{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(021)سافر معي في المشارق والمغارب

(021)سافر معي في المشارق والمغارب

في المركز الإسلامي بهوبرت:

وفي الساعة السابعة كنا في المركز الإسلامي، حيث نقلنا إليه الأخ إبراهيم حبيب في سيارته. والتقينا في المركز ببعض الطلبة منهم الطالب الباكستاني آصف علي، ـ من لاهور ـ كان أخذ الماجستير من جامعة الزراعة بفيصل أباد الحكومية ـ وطلب منحة من الحكومة الأسترالية فلبت طلبه وعينت له جامعة هوبرت، وسألته عن الفرق بين مستوى التعليم في باكستان وأستراليا في مجال تخصصه؟ فقال: إنه في أستراليا أجود قليلاً.

ثم جاء رئيس الجمعية وأعضاؤها، وقال سيد عمر ثابت وهو روسي: إنه يقيم في هوبرت منذ اثنتين وثلاثين سنة، وكان قبل ذلك في مالبورن ثلاث سنوات ـ وقد هاجر من مدينة تنفروبل في جزيرة تسمى: "كريم" في البحر الأسود وهي منطقة كانت تتصارع عليها الدول، وهي بلدة إسلامية من مدة طويلة وتبعد عن أوكرانيا بخمسة عشر كيلومتراً، وأخذتها روسيا وبدأ الإسلام يتقلص فيها بعد الحرب العالمية الثانية – وقد غادرها سيد عمر في الحرب العالمية الثانية حيث احتلها الألمان ثلاث سنوات من 1941م إلى 1944م.

ولما أحسوا بالهزيمة أرادوا أن يخرجوا، نهبوا أكثر ما يقدرون عليه من خيرات البلاد، وساقوا معهم أسرى من أهلها، وكان سيد عمر منهم وكان عدد الأسرى المسلمين مائتين ألف، وكانت تركيا ترغب أن تؤوي هؤلاء الأسرى ولكنها لم تفعل خوفاً من روسيا. وهاجر سيد عمر من ألمانيا إلى أستراليا بعد أن حاول الهجرة إلى بعض الدول الإسلامية، كمصر واليمن فرفضت قبوله.

وقد طرد أهله من جزيرة "كريم" ولا زال أخواه وأختاه في أوزبكستان، وتوفى أبوه سنة 1982م ـ وكان عدد المسلمين في جزيرة كريم مليوناً ومائتي ألف مسلم طرد أغلبهم إلى روسيا، وقد جاء قبل سيد روسي آخر.

وحضر وقت صلاة العشاء فأقيمت الصلاة، فصلى بنا الإمام صلاة العشاء في الساعة السابعة والنصف، وكان المسجد قد امتلأ بالمسلمين الذين توافدوا في هذه الليلة للقائنا، وأكثرهم من الطلبة الماليزيين وقد عرف الشيخ عمر الحاضرين بمهمتنا وأبدى سرورنا بهذا اللقاء وحثهم على التمسك بهذا الدين مع التفقه فيه.

وكان يترجم للشيخ أحد التجار اللبنانيين، إذ لم يوجد سواه، وكانت الترجمة لا تؤدي المعنى، لعدم معرفة المترجم بالمصطلحات الإسلامية وعدم تمكنه من فهم بعض الألفاظ العربية، ولذلك لم يكن الناس متأثرين بالكلام ـ وقد استحضرت هذا البيت:

سارت مشرقةً وسرت مغرباً شتان بين مشرقٍ ومغرِّبِ

لذلك ختم الشيخ كلمته بقوله: (المهم أنا لا أتحدث الإنجليزية، وأنتم لا تعرفون العربية حتى أهز مشاعركم وأستميل عواطفكم!).

وطلبوا مني كلمة فقلت: إذا كنتم فهمتم كلمة الشيخ فهي كلمتي، وضربت لهم مثلا بحالتنا مع الترجمة غير المفيدة، برجل عطشان فقير والماء فوق رأسه لا يستطيع تناوله وآخر طويل صحيح ولكنه مكبل.

وكانت هذه الجلسة هي الجلسة الوحيدة التي لم تكن الترجمة فيها مؤدية للغرض، وكانت كلمة الشيخ طويلة، ثم فتح المجال للأسئلة ـ وهي أحب إلى الطلاب في كل مكان من المحاضرات في الغالب ـ وقد أسند الشيخ إليَّ الإجابة على الأسئلة، وكانت تحتاج إلى تفصيل طويل جداً وحاولت قدر الاستطاعة الاختصار.

من تلك الأسئلة:

كيف هي انطباعاتكم عن البلدان التي زرتموها في هذه الجولة؟ وقد أجبناهم بأمرين عامين، كل أمر يتكون من فروع:

الأمر الأول: ما سَرَّنا في هذه البلدان، سواء ما تعلق بالمسلمين أو بأوضاع البلدان ونظمها.
الأمر الثاني: ما ساءنا، سواء ما يتعلق بالمسلمين أو بأوضاع البلدان ونظمها كذلك.

ومنها: نبذة عن محمد بن عبد الوهاب وموقفه من التصوّف، والتمذهب الفقهي وتكفير الناس وغير

ذلك، وكان هذا السؤال أكثر الأسئلة تفصيلاً، حيث حصل الحديث عن حالة البلاد العربية والجزيرة منها بالذات قبل مجيء محمد بن عبدالوهاب، وكذلك أحوال بلدان المسلمين في ذلك الوقت بصفة عامة، و الأسس التي ارتكزت عليها دعوة محمد بن عبد الوهاب، ومراجعه ووسائله في ذلك، سواء كانت تعليماً أو كتابةً أو وعظاً أو إرشاداً أو جهاداً، وبيان أن من أهم ما وطد لدعوته استجابة الأمير السعودي الأول لها ومناصرتها، كما حصل الحديث عن الشبهات التي يوردها أعداؤه عليه، مثل التكفير وكراهة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم صلاته عليه، وبين للحاضرين زيف كل ذلك، ومصادر ذلك الزيف هي الفرق الضالة كالصوفية الغالية والشيعة، والاستعمار الغربي من ورائها.

والذي ظهر أن الأجوبة كانت مقنعة، فقد سئل الذي وجه السؤال: هل اقتنعت؟ فقال: نعم، وبدا على الجميع السرور.

وأريد هنا أن أسجل تقصير تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذين استفادوا من كتبه ودعوته، فإنهم لم يوفوه حقه في ترجمة كتبه إلى اللغات المختلفة، كما لم يختاروا كتباً تحدثت عنه وترجمت له ويترجموها كذلك إلى اللغات المختلفة وينشروها في العالم، ليعلم المسلمون زيف من تحامل على الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وزعم أنه يكفر المسلمين ويكره الرسول صلى الله عليه وسلم، أو لا يصلي عليه، أو أنه يكره الأئمة الأربعة، وما أشبه ذلك. فإن كثيراً من العلماء والمستعمرين وأذنابهم، قد شوهوا سمعة هذا الشيخ تشويهاً ماكراً ونشروا ذلك بلغات مختلفة، وكثير من الناس يطلع على تلك الكتب وفيها ذلك التشويش، ولا يرى شيئاً من الكتب التي تبين الحقيقة بلغته، والروافض الآن يشنون حملة شعواء على محمد بن عبدالوهاب وكتبه، وينشرون عنه من التهم الكاذبة والتزوير ما يجب أن يتصدى له تلاميذ محمد بن عبد الوهاب بكل لغات العالم، وبعد نقاش طويل في موضوعات أخرى عدنا إلى الفندق ورتبنا حقائبنا استعدادا للسفر إلى مدينة برزبن.

الجمعة 28/10/1404ه.

جولة حول مدينة هوبرت:

وفي الساعة التاسعة جاء إلينا الشيخ عبد الرحمن عبد الفتاح، حيث حاسبنا موظفي الفندق واستأجرنا سيارة من سيارات الفندق، لنأخذ جولة في المدينة على أطرافها المطلة على البحر الذي يفصل بين أجزائها وتمتد عليه الجسور لعبور السكان من طرف إلى آخر، وكذلك عن طريق الناقلات البحرية الصغيرة، ومن تلك الجسور كوبري تسمانيا الذي ذكروا أنه يرتفع عن سطح الماء 496 قدماً، وكان الشيخ عمر يرى أنه أقل من هذا المقدار، وبعد جولة طويلة رجعنا إلى المركز الإسلامي لأداء صلاة الجمعة.

وقد التقينا طالباً عراقياً يسمى: مؤيد صديق عبد الرحمن، وهو شاب مثقف معلوماته الإسلامية الفكرية
جيدة، ولغته الإنجليزية منطلقة، وله في أستراليا سنتان، يحضر الدكتوراه في جامعة تسمانيا وكانت ترجمته طيبة جداً حتى تمنينا أن يكون هو الذي تولى الترجمة في الليلة الماضية.

وقال الأخ مؤيد: إننا في حاجة إلى بعث كتب إسلامية ومجلات من البلدان العربية، وبخاصة المملكة العربية السعودية والكويت وبعض دول الخليج. ونص على مجلات: المجتمع الكويتية والإصلاح والأمة والبلاغ وأعطانا عنوانه لنحاول الاتصال بالمسؤولين عن تلك المجلات لبعثها إليهم.

ومن الطلاب الذين التقينا هم الأخ: أحمد عوض عبد التام السوداني، الذي يدرس الكمبيوتر، وقد تزوج فتاة أسترالية التقاها في مصر كانت تدرس في كلية البنات الإسلامية ولم تكمل دراستها، قال: إنها مشتاقة إلى فهم الدين واللغة العربية.

صلاة الجمعة والاجتماع بالطلاب:

وبعد صلاة الجمعة طلب مني الطلبة الماليزيون وغيرهم أن أجلس معهم في المسجد للرد على بعض أسئلتهم، وكان أغلبها يدور حول ما تبثه إيران من شبهات ومن انتقادات لسياسات الدول العربية، وكان كثير من التحليلات السياسية مغالطة واضحة، وقد بينا لهم كذب كثير تلك المغالطات وأكثر ما ينسبونه إلى غيرهم متصفون به، واستغرقت الجلسة مع هؤلاء الطلاب الوقت الكائن بين صلاة الجمعة وصلاة العصر، ثم تناولنا طعام الغداء في منزل الشيخ عبد الرحمن، وهو ساكن في الدور العلوي من المركز والمسجد في الدور الأرضي.

وفي الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة عشرة خرجنا من المركز إلى المطار، سلمنا حقائبنا للموظفين وأخذنا بطاقات صعود الطائرة، وكنا نظن أن سفرنا سيكون رأساً من مطار هوبرت إلى مطار برزبن، ولكن عندما تسلمنا بطاقات العفش قال الموظف للشيخ عبد الرحمن: إنهم سيستلمون عفشهم في برزبن، أما هم فإنهم سينزلون في مطار مالبورن، وينتقلون إلى طائرة أخرى، ثم في مطار سدني سينتقلون إلى طائرة أخرى أيضاً، وهي التي توصلهم إلى مطار برزبن.

قلت للأخ عبد الرحمن: كيف نعمل في هذه التغييرات ونحن لا نستطيع التفاهم باللغة الإنجليزية؟ فسأل الموظف عبد الرحمن عما قلتُ؟ فقال ـ على سبيل ـ المزاح: اتبع الناس فإذا وجدت نفسك في مطار أدلايد، فارجع إلينا مرة أخرى، وأدلايد في غرب مالبورن، وبرزبن في الشمال الشرقي لسدني، فإذا ذهبت مع الناس إلى أدلايد كان بيت الشعر منطبقاً عليّ:

سارت مشرقةً وسرت مغرباً شتان بين مشرقٍ ومغرِّبِ

ولبرزبن هذه قصة معنا، فقد كان لفظها أول ما سمعناه ثقيلاً على سمعنا وعلى ألسنتنا، فكانت عندنا كناية عن الشيء الصعب، لذلك كان الشيخ إذا رأى شيئاً فيه صعوبة كنى عنه بهذه الكلمة "برزبن" والناس لا يعرفون إلا أنها اسم للمدينة، فقلت له ونحن نصعد إلى الطائرة: لقد بدأت برزبن معنا ونحن في أول السفر إليها ولكن الله هو الميسر.

بعث قطعة الجليد في البريد!

وقد كانت النكات ظريفة في مسيرنا من المركز إلى المطار، حيث كان قائد السيارة الأخ السوداني أحمد عوض عبد التام، ويرافقنا الإمام عبد الرحمن عبد الفتاح. قال الأخ عبد الرحمن: سأبعث لكم الصورة التي أخذتها لكم على جبل "ولنجتون" وفيها قطعة من الجليد التي كانت على رأس الأهدل، ولكن جو المملكة حار وأخشى أن تذوب تلك القطعة (وهو يقصد صورتها) قلت له: ابعث بها في أيام الشتاء.

قال الشيخ عمر: ابعث بها إليَّ، لأن عنواني واضح، قلت له: يا شيخ عنواننا واحد، ولكن تريد أن تخفي الصورة لما فيها من الطرافة بالنسبة لي، حيث إن صورة قطعة الجليد واضحة على رأسي، وأنت على رأسك الطاقية، وهي معلومة عند أبنائك. وعندما صعدنا إلى الطائرة ودعنا الأخوان الكريمان: الشيخ عبد الرحمن والأخ أحمد عوض.





السابق

الفهرس

التالي


14217386

عداد الصفحات العام

15

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م