﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمًا﴾ [ ١٣٨] ٱلَّذِینَ یَتَّخِذُونَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ أَیَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا﴾ [النساء ١٣٩]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(07) طل الربوة - الإكثار من ذكر الله، المطلق منه والمقيد:

(07) طل الربوة - الإكثار من ذكر الله، المطلق منه والمقيد:



ومن أهم ما يقوي صلة الأستاذ وطلابه الإكثار من ذكر الله تعالى، المطلق منه والمقيد. والمراد بالمطلق ما لم يقيد بزمان ولا مكان ولا عدد، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)}. [الأحزاب] وقال تعالى في سياق صفات المؤمنين والمؤمنات: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)}.[الأحزاب]



وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه، أن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ فأخبرني بشيء أتشبث به قال: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.[الترمذي (5/458) والحاكم في المستدرك (1/672) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.]



فعلى المعلمين والمتعلمين، أن يحيوا قلوبهم بذكر الله، ولا يكونوا أمواتاً وهم يعيشون على ظهر الأرض، ففي صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت). [صحيح البخاري رقم 6044.]



والذكر المقيد ما قيد بزمان، كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات، أو بزمان ومكان كأذكار مناسك الحج المعينة، وغير ذلك، أو بعدد كالاستغفار مائة مرة، وتسبيح ثلاث وثلاثين. ويمكن الرجوع في هذا الباب، إلى أبواب الأذكار في كتب الحديث، والكتب الخاصة بالأذكار، كالأذكار للنووي، والكلم الطيب لابن تيمية، وصحيحه للألباني، والوابل الصيب، لابن القيم، وغيرها من كتب السنة.



وينبغي أن يعلم أن حقيقة الذكر المشروع هو الذي يصدر عن القلب ويتحرك به اللسان، ولا ينفع الذكر باللسان مع غفلة القلب ولهوه، قال القرطبي رحمه الله أثناء تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}: "وأصل الذكر التَّنَبُّه بالقلب للمذكور والتيقظ له، وسمي الذكر باللسان ذكراً لأنه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم".



كما أن من أهم ما يجب أن يحدثه الذكر في صاحبه طاعة الله بامتثال أوامره، واجتناب معاصيه، فالذاكر الصادق في ذكره لا تجده يحرك لسان، وهو يمارس ما يسخط الله تعالى، هذا ما قرره علماء المسلمين الذين فقهوا حقيقة ذكر الله.

نقل القرطبي رحمه الله عن سعيد بن جبير قوله: "الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن".



القراءة في كتب السنة والسيرة المطهرة:



ومما يقوي الصلة بالله تعالى القراءة المستمرة في كتب السنة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة تفسر القرآن، وتكمل ما أراد الله من عباده، والرسول صلى الله عليه وسلم، هو القدوة الحسنة للمسلم. كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)}. [الأحزاب]



[وقد تضمنت سيرته صلى الله عليه وسلم، مع ما ذكره القرآن عنها، الأمهات الست، والترغيب والترهيب، ورياض الصالحين، ومشكاة المصابيح، وسيرة ابن هشام، والبداية والنهاية لابن كثير، وفقه السيرة للغزالي وغيرها، وغيرها].



دراسة سيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم:



ويكمل ذلك قراءة سيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، لمعرفة قدرة غير المعصومين الاقتداء بالمعصوم في حدود قدرتهم البشرية، فقد يقول القائل: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد أكرمه الله برسالته وحباه بتوفيقه وعصمته، فيقال له: إنه ليس المقصود بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم، الوصول إلى رتبته التي أثمرها اصطفاؤه للرسالة ومنحه من ربه عصمته، وإنما المقصود مجاهدة المسلم نفسه المجاهدة المستطاعة للاقتداء بنبيه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.



ثم إن لنا قدوة في أصحابه رضي الله عنهم، الذين حققوا تلك القدوة السامية برسولهم صلى الله عليه وسلم، باعتبارهم النموذج البشري غير المعصوم عصمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا نزال نرى من المسلمين في كل عصر من العصور الإسلامية نماذج سامقة في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.



كل ذلك يرد على أعداء هذا الدين الذين يسعون جاهدين إلى تأييس المسلمين من إمكان تطبيق الشريعة الإسلامية، كما كانت في العصر الإسلامي الأول؛ لأن ذلك العصر كان من العصور المثالية التي لا يمكن تكرارها في الحياة.



فالحقيقة التي لا شك فيها أن التزكية الربانية التي أوجدت تلك النماذج في العصر الإسلامي الأول وما تلاه من العصور المفضلة، أهملها ولاة أمور المسلمين، بل حاربها كثير منهم، وحالوا بين علماء الأمة من دعاة الإسلام الذين يرغبون في إعادة تلك التربية التي خرجت الأجيال المسلمة الصالحة.



والدليل على ذلك أنه إذا وَجَد دعاةُ الإسلام فرصة لإنشاء بعض المدارس والمعاهد الإسلامية ووضع مناهج دراسية مؤسسة على مبادئ الإسلام، ينشأ فيها جيل يحاول تحقيق الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في مدة قصيرة من الزمن مع كثرة العوائق التي تعترض ممارسته لذلك التحقيق، فَيُدهِش ذلك أعداء الإسلام في خارج البلاد الإسلامية وتلاميذهم من المنافقين من نفس البلد الذي ظهر فيه ذلك الجيل الصالح، فيهبون جميعاً لهدم أي مؤسسة إسلامية تظهر فيها ثمرة العودة إلى إظهار التطبيق العملي للاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.



وها نحن نشاهد في هذا العصر الذي يحارب فيه الإسلام فكراً ودعوةً وتربيةً وتعليماً وإعلاماً وسياسة، بل يحارب بالسلاح الفتاك: البري والجوي والبحري في بلدانه ويقتل أبناؤه وبخاصة علماءه ودعاته، نشاهد إقبال شباب المسلمين وشاباتهم إلى الإسلام في مؤسسات ألفت البعد عن الدين والتدين، مثل الجامعات المسماة بـ(العلمية) ككليات الطب والهندسة والاقتصاد والجغرافيا ونحوها.



فإذا أُجريت في تلك الجامعات انتخابات لاتحادات الأساتذة والطلاب، يكون الفوز الساحق غالباً للإسلاميين على من سواهم ممن يعارضونهم، ولهذا تتدخل أجهزة الحكومات المعنية لإيقاف نتائج الانتخابات، أو إيقافها قبل إجرائها إذا شعرت بهزيمة مواليها فيها، ومثل الجامعات النقابات على تنوعها.[يراجع لسيرة الصحابة ومن تبعهم بإحسان تاريخ ابن كثير وغيره، كحياة الصحابة، وسيرة الخلفاء للسيوطي وكذلك سيرة الدعاة العاملين في كل زمان ومكان.]



بل إن الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي تجرى في بعض البلدان الإسلامية اليوم – برغم التحزبات التي تحارب الحكم بالإسلام والدعوة إلى تطبيقه – في داخل البلد وفي البلدان المجاورة له من بلدان المسلمين، ومن البلدان غير الإسلامية، ينجح فيها الإسلاميون، كما حدث في البلدان التي حظيت بما يسمى بـ "الربيع العربي" ولا تفتأ القوى المعادية للإسم تحاربهم، باسم الحرية وحقوق الشعوب، والاستئثار بالسلطة، ولكن المستقبل سيكون للإسلام بإذن الله.



مجاهدة النفس على محبة الله:



وبهذا البند يستطيع المسلم اختبار قوة صلته بالله تعالى وضعفها، وهذه المحبة - محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم - يحتاج من رغب فيها إلى مجاهدة النفس، للوصول إليها بحيث تكون المحبة محبة صادقة يظهر بها تقديم ما يحبه الله تعالى ورسوله على كل المحاب.



وميزان هذه المحبة يظهر في تقديم محبة الله ورسوله على كل المحاب، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [التوبة]



وعلامتها: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن اتباعه يجلب للمتبع حب الله تعالى له، كما قال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ..} [آل عمران 31] وسبق قول الله تعالى في الحديث القدسي: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به...) وأن المقصود به توفيق الله عبده لطاعته، وجعله يستعمل جوارحه كلها فيما يرضيه.



والله تعالى الذي اختص بخلق جميع المخلوقات يختص باختيار ما يشاء من خلقه للرسالة وما يريده من التشريع لعباه، وليس ذلك لسواه من المخلوقين. قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)}. [القصص]



وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36)}.[الأحزاب]



وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر]



وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). [البخاري (8/156) ومسلم (3/1343). وقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي). [البخاري (1/55).]

وقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا). [مسلم (2/943).]



وذكر العلماء أن الإخلاص والاتباع قد جمعا في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}). [الملك 2] فقَالَ الفضيل بْنُ عِيَاضٍ: "أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ، قَالُوا يَا أَبَا عَلِيٍّ: مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الْعَمَلُ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا، لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَل،ْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا; وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ". [مجموع الفتاوى لابن تيمية: (10/173).]



فالإخلاص تتضمنه (شهادة ألا إله إلا الله)، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، تضمنته (شهادة أن محمدا رسول الله) فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، شرط في صحة العبادة، كالإخلاص، وكل فعل أو قول أو اعتقاد يخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقبله الله تعالى، بل هو باطل.



والمحبة التي أرادها الله، هي التي عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار). [البخاري (/9،10) ومسلم (1/66).] وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين). [البخاري (1/9).]







السابق

الفهرس

التالي


14948094

عداد الصفحات العام

698

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م