﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمًا﴾ [ ١٣٨] ٱلَّذِینَ یَتَّخِذُونَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ أَیَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا﴾ [النساء ١٣٩]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(51)السباق إلى العقول

(51)السباق إلى العقول

الوسيلة العاشرة: الإعلام.


وهذه الوسيلة هي من أسرع الوسائل وصولا إلى عقول الناس بالحق أو بالباطل، وأكثر انتشارا، وأشمل تلقيا، وبخاصة في هذا العصر الذي توافرت فيه من وسائل الإعلام والتواصل ما لم يتوافر في أي عصر من العصور الغابرة، لأن الإعلام يستوعب الأفراد والأسر والأقطار ويصل إلى العالم والجاهل والمتعلم والأمي، في الحضر وفي البادية، وفي البر والبحر والجو، وعلى قمم الجبال وفي أغوار الشعاب والوديان، عن طريق القراءة والسماع والمشاهدة.



ولوسائل الإعلام من الإمكانات ما يجعلها تشمل كل موضوع يخطر بالبال. عقديا أو اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا، كما أنه يُسَخَّرْ لها كل الإمكانات والطاقات: البشرية في كل مجال من مجالاتها وتخصصاتها، والمالية، والآلات والأدوات.



وإن الإمكانات التي هيأها الله في هذا العصر في مجال الإعلام لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، فما كانت المعلومات والرسائل تصل من بلد إلى بلد مجاور إلا بعد حين، وبعد تحمل أسفار ومشاق سيرا على الأقدام أو ركوبا على الحيوانات التي عرف من أسرعها الخيل، كما حاول الإنسان ابتكار ما هو أسرع من ذلك، وهو تعليم بعض الطيور كالحمام الذي كان ينقل الرسائل من بلد إلى آخر، وهو مع سرعته النسبية معرض لعدم الوصول إلى غايته، بسبب المخاطر التي قد تواجهه في طريقه.



وقد مكن الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام استغلال بعض مخلوقاته، كالطير والجن لإبلاغ رسائله وإخباره بالرد عليها، كما حصل له ذلك في قصة ملكة سبأ وقومها، ولكن ذلك كان معجزة خاصة منحه الله تعالى إياها لا طاقة له ولا لغيره في إيجادها.



أما العصر الحاضر الذي امتدت إليه دعوة خاتم الرسل العامة الشاملة للبشر جميعا وللأمكنة والأزمنة، وستمتد كذلك إلى يوم القيامة، فقد سخّرَ الله تعالى فيه من الإمكانات ما يناسب هذه الدعوة الخاتمة العالمية فاخترعت العقول-عقول المسلمين وغير المسلمين-ما يدهشها ويحيرها من الوسائل التي يمكن للأمة الإسلامية أن تتخذها لإبلاغ الحق الإلهي-الذي كلفها الله قبوله وحمله والدعوة إليه-إلى عقول المسلمين وغيرهم في كل صقع من أصقاع الأرض، كما هيأ لها من الإمكانات المادية ما يجعلها قادرة على استغلال وسيلة الإعلام في سباقها بالحق إلى عقول الناس.



فأراضيها الشاسعة الغنية بكل خيرات الدنيا من نواكشوط إلى جاكرتا، ومن عدن إلى بلدان المسلمين التي استقلت حديثا-عن الاحتلال الشيوعي-والتي تشتمل على كل عناصر القوة والغنى من المحاصيل الزراعية والمعادن، وأعدادها البشرية الهائلة التي جاوزت المليار، وتوجد فيهم كفاءات في كل علم من علوم الدنيا والآخرة، وكذلك المياه الوفيرة من الأنهار والمياه الجوفية، والممرات المائية والثروات البحرية، والغابات وأنواع الطاقة من البترول ومصادر الكهرباء وغيرها.



إن هذه الإمكانات التي سخرها الله لهذه الأمة، لو وَجدت من يقوم عليها ويحفظها ويدبر بها شؤونها ومصالحها، ومن ذلك اتخاذ وسيلة الإعلام لنقل الحق الذي جاء به دينها إلى العالم كله، لأمكنها استقطاب كثير من البشر وقيادتهم إلى الدخول في هذا الدين، ومناصرته لسبق أهل الحق بحقهم إلى عقول أولئك البشر.



تأمل أولا في سعة أراضي المسلمين وافترض أن كل بلد من بلدانهم استغل وسائل الإعلام في السباق بالحق إلى عقول الناس: المذياع، والتلفاز، والصحف والمجلات، والنشرات والإعلانات، والكتب والمسجلات، والملصقات، ومواقع الإنترنت وما يدخل تحتها، من بريد إلكتروني ورسائل وغيرها.



كم بلدا إسلاميا في إفريقيا، وكم بلدا إسلاميا في آسيا؟ إن بلدان المسلمين قادرة بسبب سعة مساحتها أن تغطي بأجهزة إعلامها غالب الكوكب الأرضي، وبغالب لغات العالم ولهجاته. أما إذا تعاونت حكومات الشعوب الإسلامية على إيجاد وسائل إعلام مركزية قوية عن طريق الأقمار الصناعية، فإن الحق الذي تحمله تلك الوسائل سيصل إلى كل شبر في الأرض وبكل لغات العالم.



ولو تعاونت حكومات الشعوب الإسلامية مع المسلمين المقيمين في البلدان غير الإسلامية، كأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وأوروبا الغربية والشرقية، وروسيا، والصين، وبعض بلدان شرق آسيا الأخرى، كاليابان وكوريا، وتايوان، والفلبين، وكذا قارة استراليا، ونيوزلندا، والهند، وسيريلانكا ودول الهند الصينية، لاستغلال ما أمكن من وسائل الإعلام في كل بلد لإبلاغ الحق إلى عقول الجاليات الإسلامية وغيرها، لكان الإسلام قد تمكن من الوصول إلى تلك العقول واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار، ولقضى ذلك على التشويه-عمدا أو جهلا-لهذا الدين في نفوس الناس.



إن بعض البلدان الغربية بها من الأنظمة والقوانين ما يتيح الفرصة للمسلمين أن يستغلوا وسائل الإعلام، لنشر دينهم إذا أحسنوا اقتناص تلك الفرصة بحكمة وروية وعدم إثارة.



إن أفرادا من المسلمين يمكنهم أن يملكوا إذاعات يبثون بها مواد إسلامية بطرق نظامية على مستوى المدن-كمحطات (F M) وعلى مستوى أكثر من ذلك. كما أن الأغنياء من المسلمين يقدرون على استئجار إذاعة عالمية لعدة ساعات[بل يستطيعون شراء عدة إذاعات لتبث على مدى الليل والنهار.] ، وكذلك التلفاز في المدن بالاشتراك عن طريق الكيبل، وإقامة مراكز تلفازية على مستوى العالم، وقد تبدأ الدول الغربية في حرب تلك الوسائل إذا رأت في مناهجها خطرا على الباطل الذي تحمله، ولكن المسلمين إذا وضعوا خططا مرحلية غير مثيرة من أول الأمر ولم يضيقوا ما وسع الله من المباحات في مناهج تلك المراكز، وتركوا التشدد في منع ما لم يرد الشرع بتحريمه، ولو كان مكروها في سبيل إبلاغ الحق الواجب إلى عقول الناس، فإن تلك المراكز ستجد المجال مفتوحا أمامها للسباق إلى تلك العقول.



أما الصحف والمجلات، وأشرطة الفيديو والكاسيت، والنشرات، والإعلانات، وخطابات صناديق البريد، والفاكس والهاتف، وأجهزة اللاسلكي-في كثير من تلك البلدان-والمسارح والسينما، والنوادي الثقافية والنوادي الرياضية، والندوات والمؤتمرات، فإن المجال لاستغلالها في إبلاغ الحق إلى عقول الناس مفتوح والفرصة سانحة في أغلب البلدان الغربية. [هذا كان قبل تسرع بعض الشباب وتشددهم بما أحدثوه مما اشتهر بالإرهاب، أما بعد ذلك فكثر تضييق الدول الغربية على المسلمين ليس في البلدان الغربية فقط، بل حتى في بلدان المسلمين، وبخاصة العربية منها].


رضا الله وتمكينه أو مقته واستبداله.


لقد ابتلى الله هذه الأمة التي لم توجد أمة غيرها في الأرض تملك الحق الذي تملكه، وهو دين الإسلام الذي لاحق سواه اليوم في جميع الأديان، ابتلاها الله تعالى في هذا العصر بهذه الإمكانات الهائلة من وسائل الإعلام التي لم توجد لأي أمة من أمم الأنبياء السابقين عندما كانت تملك الحق الإلهي، كما ابتلى هذه الأمة بجعل دينها دينا عالميا يجب إبلاغه إلى جميع البشر، ويجب على كل من بلغه هذا الدين أن يؤمن به، ومن لم يؤمن به بعد بلوغه فهو من أهل النار.



فإذا لم تستغل هذه الأمة هذه الإمكانات التي ابتلاها الله بها لتسابق بالحق الإلهي الباطلَ الشيطاني إلى عقول الناس، فإنها تستحق مقت الله تعالى وغضبه واستبداله بها غيرهافي قيادة البشرية إلى ما يحارب الإسلام والمسلمين، وهذا هو الواقع اليوم. لعدم قيامها بوظيفتها التي هيأ الله لها أسباب قيامها بها: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [المائدة 67]. {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [108].



وبدهي أن المسؤولية الأولى في اتخاذ هذه الوسيلة سُلَّماً للحق إلى عقول الناس، تقع على من تولوا أمور المسلمين من الملوك والرؤساء وأعوانهم، لأن إمكانات الشعوب الإسلامية كلها بأيديهم وتحت تصرفهم، فالوسائل المادية من إذاعة وتلفاز وصحف ومجلات، كلها تحت سيطرتهم، لا يذاع شئ ولا يعرض ولا يكتب ولا يطبع وينشر إلا ما أقروه وأذنوا به.



وتهيئة الكفاءات البشرية بتأهيلها وتدريبها وتوظيفها، كلها لا توجد على الوجه المطلوب، إلا إذا قاموا هم بدعمها، وإذا وجدت فلا يختارون منها إلا من هم عنه راضون، لعلمهم أنه لا يخرج عن دائرة ما يرسمون له. والمناهج الإعلامية والمواد التي تذاع وتعرض وتنشر وتطبع كلها مرهونة بموافقة رقبائهم عليها.



وإذا كانت بعض البلدان الإسلامية تعطي مساحة جيدة للمواد الإسلامية-مع مواد أخرى لا تنسجم معها-فإن أغلب أجهزة الإعلام في أغلب البلدان الإسلامية الأخرى، تقدم بها مواد قليلة جدا عن الإسلام، لا تخلو من تشويه ظاهر أو خفي، وما يعلق منه من الخير في أذهان الناس تمحوه المواد الأخرى المضادة للإسلام، في الجوانب الإيمانية والأخلاقية والأحكام المتعلقة بالحلال والحرام، حيث إن هذه المواد تنال من الدعم والتمكين، ما لا يتاح لجزء قليل جدا من الإسلام.



ومما يزيد الطين بلة أن أجهزة الإعلام محتكرة بيد الحكومات في كل الشعوب الإسلامية، وإن وجدت في بعضها مؤسسات صورية، فإنها في الواقع فروع لأجهزة الإعلام الحكومية، وهذا بخلاف كثير من البلدان الغربية التي يجد فيها الإعلام من الحرية، ما يجعله يسقط زعماء وحكومات وأحزابا.



لهذا كانت المسؤولية في الشعوب الإسلامية تقع على حكوماتها، لاستغلال وسائل الإعلام واتخاذها سُلَّما للحق، ليصل إلى عقول الناس في العالم الإسلامي وغيره.



وهذا لا يعفي العلماء وأهل الرأي، من القيام بواجب النصح للحكام ومطالبتهم بوضع مناهج ذات أهداف ووسائل لأجهزة الإعلام، يتحقق بها-مع تطبيقها فعلا-سبقُ الحق الذي تضمنه الإسلام إلى عقول المسلمين وغير المسلمين، ولا يكفي وضع أنظمة ولوائح لأجهزة الإعلام يُنَص فيها على مواد دينية لا يتحقق بها ذلك السبق، أو تكون أنظمتها نظرية دون تطبيق في واقع الأمر.



الأساليب الإعلامية المطلوبة لسبق الحق إلى العقول.


ولا يشترط في نقل الحق بأجهزة الإعلام أن يكون دائما بالأسلوب المباشر، كالمحاضرات والمواعظ وسرد آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، أو أحكام فقهية وما شابه ذلك، بل يكون بذلك وبغيره من الأساليب المستحدثة المؤثرة، كأفلام الكرتون للأطفال، والقصص والتمثيليات والمسلسلات والمسارح، والأناشيد وغيرها، على أن تحمل المبادئ الإسلامية العامة والخاصة، مع موضوعات وبرامج مباحة، فإن أثر هذه الأساليب في عقول الناس صغارا وكبارا مما يسمع ويشاهد ويقرأ ويرسم، أثرٌ فعال مُشاهَد استغله أعداء الإسلام في سبقهم بباطلهم إلى عقول الناس وأصبح ذريعة في بلدان المسلمين أنفسهم لذلك الباطل.



وإذا كان علماء المسلمين يخافون-ولهم الحق أن يخافوا-من اختلاط المشروع بغير المشروع في بعض هذه الأساليب، فإن عليهم أن يدرسوا كل أسلوب وما يمكن أن يشتمل عليه، من مخالفات شرعية واضحة، ويقرروا ما هو مشروع وما هو غير مشروع من المواد المعروضة، على أن لا يراعى في الإذن والترخيص المبالغة والتشدد في منع ما لا نص في منعه من الشارع، وينبغي مراعاة باب المصالح والمفاسد ومقاصد الشريعة الإسلامية في ذلك. وبهذا يتمكن المسلمون من منافسة أعداء الإسلام في وسيلة هي من أهم الوسائل للسباق إلى العقول



ومما يجب التنبيه عليه، أن المواد الإسلامية التي تتخذ وسيلة الإعلام لنقلها وإبلاغها إلى العقول، ليست قاصرة على موضوعات دينية معينة، كما قد يتبادر إلى الأذهان عند عامة الناس، ومنهم العلمانيون الذين يظنون أن هذه الأجهزة إذا سيطر عليها دعاة الإسلام وأتباعهم سيكون مجالها ضيقا، لا يخرج عن الوعظ والإرشاد والدعوة إلى بعض شعائر الإسلام، وتفسير آي من القرآن الكريم أو أحاديث من السنة الشريفة ونحو ذلك، بحسب فهمهم الضيق للدين الإسلامي، وكذلك ظن بعض المتدينين الذين ضاقت آفاقهم عن الفقه الشامل للإسلام ومقاصده وعن المساحة الواسعة للمباحات التي تركها الإسلام للناس أن يرتعوا فيها دون حرج ولا إثم، فلا ينبغي أن يضيقوا دائرة ما أباحه الله ويبالغوا في منعه، لأن تحريم المباح منهي عنه شرعا كتحليل الحرام.



إن هذا التبادر الحاصل من الطرفين غير صحيح، وإن الإسلام أشمل مما يظنون، كما أن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما ورد به نص من الكتاب والسنة، أو ما يصادم مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية. وإن بعض النصوص قابلة للاجتهاد الصادر من أهله، فالفتوى كما هو معروف تقدر زمانا ومكانا وشخصا..



لذلك فإن مواد أجهزة الإعلام، ستكون شاملة للكون والحياة والإنسان، وسيجد فئات الناس صغارا وكبارا ورجالا ونساء، وأدباء وفقهاء ومفسرين ومحدثين وقصاصا وكتابا، وأطباء ومهندسين ورجال فضاء، وعلماء طبقات الأرض، وسياسيين واقتصاديين، واجتماعيين وعلماء نفس، وعسكريين، مجالا رحبا في هذه الوسيلة وسيكون ذلك كله سلالم وجسورا لسبق الحقِّ الباطلَ إلى عقول الناس.





السابق

الفهرس

التالي


14948218

عداد الصفحات العام

822

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م