﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمًا﴾ [ ١٣٨] ٱلَّذِینَ یَتَّخِذُونَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ أَیَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا﴾ [النساء ١٣٩]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(017)التكفير ومذاهب العلماء فيه

(017)التكفير ومذاهب العلماء فيه



كيف عامل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الصنف من الكفار؟



لقد عامل الرسول صلى الله عليه وسلّم، المنافقين الذين كان كفرهم أشد من الكفار الصرحاء، معاملة المسلمين في أحكام الدنيا، فلم يفرق بينهم وبين غيرهم من صحابته رَصي الله عنْهم، على رغم أن سيرتهم كانت دالة دلالة لا لبس فيها أنهم يكفرون بالله ورسوله وباليوم الآخر، ولم يكونوا مؤمنين مطلقاً.. وبهذا يعلم أن من أظهر الإسلام ودلت القرائن على كفره، لا يعامل معاملة الكفار حتى يكون كفره صريحاً.



وقد كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يتخذون ما يبدو لهم من القرائن الدالة على خيانة بعض الأشخاص، ممن أظهروا إسلامهم، حجة على عدم إيمانهم، ويستأذنونه في قتلهم، ويصفونهم بالمنافقين، لما يظهر لهم من أن نفاقهم نفاق اعتقادي، أي إنهم كفار وليسوا بمسلمين.



وكان الرسول صلى الله عليه وسلّم، يدافع عمن عرف صدقه وإيمانه، ويقبل عذره ويذكر ما له من فضائل، كما في قصة "حاطب بن أبي بلتعة" صلى الله عليه وسلّم، الذي كشف في رسالةٍ له، سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عزمه على فتح مكة، أرسلها إليهم مع امرأة، وكان صلى الله عليه وسلّم قد أخفاه ليهاجم قريشاً قبل أن يستعدوا لقتاله.



وأظهر الله أمره قبل أن تصل رسالته إلى قريش، فبعث علياً والزبير والمقداد، فأدركوا المرأة وأخذوا الرسالة منها، وسلموها للرسول صلى الله عليه وسلّم، فأنكر على حاطب فعله، فاعتذر حاطب بأنه أراد أن يتخذ عند قريش يداً يحمي بها قرابته التي لا يوجد من يحميهم كبقية قرابات قريش، ونفى عن نفسه الارتداد عن الإسلام.



فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلّم: (إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) [صحيح البخاري (4/1557) رقم (4025).].



فكأن عمر رضِي الله عنه، فهم أن حاطباً رضِي الله عنه يظهر الإسلام ويبطن الكفر؛ لأن ما فعله لا يصدر في الغالب إلا من المنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام، ويتحالفون في الباطن مع الكفار، فاتخذ عمر ما فعله حاطب رضِي الله عنه قرينة على نفاقه.. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلّم، لم يقره على ذلك، بل أثنى على حاطب وعذره. وقد روى قصة حاطب بطولها الإمام البخاري وغيره كما سبق، وذكرها المفسرون في تفسير سورة الممتحنة.



وكذلك أنكر الرسول صلى الله عليه وسلّم على من رمى "مالك بن الدخشن" بالنفاق، واستدل على ذلك بقرينة وهي نصحه للمنافقين، أي لمصلحتهم.. كما في قصة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلّم في مكان من بيت عتبان بن مالك ليتخذه مسجداً، التي رواها محمود بن الربيع رضِي الله عنه.. قال قائل ممن اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أين مالك بن الدخيشن؟ - أو ابن الدخشن - فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله.



فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله) قال: الله ورسوله أعلم، قال فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) [صحيح البخاري (1/164) رقم (415) وصحيح مسلم (1/61) رقم (33).].



أما من دلَّت القرائن على نفاقه، ولم يعلم الرسول صلى الله عليه وسلّم صدقه، بل قد يترجح له أنه منافق فعلاً، فلم يكن صلى الله عليه وسلّم يدافع عنه ولا يثني عليه، ولكنه لا يقر أحداً على قتله، ويعلل ذلك بأنه قد أظهر للناس أنه من المسلمين، والإسلام يعصم دم من أظهره وماله، فإذا أذن في قتله ظن الناس أن محمداً يقتل من آمن به.



كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهـما، قال: كنا في غزاة... فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال: (ما بال دعوى جاهلية؟). قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال: (دعوها فإنها منتنة).



فسمع بذلك عبد الله بن أُبي فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

فبلغ النبي صلى الله عليه وسلّم، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: (دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) [صحيح البخاري (4/1861) رقم (4622) وصحيح مسلم (4/1998) رقم (2584). ]



ويؤخذ مما سبق الأمور الآتية:



الأمر الأول: أن المنافق نفاقاً اعتقادياً يعتبر كافراً في الواقع.



الأمر الثاني: أنه لا يعامل في أحكام الدنيا معاملة الكفار، بل معاملة المسلمين؛ لأنه قد عصم دمه وما له بإعلان إسلامه، وتلك هي الْجُنة التي ذكرها الله تعالى في كتابه: { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً.. (16)} [ المجادة].



فإذا ظهر من المنافقين ما يدل على الكفر والردة عن الإسلام، أقسموا الأيمان المغلظة على أنهم مؤمنون، فيتحصنون بذلك من حكم المرتد.



قال الإمام الشافعي رحمه الله: "{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } يعني والله أعلم، من القتل، فمنعهم من القتل، ولم يُزِل عنهم في الدنيا أحكام الإيمان بما أظهروا منه، وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار، بعلمه بسرائرهم وخلافها لعلانيتهم بالإيمان" أحكام القرآن (1/299- 300)، والآية من سورة المجادلة (16). [ ]



الأمر الثالث: جهل من يستحلون دماء وأموال من يظهرون الإسلام فيصلون ويصومون ويحجون، بحجة أن معارضتهم لتطبيق شرع الله تعتبر كفرا، مع أن هؤلاء يسلكون سبيل المنافقين في اتخاذهم إظهار الإسلام جنة يتحصنون به من اتهامهم بالكفر.



ومن عجب أن هؤلاء المستحلين لدماء وأموال من يظهر الإسلام ويسلك سبيل المنافقين، ليسوا حكاماً للبلدان الإسلامية، بل هم أفراد أو جماعات ليسوا أهل حل ولا عقد، ومع مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلّم في أصل الحكم، وهو معاملة من أظهر الإسلام ودلت القرائن على كفره معاملة المسلم، في أحكام الدنيا، هم يخالفونه كذلك، ويخالفون جماهير علماء الأمة قديماً وحديثاً، في توليهم تنفيذ قتل من لا يشرع قتله، فأحدثوا بذلك على الأمة الإسلامية من الأضرار ما الله به عليم.



وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو يتلقى الوحي من الله، وكان ولي أمر المسلمين في عهده، لم يقتل المنافقين، ولم يأذن بقتلهم، فكيف يستحل غيره قتل من شابهَ أولئك المنافقين؟



وقد يكون بعض من تظهر عليهم قرائن النفاق، ليس نفاقهم نفاقا عَقَدِياً، بل قد يصدر ذلك منهم عن جهل أو تأويل، وقد يرجعون عن ذلك إذا أقيمت عليهم الحجة.





السابق

الفهرس

التالي


14948229

عداد الصفحات العام

833

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م