{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(079)السباق إلى العقول

(079)السباق إلى العقول



الوسيلة الثالثة من وسائل سباق أهل الباطل إلى العقول: حشد مَن يؤيد باطلهم.

وهم يحاولون أن يكثروا سواد مؤيديهم، من كل فئات الشعوب، ممن جهلوا الحق وخدعوا بالباطل أو استمرءوه.



إن أهل الباطل وقادته لا يقوى شأنهم ولا يستقر قرارهم ولا يبقى باطلهم، إلا إذا أيدتهم قوة تفوق قوة أهل الحق أضعافا مضاعفة، بحيث تكاد قوة أهل الحق المادية تفقد بجانب قوة أهل الباطل، وإنما يستمد أهل الباطل قوتهم من الجماهير المؤيدة لهم، لذلك تراهم يجتهدون في حشد الجماهير التي تؤيدهم في الحق وفي الباطل.



أصناف الفئات التي يحشدها أهل الباطل لتأييد باطلهم.


أولا: فئة الأغنياء المترفين.



و المترفون من الأغنياء هم من أكثر الفئات استجابة للباطل وتأييده، وأكثر نفورا من الحق ومناصرته، والسبب في ذلك شعورهم بأن الحق يقيد الشهوات الجامحة والنزوات الطائشة، ويضع للناس منهجا يطهر القلوب ويهذب النفوس، ويدعو إلى التسامي عن عفن المعاصي وأدران الفواحش، ويوجه ذوي المال واليسار إلى الإنفاق في الطاعات وعدم الإسراف في المباحات، كما يأمر بالتواضع ومصاحبة الفقراء والمساكين وعدم التكبر عليهم واحتقارهم، والمترفون قد ألفوا الانغماس في دنس المعاصي، والفرار من الطاعات، قست قلوبهم حتى لم يعودوا يفكرون إلا في المزيد من أسباب قسوتها، وأعماهم الترف حتى أصبحوا يعبدونه من دون الله سيماهم التكبر على الحق وأهله وتقوية الباطل وأهله.



والغالب أن الترف يلازمه الظلم، والظالم يدأب في نصر الباطل وأهله ومحاربة الحق وأهله، قال تعالى: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين، فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون} [الأنبياء 11-12].



وقال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} [الإسراء 16]. وقال تعالى: {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين} [هود 116]. وقال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون}.



قال سيد قطب رحمه الله في ظلال آية سورة الإسراء: "والمترفون في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال والخدم، ويجدون الراحة، فينعمون بالراحة والدعة وبالسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتَلِغُ في الأعراض والحرمات، وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فسادا ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأر خصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي وتفقد جيوشها وعناصر قوتها وأسباب بقائها فتهلك وتطوى صفحتها" [في ظلال القرآن: (15/2217).].



ومن هنا كان من أعداء الأنبياء والرسل الذين جاءوا بالحق، الأغنياء المترفون، كما قال تعالى عن قارون: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم}[القصص 76].



وقال تعالى عن كفار قريش: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}[الأنفال 36].



ولهذا اشتكى نبي الله موسى إلى ربه من الغنى والترف اللذين آتاهما الله فرعون وملأه فرصدوهما لمحاربة الحق، وطلب من ربه أن يسلبهم هذه النعمة التي أطغتهم، كما قال تعالى: {وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، قال قد أجيبت دعوتكما} [يونس 88-89].



هذه إحدى الفئات التي يحشدها أهل الباطل للسباق إلى العقول بالباطل وصدها عن الحق، ولهذا تجد المنظمات المحاربة للحق المؤيدة للباطل تحرص على هذه الفئة من الناس لتنضم إليها، لأنها تعينها على تحقيق أهدافها كما هو شأن المنظمة الماسونية التي هي إحدى منظمات اليهود في العالم.



ثانيا:فئة علماء السوء.



وهذه الفئة أشد خطرا على الحق وأهله وأعظم الفئات مناصرة للباطل وأهله، لأنها تغزو العقول باسم الدين وبصفة علماء الأمة، وتنسب الباطل الذي تحاول السبق به إلى العقول إلى الله، همها حطام الدنيا وشراؤه بالدين، والتقرب بتأييدهم للباطل إلى أهله من الطغاة الظالمين.



إن هذه الفئة تكتم الحق وتلبسه بالباطل، وتصدر الفتاوى الظالمة والأحكام الآثمة، كل ذلك بصفتهم علماء الأمة وفقهاءها، يوقعون في فتاواهم وأحكامهم عن الله ورسوله، فتسفك بفتاواهم الدماء وتستحل الحرمات وتصادر الأموال، ويخرج بها الناس من ديارهم ويفرق بينهم وبين أولادهم وأزواجهم، تفتح لهم الأبواب التي يلجون منها بأفكارهم إلى العقول، وتهيأ لهم الوسائل في الإعلام والتعليم، والمنابر وقاعات المحاضرات، وأماكن الحشود والتجمعات، حتى ينشروا الباطل باسم الحق، وتسد تلك الأبواب وتمنع كل تلك الوسائل، من أن يتخذها علماء الحق ومفكروه وسيلة لنشر الحق والرد على الباطل، ولذلك تضلل عقول الناس فيصبح الحق عندهم باطلا والباطل حقا، باسم الدين.



ولقد كان علماء السوء من أهل الكتاب هم قدوة علماء السوء من هذه الأمة، قال تعالى عن أولئك: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}[البقرة 79]. وقال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}[البقرة 146].



وقال تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}[آل عمران 78]. وقال تعالى: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}[آل عمران 71].



الله يبين الحق للناس ويأمر ببيانه، وهم يلبسونه بالباطل ويكتمونه، كما قال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}[البقرة 159-160].



وقال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.[البقرة 174]



فكل من لبس الحق بالباطل وكتم الحق وهو يعلمه، فهو من علماء السوء الذين اقتدوا بعلماء بني إسرائيل، يستحقون هذا الوعيد الشديد الذي سجله الله في آخر كتاب أنزله على آخر رسول وهو القرآن الكريم.



ولقد نجح أعداء الإسلام ومحاربو الحق، في حشد كثير من علماء السوء الذين ينفرون الناس من دعاة الحق وأهله، ويصفونهم بما ليس فيهم من القبائح، ويطعنون في عقائدهم ومقاصدهم زورا وبهتانا، وقد يكون عند أهل الحق بعض الأخطاء التي وقعوا فيها عن اجتهاد وحسن نية، يؤجرون فيها على اجتهادهم عند الله، ولكن علماء السوء يضخمونها ويحكمون على أهلها أحكاما جائرة سيكافئهم الله عليها بما يستحقون. [والعالم اليوم يشاهدون بعض المعممين ممن يدعون العلم في بعض البلدان الإسلامية وهم يحرشون الظلمة المعتدين على قتل الدعاة إلى الله!]


ثالثا: فئة الأدباء والشعراء والكتاب.


وهم الذين أوتوا من البلاغة والفصاحة والقدرة على صياغة الأفكار والمعاني بأساليب جذابة شعرا أو نثرا، يقلبون بتلك الأساليب الحقائق، ويصورون الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، ليضللوا بذلك العقول، ويسابقوا أهل الحق إليها بباطلهم.



وهذه الفئة هي من أهم الفئات التي يتخذ كثيرا منهم زعماءُ الباطل وقادته وسيلة للسباق إلى العقول بباطلهم، وهم الذين يقودون الإعلام والتعليم والنوادي الأدبية والثقافية، وينالون من التأييد والتمكين والاحترام ما يجعلهم قادة الشعوب وموجهيها، من أجل أن يفسدوا عقول أبنائها بالباطل، ويحولوا بينها وبين الحق الذي يحاربون أهله ويصدونهم عن السبق به إلى تلك العقول.



وقد يكون كثير ممن يسمون بالأدباء والكتاب والشعراء لا يستحقون تلك التسمية، لهبوط مستواهم في كل تلك المجالات وضعفهم فيها، ولكن قادة الباطل يرفعون شأنهم ويبرزونهم ويطلقون عليهم من الألقاب والصفات ما لا يستحقونه، فيسمون بالرواد والكتاب وقادة الأدب والفكر وغير ذلك، حتى يخدعوا عامة الناس بهم ليقبلوا إلى ما يكتبون وما ينشرون من شعر ونثر ومحاضرات وغيرها، لما فيها من تزيين الباطل وتزو يقه، وذم الحق وتقبيحه.

وإن الذي يتتبع وسائل الإعلام في الشعوب الإسلامية، وما يبثه فيها أمثال هؤلاء من تأييد الباطل ومحاربة الحق، وما ينشر لهم من الكتب والبحوث والمقالات، وما يحدثونه من آثار سيئة في عقول الناشئة وعامة الناس، ليصاب باليأس وخيبة الأمل في إصلاح الأمة التي أريد لها أن تنقاد إلى الباطل وتنأى عن الحق، لولا الأمل الكبير في لطف الله بهذه الأمة ووجود بقية من دعاة الحق صامدة صابرة، تتخذ ما تستطيعه من وسائل السباق الشرعية إلى عقول الناس، والله تعالى يبارك في جهودها فتؤتي ثمارا أعظم مما تؤتيه وسائل أعداء الحق وأنصار الباطل إذا قورن بين هذه وتلك.



ولعل أفراد هذه الفئة وجمعياتها ومؤسساتها كلها، يشملها قول الله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون}[الشعراء 224-226]. بجامع أنهم يقلبون الحقائق، ويمدحون المذموم، ويذمون الممدوح ويكونون أداة لقادة الباطل والطغيان لإفساد العقول.






السابق

الفهرس

التالي


14214963

عداد الصفحات العام

60

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م