﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(014)تزكية النفس الربانية تابع للقاعدة السادسة

(014)تزكية النفس الربانية تابع للقاعدة السادسة

وسيلة إحضار المسلم قلبه عند الذكر ؟

إن المسلم عندما يعبد الله تعالى بأي عبادة، من صلاة وحج، وصيام، وأداء زكاة، وذكر مطلق أو مقيد، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وغير ذلك من طاعة الله، لا بد أن يحضر قلبه، وينوي بقلبه تلك العبادة له سبحانه، مخلصا فيها له سبحانه، وإذا لم ينوها، لا تصح عبادته، ودل على ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولهذا جعل الله تعالى الناس قسمين: قسم يريد بعمله ثواب الآخرة، وقسم يريد حطام الدنيا فقط.

فالقسم الأول يعطيه تعالى ثواب ما أراد، وهو الجنة يوم القيامة، والقسم الثاني يعطيه من حطام الدنيا، ما يريده هو له من الرزق، مع أن رزق الدنيا، يعطيه تعالى لكل المخلوقات، ولهذا روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى، فمنْ كانَتْ هجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ، ومنْ كاَنْت هجْرَتُه لدُنْيَا يُصيبُها، أَو امرَأَةٍ يَنْكحُها فهْجْرَتُهُ إلى ما هَاجَر إليْهِ) [البخاري ومسلم].

قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: "قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة وَالْأُصُول وَغَيْرهمْ: لَفْظَة (إِنَّمَا) مَوْضُوعَة لِلْحَصْرِ، تُثْبِت الْمَذْكُور، وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ، فَتَقْدِير هَذَا الْحَدِيث: إِنَّ الْأَعْمَال تُحْسَب بِنِيَّةٍ، وَلَا تُحْسَب إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّة، وَفِيهِ: دَلِيل عَلَى أَنَّ الطَّهَارَة وَهِيَ الْوُضُوء وَالْغُسْل وَالتَّيَمُّم لَا تَصِحّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحَجّ وَالِاعْتِكَاف وَسَائِر الْعِبَادَات." انتهى.

هذه النية يكفي أن يعزم عليها المسلم في قلبه عندما يشرع في العبادة ولا ينوي قطعها، ومنها الذكر بقسميه: المطلق والمقيد، ولكنه يحتاج إلى استحضار قلبه لفهم ما يقرأ من القرآن، أو ينطق من الأذكار، لصقل قلبه وإقباله إلى ربه، وليزداد إيمانا ويقينا، ويحصل على الثواب العظيم، بسبب ذلك الإقبال، وكلما كان أكثر استحضارا لقلبه في الذكر، كان أعظم تزكية وتطهيرا له، ولهذا حث الله تعالى على تدير القرآن الكريم، فقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82)} [النساء] وقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد]

قال السيد محمد رشيد رضا رحمه الله، في المنار: "إِنَّمَا يَفْهَمُ الْقُرْآنَ وَيَتَفَقَّهُ فِيهِ مَنْ كَانَ نُصْبَ عَيْنِهِ وَوِجْهَةَ قَلْبِهِ فِي تِلَاوَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَا بَيَّنَهُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ مَوْضُوعِ تَنْزِيلِهِ، وَفَائِدَةِ تَرْتِيلِهِ، وَحِكْمَةِ تَدَبُّرِهِ، مِنْ عَلَمٍ وَنُورٍ، وَهُدًى وَرَحْمَةٍ، وَمَوْعِظَةٍ وَعِبْرَةٍ ، وَخُشُوعٍ وَخَشْيَةٍ، وَسُنَنٍ فِي الْعَالَمِ مُطَّرِدَةٍ، فَتِلْكَ غَايَةُ إِنْذَارِهِ وَتَبْشِيرِهِ، وَيَلْزَمُهَا عَقْلًا وَفِطْرَةً تَقْوَى اللهِ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}.

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ التَّدَبُّرُ: هُوَ النَّظَرُ فِي إِدْبَارِ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبِهَا، وَتَدَبُّرِ الْكَلَامِ هُوَ النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي غَايَاتِهِ وَمَقَاصِدِهِ الَّتِي يَرْمِي إِلَيْهَا، وَعَاقِبَةِ الْعَامِلِ بِهِ وَالْمُخَالِفِ لَهُ، وَالْمَعْنَى جَهِلَ هَؤُلَاءِ حَقِيقَةَ الرِّسَالَةِ، وَكُنْهَ هَذِهِ الْهِدَايَةِ.
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَعَاقِبَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا وَالْجَاحِدِينَ لَهَا، فَيَعْرِفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَأَنَّ مَا أَنْذَرَ بِهِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاقِعٌ بِهِمْ، لِأَنَّهُ كَمَا صَدَقَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَمَّا يُبَيِّتُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَمَا يُثْنُونَ عَلَيْهِ صُدُورَهُمْ، وَيَطْوُونَ عَلَيْهِ سَرَائِرَهُمْ، يَصْدُقُ كَذَلِكَ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ سُوءِ مَصِيرِهِمْ، وَكَوْنِ الْعَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ الصَّادِقِينَ، وَالْخِزْيِ وَالسُّوءِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ.

بَلْ لَوْ تَدَبَّرُوهُ حَقَّ التَّدَبُّرِ لَعَلِمُوا أَنَّهُ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَالرُّشْدِ، وَأَنَّ عَاقِبَةَ ذَلِكَ لَا تَكُونُ إِلَّا الْفَوْزَ وَالْفَلَاحَ، وَالصَّلَاحَ وَالْإِصْلَاحَ، فَإِذَا كَانُوا لِاسْتِحْوَاذِ الْبَاطِلِ وَالْغَيِّ عَلَيْهِمْ لَا يُدْرِكُونَ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا أَيْ : لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيِّ لَا مِنْ عِنْدِ اللهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ بِهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ." انتهى كلامه.

والذين يقرؤون القرآن بدون تدبر له ولا فهم لمعانيه، فهما يجعلهم يعملون بما أمرهم الله به، ويتركون ما نهاهم عنه، زاعمين أنهم يريدون بمجرد تلك القراءة الثواب، ولم يبذلوا وسعهم في تدبره، حسب طاقتهم، أو يطلبوا تعلمه على أيدي أهله الذين يمكنهم الاستفادة منهم، إذا لم يكونوا قادرين على فهم شيئ منه، مع قراءتهم له، لإطباق الجهل عليهم، فهل سينالون ثوابا على مجرد القراءة؟

قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: "وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن، فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه، فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو; فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو، فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟ وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه! فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا!"

فلا بد من المجاهدة في تدبر معاني كتاب الله، وفي استحضار القلب عند ذكر الله تعالى، فإنه إذا جاهد المسلم نفسه في ذات الله، في أي طاعة من طاعات الله، ومنها إحضار قلبه عند ذكره في أي وقت، فإنه تعالى هو مولاه يعينه على ذلك وينصره، كما قال عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} إلى قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} [الحج]

وهذه المجاهدة شاملة لمجاهدة النفس وهواها،‏ ومجاهدة الكفار للدفاع عن أرض المسلمين، ولقتال أئمة الكفر الذين يمنعون أتباعهم عن سماع بيان هذا الدين ودعوته، وليس لإجبارهم على الدخول فيه، قال الزمخشري، رحمه الله: {وجاهدوا ‏}‏ "أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر‏.‏ " انتهى.




السابق

الفهرس

التالي


16485140

عداد الصفحات العام

529

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م