﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(031)سافر معي في المشارق والمغارب

(031)سافر معي في المشارق والمغارب



نفق تحت البحر يبلغ طوله أربعين كيلومتر:



أخبرنا الإخوة أن اليابان أنشأت نفقاً بين جزيرة أوكايدو، وجزيرة كويوشو، يبلغ أربعين كيلومتر، يقال: إن أكياس الأسمنت الذي استعمل فيه لو مد بعضها بجانب بعض لملأت مسافة ما بين طوكيو ونيويورك في أمريكا.



شيخ البحر والجبل!



كان الأخ خالد عندما عرف رغبتي في التمتع بمناظر البحار قد أطلق عليّ لقب شيخ البحر في خليج موسى في بلاده ناروتو، واليوم عندما صعدنا إلى الجبل في جزيرة مياجيما ورجعنا بعد جولة طويلة، وأخبره دليلنا بنشاط شيخ البحر في صعود الجبال، قال: هو أيضا شيخ الجبل.



قلت: الحمد لله، لقد حصلت على ألقاب كثيرة والألقاب اللفظية هي سمة هذا العصر لفقد المعاني التي تغني عنها، فقد لقبني أحد مشايخ الجامعة الإسلامية بشيخ، الحارة لقصة جرت لي معه عندما كنت مديراً لشؤون الإشراف والتوجيه الاجتماعي بالجامعة الإسلامية، وكنت أسكن في مقر الجامعة مع الطلبة ليلاً ونهاراً، وهذا الشيخ هو الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله الذي سألني عنه أحد علماء العراق من الشيعة في موسم حج، فدللته على منزله، فسماني شيخ الحارة، لأن شيخ الحارة أو العمدة يكون خبيراً بعناوين أهل الحارة. ، ثم لقبني هو نفسه بذي القرنين عندما سافرت قبل ثماني سنوات من المملكة إلى أمريكا ثم رجعت عن طريق اليابان، و هاأنا الآن أحصل على لقب شيخ البحر وشيخ الجبل!



والذي أوصي به بالنسبة لمدينة هيروشيما بالذات، أن تتولى إحدى المؤسسات الإسلامية بعث داعية فقيه في دين الله، قدوة حسنة، يجيد على الأقل مع اللغة العربية اللغة الإنجليزية، ليتولى هو تربية هؤلاء الطلاب وتوجيههم وإفادتهم بالعلم، وهم سيفيدون اليابانيين، لأنهم يختلطون بهم ويتعلمون لغتهم، وكذلك تبعث لهم كتب إسلامية مفيدة باللغة العربية والإنجليزية.



الاثنين: 14/11/ 1406ه



السفر إلى مدينة: كوبي:



في الساعة العاشرة والنصف تحركنا من الفندق، إلى محطة القطار السريع الذي تحرك بنا من هيروشيما إلى مدينة كوبي، في الساعة الحادية عشرة إلا عشر دقائق. وهي تبعد عن مدينة هيروشيما بمسافة أربعمائة كيلو متر تقريباً:



وقد يجمع الله الشتيتين:



عندما دخلنا من بوابة العبور التي تخرق الآلةُ الموظفةُ لهذا الغرض بطاقاتِ الدخول، إشارة إلى الإذن بدخول القطار، رجع بعض الإخوة ليأخذوا بطاقة دخول توديع، ليودعنا عندما نصعد إلى القطار، وبقيت أنا في انتظاره وصعد الأخوان: محمد باكريم وخالد إلى الطابق العلوي الذي يقف به القطار، وعندما جاء صاحبي أخذنا نتلفت لنجد الأخوين فلم نرهما، فجعل الأخ ينظر في الإرشادات المكتوبة في الجدران، ليعثر على عنوان القطار الذي سيسافر بنا إلى مدينة كوبي فلم يتمكن، لأن الكتابات كلها بالحروف اليابانية، ويصعب عليه قراءتها بسرعة لقرب عهده باليابان.



فسأل إحدى الفتيات فأشارت له إلى الجهة، وأسرعنا نهرول بشدة إلى تلك الجهة، وكدنا نصعد في درجة السلم المتحرك الذي ينزل به الناس، من شدة سرعتنا وخوفنا أن يفوتنا القطار الذي لا يراعي ظروف المسافرين ليتأخر إذا جاء وقته.



وعندما صعدنا كنا نتلفت لعلنا نرى الأخوين فلم نجدهما، والاتجاهات متعددة، والناس يجرون هنا وهناك، والقطارات لا تقف إلا لتسير، فالقطار كالشمس التي تشرق وتغرب ولا تنتظر النائم حتى يصحو، فكذلك القطار لا ينتظر من تأخر ولو لعذر، وبعد أن جرينا هنا وهناك رأيناهما يتلفتان مثلنا فهرولنا إليهما، وحمدنا الله أن اجتمعنا قبل أن يغادر القطار، عندئذ أقبل القطار ووقف حتى صعدنا ثم تحرك، فقلت ذاكراً قول الشاعر:

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما،،،،،،،يظنان "بعض" الظن أن لا تلاقيا



الأصل في بيت الشاعر: "كل" وقد غيرته إلى"بعض" لأنا لم نكن نظن الظن كله، بل الراجح عندنا أنا سنلتقي في نفس المحطة، ولو فرض أن فاتنا القطار فسنلتقي في مدينة "كوبي".



الناس كإبل مائة!



روى مسلم في صحيحه أن الرسول صَلى الله عليه وسلم، قال: (الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة). ومعنى الحديث أن الرجل الذي يتصف بصفات الخير النافعة قليل بين الناس، كالإبل المائة يلتمس فيها الراكب راحلة تنقله من بلد إلى آخر وتحمل أثقاله وتكون قوية على تحمل السفر والسعي، فلا يكاد يجد في تلك الإبل المائة راحلة صالحة لذلك.



وقد رأيت شيئاً مما دل عليه الحديث في الأخ الياباني المسلم الأستاذ: خالد كيبا، الذي يسكن في مدينة ناروتو بالقرب من مدينة توكوشيما، وهو رئيس المركز الإسلامي في توكوشيما، وأمين المركز الإسلامي في طوكيو، فقد رأيت فيه الحماس الشديد والعاطفة الجياشة للإسلام، كما رأيت فيه كرم النفس ومحبة الضيف والحرص على إكرامه، فقد رأيت في ترحالي رجالاً كرماء في كثير من البلدان التي زرتها، في أغلب قارات العالم في المشارق والمغارب، ولكني لم أر مثل الأخ خالد المسلم الياباني.



فقد حرص على ملازمتنا من وقت لقائنا في طوكيو، وسافر معنا إلى مقره في توكوشيما وناروتو ولا زال ملازماً لنا مدة بقائنا فيهما وأصر على مصاحبتنا إلى هيروشيما وكوبي، ويكفيه كرماً بذله هذه الأوقات معنا، فبذل الوقت عند الياباني أصعب من بذل النقود وغيرها، ومع ذلك فقد أصر طيلة مرافقته لنا، أن ينفق هو على تنقلاتنا بالطائرة والسيارة والقطار والباخرة والفندق والطعام، وحاولنا بشتى الوسائل أن نحول بينه وبين ذلك، ولكن دون جدوى إلا في النادر إذا سبقناه بالحساب وهو لا يدري.



وكنا نظن أن هذا الكرم سينتهي في بلاده التي يسكنها، وأنه سيبعث معنا بعد ذلك بعض الطلبة العرب، لمرافقتنا إلى مدينة هيروشيما وكوبي وأوساكا، ولكن الرجل أصر على مرافقتنا وعلى دفع نفقاتنا، وحاولنا في مدينة هيروشيما أن ندفع نحن النفقات وأصررنا عليه، ووعدنا تحت الضغط الشديد، بل أظهر لنا موافقته على ذلك، ولكنه كان يسر في نفسه شيئاً آخر ظهر لنا في اليوم التالي: الاثنين: 14/11/1406ه عند خروجنا من الفندق، حيث أردنا أن نحاسب فوجدناه قد حاسب، وحاولنا معه بشدة أن يقبل الحساب فرفض رفضاً باتاً، وعندما ألح عليه صاحبنا الطالب العربي، اشتد غضبه وأخذ يعاتب ويقول: ألا تسمحون للمسلم الياباني أن يضيف إخوانه كما يقومون هم بضيافته في بلادهم. وهو صادق اللهجة وليس مجاملاً.



كان قطارنا يقف وقفات قصيرة في بعض المدن الواقعة بين مدينة هيروشيما ومدينة كوبي ريثما ينزل ركاب ويصعد آخرون، وأغلب سيره في الأنفاق التي تخترق الجبال وهي كثيرة.



استغلال اليابانيين لكل الإمكانات المتاحة:



الذي يعبر اليابان عبوراً مثلنا، ولا يتعمق في زيارة المصانع والمؤسسات والأسر والجامعات وغيرها يظهر له أن اليابانيين يستغلون كل الإمكانات التي أتاحها لهم الخالق.



الطاقات البشرية بتعليمها وتدريبها ووضعها في المكان الذي تجيد العمل فيه، والمادية التي منحهم الله إياها في بلادهم أو مكنهم من استيرادها من خارج بلادهم كالمواد الخام، يستغلونها استغلالاً يمكنهم من الحصول على أكبر قدر يمكنهم من الاستفادة منه.



كانت الأنهار التي نمر بها ـ وهي كثيرة ـ تمتد عليها الجسور لعبور القطارات والسيارات والمشاة، وطرق السيارات في كل اتجاه، لا تحتاج السيارة للوقوف حتى يعبر القطار ولا العكس، كما لا يحتاج القطار إلى الوقوف حتى يعبر صنوه عند تقاطع الطرق، لأن الياباني قد أعد لكل قطار وكل سيارة الطريق الخاص به حرصاً على الوقت الذي لا يريدون إضاعة شئ منه.



فإذا كان قطارنا ومجاوره المعاكس له في السير يسيران على جسر، فإن القطار الذي يسير في تقاطع معه ومجاوره المعاكس له يسيران تحت الجسر والعكس بالعكس، وهكذا السيارات.



وإن الإنسان عندما يرى كثرة المرافق اليابانية في كل مكان، سواء ما كان منها من وسائل النقل وما يتصل بها من أنفاق وجسور ومحطات وشوارع، أو مصانع وآلات ومباني وغيرها، لا يصدق أن أربعين سنة كانت كافية لهذا التقدم المادي العظيم، ولكنه عندما يعلم أن اليابانيين كالعضو الواحد، في الجد والعمل وإتقانه، وأنهم مع كثرة عددهم يتحركون للعمل كالدولاب بأجزائه، لا تأخذه الدهشة.



فالعمل الجماعي المنظم المتقن لا تقف أمامه العقبات وتلك سنة الله في خلقه، من عمل وصل، ومن جد وجد، ومن زرع حصد، فقد خلق الله تعالى الكون ليعمره هذا الإنسان المستخلف في الأرض، فأي فئة من البشر أخذت بالأسباب الموصلة إلى مسبباتها ترتبت نتائج تلك الوسائل عليها بإذن الله، هذا بصرف النظر عن كون الآخذ بتلك الأسباب يؤمن بالله أو يكفر به.



فالدنيا خلقت للإنسان كافراً كان أو مسلماً، فأيهما قويت إرادته وجدَّ في عمله، نال منها ما كتب له بقدر عمله، وأيهما كسل وتوانى فاته ما تكاسل عن السعي إليه، كما أن الآخرة خلقت لمن عمل لها وجد في طلبها بالعمل المشروع، فالمسلم الذي يجتهد في عمارة الأرض ينال حظه منها كما ينال حظه من ثواب الله في الآخرة بحسب اجتهاده.



وإذا اجتمع له الجد في عمارة الأرض بالدين والدنيا كان أجدر بقيادة العالم، وإن تكاسل عن عمارة الأرض المادية وانقطع لعبادة الله نال عند الله في الآخرة ما يستحق من الثواب، وحرم في الأرض من قيادة البشر، وصار مقوداً للكافر الذي يجتهد في عمارة الأرض المادية، وينال عقاب الله وغضبه في الآخرة لغفلته عن عمارة الأرض بالدين



ويجب أن يعلم أن ثنائي على بعض الشعوب إنما هو بما رأيته من العمل الجاد في بناء تلك الشعوب، وأن ذلك لا يعني أن تلك الشعوب ذات أمن واطمئنان نفسي يعادلان التقدم المادي، بل إن الانحرافات الاجتماعية تهدد مستقبل تلك الشعوب بالدمار وهذا أمر لازم لشعوب لا تهتدي بهدى الله فإن شقاءها متحتم ودمارها في النهاية فالكفر أصل لكل المصائب.





السابق

الفهرس

التالي


15336248

عداد الصفحات العام

373

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م