﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(020)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له

(020)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له

هل يجب الخشوع في الصلاة؟

والذي يظهر أن مجاهدة المؤمن نفسه ليخشع لله تعالى واجبة عليه، وبخاصة في الصلاة، فقد جعل الله تعالى الخشوع أول صفة للمؤمن المصلي: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون].

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره في أول السورة: "اختلف الناس في الخشوع، هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين. والصحيح الأول، ومحله القلب، وهو أول عِلمٍ يرفع من الناس؛ قاله عبادة بن الصامت، رواه الترمذي من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقد خرجه النسائي من حديث جبير بن نفير أيضاً عن عوف بن مالك الأشجعي من طريق صحيحة". [الجامع لأحكام القرآن (12/102).]

وقال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: "فإن قيل‏:‏ فخشوع القلب لذكر اللّه وما نزل من الحق واجب؟‏ قيل‏:‏ نعم، لكن الناس فيه على قسمين‏: ‏مقتصد وسابق، فالسابقون يختصون بالمستحبات. والمقتصدون الأبرار‏:‏ هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة، ومن لم يكن من هؤلاء، ولا هؤلاء، فهو ظالم لنفسه، وفي الحديث الصحيح وفي الحديث الصحيح عن النبي صَلى الله عليه وسلم:‏) ‏‏اللّهم، إني أعوذ بك من عِلْمٍ لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ودعاء لا يُسْمَع‏(‏‏." انتهى [الحديث ذكره ابن الأثير في جامع الأصول: "أخرجه الترمذي، والنسائي" ورواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، بلفظ: "كان رسول الله صَلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الأربع، من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع) وقال: "هذا حديث صحيح ولم يخرجاه".].

وكان رسول الله صَلى الله عليه وسلم، يقول في ركوعه: (اللهم! لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري. ومخي وعظمي وعصبي). [مجموع الفتاوى، والحديث في صحيح مسلم من حديث علي ?.]

وفي حديث زيد ابن أرقم عن النبي صَلى الله عليه وسلم:‏)
‏‏اللّهم، إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من عِلْمٍ لا ينفع، وقلب لا يخشع، ومن نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومن دعوة لا يستجاب لها ‏(‏‏."

من مظاهر الخشوع البكاء من خشية الله:

أصل الخشوع في القلب ويظهر أثره على الجوارح، كما سبق في قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.

هذه الآية تدل على ما سبق من أن من أهم أسباب الخشوع الخشية والرهبة من الله تعالى، فقد عطف لين القلوب وهو خشوعها، على قشعريرة الجلد من شدة الخوف من الله تعالى، فإذا كان الجلد يقشعر من خوف الله، والقلب يلين ويخشع ويطمئن إلى ذكر الله تعالى معظما له، فإن العين تدمع لذلك، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً(109)} [الإسراء].

وقد كان الرسول صَلى الله عليه وسلم قدوة لأمته في البكاء من خشية الله والخشوع له، كما في حديث ابن مَسعودٍ رضِي الله عنه قالَ: قال لي النبيُّ صَلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ علَّي القُرآنَ) قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟، قالَ: (إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً} [النساء: 40]. قال: (حَسْبُكَ الآن) فَالْتَفَتُّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ [البخاري ومسلم].

وفي حديث مطرف بن الشخير عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صَلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء صَلى الله عليه وسلم " [رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك، وقال: " حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وقال ابن رجب في فتح الباري: (4/245) إسناده على شرط مسلم.].

وبشر صَلى الله عليه وسلم من بكى من خشية الله والخشوع له بالنجاة من النار، روى أبو هريرة، ? عن النبي صَلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لا يلجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيةِ اللَّهِ حتَّى يعُودَ اللَّبَن في الضَّرعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ في سبيل اللَّهِ ودخَان جهَنَّم). [ذكره في رياض الصالحين، وقال: رواه الترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وذكره الألباني في صحيح الترمذي، وقال: صحيح.]

وفي حديث آخر عن عبد الله بن عباس رضِي الله عنهـما، قال: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم يقول: (عينانِ لا تمسُّهُما النَّارُ عينٌ بكَتْ من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتتْ تحرسُ في سبيلِ اللهِ) [وقال: رواه الترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ.].

وفي حديث لأبي هريرة رضِي الله عنه قالَ رسُولُ اللَّه صَلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ).. ومنهم: (رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) [متفق عليه].

والقاعدة أن الفاء العاطفة تفيد الترتيب والتعقيب، وهي هنا سببية، أي إن ذكره اللهَ تسبب عنه فيض عينيه مباشرة، ويبدو أنه سريع الخشية والخشوع من ذكر الله، وهذه السرعة في الخشسوع لا يحرزها كل الخاشعين، بل يحتاج كثير من الناس إلى التأمل والمجاهدة حتى يخشع من ذكر الله، ولكلٍّ درجته وثوابه عند ربه.

ويبدو لي أن من المجاهدة تَكَلُّفَ المؤمن التخشع بينه وبين ربه إذا لم يحصل له بدون ذلك، ولعل ذلك يؤخذ من قول الرسول صَلى الله عليه وسلم: (ومن يَتَصَبَّر يصبره الله) [البخاري]. والتصبر تكلف الصبر ومعالجته مع ثقله على النفس.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذه الجملة الشرطية: "ومن يتصبر أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق، وقوله: يصبره الله أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه" وقوله: (ذكر الله خاليا) يشمل كونه في الصلاة وخارجها.[انتهى]

ومعلوم أن الأخلاق التي يتحلى بها الإنسان قسمان: قسم فطري جبلي، يجبل الله الإنسان عليه، وقسم آخر يتخلق به ويدرب نفسه عليه حتى يتمكن من الاتصاف به، كما تدل على ذلك قصة أشج عبد القيس رضِي الله عنه الذي قال له الرسول صَلى الله عليه وسلم: (إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة) قال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: (بل الله جبلك عليهما) قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله" [رواه أحمد ومسلم أبو داود وغيرهم واللفظ لأبي داود.].

الفرق بين التخشع المشروع والتخشع الممنوع:

هذا وينبغي أن يعلم الفرق بين التخشع، الذي يتكلفه المسلم في الخشوع بينه وبين ربه كما سبق قريباً، وبين التكلف الكاذب الذي يظهره المتصنعون للناس على هيئة صياح وحركات غريبة، فالأول تكلف ممدوح يقره الشرع لأن صاحبه قصد به وجه الله، والثاني مذموم في الدين ومبتدَع ممنوع؛ لأن صاحبه يريد به الرياء في الغالب.

وقد أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله، مقارناً بين صفة خشوع أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم، وبين صفة خشوع هؤلاء المتكلَّف، فقال عند تفسير قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }: "وصف الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره. وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه. ونظير هذه الآية {وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج 34-35]. وقال: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ } [الرعد 38].

فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب. والوجل: الفزع من عذاب الله؛ فلا تناقض. وقد جمع الله بين المعنيين في قوله {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر 23]. أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله.

فهذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته؛ لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير. فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وَجْدٌ وخشوع: لم تبلغ أن تساوي حال الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله، والخوف منه، والتعظيم لجلاله؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفاً من الله.

ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة 83]. فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم. ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم؛ فمن كان مستناً فليستن، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسهم حالاً؛ والجنون فنون. روى مسلم عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبي صَلى الله عليه وسلم، حتى أحفوه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال: (سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم ما دمت في مقامي هذا). فلما سمع ذلك القوم أرَمُّوا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر. قال أنس: فجعلت ألتفت يميناً وشمالاً، فإذا كل إنسان لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي. وذكر الحديث [مسلم (15/97)، ومعنى "أَرَمُّوا" سكتوا.].

وروى الترمذي وصححه عن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صَلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب... الحديث. ولم يقل: زعقنا ولا رقصنا ولا زَفَنَّا ولا قمنا" [انتهى كلام القرطبي، من الجامع لأحكام القرآن (7/356)، وسبق تخريج الحديث.].






السابق

الفهرس

التالي


15327386

عداد الصفحات العام

3680

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م