{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(010)سافر معي في المشارق والمغارب

(010)سافر معي في المشارق والمغارب

أزمة مطار محمد الخامس

وقفنا ما يقارب نصف الساعة، ولا يوجد مقعد يستطيع الإنسان أن يريح رجليه بالجلوس عليه قليلاً، فإذا أرجلنا تشكو إلى ربها حالها، وإذا رجل الأمن يركض إلينا قائلاً: قفوا مكانكم وسنرد لكم الجواب قريباً، وبعد قليل جاء بوجه يبشر بخير، وأشار إلينا من بُعْدٍ: أن هلموا، فذهبنا إلى باب الدخول فختموا جوازاينا، ودخلنا إلى مكتب الدرجة الأولى، وفيه مقاعد مريحة، ويتبعه حمام خاص، والمطعم بجانبه فقال الشيخ فرجها الله "يا أبو" - برفع والد الأسماء الخمسة اعتباطاً - عبد البر!

وقعدنا نعد الدقائق وهي تمضي - كما قال الشيخ - ولكن ليست بسرعة، وإنما كانت الدقيقة بساعة، والإنسان خلق من عجل، وكان النعاس يعدو علينا، فإذا اهتز الرأس ولى مدبراً وعقب! ووجد – النعاس - من الشيخ رخاوة فلاطفه حتى تمكن منه فأصبح نوماً بدلاً من النعاس.

وهذه عادة الشيخ، إذا أراد النوم شرب كوباً أو كوبين من الشاي، وربما قرنه بالقهوة وكيَّف، وأسلم نفسه لله سواء كان مضطجعاً على سرير مريح، أو في الأرض على عمامته، أو قاعداً في سيارة أو طيارة، أو على مقعد في وسط الزحام كما هو الحال في هذا اليوم.

وحان وقت العصر فصلينا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، وأخذنا نسلي أنفسنا نمشي نازلين إلى القاعة السفلى، صاعدين إلى مقرنا، وأصبح المطار فارغاً لا يوجد فيه إلا القليل من موظفي الخطوط ورجال الأمن.

استمر بنا الحال كلما مضت ساعة فرحنا بإدبارها، واستعجلنا مُضِيَّ التي تليها حتى جاء الوقت الذي أذنوا للناس فيه بالدخول، وإذا قاعات المطار تزدحم، ووفد إلينا بعض ركاب الدرجة الأولى والعائلات وظننا بعضهم من رفاقنا، ولكنهم سرعان ما يفارقوننا عندما ينادى بأنه قد حان وقت الرحلة رقم كذا.. ونقول في نفوسنا، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم اللاحقون!

أزمة المطار الثانية!!

ودنا وقت السفر المقرر: الثانية والنصف بعد منتصف الليل، فإذا المسؤولون في المطار يعلنون: إن وقت الإقلاع تغير إلى الساعة الثالثة والدقيقة العاشرة، وزاد اكتئاب الناس، ولكن لا بد من الصبر وتأخر نصف ساعة لا يضر، بل وساعة.

أزمة المطار الثالثة!!!

ولكن أعلنوا بعد ذلك أن الوقت قد تغير إلى الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الخميس!!! فهاج الناس وماجوا، وعددهم كثير، منهم حجاج مغاربة، وهم أكثر الركاب، وتعب أهل العوائل والأطفال.

وقلت للشيخ: لماذا لا نذهب إلى مدير المطار ونكلمه؟ هل يصح أن نبقى ساكتين بعد هذا كله والناس قد ضجروا وبخاصة العوائل والأطفال؟ فقال: إن الصبر طيب، والوقت يمضي وإن شاء الله تسير الأمور على خير، ولكني ألححت عليه وقلت: ائذن لي أن أذهب أنا لأكلمه؟ فقال في هدوء: إن شئت فاذهب. فعرفت أنه لا يريد ذلك، فقلت: أمرنا لله!

يا لطيف... يا لطيف... يالطيف!
وبعد قليل دوت قاعة انتظار المسافرين بالهتاف والتصفيق: أما الهتاف فكان: (يَا لطيف. يا لَطيف. يا لطِيف. يا لطيفْ.) وهو صوت حبيب إلى النفس، لأن اللطيف هو الله، ونداؤه به فيه ثلاث فوائد:

الفائدة الأولى: دعاؤه تعالى لأنه هو الذي يلطف بعباده وييسر أمورهم.
الفائدة الثانية: إشعار المسؤولين أن الناس في حاجة إلى الشفقة والرحمة، لأن صبر كثير منهم قد نفد، وبعضهم قد نزل به حرج ومشقة.

الفائدة الثالثة: إظهار الاحتجاج بكلمة محببة إلى النفس خير مما يفعله المتظاهرون الذين يتفوهون بألفاظ بذيئة. وكان نطق المغاربة بكلمة: لطيف، لطيفاً، فإنهم يفخمون اللام ويثبتون بعدها مَدَّة خفيفة جداً، وكانوا هم الذين بدءوا الهتاف وتابعهم كل الركاب تقريباً.

وأما التصفيق فكان عيباً أن يصدر من حاج إلى بيت الله، ثم هو من عادة النساء، وليس من عادة

الرجال في شرعنا، فهو أقرب إلى الاستهزاء والسخرية من الاحتجاج أو الإعجاب، وإن كان قد أصبح في عرف الناس دالاً على الإعجاب والتأييد، أو الاحتجاج والتنديد، ثم إن خلطه بدعاء الله باسم اللطيف غير لائق. واستمر ذلك الاحتجاج ما يقارب خمس دقائق، وكان بعض المسؤولين في المطار يطل على المحتجين من بعد وينظر، ثم يعود أدراجه.

وبهذا يظهر للقارئ أن زيارتنا للمغرب صادفت بعض المشقات، مع العلم أن الهدف منها - كما اتفقنا أنا وصاحبي - أن نأخذ راحتنا، ونكتب تقرير رحلتنا هذه في هدوء واطمئنان، ولكن قدر الله وما شاء فعل...

وصدق الوعد الثالث!

وبعد أن مضت علينا في مطار محمد الخامس خمس وعشرون ساعة تقريباً، أعلن أن طائرتين ستتحركان إلى جدة، وكان هذا الإعلان صحيحاً، فقد أقلعت الطائرة التي كنا فيها في الساعة الثالثة بعد الظهر، بتوقيت المغرب الخامسة بتوقيت المملكة العربية السعودية.

ثمانية لا بد منها على الفتى!
من طبيعة الإنسان استعجال ما يرغب فيه والسرور بحصوله، وكراهة ما لا يريده والحزن من حدوثه، والأمور دول: مرة سرور، ومرة حزن....
ولقد جمع أحد الشعراء الأمور التي لا يخلو الإنسان منها في حياته، فقال:

ثمانية لا بد منها على الفتى،،،،،،،،،،،،،،،ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة،،،،،،،،،،،،،،،وعسر ويسر ثم سقم وعافية

وفقد الإنسان الصبر يورثه الهم الذي سرعان ما يزول بتبدل الأحوال، ولقد ضاقت صدور الركاب في
الساعات الماضية، ثم انقضت كأنها لم تكن.

ولهذا عندما أقلتنا الطائرة وأقلعت بنا من مطار محمد الخامس، بدأ الغضب يذهب، وبدأ مضيفو الطائرة يسلون الركاب بالمرطبات والشاي والقهوة، ثم أنواع طعام الغداء، يؤكل هذا النوع، فيقدم نوع آخر.
وهكذا أراد قائد الطائرة أن يشارك في التسلية، فكان كلما مر ببلد أعلن للناس أننا الآن فوق بلد كذا: فاس، مكناس، الحدود الجزائرية. العاصمة الجزائرية، طرابلس، أسيوط، الأقصر، وهكذا... حتى أعلن المضيف عن اقتراب الهبوط في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة.

وهبطت الطائرة في مطار الملك عبد العزيز بجدة في الساعة الحادية عشرة، فكانت مدة الطيران من مطار الملك محمد الخامس إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي ست ساعات. وبنزولنا في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة اطمأنت النفوس، وبدأنا نحس بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، (إن السفر قطعة من عذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعد إلى أهله)...






السابق

الفهرس

التالي


14217258

عداد الصفحات العام

2355

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م