{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(02) صونوا السفينة قبل أن تغرق

(02) صونوا السفينة قبل أن تغرق

جرت عادة العقلاء، على أخذ الحيطة والحذر من كل ما يخافون خطره على أنفسهم، وأموالهم وأسرهم وكل ما يمت إليهم بصلة من مصالحهم.

فتجد أهل الأموال يحرصون على حفظ أموالهم في أماكن حصينة خشية عليها من أن تنالها أيدي السراق، وهو ما يسمى في الفقه الإسلامي بـ"الحرز" الذي يعد شرطا من شروط إقامة الحد على السارق. وتدرجوا في ذلك حتى أصبحوا لا يودعون أموالهم إلا في البنوك المحروسة من قبل الدول، لأنها في الغالب أكثر حرزا لها.

وتجد المحاربين يبنون القلاع، ويحفرون الخنادق لصيانة أنفسهم من هجوم أعدائهم، لمقاتلين.

وتجد السكان في المدن والقرى والبوادي، يحرصون على اتخاذ ما يستطيعون من صيانة أنفسهم وأموالهم وأسرهم، من المغيرين والوحوش، وعلى حيواناتهم من الذئاب.. فيبنون البيوت، ويتخذون لها الأبواب المناسبة، ويوظفون الحراس، من البشر ومن الكلاب....

وتجد شركات المواصلات تحاول اتخاذ أقصى ما تستطيع من الوسائل التي تمكنها من إتقان صنعة مواصلاتها، بحيث يأمن المسافرون في أسفارهم على وسائل تلك المواصلات، سواء كانت سيارات، أو طائرات، أو قطارات، أو بواخر، بل وحيوانات النقل، كالإبل والخيل والبغال والحمير... يجتهدون في تغذيتها وتدريبها على السير البعيد وحمل الأثقال.

وتجد الحكومات والدول تجتهد في اتخاذ الوسائل التي تحمي بها بلدانها مما يخل بأمنها الداخلي و الخارجي:
فتتخذ لأمنها الداخلي جهاز الشرطة والمرور، وأجهزة الأمن المتنوعة المدربة على كل وسيلة تمكنها من التصدي للمجرمين -حسب مفهومها- كالمباحث العامة والخاصة، فتبني لهم السجون وتعد المعتقلات، وتحضر لذلك كل وسيلة من الوسائل التي ترهب من يفكر في الإخلال بالأمن، وتردع من يتعاطى الإخلال به.

وتتخذ لصيانة أمنها الخارجي إعداد الاستخبارات المتنوعة، والجيوش المدربة على أعلى ما تتمكن منه من التدريب، لجيوشها البرية والبحرية والجوية –ولكل فرقة من الفرق المتخصصة تدريبها الدقيق في تخصصها-وتوفير السلاح وما يتبعه من وسائل . كما تعد لصيانة زعمائها حرسهم الخاص الذي توفر له من السلاح والتدريب، ما لا يتوفر لغيره.

وتعد لصيانة عقول أبنائها من الأفكار والمبادئ التي تعتبرها خطرا عليها، المؤسسات التعليمية بمناهجها وكتبها وأساتذتها، والمناهج الإعلامية، لصيانة تلك العقول من أفكار يشيعها إعلام الأعداء الموجه إليها.
كأني بالقارئ هنا يقول: تلك أسباب ووسائل معروفة يتخذها الأفراد والأسر

والجماعات والأحزاب والشركات والحكومات، كل منها يتخذ ما يراه مناسبا لمصلحته، ولا شك أن اتخاذ الأسباب والوسائل لصيانة المصالح أمر مطلوب.

ولكن ماذا تريد أن تقول؟ ولم لم تدخل في صلب الموضوع؟ ومن تخاطب في عنوانك؟ وأي سفينة تريد؟ وما نوع الصيانة التي تدعو إليها؟ وفي أي بحر تخشى أن تغرق تلك السفينة؟

والجواب أني أخاطب جميع المسلمين في الأرض: حكاما ومحكومين، وكافة العلماء والمتخصصين في علوم الشريعة أو غيرها من العلوم الإنسانية والكونية، وأعيان البلدان الإسلامية، من زعماء القبائل وقادة الجيوش، ومسئولي التعليم والإعلام، والتجار والأغنياء، والمنظمات النقابية جميعها... والخلاصة جميع "أهل الحل والعقد" في بلدان المسلمين.
أما السفينة التي أقصدها، فهي سفينة حياة المسلمين وكل ضرورات حياتهم من "دينهم، ونسلهم وأعراضهم، ونفوسهم، وعقولهم، وأموالهم" و الأرض التي تقلهم ، وسماؤها التي تظلهم، وجبالها وشعابها ووديانها وأنهار وبحار، ومقدساتهم فيها و بخاصة كتابهم وسنة رسولهم و ما شرع الله لهم من تنفيذ أحكامه فيهما، واحترام رسولهم وعلمائهم من سخرية أعداء الله بهم.

وما تضمه أرضهم من قيادات وأعوان ووقود، وما بها من مرافق من الغذاء والدواء والكساء والمسكن، والمؤسسات التعليمية، والإعلامية، والاقتصادية، والعسكرية، و الاجتماعية. وأساس تلك المرافق والمؤسسات كلها هو الدين الذي أنزله الله على رسوله لهداية البشر.

وفي السفينة الصحيح السليم، والمريض السقيم، والشجاع الجسور، والجبان غير الصبور، وفيها المؤمن القوي اليقين، الملتزم بمنهاج الإسلام وطاعة رب العالمين، وفيها قليل الدين ضعيف الإيمان، الذي يغلبه هواه وشهواته وعدوه الشيطان، وكلهم مأمورون بالتعاون على البر والتقوى، و منهيون عن المعاصي والتعاون على الإثم والعدوان.
أما الصيانة التي أريد من ركاب السفينة اتخاذها للمحافظة عليها من الغرق، فألخصها في الأمور الآتية:

الأمر الأول: الاتفاق على منهاج الرحلة الذي يضمن لهم النجاة والفوز والأفراح، ويقيهم الهلاك والخسران والأتراح.
هذا المنهاج هو صراط الله المستقيم، غير المغضوب عليهم والضالين: {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} المنهاج الذي أرسل الله به رسوله الكريم، وأنزل عليه به كتابه العظيم، وضمن لأهله الفلاح المبين، فقال: { قد أفلح المؤمنون} و {أولئك على هدى من ربهم وألئك هم المفلحون}

الأمر الثاني: الاعتصام بحبل الله المتين، والأخوة الصادقة بين عباد الله المؤمنين: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون} [آل عمران: (103)] وهذا هو المقصود في هذه المرحلة من مراحل الأمة الإسلامية.

الأمر الثالث: تقوية الإيمان والعمل الصالح، والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، وهو من أهم أبواب هذا الدين: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو ءامن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: (110)]

الأمر الرابع: العلم اليقين أن أعداء هذه السفينة، يسعون جادين لإغراقها أو تعطيلها، حتى لا ترسوا على شاطئ الأمان، وهذا العلم من أهم ما يحفز أهل السفينة على صيانتها والدفاع عنها، وإذا فرطوا في ذلك فهم معرضون للهلاك واستبدال الله بهم غيرهم ممن يحمون حوزة الإسلام: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: (217)]
{ياأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [المائدة: (54)] {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير} [التوبة: (39)] {هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} [سورة محمد: (38)]

الأمر الخامس: سهر جميع ركاب السفينة على حراستها ضد من يريد إغراقها، من أعداء هذا الدين: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} [الصف4)] {يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} [التوبة: (38)]

الأمر السادس: طلب العزة من الله وحده، فهو صاحبها، وهو واهبها، ولا قدرة لغيره على منحها، مهما عظمت قوته في الأرض، فردا كان أو جماعة أو حكومة، فالقوة لله والعزة لله لا لغيره: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} [النساء: (139)] {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم} [يونس: (65)] {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} [فاطر: (10)] {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} [الصافات: (180)] {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: (8)] {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران: (26)]

وأما البحر الذي أخشى أن تغرق فيه السفينة، فهو بحر الخسران والذلة والمهانة، والعبودية لغير الله، فيفقد بذلك ركاب السفينة العزة التي يظنون أنهم قد ينالونها من غير الله سبحانه: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة: (52)] {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} [الفتح: (41)] {ياأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} [آل عمران: (149)]{ياأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} [آل عمران (100)] {ياأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} [آل عمران: (149)]

وإنه لمؤسف كل الأسف أن تغفل الأمة الإسلامية-حكاما ومحكومين-عن هذا الكتاب العزيز الذي يهدي الضال، ويوقظ النائم، وينبه الغافل، ويرفع الراية للسالكين، مبينا لهم معالم طريقهم التي لا يمكن أن يعبروها بدون تلك المعالم.




السابق

الفهرس

التالي


14230782

عداد الصفحات العام

3071

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م