[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
(6)
سافر معي في المشارق والمغارب
(6)
سافر معي في المشارق والمغارب
إلى دار الرعاية الاجتماعية في لندن:
وكنا متوجهين إلى دار الرعاية الاجتماعية في لندن، فخرجنا من أنفاق القطار من الطوابق السفلى إلى ظهر الأرض فوقفنا لحظات، فإذا الحافلة ذات الطابقين واقفة فركبناها [وكانت تلك الأيام من الأشياء الغريبة عندي، لأنها لم تكن توجد في المملكة، وقد قررت بريطانيا في عام 2004م إحالة هذا النوع من وسائل النقل إلى التقاعد بعد مضي خمسين سنة على وجودها، واستبدال غيرها بها من وسائل النقل التي يسهل على العجزة والمعاقين ومن يصحبون في تنقلاتهم أطفالا، بخلاف الوسائل ذات الطابقين، فإن في صعود المذكورين إليها صعوبة، وسيتم إلغاء تلك الوسيلة في مطلع عام 2005م وسيبقون منها عدداً قليلا لمن أظهروا ندمهم على إلغائها، لأنها أصبحت عندهم جزءا من تاريخ بريطانيا...]
ونزلنا في المكان الذي يظن أن المقر قريب منه، فدلنا بعض أهل الحارة على منزل فطرقنا بابه فخرجت امرأة سورية محتشمة تخاطب زميلي وصديقي باللغة الإنجليزية، فلما رأتني ألبس اللباس العربي انطلقت عقدة لسانها ورحبت بنا فسألناها عن المسؤول عن الدار؟ فقالت: إن هذا المنزل تابع لها
(أي للدار)
ولكن خاص بتعليم بعض الأطفال وأشارت لنا إلى مكان الدار في الجهة التي أتينا منها فرجعنا أدراجنا نلتمس الدار، فإذا أنا أرى مكتبة تجارية تحتوي على كتب عربية كثيرة فقلت للأخوين ندخل هذه المكتبة لعلنا نجد من يدلنا على الدار، فدخلنا وسألنا مدير المكتبة فقال إنكم الآن في الدار فتفضلوا على الرحب والسعة. واتصل بالأخ المسؤول عن الدار فجاء فوراً، وكان على خلق فاضل وسمت المسلم الفاضل ـ ولا أزكي على الله أحداً ـ
فتعرف علينا ورحب بنا وطلب منا أن نبقى حتى نتناول طعام الغداء فاعتذرنا لضيق وقتنا وقد وعدنا بعض الجهات بالزيارة، فتوضأنا وصلينا معهم الظهر وشربنا الشاي، ثم تجولنا في المكتبة التي تحتوي على كتب إسلامية كثيرة، ومنها كتيبات صغيرة للأطفال والمبتدئين في اللغة العربية، وأشرطة لتعليم اللغة الإنجليزية، ومصاحف مسجلة في أشرطة، ويشتمل المركز على مسجد وبجانبه دورة مياه كاملة للوضوء، وقاعة لبعض الألعاب الرياضية الخفيفة ومكان للاستقبال، ويفد إليهم بعض الطلبة المغتربين للصلاة معهم والمذاكرة والقراءة وهم يقومون بمجهود يشكرون عليه على رغم قلة الإمكانات [مزيد من المعلومات عن دار الرعاية في زيارتي الرئيسة لبريطانيا من هذه السلسة في المجلد الثاني].
مستنقع آسن يجمع الغافلين عن الله!
بعد ذلك ودعناهم وذهبنا إلى منطقة
(وستئند)
ذات المباني القديمة، المزدحمة بالسكان والسائحين الأجانب، وهي ـ كما قال محمد أشرف ـ مشهورة بالمراقص والمسارح ودور السينما والفساد الذي لا ينبغي وصفه بالتفصيل.
تائهون لفقدهم ذكر الله!
وقبل وصولنا إلى مركز المنطقة المذكورة وجدنا في طريقنا طائفة من البشر مختلطة من الرجال والنساء، لا يعرف الفرق بينهم إلا بلحى الرجال الذين أطلقوا شعورهم ولبسوا ملابس رثة، وتبدو القذارة على ثيابهم والحسرة على وجوههم، وهم يحملون أدوات الموسيقى ويوقعون عليها ويضربون الدفوف ويرقصون ويغنون، وكنت لا أفهم من كلامهم إلا هوم هوم هوم
(Home)
ثلاث مرات، فسألت: ماذا يريدون من ذكر المنزل؟ فقيل لي: إنهم يقولون في أغنيتهم كيف السبيل إلى عودتنا إلى منازلنا والناس مجتمعون حولهم، منهم من يسمع صامتاً، ومنهم من يضحك.
ثم شرح لنا محمد أشرف حالهم، فقال: إن هؤلاء كانوا من أولاد الأغنياء ذوي الأموال الطائلة والقصور العالية والسيارات الفخمة، تعبوا من عيشتهم المادية وخرجوا يلتمسون في الشوارع وعلى الأرصفة وفي الحدائق العامة وغيرها شيئاً يريحهم، فلم يجدوا ذلك أيضاً ويريدون أن يعودوا إلى البيوت، ولكنهم قد جربوها فهم يسألون عن سبيل العودة إلى بيوتهم مع وجود الطمأنينة والرضا.
عندي ما يعيدهم إلى منازلهم:
فقلت؟ لزميلي الدكتور ـ وهو الذي يترجم بيني وبين محمد أشرف ـ: قل له يدعوهم إلي فعندي بإذن الله السبيل الذي يعيدهم إلى منازلهم مع وجود الرضا والطمأنينة. وكنت جاداً في ذلك ومتيقناً أنهم لو سمعوا مني شرح كلمة التوحيد وبعض ما تقتضيه من طاعة الله والصلة به لتحولوا من ضائعين إلى مرشدين، ولكن أخانا محمد أشرف أجاب بأن هؤلاء وصلوا إلى درجة من الاقتناع التي لا تسمح لهم بأن يسمعوا من أحد من المجتمع أي نصيحة، لأنهم لم يصلوا إلى هذه الحال إلا بعد أن يئسوا من إصلاح هذا المجتمع، وهم ذووا عنف فقد يضربون من ينصحهم، فحوقلت ودمعت عيناي حسرة على انحطاط المسلمين الذي خسر به العالم كما قال الأستاذ الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟! وبدأت أتأمل عنوان هذا الكتاب من جديد مع أني قد قرأت الكتاب مراراً، وبدأت أشعر بعاطفة المؤلف وتخيلت أنه أسال دمع عينيه مع حبر قلمه عندما كتب عنوان هذا الكتاب.
واصلنا السير إلى مركز منطقة
(وستئند)
فرأيناها فعلاً تختلف عن الأماكن الأخرى التي مررنا بها في المدينة.
وكان أشرف يقرأ بعض الإعلانات المكتوبة على بعض المباني ويخبرنا بمعناها، وإنها لأحط من أن أسجلها هنا بقلمي.
هنا ينفق قادة الفسق أموال الشعوب العربية والإسلامية!
وقال لنا الأخ محمد أشرف: إن أموال الأثرياء في الشرق الأوسط تنفق بين هذه الجدران، وإن هذا المكان من أهم الأماكن التي ينطلق منها تحطيم أخلاق المسلمين في كل مكان، وإن اليهود هم الذين يسيطرون عليه.
ولقد ضقنا ذرعاً بالمناظر القذرة والمشكلة أني كنت أرتدي اللباس العربي، والعرب الساقطون معروفون بالتردد على هذا المكان، لذلك أشعرت الأخ محمد أشرف أننا في حاجة إلى ترك هذا المكان والذهاب إلى المركز الإسلامي.
وفي هذا المكان القذر رأينا بعض المطاعم التي كتب عليها أنها تقدم الطعام الإسلامي، فتعجبت وسألت أشرف: أحقاً هذا أم أنها مصيدة لمن بقي عندهم شيء من الصلاح يترددون على مثل هذا المطعم فتصطاد هم حبائل الشيطان؟ فأجاب: إن هذا هو الصحيح.
في المركز الثقافي الإسلامي:
ثم ذهبنا إلى المركز الثقافي الإسلامي الذي يحتوي على مسجد كبير بطابقين: أحدهما للرجال والآخر للنساء، وبه دورات مياه واسعة ونظيفة ومجهزة، ومكتبة، وبه مكاتب إدارية بها موظفات من النساء، قيل لنا: إنهن مسلمات بريطانيات ولا بُدَّ لهن من عمل وعملهن في مكاتب المركز أولى من عملهن في أماكن أخرى.
وهناك بقينا فترة ننتظر حتى جاء أخونا الكريم الدكتور سيد متولي الدرش إمام المسجد، وعندما رآنا رحب بنا وأدخلنا معه إلى مكتبه، وبدأنا التعارف كما زرنا الأخ مدير المركز الدكتور زكي بدوي، وكانت الجلسة مع الأخ الدكتور سيد طويلة عرفنا من خلالها بعض أعمال المركز، والحقيقة أنها في نظري محدودة جداً على رغم أن منظر المسجد والمكاتب الإدارية يعطي انطباعاً بأعمال أكثر.
وذكر لنا الأخ سيد أن الجاليات الإسلامية في بريطانيا كثيرة، وأنها في أمس الحاجة إلى مد يد العون لها بفتح مدارس لأبنائهم، وبناء مساجد، وأئمة ومدرسين ودعاة. وذكر أن هناك من يقوم بشيء من الدعوة والتبليغ، كالباكستانيين الذين يبذلون جهوداً طيبة، ولكنهم ليسوا على المستوى المطلوب في فهم المشكلات المعاصرة والأحزاب المعادية للإسلام وشبهاتها، وفي نفس الوقت عندهم تعصب للمذهب الحنفي ولا يتعاونون مع من يخالفهم في آرائهم.
وطلب منا الدكتور سيد أن نبلغ المسؤولين في المملكة العربية السعودية أنه ينبغي أن تبذل جهود أكثر في الدعوة إلى الله، ومن أهم وسائلها: المدارس والمدرسون والأئمة المزودون بالعلم والمربون على أساليب الدعوة، فوعدناهم بأننا سننقل ذلك [كنت أقدم في جميع رحلاتي الرسمية والشخصية، تقارير عن أحوال المسلمين وما يحتاجون من مساعدات للجامعة الإسلامية، وقد أبعث ببعض التقارير إلى بعض المؤسسات الإسلامية غير الجامعة الإسلامية، كرابطة العالم الإسلامي، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد قبل أن تتولى بعض صلاحياتها وزارة الشؤون الإسلامية و الأوقاف والدعوة والإرشاد، وبعض المؤسسات الإسلامية في الكويت…]
جولة سريعة في بعض معالم لندن:
بعد ذلك اتصل أخونا محمد أشرف حياة بصديق له، يدعى شاهان حسين الذي يدير إحدى محطات القطار في لندن وأخبره بوجودنا، والظاهر أنه كان علم ـ في الجملة ـ بمصاهرتي الأخ أشرف فقال له شاهان: انتظروني سآتيكم بعد قليل، وجاءنا فعلاً بسيارته، وأخذنا للتجول في بعض الأماكن المشهورة في لندن.
وكان مرورنا سريعاً، وقد لا ننزل من السيارة في بعض الأماكن، فمررنا بحديقة هايد بارك التي خصص جزء منها لحرية الكلمة والنقد، إذ يأتي إليه من يريد ويلقي ما يشاء من الكلام حتى يفرغ كل ما في جعبته، دون أن يمس بأذى، ولو كان كلامه في الملكة أو رئيس الوزراء أو أعضاء البرلمان أو غيرهم، وليس له كل ذلك خارج هذا الجزء من الحديقة، وبالمناسبة فقد كان فندق لندن قريباً منها.
ولكثرة الخطباء والمتحاورين في هذه الحديقة، وكثرة الأفكار التي يدور حولها الحوار والخصام سميتها: حديقة حراج الأفكار كما سيأتي في الرحلة الأوربية الطويلة التي شملت بريطانيا سنة1978م.
ثم ذهبنا إلى مبنى مجلس الوزراء وتجولنا حوله، وكذلك مباني البرلمان ثم مقر الملكة الذي لا يوجد على حائطه حراس، وإنما حارس أو حارسان في باب القصر، والناس يحومون حوله ويصورون "والظاهر أنه لا بد من حراس غير ظاهرين" وهناك وقفنا على جسر ووتر لو.
ومررنا بالبرج الذي أقيم عليه تمثال نلسن تخليداً لذكراه وتحيط به تماثيل أخرى لبعض زعماء بريطانيا، كما تحيط به تماثيل الأسود، والمياه تتدفق من كل جانب.
ولا أدري متى يسمع صوت المسلم الذي يحطم تلك التماثيل وهو يقول:
{وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا..}
[الإسراء 81] اقتداء برسول الله صَلى الله عليه وسلم، عندما فتح مكة؟
إلى منزل أشرف:
وبعد جولة في شوارع لندن اصطحبنا الأخ محمد أشرف إلى منزله في مدينة لوتن ـ إحدى ضواحي لندن في الشمال منها ـ وتبعد عنها بثمانين كيلو متراً وكان قائدنا الأخ شاهان حسين الذي بلغت
سرعة قيادته في بعض الأماكن أكثر من مائة وأربعين كيلو متر في الساعة.
وهناك نزلنا ببيته الصغير ذي الطابقين: الطابق الأول فيه غرفة الاستقبال والمطبخ، والثاني فيه غرف النوم ودورة المياه، وأخذ يقدم لنا أبناءه: عمر وإخوانه وأخواته فسلموا علينا كأنهم يعرفوننا من قبل وتحلقوا حولنا، فذكروني أنا وزميلي الدكتور بأنبائنا الذين تركناهم قبل يومين، وسنغيب عنهم أكثر من شهر، وكأن الأولاد أحسوا بعواطفنا فلم ينفضوا عنا، لا سيما عندما عرف الكبار منهم صلة الرحم والمصاهرة بيننا، وبدأنا المذاكرة مع الإخوة في أمور الإسلام ووجوب التمسك به وحفظ الأبناء من تيار الكفر الجارف، وأن العمر الحقيقي للمسلم هو الذي يقضيه في طاعة الله.
على من تقع المسؤولية؟
فاعترف الإخوة بذلك، ولكنهم قالوا: نحن رجال أعمال لا نعرف الإسلام معرفة تمكننا من تعليم أبنائنا، وليس عندنا الأوقات الكافية لنكون معهم، فلا بد من مساعدة الجاليات الإسلامية هنا بالمدرسين وأئمة المساجد والكتب التي تشرح مبادئ الدين الإسلامي، ولا بد من تكرار الزيارات لنا من العلماء لتذكيرنا وإرشادنا بما يمكننا القيام به، وإنا نحملكم هذه المسؤولية لتنقلوها إلى المسؤولين في المملكة العربية السعودية التي لم تبق دولة في العالم مثلها في التمسك بالإسلام والدعوة إليه، وقد أغناها الله بالإمكانات التي تستطع بها أن تغزو العالم كله بالإسلام، فوعدناهم بأننا سننقل رغبتهم ولكنهم يجب أن يعملوا شيئاً بأنفسهم، وإن كان من الواجب مساعدتهم.
وقدم لنا أخونا طعام العشاء الذي أعد في المنزل، ويذهب الأخ أشرف على دراجته النارية إلى مكان بعيد لشراء اللحم الحلال، فكنا نتناول طعاماً لا نفرق بينه وبين طعام بيوتنا.
وبعد مذاكرة ونقاش حول الأمور الإسلامية استأذن الأخ شاهان حسين ليعود إلى لندن ويدعنا ننام في بيت محمد أشرف، وكنا قد تعبنا في نهار ذلك اليوم حيث كنا نجري كما يجري البريطانيون أو أقل قليلاً، وتنقلنا بالقطار لجهات متعددة ولم نذق النوم منذ أن صلينا الفجر، بل إننا في اليوم السابق كله لم ننم، وفي الليلة الماضية نمنا قليلاً جداً لذلك كله كان نومنا عميقاً طول الليل.
وداع الصغار:
الثلاثاء: 22/7/1398ه ـ27/6/1978م
وفي يوم الثلاثاء الموافق 22/7 نهضنا من النوم متأخرين فصلينا الفجر وكان قد أعد لنا طعام الإفطار، فأفطرنا، ومر بنا أولاد محمد أشرف الصغار يودعوننا للذهاب إلى المدرسة.
من دخل بلادنا حمَّر!
وكنا قد تأخرنا قليلاً عن موعد الحافلة التي تقف عند باب المنزل لتوصلنا إلى محطة القطار الدنيا، فخرج محمد أشرف يجري قبلنا ونحن نجري أيضاً، ولم نكن نألف الجري في شوارع بلداننا، والناس يجرون من كل جانب رجالاً ونساءً وأطفالاً لإدراك الحافلة في شارع مجاور لمنزل أشرف.
وهنا تذكرت قصة الحجازي الذي أرسله ملك الحجاز إلى ملك حمير في اليمن، فوجد الملك على قمة جبل، فناوله الرسالة ووقف، فقال الملك للرسول: "ثِبْ" فوثب من على قمة الجبل فلقي حتفه، فقال الملك لحراسه: لماذا قفز هذا الحجازي وأهلك نفسه؟ فقالوا له: إن كلمة "ثب" في لغتهم معناها "اقفز" وقد امتثل أمرك بلغته فقفز، وكلمة ثاب في لغة حمير معناها رجع أو قعد... ونحن رأينا البريطانيين يجرون فجرينا معهم، وألفنا الجري وهو تقليد مفيد للمحافظة على الوقت، ولصحة الجسم، وليس فيه الهلاك الذي حصل للحجازي.
عمارة وخسارة!
ولكن هل ترى هؤلاء المهرولين للحفظ على أوقاتهم، حقا يحافظون على أوقاتهم؟
نعم: إنهم لا يفوتون أوقات الأعمال، ولا الأوقات المعدة للطعام، ولا الأوقات المعدة للنوم، ولا الأوقات المعدة للقراءة في غيرها، بل كل عمل يعطونه وقته، ولذلك ترى ثمارا عظيمة مادية لأعمالهم ونكران ذلك يعتبر حماقة وظلما.
ولكن القوم ـ وهذه حقيقة كسابقتها ـ بدون إعمار في نظر الإسلام، لأن الإعمار الحقيقي هو البناء الذي يفنى صاحبه عمره في طاعة الله، ومن طاعة الله تلك العمارة المادية الضخمة للدنيا، من شق شوارع وبناء جسور وتيسير مواصلات تحت الأرض وعلى ظهرها وفي جو السماء، وفي أعماق البحار ومن دقة في المواعيد، وسرعة في المعاملة، وغير ذلك مما يشهد به الواقع، ولكن هذه الأمور كلها لا تكون طاعة لله إلا على أساس الإيمان به وطاعته في أمره ونهيه، وإقامة العدل في الأرض، ومحبة الخير للبشرية ودعوتها إلى ما ينفعها أي الإسلام الكامل لله، وهذا ما يفقده القوم، لذلك أقول: إنهم محافظون على أوقاتهم، ولكنهم ضيعوا أعمارهم!
مقارنة مخجلة!
وقفنا خمس دقائق تقريبا ولا يزال نفسنا يشتد بسبب الجري، فإذا الحافلة تقف بجانبنا فصعدنا وأخذنا مقاعدنا، وإنهم على سرعتهم تلك لا تجدهم يتزاحمون مطلقا في جميع معاملاتهم، فالأول يأخذ مكانه ولا يتقدم عليه أحد، وهكذا الذي يليه دون أن يمس اللاحقُ السابقَ، أو يكلمه كلمة واحدة، بخلاف الحال في بلدان المسلمين ـ ومنها البلاد العربية ـ فإنك تجد العدد القليل يتزاحم ويدفع كل واحد منهم الآخر، وقد يكذب بأنه أسبق من غيره، لذلك تجد الصف الطويل في بلاد الغرب ينتهي بسرعة مذهلة، وترى أقل من ذلك بكثير في الشرق يضيعون وقتهم في التدافع والخصام والكذب وتحطيم أبواب الناقلات.
سارت الحافلة، وأخونا محمد أشرف يشرح لنا بعض المعالم على يمين الطريق وشمالها: هذا مصنع كذا، وهذا مبنى كذا وهذا مرقص، وهذا بار، والأرض كلها خضراء ما عدا الطريق، والحيوانات تنتشر في المزارع.
محطات القطار.
وعندما وصلت الحافلة إلى المحطة أخذ الناس في الخروج منها والدخول إلى محطة القطار مسرعين، فما هي إلا لحظات حتى قطعنا التذاكر ووقفنا على جانب خط القطار، فإذا هو مقبل يجر عرباته الكثيرة فوقف ودخل الناس من كل باب وكل واحد أخذ مكانه، من شاء أن يرتاح من رائحة التدخين فله أجنحة خاصة، ومن شاء أن يدخن فله أجنحة أخرى…
وهكذا نجد مواصلات الغرب في القطار وفي الطائرة وفي الباخرة وفي السيارة يخصصون أماكن منها لغير المدخنين، إنهم يحترمون ـ على الأقل ـ المال الذي قدمته من أجل راحتك فيرون أن من العيب عليهم أن يقلبوا لك ظهر المجن فيزعجوك [وقد منعت بعض الدول الغربية التدخين في المواصلات العامة، كالطائرات والقطارات، وسيارات النقل والأجرة العامة، وفي المطارات ـ مثل مطار سنغافورة ـ وكانت مواصلات البلدان العربية كلها لا تخصص أماكن لغير المدخنين في تلك الأيام. ].
في قاعات المطار:
وصلنا إلى المحطة الرئيسية للقطار التي كنا بالأمس أودعنا فيها حقائبنا فتسلمنا الحقائب بمجرد إبراز البطاقة، وذهبنا إلى المطار إلى الشركة التي تم الحجز فيها من المدينة المنورة قبل سفرنا بأسابيع، فضغطت الموظفة على مفتاح الكمبيوتر فأعطاها المعلومات الكافية عنا فأخذوا الحقائب، والحقائب لا توزن في جميع دول الغرب إلا إذا كانت كثيرة تحتاج إلى الشحن، وذهبنا نتجول في أسواق المطار فاشترينا بطاقات تذكارية وكتبنا رسائل بها إلى الأولاد، ثم ذهبنا نلتمس لعلنا نجد بعض الصحف العربية لنتابع أخبار اليمن الشمالية التي اغتيل رئيسها يوم سفرنا من المدينة إلى جدة يوم السبت الموافق19/7.
فلمحت جريدة عربية، فأخذتها دون أن أنظر إلى عناوينها لأننا كنا على وشك التوجه إلى بوابة خروجنا.
لوعة الفراق..!
وكان الأخ محمد أشرف يحس بلوعة الفراق، وكنا نرى ذلك على وجهه، وفعلا ودعنا وودعناه، وعيناه تغرورقان وأوصانا بالحذر على نقودنا وجوازاتنا وتذاكر سفرنا في الغرب، لأنه يعج بالمجرمين، فشكرناه على ذلك ودخلنا إلى الباب المحدد لرحلتنا، وكنا نظن أننا سنخرج إلى باحة المطار لتستقبلنا حافلة تنقلنا إلى الطائرة، ولكن فوجئنا بوجودنا في مقدمة الطائرة والمضيفة تنظر في بطاقات الدخول وتشير إلى مقعدينا، فعرفنا أن الطائرة تقف بجانب ممر مصنوع بدل السلم، لا يسمح للشمس أن تلفح الراكب، ولا للمطر، وهو هناك كثير، أن يبلل ثيابه. ولعلنا نجدها قريباً في مطاراتنا.[أرجو أن يعذرني القارئ على إعجابي بهذه الأمور في تلك الأيام، إذ لم أرها قبل ذلك، ولهذا كانت غريبة علي، وقد وجدت عندنا بعد ذلك، والحمد لله.]
دلتنا المضيفة على مقعدينا أنا وزميلي، وقد وضعوا بطاقة وراءنا بمقعدين أو ثلاثة كتب عليها ممنوع التدخين، وفاء بالشرط الذي اشترطناه.
الفهرس
14217358
عداد الصفحات العام
2455
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م