(05)علماء حاورتهم في البلاغ المبين
إجابات الدكتور القرضاوي
6-السائل: نعم. جزاك الله خيرا. ننتقل إلى الوسيلة الثانية: الإعلام.
جواب: ننتقل إلى وسيلة الإعلام.
الإعلام-طبعا-في عصرنا أصبح أداة جبارة-في الحقيقة-للتأثير في أفكار الناس وميولهم وأذواقهم، لأنه يخاطب قاعدة عريضة جدا من الناس. وبعد وجود الإذاعة والتلفزيون الآن أصبح شيئا خطيرا، يدخل على الناس في بيوتهم ومخادعهم، وعنده من القدرة أن يؤثر بالصوت وبالصورة، وبالمثيرات الجانبية، بالنغم وبالحركة وبطريقة الإخراج، بحيث يكون الشيء مشوقا يشد الناس إليه شدا، فأصبحت وسيلة مهمة جدا. فلا بد من استخدام هذه الوسيلة
حقيقة، ومنها التلفاز ، أعتقد أنه لم يعد هناك مجال الآن لنقول التلفاز قائم على التصور والتصوير حرام … أنا لي رأى من قديم. ولكن لا يمكن أن ندع هذه الأداة الضخمة تفسد الناس ولا نستغلها نحن للخير. هذا أمر لا بد منه.
ومما يؤسف له أن أدوات الإعلام وأجهزته في بلادنا الإسلامية، تسلط عليها أناس إما من غير المسلمين، وإما من المسلمين الوراثيين الجغرافيين، فلا يكادون يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، ولعلهم لا يعرفون رسم القرآن أيضا!. والكلام-أيضا-على الأعم الأغلب.
ولذلك لا بد من بذل الجهد للوصول إلى هذه الأجهزة، ومن ذلك أن نعد المتخصصين للنواحي المختلفة.
أما أن نقاطع هذه الأجهزة ونقول: إن هذه وسيلة فاسدة، وذي بيئة يغلب عليه الحرام فابتعد عن الشبهات واستبرئ لدينك وعرضك، فلا. هذا خطأ لا بد أن ندخلها على ما فيها من شبهات، لأنها عملية موازنات بين الخير والشر، قد يكون فيها بعض الشر ( بل فيها الكثير منه) لكن يتحمل الضر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، ويتحمل الضر الخاص لدفع الضرر العام.
فنحن يمكن أن نخالط هؤلاء ونحتاج إلى من يعمل مع هؤلاء، إلى من يعمل مذيعا، ومن يعمل مقدما، ومن يعمل مخرجا، ومن يعمل كاتبا للنص، لأن هذه الأشياء يعمل فيها عدد من الناس. فأنت في حاجة إلى كاتب نص يكتب نصا إذاعيا، أو نصا تلفازيا، يكتبه بصيغة تصلح، وليس كل ما يكتب ينفع، لأن هذا شيء يكتب بطريقة معينة. وهناك أناس متخصصون في شيء يسمونه السيناريو … بلغة الحوار، كيف تجعل هذا في لغة الحوار، يسمونه بالعنصر الدرامي، بدل أن تلقي درسا كله موعظة، الناس تمل من ذلك، إنما إذا أدخلته بشكل قصة، بشكل مسرحي، أنا كتبت مسرحية اسمها: "عالم وطاغية" ومُثِّلَت في عدد من البلاد وكان لها تأثير كبير.
وبعض الناس يقول لك: يا أخي القصص والمسرحيات تُقَوِّل الناس ما لم يقولوا. وما المانع؟ هذا قد فعله العرب من قديم الزمان، جعلوا أشياء على ألسنة الطيور وألسنة الحيوانات وألسنة الجمادات، ولم يقل الثعلب والأسد: كذا وكذا … وإنما هذا يصور تصويرا. حتى إن بعض مفسري القرآن يقول مثلا {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال}: ليس من الضروري أن يكون حصل عرض حقيقي، بل قد يكون تصويرا.
فنحن في حاجة إلى أن نعرف لغة المسرح، ولغة القصة، ولغة التمثيل … ونستخدمها نحن في الخير بدلا من أن تستخدم في الشر. فلا بد أن نعد أناسا في هذه الناحية. إنما بُعْدُ الدعاة وبعد الإسلاميين وبعد أهل العلم والدين عن هذه النواحي معناه تركها لغيرنا. فلكي نستفيد من هذه الأجهزة لا بد من الدخول إليها والمشاركة في وضع برامجها. والحقيقة نأخذ بأسهل الآراء في هذه الناحية، إنما إذا شددت في كل شيء لا تستطيع أن تفعل شيئا.
والعنصر النسائي أصبح يستخدم في أجهزة الإعلام استخداما لا يستطاع منعه الآن في معظم البلاد الإسلامية ويكاد يكون في كل البلاد الإسلامية (وهذا هو الواقع) يقول لك: يا أخي المرأة جزء من الحياة، وأنت كيف تعمل تمثيلية لا توجد فيه امرأة؟! ذا ضد الواقع. وعندما تنظر في قصة يوسف، الله ! العنصر النسائي مهم في القصص. قصة موسى أليس فيها أم موسى وأخت موسى وامرأة فرعون وبنتا الرجل الصالح والمرأة لها دور. الأم-مثلا-قالت لأخته: {قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون}. كيف احتالت بدون أن يعرفها أحد؟ ووصلت إليهم وقالت: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه وهم له ناصحون}.
كيف استطاعت امرأ فرعون أن تنقذ موسى: {لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}. وكيف استطاعت البنت أن تقول لأبيها: يا أبت استأجره إن خير من استطعت القوي الأمين} الله ! (الدكتور ينطق لفظ الجلالة متعجبا). للمرأة دور إيجابي ونحن لا نستطيع أن نلغي هذا الدور، ونقول: إنه مقصور على الرجال !. هذا ليس واقعا، هذه الأمور كلها يجب أن ننظر فيها، ولا نقول: لا تقوم (كلمة غير واضحة. يراجع الشريط) وما ذا فعلنا نحن من أجلها؟ هل أعددنا الرجال؟ لا بد أن نبعث ناسا يتخصصون، يأخذون ماجستير ودكتوراه. هذه الأشياء أصبحت علما. كل شيء أصبح علما الآن، يدرس وله متخصصون، وما لم يكن عندنا متخصصون لا نستطيع أن نفعل شيئا. فهذه الأجهزة-الحقيقة-إذا أحسنا استخدامها أدت أمرين مهمين:
الأمر الأول: داخل البيئة الإسلامية، لتعليم المسلمين حقائق دينهم، وربطهم بالأمة الإسلامية، والاهتمام بقضايا المسلمين، فـ(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم). يجب أن تكون قضايا المسلمين حية، قضية أفغانستان، قضية الدعوة الإسلامية في العالم، المؤامرات على المسلمين وكشف مؤامرات أعداء الإسلام. هذه كلها يجب أن تقوم أجهزة الإعلام بهذا الأمر. فنستطيع أن نقوم بمهمة جليلة وخطيرة إذا أحسنا الاستفادة منها.
الأمر الثاني: يأتي الدور الآخر، وهو توصيل هذه الرسالة إلى العالم. والكلمة المسموعة في الإذاعة الآن تستطيع بعض المحطات أن تصل إلى ما شاء الله من الأرض. والإذاعات الموجهة.. ويجب أن يكون ذلك بلغات شتى. والكلمة المشاهدة المرئية عن طريق التلفاز، خاصة بعد وجود الأقمار الصناعية وانفتاح العالم بعضه على بعض. وأصبحنا نخاف الآن منها. يمكن أن تشاهد التلفزيون الأمريكي، والتلفزيون الأسترالي، والتلفزيون الأوربي، وأحيانا فيها أشياء فاضحة … لماذا لا نفكر نحن ونستغل هذا لنوصل كلمتنا إلى العالم ، ونعد من يستطيع أن يفعل هذا؟!
[توضيح من السائل: لم تكن الفضائيات العربية قد انتشرت تلك الأيام وغالبها اليوم تنشر من الفساد الأخلاقي والفكري مثل ما تنشره الفضائيات الأجنبية أو أقبح، وقد أصبحت الشبكة العالمية اليوم وسيلة تؤدي ما أدت وسائل الإعلام في الماضي وتتفوق عليها بشمولها وسرعتها وسهولة استعمالها لكل من أراد إيصال رسائله عن طريقها]
ثم قال الدكتور يوسف:طبعا الكلمة المقروءة-أيضا-ينبغي أن نستغل لها الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية، سواء كانت للمسلمين أو لغيرهم. كل هذه مهمة جدا، لأن الكلمة المقروءة ستظل لها أهميتها. فلا بد من استغلال هذه الأجهزة في داخل الأمة الإسلامية أيضا، لتعليمها الحقائق وكشف الأباطيل. وإيصال الكلمة إلى العالم عن طريق الكلمة المقروءة..
فنحن في حاجة إلى أمة إسلامية تقرأ، ولا عجب أن تقرأ أمة أول آيات في كتابها أنزلت على رسولها: {اقرأ باسم ربك الذي خلق …} وإن كان-للأسف-ما نشكو منه أن أمتنا من أقل الأمم قراءة، وهي عادة سيئة. وينبغي-أيضا-توعية الأمة بأن تقرأ وإيصال كلمتنا إلى أمم العالم التي تقرأ الآن، ولو وَجَدَتْ شيئا جيدا فستقرأه. كيف نستطيع أن نكتب الشيء الجيد والشيء الذي يعرف كيف يخاطب الناس. هو ذا مهمتنا وإعداد من يقوم بهذا هو الواجب الأول.
7-السائل: جزاك الله خيرا. فضيلة الدكتور. أنا كنت كتبت هنا-في الأسئلة-الاستفسار عن وسيلة: "المسرح، التمثيل، الأناشيد، … سؤال عن المسرح
والتمثيل؟ الله سبحانه وتعالى: ذكر التمثيل بـالذباب، والبعوض، والحمار، والنخلة (كشجرة طيبة) هذه الأشياء التي ضرب الله المثل بها، هل نستطيع أن نستنبط منها أننا يمكن أن نمثلها حسيا أمام الناس وتكون مشروعة من هذه الناحية؟.
الجواب: هذا ما ذكره القرآن من ضرب الأمثال، هذا الحقيقة أعطانا قيمة كبيرة. فالقرآن نفسه ذكر قيمة الأمثال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}.
{وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}. فلماذا ضرب هذه الأمثال؟ هي عمَلِيَّة توضيحية، ولذلك المشركون علقوا على هذه الأمثال مستنكرين، فقالوا: القرآن يذكر البعوضة والعنكبوت والنملة والذباب ! فرد القرآن عليهم: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم …}. فلا بد أن تستخدم من الصور والأمثلة والوسائل ما يوضح فكرتك للناس لعلهم يتفكرون، ليعقلها العالمون، وكما قلتُ أول الأمر: {بلسان قومه ليبن لهم}. أصبح من الألسنة المتعارف عليها الآن-فعلا-التمثيل والمسرح، وهذه الأشياء مهمة جدا للدعاة ندخل هذه الأشياء عن هذا الطريق المشوق: حركة.. هذه الطريق تستطيع أن تؤثر في الناس … لماذا طلبوا من الرسول يريدون أحسن القصص … فجاءت لهم سورة يوسف، وفيها: {نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}.
قصة حية متحركة-يعني-فيها كل جوانب الحياة. تحكي عن حياة أولاد الأنبياء وما يجري داخل نفوسهم من حسد وإن كانوا أولاد أنبياء، وكيف يتآمرون، وكيف يحدث كذا وكذا… والقصور ونساء القصور وما يحدث فيها ، والسجون، والأزمات الاقتصادية وكيف يتغلب عليها بالتخطيط، والرؤى والأحلام … قصة حافلة. فعلا أحسن القصص. فلماذا لا نستغل القصة والتمثيلية والمسرحية؟! لماذا نجد مثلا: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول}؟
أيهما أثبت في ذهن الطفل-مثلا-أنك تحفظه هذه السور فقط أو أنك-مع تحفيظه إياها-تعمله إياها في شكل درامي تفسر به القرآن، وأنك ترسم "أبرهة الأشرم" وقد جاء وهو راكب الفيل ليهدم الكعبة، ويحاول أن يدخل الفيل فيأبى، وإذا رجع به إلى الوراء أسرع؟ وموقف "عبد المطلب" …وتذكر القصة فتُرى مشاهدة؟ أليس هذا أولى من مجرد أنه-الطفل-يحفظ السورة، ولا يعرف معنى طيرا أبابيل ولا كعصف مأكول. يمكن أن توضح كثيرا مما جاء به القرآن توضيحا يظهر للناس … طبعا توجد أشاء معينة لا نوافق عليها، مثل ظهور الأنبياء وصور معينة … لا بد من ضوابط، لا نحب أن يظهر الرسل والأنبياء، لأن الإنسان راسم في مخيلته لهؤلاء صورة رائعة، فوضعها في شكل مجسم سيقلل من قدرها … فتوضع ضوابط لاستخدام هذه الأشياء.
ذكرتَ الأناشيد. أيضا من الأمور المهمة جدا أن الإنسان في حاجة إلى أن يتغنى. الصحابة عندما كانوا يحفرون كانوا يقولون:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخره،،،،،،فارحم الأنصار والمهاجره.
اللهم لولا أنت ما اهتدينـــا،،،،،،،،،،،،،،ولا تـصدقنا ولا صـلينا
فأنزلـن سكـينة علـــينا،،،،،،،،،،،،،،،،،وثـبت الأقدام إن لاقينا
والذي يحدو الإبل.. حتى الجمل يستخف الطريق بالحداء. ولذلك الرسول صَلى الله عليه وسلم، لما رأى الجمال نشطت، قال للحادي: "أنجشة": رفقا بالقوارير، أي النساء، لأنهن قد يتأثرن مع السرعة الشديدة. فهذا شيء طبيعي، ولا بد من هذه الأشياء.
والأسف سمعتُ أن بعض الناس ينكرون الأناشيد. بعض الشباب الإسلامي يخرجون في رحلات وينشدون، قيل لي إن بعض المشايخ أنكروا ذلك. لماذا؟! الصحابة كانوا ينشدون. الشعر استخدم في الإسلام "اهجهم وروح القدس معك". فلذلك لا بد من الأناشيد. وأنا شخصيا-الحقيقة-ممن ألف عددا من الأناشيد يتغنى بها كثير من الشباب المسلم، ومنها النشيد المشهور:
مسمون مسلمون مسلمون حيث كان الحق والعدل نكون
إلى آخره. وكان الإمام الشهيد ,, حسن البنا،، باعتباره رجل دعوة ويعرف ما الذي يؤثر في الناس. فاستخدم كل شيء (مؤثر) من ذلك الأناشيد. فكان أتباعه وأبناؤه لهم أناشيد يتغنون بها، منها النشيد المعروف:
هو الحق يحشد أجـناده،،،،،،،،،،،،ويعتد للموقف الفاصل
فصفوا الكتائب آساده،،،،،،،،،،،ودكوا به دولة الباطل
هذه معانٍ الإنسان في حاجة إلى إثارة حماسه بها. والحمد لله بدأت تظهر بعض الأناشيد الإسلامية، وبعض الناس الذين يلحنونها تلحينا حسنا وجميلا مؤثرا، لأن الإنسان ليس عقلا فقط. الإنسان عقل ووجدان. فلا بد من استخدام هذا للتأثير في الوجدان الإنساني مع عقله.
[توضيح من السائل: ذكرتُ بعض النصوص من القرآن والسنة وأقوال علماء الشريعة الفقهاء في الدين فيما يتعلق بالأناشيد الإسلامية ، والشعر من حيث هو في كتابي: ,, دور المسجد في التربية ،، والعبرة في التحليل والتحريم والكراهة والإباحة والندب-وهي الأحكام التكليفية الخمسة بما وردت به النصوص وما استنبطه منها العلماء الفقهاء في الدين ، وليس بالأهواء والميول المجردة …]
|
|