا وقد اشتمل عليه الكتاب والسنة وفصله علماء المسلمين قديما وحديثا، في كتب التفسير، وشروح الحديث، وكتب الإيمان "العقائد" والأخلاق، وأصول العلوم، مثل. أصول التفسير وأصول الحديث وأصول الفقه، و الفقه، وغيرها من العلوم...[ راجع على سبيل المثال: أعلام الموقعين عن رب العالمين. (4/372، 377).].



ولا يمنع ذلك اطلاع علماء المسلمين على الأفكار والنظريات في تلك العلوم، ووزنها بميزان الإسلام، وبيان ما فيها من مخالفة للأسلم، حتى لا تغزو عقول الطلاب وهي خالية غير محصنة فتتمكن منها، لتقديمها في أساليب مزخرفة.



ولا يقتصر هذا الأمر-وهو صبغة الكتب بالصبغة الإسلامية-على ما يسمى بالعلوم الإنسانية فحسب، بل إن العلوم الكونية كالجغرافيا والجيولوجيا وعلم الفلك وعلم الطب ونحوها، ينبغي أن تربط بالإسلام من حيث إن الله تعالى هو خالق هذا الكون وهذا الإنسان، وهو الذي سخر للإنسان ما في السماوات والأرض، ومنحه العقل الذي يتفكر ويتدبر ويستنتج ويزن ويقارن، والأدوات التي بها يَستغِل خيرات الأرض وبركات السماء، وكلما ازداد الإنسان علما بما في الكون زاد إيمانه بالله خالق الكون وشكره له، وكثر تواضعه وأدبه مع ربه وقدره حق قدره، ولا يكون كمن صال وجال في استغلال هذا الكون وما فيه من طاقات ناسيا ربه بل مغرورا بنفسه مدعيا أنه قهر الطبيعة قائلا: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) }[القصص ومعلوم ما فعل الله به، وكذلك صاحب الجنتية في سورة الكهف]



وكذلك يجب أن تتضمن الكتب الدراسية توجيه الأجيال إلى السبيل المشروع في استغلال ثمرات العلوم المدروسة، بأن تستعمل في إسعاد البشر وأمنهم واستقرارهم، وليس في ظلمهم وتخويفهم واغتصاب حقوقهم، كما يفعل أعداء الإسلام اليوم، فالمسلم قائد عادل رحيم كريم حازم، لا يستغل ثمرات العلوم إلا فيما هو طاعة لله وإحسان إلى خلقه، وإذا ما قاوم الطغاة الجبابرة وجا هدهم وطاردهم في الأرض، فإنما يفعل ذلك رحمة بالأمم التي يظلمها هؤلاء الطغاة، ويحولون بينها وبين التمتع بالسعادة التي منّ الله بها عليهم، من حفظ الضرورات التي لا حياة لهم بدونها وحفظ مكملاتها.



الأمر الرابع: أن يجتهد مؤلفو الكتب الدراسية في معرفة قواعد العلوم وأسرارها.

وأعني بذلك العلوم الكونية كالرياضيات ونحوها، ويجب أن يجتهدوا كذلك في إيصال تلك القواعد والأسرار إلى عقول الطلاب، حتى لا تكون حكرا على غير المسلمين من أهل الغرب، هم يصنعون ونحن الذين نستهلك فقط، فإن ذلك يجعل الأمة الإسلامية خاضعة لغيرها مستعبدة مقلدة غير مبدعة، كما هو الحال الآن، إذ يأخذ أعداؤهم خيراتهم من أنواع المعادن والمواد الخام بأرخص الإثمان ويصنعونها، ثم يبيعون الرديء من مصنوعاتها لهم بأعلى الأسعار، وبخاصة السلاح الذي تتعطل حركة أي شعب مسلم في وقت شدة الحاجة إليه في أوقات الأزمات العسكرية إذا منعت عنها الدول الغربية قطع الغيار.



الأمر الخامس: أن يهتم العلماء المسلمون بترجمة الكتب العلمية المفيدة التي يكتبها الغربيون في العلوم الكونية أو الإدارية.

إن الواجب على المسلمين أن يستفيدوا من التجارب البشرية المفيدة التي يحتاجون إليها، ما دامت لا تخالف شيئا من دين الله.



والتجارب البشرية ليست ملكا لأحد، فما من جيل يَخلُف إلا بنى نشاطه على تجارب أجيال تُخلَف. وقد اجتهد سلفنا في ترجمة كثير من الكتب العلمية التي ألفها اليونانيون وغيرهم واستفادوا منها وزادوا عليها وطبقوا نظرياتها في تجارب واقعة، وهي التي كانت مصدرا لحضارة الغرب الحالية باعترافهم، فلم لا نقتدي بسلفنا-فيما نحن في حاجة إليه ولا يخالف ديننا-ونسترد بضاعتنا؟!



الأساس الرابع. إعداد المدرسين والأساتذة المتخصصين.


ويجب إعداد المدرسين والأساتذة المتخصصين وتدريبهم، تدريبا يجعلهم قادرين على القيام بوظائفهم، قياما يخرج أجيالا ذات كفاءات عالية في كل علم من العلوم التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية، وإذا أمكن القيام بهذا التدريب في بلدانهم فبها، وإلا اختير منهم المتفوقون دينا وخلقا وعلما ورغبة وقدرة على الاستيعاب، فيندبون إلى البلدان التي يتوافر فيها التدريب المطلوب. ليتدربوا فيها، ثم يعودوا إلى أوطانهم ليبنوها بما تحصلوا عليه من العلم والتدريب.



ويدخل في هذا إعداد أجهزة إدارية وإشرافية قادرة على إدارة المؤسسات التعليمية، تعين المدرسين والطلاب بتوفير كل ما يحتاجون إليه في أعمال التعليم، ليتفرغ المدرس والطالب لوظيفة التعليم والتَّعَلُّم، حتى تؤتي هذه الوظيفة ثمارها.



الأساس الخامس. ربط التعليم بالتربية الإسلامية.


يجب تزكية الدارسين بالإيمان والتقوى والعمل الصالح الذي يرضي الله، وغرس الأخلاق الفاضلة في نفوسهم وجعلهم يحققون معنى الاستخلاف الشرعي في الأرض. وبهذين الركنين-التعليم والتزكية-جاء القرآن الكريم، كما قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}[الجمعة 2].



فالمقصود من العلم: هو التربية والتزكية والحكمة، وليس العلم للعلم فقط كما يقال! والمؤسف أن الوزراء المسئولين عن التربية والتعليم، في البلدان الإسلامية، يضافون إلى "التربية والتعليم" فيقال: وزير التربية والإسلاك، والتربية في الإسلام تعني التزكية الربانية للمسلم الذي يتلقى التعليم، ولكن غالب أهل هذه الوظيفة لا يقدمون للطلاب في غالب مراحل التعليم ما أراده الله ورسوله وسلف الأمة من التربية، ولهذا يتولى تدريس التربية من دَرسوا التربية الأجنبية، ويخرجون طلابا هم قدوتهم لا يمت غالبهم بصلة إلى التربية الإسلامية [كتاب أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي للكاتب].



الوسيلة السادسة: العناية باللغة العربية ونشرها.


اللغة العربية هي لغة القرآن والسنة-أي لغة الإسلام، فالقرآن نزل بهذه اللغة، والسنة وردت بهذه اللغة، والآثار المفسرة للقرآن والسنة، ومصادر الفقه الإسلامي، وتاريخ الإسلام، وكتب الآلة من نحو وصرف وبلاغة ومصطلح وعلم تفسير وغيرها، أساسها اللغة العربية، فلا غرو أن تكون اللغة العربية هي مفتاح علوم الإسلام كلها، فلا يفقه هذا الدين حق الفقه، ولا يعلم مقاصده وأسراره وحكمه وعلله حق العلم، إلا من فَقِه هذه اللغة. لهذا كثر وصف كتاب الله-القرآن الكريم-بكونه عربيا، كما قال تعالى: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} [فصلت 3]. وقال تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}[الزخرف 3] وقال عز وجل: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [يوسف 2].

وقال سبحانه: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}[النحل 103]. وقال جل وعز: {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}[الشعراء 192-195]. وقال تعالى: {وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا} [طه 113]. وقال تعالى: {وكذلك أنزلناه حكما عربيا}[الرعدي 37].



وقال تعالى: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر37]. وقال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا}[الشورى 7]. وقال تعالى: {وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا} [الأحقاف 12].


حكمة وصف القرآن بأنه عربي.


إن هذا التنويه بكون القرآن عربيا، لجدير بالتأمل والنظر ولو وصف الله القرآن الكريم بأنه عربي مرة واحدة فقط لاستحق التأمل والنظر، فكيف وقد كرر تعالى وصفه بذلك في أساليب متعددة؟!.



ولو أن مخلوقا عاقلا وصف شيئا ما بوصف مرة واحدة، لكان لوصفه بذلك اعتبار عند القارئ والسامع فكيف إذا وصفه بذلك مرات؟!



وكيف إذا كان هذا الوصف صادرا عن الله في كتابه، فما حكمة وصف القرآن الكريم بأنه عربي؟



هل المقصود من ذلك بيان إعجاز القرآن الذي نزل بلغة العرب، وقد تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا؟



نعم إن ذلك لمقصود، ولكن هذا التحدي يكون أكمل عندما يتعلم غير العربي اللغة العربية ويصبح لسانه عربيا، يفهم القرآن الكريم بلغته -أي لغة القرآن-التي نزل بها ويتذوق أساليبها وبلاغتها ويتعمق في فهم معانيها، ويطلع على أسرار القرآن وحكمه بها، فيتبين له معنى كون هذا القرآن معجزا حقا.



وهل المقصود بذلك نفى أن يكون الرسول صَلى الله عليه وسلم تعلم هذا القرآن من بعض من كان عندهم علم من الكتب السماوية السابقة، كما زعم ذلك بعض أعداء الإسلام؟



نعم، إن ذلك لمقصود وقد صرح الله بذلك في قوله. {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} [النحل 103]. ولكن هذا المعنى المقصود جزء مما يحمله هذا الوصف وليس كل معناه.



وهل المقصود أن هذا القرآن الذي نزل باللغة العربية، مع أنه نزل لهداية جميع البشر، شرف لك أيها الرسول ولقومك العرب وبخاصة قريشا؟!



نعم إن ذلك أيضا لمقصود، كما قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}[الزخرف 44].



ولكنه ليس ذلك كل المقصود. بل هناك مقاصد أخرى من أهمها ما يأتي:



المقصد الأول: أن الدين الإسلامي إنما جاء باللغة العربية.


لقد جاء هذا الدين-أي دين الإسلام-عن طريق القرآن الكريم والسنة النبوية، وكلاهما باللغة العربية ويتوقف فهمه السليم الكامل على فهم اللغة التي حملته إلى الناس، وهي اللغة العربية، ولا يمكن أن يَنقُل للناس معاني دين الإسلام نقلا صحيحا ويبينها بيانا شافيا، إلا مَن كان عنده دراية تامة باللغة العربية، بقواعدها وبلاغتها واشتقاقها وغريبها وحقيقتها ومجازها وأساليبها، لأنها لسان هذا الدين ولسان كتابه ولسان رسوله صَلى الله عليه وسلم، ولسان أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم. {وهذا لسان عربيٌ مبين}. وقد كلف الله رسوله صَلى الله عليه وسلم بيانَ هذا الدين للناس، وقد فعل ذلك، وبيانه كان بلغته التي نزل بها القرآن قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل 44].



وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [النحل 64].



وقد كلف الله أمة محمد صَلى الله عليه وسلم التي آمنت به واتبعته، تبليغَ هذا الدين، وفي طليعة أمته أصحابه الكرام رضي الله عَنهم، كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [يوسف 108]. قد قاموا بنشر هذا الدين وبيانه للناس بلسان عربي مبين.



وترجمة معاني القرآن الكريم لمن لا يفهم اللغة العربية، لا سبيل إليها إلا لمن يجيد اللغة العربية واللغة المترجم إليها، فاللغة العربية هي أساس البيان لهذا الدين الذي نزل بها.



المقصد الثاني: أن من أهم وسائل نشر الإسلام اللغة العربية. أن علماء الإسلام مأمورون باتخاذ كل وسيلة مشروعة لنشر هذا الدين وإبلاغ معانيه إلى الناس، ومن أهم وسائل نشره تعليم الناس اللغة العربية التي يتمكن مَنْ تعلمها من فهم هذا الدين فهما صحيحا سريعا، لأن الذي يأخذه عن طريق العربية مباشره، ليس كالذي يأخذه عن طريق الترجمة، وأنا أشبه من يأخذ الإسلام مباشرة باللغة العربية، والذي يأخذه عن طريق الترجمة، كرجلين عاطشين، رأيا ماء في مكان مرتفع يحتاج من يريد شربه صافيا إلى جهد جهد حتى يصل إليه، فبذل أحدهما جهده، وذهب إلى منبع الماء، فشرب منه صافيا، لا يخالطه كدر، وتكاسل الآخر فشرب من نفس الماء، ولكن من أسفل ذلك المرتَفع، بعد أن مر بأتربة واختلط ببعض ما مر عليه من الكدر، ترى ما الفرق بينهما؟


المقصد الثالث: أن كثيرا من العبادات يجب أداؤها باللغة العربية.


مثل قراءة الفاتحة في الصلاة، وأذكار الصلاة كتكبيرة الإحرام وأذكار الركوع والسجود والتشهد، ونحوها من فروض العين التي يجب على المسلم أداؤها باللغة العربية ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ليتقرب بها إلى الله تعالى.



المقصد الرابع: لا بد من وجود علماء يفقهون الإسلام باللغة الغربية.


إنه لا بد من وجود علماء يجيدون اللغة العربية، إجادة تجعلهم قادرين على فهم معاني القرآن والسنة وكتب العلم التي يحتاج إليها المسلمون، ليكونوا مرجعا لأهل كل بلد يعلمون الناس معاني القرآن الكريم والسيرة النبوية وغيرها، فإن وجود علماء باللغة العربية تحصل بهم الكفاية في ذلك وغيره، هو فرض كفاية يأثم كل قادر من الأمة على إيجادهم، ويأثم القادرون على تعلم اللغة العربية للقيام بهذا الفرض إذا لم يتعلموها.

المقصد الخامس لا بد من وجود قادرين على ترجمة معاني الإسلام.


وهذا المقصد لا يحصل إلا بوجود علماء يجيدون اللغة العربية ويجيدون لغة البلد الذي يريدون دعوة أهله إلى الإسلام، ليترجموا لأهله معاني القرآن الكريم والسنة النبوية، وما يجب إبلاغه إلى الناس من أحكام هذا الدين، لأن علماء الإسلام مأمورون بالبلاغ المبين الذي أصبح من واجبهم بعد وفاة الرسول صَلى الله عليه وسلم، وليس من السهولة بمكان أن يتعلم كل الناس اللغة العربية.






السابق

الفهرس

التالي


15336252

عداد الصفحات العام

377

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م