[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
(03)
طل الربوة -الإخلاص لله تعالى وما يعين عليه
(03)
طل الربوة -الإخلاص لله تعالى وما يعين عليه
وهو أساس لكل سبب من أسباب إصلاح القلوب، والإخلاص: هو تصفية العمل، وتنقيته من شوائب الشرك بالله تعالى، سواء كان شركاً أكبر، وهو الذي قال تعالى فيه:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
. [النساء 48] أو شركاً أصغر، ومنه إرادة الإنسان بعمله الرياء، أي مراءاة الناس، كما قال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}
. [الكهف 110]
قال ابن كثير رحمه الله: "
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً}
، أي ما كان موافقاً لشرع الله.
{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}
، وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله‘".[تفسير القرآن العظيم
(3/109)
.]
وقال تعالى ـ في الحديث القدسي ـ:
(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)
. [مسلم
(4/2289)
.]
وقد أمر الله سبحانه بالإخلاص في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، في نصوص كثيرة، منها قوله تعالى:
{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}
. [البينة 5]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)
. [البخاري
(1/2)
ومسلم
(3/1515)
.] وقال صلى الله عليه وسلم، في حديث جبريل:
(الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
(. [البخاري
(6/20)
ومسلم
(1/37)
.] والإحسان هو إتقان العمل.
وقال صلى الله عليه وسلم:
(اتق الله حيثما كنت)
. [الترمذي
(4/355)
وقال: حسن صحيح، والدارمي
(2/231)
.] فعلى المؤمن وبخاصة الأستاذ أن يحرص كل الحرص على الإخلاص لله ومجاهدة الرياء في نفسه، ويحث على تلاميذه، على إخلاص أعمالهم لربهم.
صعوبة الإخلاص وسببها:
ويجب أن يعلم المؤمن أن الإخلاص لله تعالى في العمل، فعلاً أو تركاً سهل على اللسان، ولكنه من أصعب الأمور على القلوب، وليس كما يقول بعض الناس: إن الإخلاص سهل، نعم هو سهل على من جاهد نفسه في إرادة وجه الله جهاداً مستمراً صادقاً لا ينقطع، في كل ما يريد التقرب به إلى الله تعالى، وأعانه الله على جهاده.
وسبب صعوبته أن نفس الإنسان تتوق غالباً إلى الثناء عليها من الناس، كالقول عنه: إنه رجل كريم، أو رجل شجاع، أو تقي ورع، أو ذو أخلاق حسنة، أو يكثر من الصلاة ويحسن صلاته، أو عالم فاضل، وقد تتشوف نفس العبد من أعمال صاحبها إلى مصالح تعود عليه من الناس، من منصب يحصل عليه، أو مال يحوزه، أو رتبة علمية يحترمه الناس بسببها، أو غير ذلك مما يصعب حصره، فيقوم بالعمل الذي ظاهره لله تعالى وهو في حقيقة الأمر منصرف قلبه عن الله، ملتفت إلى سواه.
ما يعين المؤمن على تجاوز صعوبة الإخلاص:
ويعين العبد على تجاوز هذه الصعوبة في الإخلاص الأمور الآتية:
الأمر الأول: تذكر أمر الله تعالى له بالإخلاص في عمله وعدم الالتفات إلى غيره في كل أعماله، كما مضى قريباً، وأمر الله واجب التنفيذ، ومخالفة الأمر توجب الإثم والعقاب، وبخاصة الإخلاص الذي يعتبر أحد ركني العبادة، والركن الثاني منهما اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: أن يذكر الأستاذ وتلاميذه أن المخلوقين مهما عظمت منزلتهم فهم مخلوقون، لا يقدرون أن ينفعوهم بشيء ولا يضروهم.
الأمر الثالث: وأن يتذكروا عظمة الله الخالق الذي إذا أراد شيئاً فـ
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
. [يس 82] فإنَّ تذكر الأمرين: ضعفِ المخلوق وعجزِه، وقوةِ الخالق وقدرتِه وعظمتِه، من أهم ما يعين على إخلاص الأعمال لله تعالى.
الأمر الرابع: مجاهدة النفس على الإخلاص له تعالى، والله تعالى يقول في كتابه الكريم:
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ...
(78)
}
. [الحج] قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية: "قوله تعالى:
{وجاهدوا في الله حق جهاده}
قيل: عَنَى به جهاد الكفار. وقيل: هو إشارة إلى امتثال جميع ما أمر الله به، والانتهاء عن كل ما نهى الله عنه؛ أي جاهدوا أنفسكم في طاعة الله وردُّوها عن الهوى، وجاهدوا الشيطان في ردِّ وسوسته، والظلمة في رد ظلمهم، والكافرين في رد كفرهم".
والذي يظهر أن المجاهدة هنا شاملة لجهاد المسلم نفسه وإلزامها بكل ما يرضي ربه من قول أو عمل أو اعتقاد، ومن ذلك المجاهدة القلبية في إخلاص العمل لله تعالى.
هذه المجاهدة قد تكون شاقة على المؤمن في أول الأمر، ولكنه بالاستمرار وتذكر حق الله عليه، و رغبته فيما يناله من الثواب على مجاهدته، وخوفه مما يفوته من ذلك، بل وما قد يعاقبه الله تعالى على إرادته بعمله غير ربه، إنه باستمراره على المجاهدة، قد يصل إلى السهولة في إخلاصه، الذي يعتاده.
الأمر الخامس: خطر الرياء على حبوط الأعمال التي ظاهرها الصلاح، ونذكر لذلك مثالاً من السنة صريحاً غاية الصراحة في حبوط عمل من لم يخلص لله فيه، بل تثبت أن بعض المرائين يجدون أنفسهم يوم القيامة ممن يسحبون على وجوههم في نار جهنم، بعد أن يكذبهم الله في دعوى أنهم عملوا ما عملوه له تعالى.
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
(إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار)
. [صحيح مسلم
(3/1513)
وأخرجه غيره من أهل السنن.]
الأمر السادس: عدم الاغترار بالعمل الذي يقوم به؛ لأن عباد الله الصالحين يقومون بالأعمال الصالحة وهم في خوف شديد من عدم قبولها، لأي سبب من الأسباب التي عملوها لأمر يعلمه الله وهم لا يعلمونه، فهذا الخوف الذي يرافق أعمالهم يدل على عدم الاغترار بها، ويدفعهم إلى المزيد من الأعمال الصالحة والمسارعة فيها، كما قال تعالى عنهم:
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
(60)
أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
(61)
}
. [المؤمنون]
الأمر السابع: لجوء المؤمن إلى ربه تعالى في كل أحواله، وبخاصة عندما يريد أن يؤدي عملاً يتقرب به إلى الله، يلجأ إليه ويدعوه أن يجعل عمله خالصاً له فيقول: اللهم اجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم، لا تشوبه شائبةُ رياءٍ لأحد، فإذا دعاه صادقاً راجياً منه ذلك أعانه وأذهب عنه الالتفات إلى سواه، ووقاه وساوس الشيطان وهوى النفس الأمارة بالسوء؛ لأنه تعالى قد وعد عباده بالاستجابة لدعائهم إذا صدقوا فيه، كما قال تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
(186)
}
. [البقرة]
وقال تعالى:
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
. [غافر 60]
ولا سيما دعاء المؤمن ربه في جوف الليل الذي يدفعه إيمانه بربه وخوفه منه، إلى هجر ما هو شديد الحب له، والركون إليه؛ من نوم عميق، وراحة مرغوبة، على فراش وثير، وخل أثير، يهجر ذلك طمعاً في رضا الله وثوابه، والفوز بما خفي عنه من قرة أعين، وخوفاً من سخط الله وعقابه، فهو خائف طامع عامل منافس، كما قال تعالى:
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
(16)
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(17)
}
. [السحدة]
الأمر الثامن: شدَّة الرغبة في محبة مرافقة سادة المخلصين وقادتهم ـ ذلك الركب العظيم ـ والسير في دربهم، وهم الذين قال الله تعالى عنهم:
{وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً
(69)
}
. [النساء]
والمرء مع من أحب، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال:
(وما أعددت للساعة؟)
قال: حب الله ورسوله، قال:
(فإنك مع من أحببت)
. قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(فإنك مع من أحببت)
قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم". [البخاري
(5/2283)
ومسلم
(4/2032)
واللفظ له.]
وينبغي أن يتحين المؤمن الأوقات التي هي مظنة للفوز بالمطلوب في أوقات الإجابة، كما يتحين الصائد الماهر اللحظة التي يتمكن فيها من إصابة فريسته، ومن الأوقات التي حض على اغتنامها الرسول صلى الله عليه وسلم، ما روى أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهـما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا، فيقول هل من مستغفر هل من تائب هل من سائل هل من داع حتى ينفجر الفجر)
. [صحيح مسلم
(1/523)
.] وفي رواية عنهما:
(إذا مضى شطر الليل أو ثلث الليل، أمر منادياً فنادى هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فيتاب عليه؟)
.
ومن ذلك ساعة الإجابة يوم الجمعة التي ينبغي أن يحرص المسلم في اللجوء إلى الله ودعائه، على كل وقت في هذا اليوم، لعدم وجود نص صريح بتعيين زمن الساعة فيه، كليلة القدر. كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم:
(في يوم الجمعة ساعة، لا يوافقها مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه)
. وقال بيده، قلنا: يقللها، يزهدها". [أخرجه البخاري، في باب الساعة التي في يوم الجمعة]
أشار الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث في الباب المذكور: "أن أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة وهما حديثان، أحدهما أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس". وقال في باب آخر ذكره البخاري بعنوان: "باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة". "وقد ذكرت شرحه هناك ـ أي في باب الساعة التي في يوم الجمعة ـ واستوعبت الخلاف الوارد في الساعة المذكور فزاد على الأربعين قولاً. واتفق لي نظير ذلك في ليلة القدر، وقد ظفرت بحديث يظهر منه وجه المناسبة بينهما في العدد المذكور وهو ما أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة قال: قلت يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة، فقال سألت عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال
(إني كنت أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر)
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن كل رواية جاء فيها تعيين وقت الساعة المذكورة مرفوعاً وهم. والله اعلم". انتهى كلامه رحمه الله.
الأمر التاسع: أن يتذكر العبد أنه لا يدري عن الخاتمة التي يختم الله بها عمله، فقد يبقى ظاهره الصلاح
حتى يقترب أجله فينقلب صلاحه إلى ضده، فتذكره لذلك يعينه على الحرص على الإخلاص فيبقى خائفاً وجلاً من الرياء حرصه على الخوف والوجل من الشرك، فلا يزال داعياً ربه الذي يقلب قلوب عباده، أن يثبت قلبه على الإيمان والعمل الصالح ويختم له بخاتمة حسنة.
ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق:
(إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ـ في رواية:
(نطفة)
ـ ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات: فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار)
. [صحيح البخاري
(3//1174)
وصحيح مسلم
(4/2036)
.]
وليس لأحد أن يحتج بأن الله قد قدَّر حسن الخاتمة أو سوءها، فيتكل على ذلك ويترك العمل؛ للأسباب الآتية:
السبب الأول: أن الله تعالى قد أمر بالعمل والواجب تنفيذ أمر الله، والذي لا ينفذ أمر الله عاص؛ لأنه بترك الأسباب التي أمره الله بفعلها، ينال غضب الله تعالى، ومعلوم أنه يبذل الأسباب لجلب منافعه في الدنيا، ويجتهد في درء المفاسد عنه فيها، فلِم لا يترك العمل في الدنيا كما تركه للآخرة، ويتكل على القدر؟! أليس بذل غاية الجهد للآخرة التي يكون فيها سعيداً بالعمل الصالح والخلود الأبدي في دار النعيم، أولى من الحياة الفانية.
السبب الثاني: أن قدر الله تعالى بأنه سيكون حسن الخاتمة أو سيئها، أمر غيب عنه، وليس من الحكمة والعقل أن يترك الأسباب التي فيها مصلحة ظاهرة، أو يرتكب ما فيه مفسدة ظاهرة لأمر لا يعلم عنه شيئاً، ومثل هذا كمثل ألف طالب هددهم أستاذهم بأنه سيرسب عشرة منهم أو أقل أو أكثر بدون تعيين، ممن يعرف أنهم لا يقومون بواجباتهم التي ألزمهم بها، فتركوا كلهم أو بعضهم مذاكرة دروسهم من أول العام، وقالوا: إنه سيرسبنا سواء ذاكرنا أم لم نذاكر، فهل لهم من حجة في ترك المذاكرة؟! والاحتجاج بتهديد الأستاذ! كلا.
السبب الثالث: أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد وردت عليهم هذه الشبهة
عندما ذكر لهم أن الله قد كتب السعادة لكل سعيد وكتب الشقاوة لكل شقي في سابق علمه، فسألوه قائلين: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فأجابهم بالنفي وأمرهم بالعمل.
كما في حديث علي رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، في جنازة فأخذ شيئاً فجعل ينكت به الأرض، فقال:
(ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة)
قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال:
(اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة)
، ثم قرأ:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى
(5)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
(6)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
(7)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى
(8)
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى
(9)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
.
{الليل:5-10 والحديث في صحيح البخاري
(4 /1891)
وصحيح مسلم
(4/2040)
.}
فكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحكمة والعقل تبطل استدلال من اتكل على القدر وترك العمل، كما هو واضح.
الأمر العاشر: مما يعين على الإخلاص: البعد عن صحبة الذين يحبون الثناء بما يفعلون وما لم يفعلوا، ومجاهدة النفس عن الانبساط لذلك وحبه، فإن مصاحبة العبد لمن يأنسون لذلك عامل من عوامل تعلق القلب بمراءاة المخلوقين، كما قال تعالى:
{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
. [آل عمران 188]
على عكس ما سبق من صفات عباد الله الصالحين الذين يؤدون الأعمال لله تعالى ولا يغترون بما عملوا، بل إنهم يخافون من رجوعهم إلى الله ولقائه، خوفاً يدفعهم إلى المزيد من الأعمال الصالحة:
{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ
(57)
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
(58)
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ
(59)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
(60)
أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
(61)
}
. [المؤمنون]
فهؤلاء ينبغي أن يحرص المؤمن على صحبتهم والاقتداء بهم، ومعلوم ما يفوز به من رافق جلساء الصلاح الفضلاء، وما يحصده من صاحب أهل السوء الأشقياء، وفي أمثال القرآن والسنة هداية وعبر:
اقرأ قصة ذينك الرجلين الذين أراد أحدهما إضلال الآخر في الدنيا، كيف صبر المؤمن على مبدئه، وعصى قرينه الذي حاول إضلاله، ففاز بنعيم الله، فذكر قرينه بسوء عمله، وفاز بنعيم الله وشكره على تثبيته على الإيمان، الذي جعله يدعو رفاقه في الجنة إلى الاطلاع على ما لاقاه قرين السوء من إهانة وعذاب، كما قال تعالى:
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
(51)
يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ
(52)
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ
(53)
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ
(54)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ
(55)
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ
(56)
وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ
(57)
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ
(58)
إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
(59)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(60)
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ
(61)
}
.[الصافات]
واقرأ قوله تعالى:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً
(27)
يَا وَيْلَتىَ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً
(28)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً
(29)
}
. [الفرقان]
واقرأ قوله تعالى:
{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
(36)
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ
(37)
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ
(38)
}
. [الزخرف]
وقارن بين من رافق أهل الصلاح ومن صاحب أهل الفساد، وكيف يتمنى هذا الأخير يوم القيامة أن يكون صَاحَبَ الصالحين وابتعد عن الفاسدين بعد أن عاين عقاب الله وقد فات الأوان؟!
وقد لا يكون القرين المضل عن الصراط المستقيم مضلاً عن الدين كله كما هو شأن الشيطان واتباعه من الكفار، بل قد يكون مضلاً عن بعض طاعات الله ومغرياً ببعض معاصيه، كبعض المسلمين الذين لا يستطيع الشيطان أن يغويهم عن دين الإسلام فيخرجهم منه إلى الكفر، بل يغويهم بارتكاب بعض المنكرات وترك بعض الطاعات، فيغوون هم غيرهم من المسلمين بنفس ذلك الإغواء.
وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
(مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة)
. [صحيح البخاري
(5/2104)
وصحيح مسلم
(4/2026)
.]
فإذا أتاح الله سبحانه وتعالى، للمؤمن قدوة حسنة من عباده الصالحين الذين فقههم الله في دينه من
كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فاجتهدوا في تزكية أنفسهم بطاعته وأكثروا من ذكره، فامتلأت قلوبهم بمحبته وعظمته ودأبوا على خشينه والإخلاص له لا يلتفتون في أعمالهم إلى سواه، فليحرص على مجالستهم وصحبتهم؛ لأنهم سيصقلون بما آتاهم الله من علم وعمل وتقوى وورع، قلب مَن جالسهم وصحبهم بإذن الله، بسبب مشاركتهم في طاعة الله عز وجل، فيكونون جميعا مصاحبين لمن ذكر الله تعالى من أفضل عباده، كما قال تعالى:
{وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}
.[النساء 69]
كم من أستاذ كان ظاهرَ الصلاحِ، يراه الناس مربياً لغيره تربية إسلامية، فصار ضحيةً لبعده عن الصالحين واقترابه من الفاسدين، وكم من تلميذ صالح يعتاد المساجد، ويؤمن بالله ورسوله والإسلام، ويحب ما يحبه الله ورسوله، هوى في حمأة الرذيلة والإلحاد بسبب جليس سوء. فعلى الأستاذ والطالب معاً الحفاظ على مرافقة عباد الله الصالحين، والبعد عن صحبة أتباع الهوى والشيطان.
وبذلك يمكن البُعد عن المحرمات، وفعل الطاعات والإخلاص فيما يفعل أو يترك لله تعالى، وعدم إضاعة الوقت فيما يضر، أو فيما لا ينفع، فقد خلق الله الليل والنهار، خِلفةً لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً.
الفهرس
14235109
عداد الصفحات العام
757
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م