﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(03)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له

(03)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له



وفي أنفسكم!



إن أول ما ينبغي أن يقرأه الإنسان من صفحات كتاب الله المفتوح وكتابه المقروء، هو صفحة الإنسان نفسه، ففيها من آيات الله تعالى ما يكفيه للضراعة إليه والخضوع له خضوعاً كاملاً، ويملأ قلبه بمحبته ويدعوه إلى الإكثار من ذكره وعبادته والاطمئنان إليه والسكون إلى جنابه.



لم يكن شيئا مذكوراً!



كل إنسان من آدم عليه السلام إلى آخر من يخلق الله من إنسان، لم يكن شيئاً ـ أيَّ شيء ـ بل كان عدماً، كما قال تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً (67)}[مريم]. وقال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً(1)}[الإنسان]. وقال لنبيه زكريا عليه السلام: { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)}[مريم].



من تراب:



خلق تعالى أبا البشر كلهم آدم عليه السلام من هذا التراب العجيب الذي تدوسه أقدامنا وأقدام الحيوانات في كل أنحاء الأرض وتسير عليه كل دابة في الأرض، وتنبت به الزروع والغابات وتختلط به المعادن على كثرة تنوعها، من ذهب وفضة وحديد وألماس وعقيق وياقوت وزئبق وكبريت وملح ومرمر ورخام وكحل وأحجار كريمة ونفط ومشتقاته، وإليه تعود أجسامنا بعد الموت فيكون لنا فراشاً وغطاء ونكون هناك جزأ منه، ومنه نبعث يوم القيامة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ...(67)}[غافر]. قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)}[المؤمنون].



كيف يشعر الإنسان عندما يعلم بأن أصله التراب، وهو الآن يتصرف في هذا التراب وما علا منه أو سفل تصرفاً تنشأ عنه عمارته للأرض وتنتشر حضارته فيها؟! ألا يشعر بعظمة من خلقه ومكنه من هذا التصرف والتدبير؟! ويشعر بصغر حجمه وضآلته أمام هذا الخالق العظيم فيتواضع له ويخبت خاشعاً خاضعاً مستكيناً؟!



من ماء مهين:



ثم خلق سائر البشر من ماء مهين أمشاج مختلط من زوجين - ما عدا عيسى عليه السلام - كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)}[السجدة]. وجعله تعالى يمر بأطوار في رحم أمه، وأحاطه بحفظه وعنايته، وزوده بالأعضاء الضرورية لبقاء حياته في رحم أمه وبعد خروجه منه حتى يتوفاه الله.



وقد أجمل تعالى رحلة الإنسان منذ بداية تَكَوُّنه في رحم أمه إلى أن يلقى ربه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)}[الحج].



وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}[المؤمنون].



وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً (5)} [الحج]



إن الإنسان الذي أوجده الله تعالى من العدم، وجعله يمر بهذه الأطوار التي ليس له فيها اختيار، ولا قدرة على تكوين نفسه ولا حفظها ولا جلب ما ينفعها ودفع ما يضرها، إلا بما أقدره الله تعالى عليه في بعض مراحل حياته، وكما خلقه يميته ثم يبعثه ليحاسبه على ما قدَّم وأخَّر.



إن هذا الإنسان الذي هذه حاله، جديرٌ به أن يتدبر نفسه، ويتفكر في كل عضو من أعضاء جسمه ومنافعه، ويفكر كذلك فيما لو فقد تلك الأعضاء أو بعضها، كيف سيكون حاله؟ وفيما أحاطه الله به في جميع أطواره، حتى وصل إلى تلك النهاية التي يرى فيها ثمار نشاطه في دنياه، وما قدمه في زمن عمره من خير أو شر.



تُرى؟ لو فكر في ذلك بتأمل واعتبار، ألا يجعله ذلك يصبح ويمسي خاضعاً خاشعاً مخبتاً لله باطناً وظاهراً في كل أحواله لما غمره به من آلاء طيلة عمره؟!



وليفكر كل إنسان أنه خلق بدون شفتين، أو بدون لسان، أو بدون يدين، أو بدون مفاصل لفخذه وقدميه، أو مطموس العينين، أو فاقد الأذنين، أومسدود الجهاز الإخراجي، وقس على ذلك. كيف سيعيش في هذه الدنيا؟



لقد ذكر الله تعالى الإنسان بهذه الصفحة وهي نفسه، من كتاب الله المفتوح التي تصاحبه في كل أحواله يستطيع أن يقرأها ويتأملها قارئاً وغير قارئ، عالماً وغير عالم، في النور وفي الظلام، مقيماً ومسافراً، غنياً وفقيراً، في مسجد أو مصنع، في قصر كبير أو عش صغير، في بدو أو حضر.



ذكَّر الله الإنسان بذلك تذكيراً عاماً، فقال: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ(21)}[الذاريات].

وذكَّره تذكيراً خاصاً بضرب بعض الأمثلة في هذه النفس، فقال تعالى: {(7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9)}[البلد].



وقال عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)}[النحل].



وذكَّره بأنه قادر على إذهاب ما شاء من أعضائه أو سلب منافعه، فقال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)}[الأنعام].



ومن أعظم ما منح الله تعالى به الإنسان العقل الذي ميزه به عن الحيوانات، وجعله مناط تكليفه وسبب تشريفه، فإذا كانت أعضاء جسمه المادية تميز له المطاعم والمشارب، حارَّها وباردها وحلوها ومرَّها، وغيرها من الماديات رطبها ويابسها، وليِّنها وصلبها، وطولها وقصرها، وجميلها ودميمها، وحسن الأصوات وقبيحها، فإن العقل يميز به بين الحق والباطل، والنافع والضار، والعلم والجهل، والمصالح والمفاسد، والضال والراشد، وغير ذلك من المعاني والمعارف التي لا تدركها الحواس، وإن كانت منافذ لها.

إن تفكُّر الإنسان في هذه الصفحة الخاصة به - وهي قليل من كثير - تجعله يدرك عظمة الخالق ويشعر بالرهبة والخشية التي هي من أهم أسباب الخشوع والإخبات كما يأتي.





السابق

الفهرس

التالي


16484986

عداد الصفحات العام

375

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م