﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمًا﴾ [ ١٣٨] ٱلَّذِینَ یَتَّخِذُونَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ أَیَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا﴾ [النساء ١٣٩]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(02)سافر معي في المشارق والمغارب

(02)سافر معي في المشارق والمغارب

الرحلة الأولى إلى بريطانيا 1398ﻫ فترة انتظار السفر إلى أمريكا

راح حتى زبيد ورجع بأخس العبيد! [أي سافر إلى مكان بعيد، مثل بلدة زبيد للحصول على أجود العبيد، ولكنه لم يرجع إلا بأسوأ العبيد.]

هذا مثل يدور على السنة أهل تهامة في اليمن، حفظته في صغري، ويراد به أن بعض الناس يكلف نفسه مشقات من أجل الحصول على مطلب نفيس، ولكنه يعود بأبخس المطالب وأردئها.

وقد كان بعض المتاجرين في بني الإنسان الأحرار يسافرون من منطقة إلى أخرى، لاختطاف بعض الأولاد من الذكور والإناث، أو شرائهم بثمن بخس ممن يستخدمهم، ثم بيعهم من بعض الأغنياء والموسرين في بعض البلدان، وكان بعض هؤلاء المتاجرين يتكلفون عناء السفر ومشقاته ثم يعودون ببضاعة مزجاة من البشر المسمين بالعبيد.

فأصبح الناس يضربون بذلك المثل لكل من عانى مشقة للحصول على أمر مهم فلم يصبه، بل أصاب ما هو أدنى منه بكثير.

وهكذا كان فندق لندن!

نعم سافرنا من الجزيرة العربية التي كانت الفنادق فيها قليلة تلك الأيام، ولكنها مع قلتها كانت نظيفة، وكنت أظن أن أسوأ فندق في الغرب سيكون أفضل من فنادقنا في نظافته المادية، لما وقر في أذهاننا من الحضارة المادية الراقية في الغرب، ولكن فندق لندن صَدَقَنا الحديث، وقال لنا بلسان حاله: صححوا تصوركم! فـ"ما كل بيضاء شحمة ولا سوداء تمرة!".

هكذا سميته فندق لندن، أما اسمه الحقيقي فقد أنسانيه كرهُه الشديد عندي ـ أي كره الفندق ـ لسوء مناظره وخبث روائحه وكثرة أوساخه، وكثرة المرضى من نزلائه، هل تصدق أن فندقاً هذه أوصافه يوجد
في لندن عاصمة المملكة المتحدة؟! إي وربي صَدِّق فالكاتب كان من نزلائه، وله قصة يرويها هنا ليحذر نزلاء لندن الجدد من العرب، وخاصة من يصر على ارتداء زيه العربي هناك.

قصة الفندق والناصحون المتسولون!

فلقد قابلتنا فتاة لابسة زي موظفي المطارات وبيدها جهاز لاسلكي سألتني سؤالاً باللغة الإنجليزية لا أدري ما هو فأحلتها لفضيلة زميلي الدكتور، فإذا هي تسأل: أتريدون مساعدة مني؟ فأجاب: نعم! نريد أثاثنا ـ كان ذلك قبل وصولنا إلى قاعة تسلم الأثاث ـ ونريد موظفي الخطوط السعودية لنتفاهم معهم فرافقتنا إلى مكان الأثاث ودلتنا على عربة النقل الصغيرة وأوصلتنا إلى موظفي الخطوط السعودية.

وهنالك سلمتنا لموظف في علاقات الركاب ـ وأظنه مدير العلاقات ـ وتسلمنا منها بابتسامات وترحيب واهتمام إنها محسنة سلمتنا إلى محسن وبدون أي مقابل مادي ظهر لنا إلى الآن.

وأخذ زميلي يتفاهم معه ومع بعض زملائه عن السكن الملائم وعن وسيلة الموصلات وبدؤوا يتحدثون عن الفندق الفذ في لندن الذي لا يوجد الأمان إلا فيه، وكل الفنادق سواه لا يأمن الإنسان فيها على نفسه ولا على ماله، إنه فندق يجمع بين الأكل الإفرنجي والطعام العربي، وهو الفندق الذي يفضل السعوديون وغيرهم من الشرقيين النزول فيه.

وسألناه عن المواصلات؟ فأشار إلى سائق بجانبنا وقال: هذا سائق الملحق العسكري السعودي! وهو الذي يوصلكم إلى الفندق، فظننا أن السفارة السعودية بلغت في العناية برعايا بلدها حد استقبال كل وافد سعودي إلى هذه البلاد لمساعدته عندما يصل لعدم معرفته بالبلد ولغة أهل البلد، وقلنا: الحمد لله رب العالمين!

وبعد قليل سأل زميلي الموظف المبتسم المعني بنا: ما اسمك؟ ومن أين أنت؟ فذكر اسمه المسيحي، ولا أذكره الآن، ولكنه فلسطيني، فوقع الشك في نفسي وبدأت أحافظ بشدة على الحقائب ولا سيما التي فيها الجوازات وخرجنا مع السائق، فوجدنا حافلة صغيرة تنتظرنا فرفعنا أثاثنا وركبنا، ووجدنا شخصاً آخر يرافقنا في السيارة، ومعه زوجته المشلولة والظاهر أنه قد وصف له هذا الفندق كما وصف لنا.

وبعد أن أخذ السائق طريقه بدأ يذم فنادق لندن كلها التي لا يأمن الإنسان فيها على نفسه وماله. وأن هذا الفندق الذي ستنزلون به هو الفندق الوحيد الذي يطمئن فيه النزلاء. ودخل في نفسي الشك، ورأيت فندقاً على يميني فسألته كيف هذا الفندق؟ ـ عن طريق ترجمة زميلي ـ فأجاب: الليلة في هذا الفندق بعشرين جنيها [كان للجنيه قيمتها تلك الأيام] أتريد أن أنزلك فيه وهو غال غير مؤتمن؟ وكان الجواب لا. وفي نفسي: أن نعم خير من لا، ولكن دون جزم.

وعندما وصلنا بجوار تلك العمارة القديمة أخذنا نساعد صاحبنا زوج المرأة، منا من يأخذ له المظلة، ومنا من يأخذ له حقيبة اليد، وهو يحاول بجهد إسناد زوجته حتى تدخل إلى إدارة الفندق، وسلم السائق ركابه بالعدد لأحد العاملين في الفندق. وذهب دون أن يتسلم منا الأجرة!

وأتى تأويل الحفاوة والاهتمام!

وأخذت أقلب النظر في ممرات الفندق الفذ، وفي مكاتبه وفي بعض الحجر المجاورة، وبدأت أشم الروائح الكريهة، وأرى بعض النزلاء الذين قد لا يقدرون على استئجار مكان آخر غيره لفقرهم وطول إقامتهم للعلاج، وأرى أشخاصاً آخرين ينظرون كما أنظر وهم متقززون من هذا النزل الكريم.

إيثار الخداع!

وبعد قليل اصطحبنا العامل الذي تسلمنا من القائد بالعدد إلى إحدى الغرف التي وصفها بأنها خير غرف الفندق، وأنه آثرنا بها لأنا مشايخ علم كما قال: وكان لباسنا يوحي بذلك، فأنا سعودي ألبس الثوب والغترة، ولبست العقال لأول مرة في حياتي حفاظاً على غترتي لشدة الهواء، وزميلي سوداني وله عمة كالبرج وأكمام كالخرج، والعلم عند الله! وعندما رأينا الغرفة الطويلة العريضة ذات الأسرة الأربعة قلنا للرجل: إنا نريد غرفة بسريرين فقال: لا يهم إننا نحسبها لكم بسريرين، إي والله لقد وصلت الفريسة إلى الفم ولا يمكن لجائع إفلات فريسته، ثم تركنا وذهب!

نظرات اشمئزاز!

فأخذ كل منا ينظر إلى البسط والأغطية ويقلبها وينظر إلى الوسائد وأكياسها، وإلى أرجاء الغرفة وما تحتوي عليه جدرانها من بقع تتقزز منها النفوس، ثم أخذنا نفتش لنجد بيت الماء خارج الغرفة وهو مشترك، وعندما دخلته أسرعت بالخروج منه، فسألني الزميل هل توضأت بهذه السرعة؟ فقلت له: أدخل وتوضأ قبلي، لأعد نفسي للدخول مرة أخرى!

وبعد إجبار أنفسنا على الوضوء صلينا المغرب والعشاء حتى لا نتوضأ مرة أخرى، وأخذنا نفكر ماذا نفعل؟ هل ننام في هذه الغرفة؟ وهل يا ترى يأتينا النوم فيها؟ ومن أين نأكل؟ ونظرنا من بعيد إلى المطعم فوجدنا غرفة كبيرة، يطبخ النزلاء فيها لأنفسهم ويلتمسون الأكواب للشرب فلا يجدونها.

لا بد من مخرج!

فقلت لزميلي: عندي صديق يسكن في ضواحي لندن، وقد أعطاني بعض إخوانه رقم هاتفه قبل مغادرتنا المملكة، وما كنت أريد إزعاجه في الليل وهو يسكن خارج المدينة ولا أدري كيف ظروفه، ولكن لا بد من حل ولا نعرف غير الاتصال بصديقنا لينقذنا من هذه الورطة.

اتصل الزميل بالصديق: محمد أشرف حياه وأخبره أن صديقك – فلاناً ـ موجود في المكان الفلاني، فتردد الصديق في معرفة المكان، ولكنه كان ذكياً فطلب رقم هاتف الفندق وقيده عنده.

الشارع ألطف وأنظف من الفندق!

وخرجت أنا من الفندق لأقف بجوار بابه على الرصيف والهواء شديد البرودة، وأحس بالتعب والبرد، ولكني أشم هواء لا توجد فيه أوساخ الفندق وروائحه، وأنظر إلى الشارع لعل الصديق يصل بين لحظة وأخرى، وكنت مع الشارع كما قال الشاعر:

بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها،،،،،،،،،،وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه


نعم: الشارع نظيف والفندق قذر، في الشارع هواء طلق نسبياً، وفي الفندق روائح منتنة، فالصبر على البرد والقيام في الشارع خير.

وكنت كلما رأيت شخصاً قادماً إلى الفندق فيه بعض القسمات التي أتخيلها في صديقي ظننته إياه، وطال الانتظار والصديق صهري، ولكني لم أجتمع به من قبل، وعندما تعبت جلست على مقعد أكل عليه الدهر وشرب في أقرب ممر للباب، وتعب صديقنا في التماس الفندق الفذ الذي لا يدري أهل لندن عنه شيئاً، ولما لم يستطع الاستدلال عليه ذهب إلى موظفي الهاتف فأعطاهم رقم الهاتف وطلب منهم عنوان الفندق فدلوه عليه إنه يقع في قلب لندن، وفي مكان مشهور جداً إنه قرب حديقة: هايد بارك.

وجاء الفرج!

وبعد انتظار طويل قريب من اليأس وصل محمد أشرف إلى الفندق، قال: أيوجد هنا عبد الله قادري؟ فلم أتمالك أن اعتنقته قبل أن يجيبه أحد، وكان ينظر إلى نواحي الفندق القريبة منه نظر تعجب، وكنت أقرأ في نظراته العبارة التالية: صهري عبد الله قادري، القادم من بلاد غنية، كالمملكة العربية السعودية، ذو الوظيفة الجيدة، عميد كلية اللغة العربية ينزل في هذا المكان الذي لا يصلح مأوى إلا للمعدمين؟! ولكنه لذكائه لم يفصح عما في نفسه فطلب منا أن نصعد إلى الغرفة ليكون الحديث مقصوراً علينا.

إنه لم يقدر على الاستمرار في الترحيب، كما هي عادة الأصدقاء والأحبة الذين يستقبلون صديقاً حبيباً، فبدأ يسأل كيف نزلتم في هذا المكان؟ فأخبرناه بقصتنا، وكان الوقت الساعة الثانية عشرة بتوقيت بريطانيا الصيفي.

قصة العشاء وفرش الملابس!

فسألنا: هل تعشيتم؟ فقلنا: لا، ونحن في أمس الحاجة إلى الطعام ولم نقدر أن نذهب إلى أي مطعم خشية أن نصادف حراماً، ولا نثق في أطعمة هذه البلدان، وكنا مشغولين بالوضع الذي حل بنا في هذا الفندق.

فاتفق مع زميلي على أن يذهبا للبحث عن طعام حلال، وأن يدعاني أرتاح في الغرفة، وحقاً لقد كنت مضطراً للراحة، فأبعدت الغطاء الذي كان على أحد الأسرة وفرشت بعض الثياب الخاصة بي على البساط والوسادة، واضطجعت بعد تردد شديد وجسمي يكاد يقفز من على السرير، ولكن لشدة التعب وعدم النوم في ذلك اليوم الطويل أغاثني الله بالنوم فكان كما قال الله تعالى: {وجعلنا نومكم سباتا.. } أي راحة.

وبعد زمن غير قصير سمعت طرقاً بالباب، ففتحت فإذا الصديق والزميل قد جاءا فنظرت إلى الساعة فإذا هي الثالثة صباحاً، فسألت: أهذه المدة كلها كنتما في بحث عن الطعام؟ فذكرا أنهما ركبا قطاراً وذهبا إلى مكان بعيد فيه شخص يبيع الطعام الحلال، وكان عبارة عن خبز محشو باللحم (سندوتش) فأكلنا ونام صديقنا معنا بدلاً من مطالبته الملحة قبل ذلك بمرافقته لننام في منزله، لأن منزله بعيد عن المدينة ولم يبق على الفجر إلا قليل






السابق

الفهرس

التالي


14948046

عداد الصفحات العام

650

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م