{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(09)طل الربوة - تفقه المسلم في نصوص الترغيب والترهيب:

(09)طل الربوة - تفقه المسلم في نصوص الترغيب والترهيب:



الترغيب في الطاعة وما يترتب عليه من مزاولتها والدوام عليها، ونيل رضا الله وجزائه لصاحبها، والترهيب من المعصية وبغضها والبعد عنها، وما يترتب على ذلك من محبة الله لتاركها وإثابته على تجنبها، مما يقرب العبد إلى الله تعالى ويقوي صلته به، لا سيما إذا ارتقى مَن أثَّر فيه الترغيب إلى الإكثار من نوافل الطاعات التي لم يفرضها الله تعالى عليه، ومجافاة بعض المباحات التي ليست محرمة عليه شرعاً، ورعاً وخوفاً من الوقوع في الشبهات.



وإن الذي يلقي نظرة على كتاب الله تعالى يجده مليئاً بالترغيب في طاعة الله وما يترتب على فعلها من ثواب جزيل، والترهيب على معصيته وما يترتب على فعلها من عقاب، وهذه أمثلة من ذلك:



أولاً: أمثلة للترغيب:



قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ(157)}. [البقرة]



وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً(40)}. [النساء]



وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69)}



وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)}. [التوبة]



وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)}. [الأحزاب]



ثانياً: أمثلة للترهيب:



قال U: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ(206)}. [البقرة]

وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(138)}. [النساء]



وقال عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(36)}. [الأنفال]



وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}. [الحج]



ويكفي أن يعلم المرء أن من أهم وظائف رسله عليهم الصلاة والسلام: ترغيب العباد بطاعة الله وثوابها الجزيل، وترهيبهم من معصيته وعقابها العظيم، فقد أرسلهم سبحانه وتعالى، مبشرين لمن أطاعة بالجنة ورضوانه، ومنذرين من عصاه بالنار وسخطه.



كما قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ...(213)}. [البقرة]

وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165)}. [النساء]



وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(28)} [سبأ]

ومما لا شك فيه أن في التبشير ترغيباً، وأن في الإنذار ترهيباً؛ لأن الرسل يبشرون من أطاع الله برضاه وجزيل ثوابه، ويرهبون من عصاه بغضبه وشديد عقابه.



بل إن كل أوامر الله تعالى ونواهيه الواردة في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تعتبر ترغيباً لمن امتثل أمره، وترهيباً لمن تمرد عليه وعصاه، فالقرآن كله والسنة كلها عِظة وذِكرى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}. [آل عمران}{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}. [ق]



قال شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وقوله: {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل] الوعظ: الكلام الذي تلين له القلوب... ـ إلى أن قال ـ: تنبيه: فإن قيل: يكثر في القرآن إطلاق الوعظ على الأوامر والنواهي. كقوله هنا: {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} مع أنه ما ذكر إلا الأمر والنهي في قوله: {إِنَّ ?للَّهَ يَأْمُرُ بِ?لْعَدْلِ} إلى قوله: {وَيَنْهَى? عَنِ ?لْفَحْشَاءِ}، وكقوله في سورة (البقرة) بعد أن ذكر أحكام الطلاق والرجعة: {ذ?لِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِ?للَّهِ وَ?لْيَوْمِ الآخِرِ }، وقوله في سورة (الطلاق) في نحو ذلك أيضاً: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِ?للَّهِ وَ?لْيَوْمِ الآخِرِ }. وقوله في النهي عن مثل قذف عائشة: {يَعِظُكُمُ ?للَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً}. مع أن المعروف عند الناس: أن الوعظ يكون بالترغيب والترهيب ونحو ذلك، لا بالأمر والنهي.



فالجواب: أن ضابط الوعظ هو الكلام الذي تلين له القلوب، وأعظم ما تلين له قلوب العقلاء أوامر ربهم ونواهيه. فإنهم إذا سمعوا الأمر خافوا من سخط الله في عدم امتثاله، وطمعوا فيما عند الله من الثواب في امتثاله. وإذا سمعوا النهي خافوا من سخط الله في عدم اجتنابه، وطمعوا فيما عنده من الثواب في اجتنابه. فحداهم حادي الخوف والطمع إلى الامتثال، فلانت قلوبهم للطاعة خوفاً وطمعاً" انتهى كلامه.



أمثلة للترغيب والترهيب من السنة:



من ذلك ترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم، في الجهاد في سبيل الله، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: 0انتدب الله U لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل). [البخاري.]

ومن ذلك ترغيبه في قيام ليالي رمضان، روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قام رمضان، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه). [البخاري ومسلم.]



ومن أمثلة الترهيب: حديث أبي هريرة في قصة الثلاثة ذوي الأعمال الجليلة ـ في ظاهر الأمر ـ مجاهد قتل في المعركة، وقارئ علِم القرآن وعلَّمه، وغني أنفق أمواله على مستحقيها، وهم أول ما يقضى عليهم يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فيأمر الله بكل منهم فيسحب إلى النار، بسبب فقدهم الإخلاص كما سبق.



فعلى المسلم، وبخاصة الأستاذ وتلامذته، أن يجتهدوا في قراءة القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكتب الترغيب والترهيب، والوعظ والإرشاد، لتليين قلوبهم وخشوعها وإخباتها لخالقها، ولا يدعوها فريسة للشيطان الرجيم وحزبه الذين لا يفتأون يتخذون كل وسيلة لتكون قلوب البشر أشد من قسوة الحجارة:

{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)}. [الزمر]



{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}.[البقرة]



{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(16)}. [الحديد]



ومن أهم موضوعات الترغيب والترهيب، قراءة تاريخ الأمم وقصصهم مع أنبيائهم ومصائرهم كقوم نوح وعاد وثمود، وصالح ولوط وشعيب وموسى وعيسى... وقراءة أحوال البرزخ وما فيه من النعيم للصالحين، وما فيه من العذاب للعاصين وأحوال يوم القيامة، والبعث والنشور والحساب والعقاب، وصفة الجنة وصفات أهلها، وصفة النار وصفات أهلها وصفة الجنة والنار.



شعور الأستاذ وطلابه بالمسؤولية في نشر العلم:



وإن مما يقوي صلة كل من الأستاذ وطلابه بالله تعالى، شعورهم القوي بالمسؤولية أمام الله، عن أعمالهم في هذه الحياة، ومن ذلك أداء ما يجب عليهم لأهلهم وأقاربهم وأولادهم، وجيرانهم وأصدقائهم وغيرهم، ومن أهم تلك الحقوق تعليم الجاهل وتفقيهه في دينه، وتبصيره بما ينفعه وما يضره وما ينفع كل من له به صلة في بلاده وخارجها مما يتعلق بحقوق الله تعالى وحقوق عباده، ليكون إنساناً صالحاً أينما حلَّ وارتحل، وهو الأمر الذي كلف الله تعالى رسوله تبليغه للناس، بكل وسيلة متاحة مشروعة في حدود قدرتهم واستطاعتهم.



وفي طليعة نشر العلم تعلم القرآن وتعليمه، بما يشمل جودة قراءته وتدبره وفهمه، وهذا ما يدل عليه حديث عثمان t عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وفي رواية: (إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه).[صحيح البخاري ج4/ص1919دار ابن كثير/اليمامة، بيروت.]



قال الحافظ في شرح الحديث: "ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عني سبحانه وتعالى، بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى، من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع.. فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه، قلنا لا؛ لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجية، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا من كان قارئاً أو مقرئاً محضاً لا يفهم شيئاً من معاني ما يقرؤه أو يقرئه.



فإن قيل: فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً، قلنا حرف المسألة يدور على النفع المتعدي فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فلعل "من" مضمرة في الخبر". [فتح الباري (9/76) دار المعرفة/بيروت.]



ولهذا ينبغي للأستاذ وطلابه أن يتحملوا أعباء الدعوة إلى الله، مع استكمال أصولها من العلم والحكمة والبيان والصبر، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}.[النحل]



{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) }. [المائدة] {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}. [يونس]



وأن يعلموا ما توعد الله تعالى به أهل العلم الذين يكتمون علمهم عن الذين يحتاجونه من البشر في أي أمة من الأمم بدون ضرورة، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}. [البقرة]



{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(108)}. [يوسف]



وقد رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعيد شديد لمن كتم العلم الذي يحتاجه المسلمون، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار). [أخرجه ابن حبان في صحيحه (1/298) مؤسسة الرسالة بيروت، بتحقيق الشيخ شعيب أرناؤط، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1ص182) دار الكتب العلمية، بيروت، وقال: "هذا إسناد صحيح من حديث المصريين على شرط الشيخين، وليس له علة وفي الباب عن جماعة من الصحابة غير أبي هريرة رضي الله عنه".]



وأهل العلم مسؤولون عن تعليم عامة المسلمين في حدود قدرتهم، وهم رعاتهم في هذا الباب، وفي الحديث: (كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته).[ البخاري (8/104) ومسلم (3/1459).]





السابق

الفهرس

التالي


14224809

عداد الصفحات العام

1645

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م