(0114)المبحث التاسع: نماذج يقتدي بها السائرون.
وفي هذا المبحث فرعان:
الفرع الأول: أنموذج الرسل ومن اقتدى بهم
الفرع الثاني: ذكر أمثلة لنماذج المجاهدين في عصور مختلفة:
المثال الأول: الإمام أحمد بن حنبل.
المثال الثاني: العز بن عبد السلام.
المثال الثالث: شيخ الإسلام ابن تيمية.
المثال الرابع: الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
المثال الخامس: الشيخ حسن البنا.
المثال السادس: الأستاذ أبو الأعلى المودودي.
المثال السابع: الأستاذ سيد قطب.
(العصر الإسلامي الأول)
الفرع الأول: أنموذج الرسل ومن اقتدى بهم
إن المجاهدين في سبيل الله يحتاجون دائما إلى أئمة يعلمونهم ويربونهم ويرون فيهم العمل بما يعلمونهم ويربونهم عليه ويقتدون في تعليمهم وتربيتهم وفي بلائهم في سبيل الله، وإن النماذج التي سارت في درب الجهاد على مر التاريخ مضيئة ذلك الدرب لمن يخلفهم فيه، كثيرون..
وعلى رأس هولاء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم كلهم أئمة لنماذج السائرين بهم يقتدي كل سائر ويهتدي كل حائر، ولقد أمر الله عز وجل رسوله صَلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر كبارهم أن يقتدي بهداهم.
وتأمل ما ذكره الله عن أبي الأنبياء الثاني "إبراهيم"وابنه "إسماعيل" عليهما السلام، وهما يجددان أول بيت وضع في الأرض -لتعبده أجيال من أهل الإيمان فيه- من دعائهما ربهما أن يتقبل منهما ما يقومان به من عبادته، ويتمان دعاءهما بأن يمنحهما الله تعالى الثبات على إسلامهما له، وتوريث من يخلفهما من ذريتهما ذلك الإسلام العظيم، وأن يبين لهما مناسكهما ويتوب عليهما.
ثم دعوا ربهما أن يمد تلك الذرية "الأمة المسلمة" التي تخلفهما بالقدوة الحسنة الذي ينزل عليه عز وجل الكتاب الهادي، ليتمكن به من القيام بوظيفته من تلاوة آياته عليهم وتعليمهم ما اشتمل عليه من الفقه في دينهم الذي يهديهم إلى صراط الله المستقيم، وما فيه من الحكم والأسرار، وتزكية نفوسهم وتطهير قلوبهم، وهذا القدوة هو محمد رسول الله صَلى الله عليه وسلم، ويدل عليه أمران:
الأمر الأول: الأول أن إبراهيم وابنه إسماعيل، قاما بهذا الدعاء في غابر التاريخ الطويل، وذكر الله له تعالى في آخر الكتب السماوية الذي أنزل على آخر رسول ختم به رسله، وهو محمد صلى الله عليه وسلّم، يدل أنه معني بهذا الدعاء.
الأمر الثاني: أن الله تعالى ذكر امتنانه بهذا الرسول الكريم على الأمة التي أرسله إليها، واصفا له بالأوصاف التي دعا بها إبراهيم وابنه إسماعيل من البعث، وتلاوة الكتاب، والتعليم، كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) (164)} [آل عمران]
وقال تعالى في موضع آخر: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2)}[الجمعة]
الأمر الثالث: ما جاء في السنة دالا على أنه صلّى الله عليه وسلم، هو المراد، بدعاء إبراهيم كما في حديث أبي أمامة رضي الله عنْه، أن بعض الصحابة قالوا: "يا رسولَ اللهِ أخْبِرْنا عن نفسِكَ، قال:) دعوةُ أبي إبراهيمَ وبُشرَى عيسَى، ورأت أُمِّي حينَ حَمَلَتْ بي كأنَّهُ خرجَ منها نورٌ أضاءَتْ لهُ قصورُ بُصرَى مِن أرضِ الشَّامِ) [قال في موسوعة الحديث: "الراوي: أصحاب النبي صلّى الله عليه سلم، المحدث ابن كثير المصدرتفسير القرآن، الصفحة أو الرقم: 8/136 خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد]
وعندما ذكر الله تعالى إبراهيم وحجته التي آتاه إياها، وذكر بعض ذريته من الأنبياء، بين أنه هداهم إلى صراط مستقيم، ثم ذكر تعالى في آخر الآيات أن الله هداهم وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، أن يقتدي بهم، فقال تعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا.. إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام:83-90].
وجهادهم في سبيل الله وبلاؤهم فيه، يظهر فيما قصه الله في كتابه عنهم وعن أممهم وعداوة قومهم وإيذائهم وصبرهم عليهم، في كثير من سور القرآن الكريم، لا سيما الأعراف ويونس وهود وطه والأنبياء والشعراء والقصص وغيرها.
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يقتدوا بنبيهم صَلى الله عليه وسلم، كما أمره أن يقتدي بالأنبياء قبله. كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. وكان ذلك في سياق قصة الأحزاب الذين ابتلى الله بهم رسوله صَلى الله عليه وسلم وأصحابه. وما نال رسول الله صَلى الله عليه وسلم من الابتلاء من قومه، أمر غير خاف على من علم سيرته صَلى الله عليه وسلم، فهو المنارة العليا لمن أراد الاقتداء به في السير في طريقه والصبر على البلاء.
وأصحاب الأنبياء الأصفياء كذلك يعدون نماذج لاقتداء السائرين بهم. كما قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146].
و الفئة القليلة من قوم طالوت ابتلوا فكانوا قدوة للسائرين..{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:249-251].
وهؤلاء سحرة فرعون الذين أرادوا الانتصار له على موسى بسحرهم فلما خالط الإيمان قلوبهم ابتلوا فكانوا مصابيح هدى لكل سائر في الطريق المستقيم..
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (طـه:70-73].
وأولئك أصحاب الأخدود الذين رأوا ذلك الغلام المؤمن يسير إلى ربه، هادياً لأمته ضارباً مثالاً رائعاً ونموذجاً نادراً في التضحية والفداء من أجل نشر دينه، فكانوا هم أيضاً أنموذجاً لمن وراءهم، إذ خدت لهم الأخاديد وأضرمت فيها النيران وطلب منهم الرجوع عن دينهم أو الدخول في تلك الأخاديد..فاقتحموا النار تأكل أجسادهم، وبقي الإيمان في قلوبهم يطفئ ذلك اللهب ويسوقهم إلى الفردوس، فكان ذلك كما ذكر الله فوزاً عظيما، كما قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:1-11، وراجع تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/498)].
وهكذا أنار أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان من أمته، دروب السائرين إلى الله، فلا ينظر السائر في دربهم في أي عصر من العصور، إلا وجد معالم مضيئة فيه، ونماذج قد سبقته إلى ربه سبحانه وتعالى، تدعوه إلى مواصلة السير والصبر على البلاء الذي تكون عاقبته عز الإسلام ونصر المسلمين.
قصة أبي بكر رضيَ الله عنه,
اقرأ قصة أبي بكر، وهو يأبى إلا أن يعلن كلمة الله بين مردة الكفر، ومعه فئة قليلة من المسلمين، وكيف انهال أعداء الله عليه وعلى رفاقه، ثم انظر إلى حرصه على أن يرى رسول الله صَلى الله عليه وسلم ليطمئن عليه.. بعد أن سقط مغمى عليه، فلما أفاق رفض الطعام والشراب وسأل عن حبيبه رسول الله صَلى الله عليه وسلم..
قالت عائشة رَضي الله عنه: "لما اجتمع أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، ألح أبو بكر على رسول الله صَلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: (يا أبا بكر إنا قليل) فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صَلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صَلى الله عليه وسلم جالس..
فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسول الله صَلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضرباً شديداً ووُطِئ أبو بكر وضرب ضربا شديداً..
ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاء بنو تيم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون في موته..
ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد، وقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب فتكلم آخر النهار.. فقال: ما فعل رسول الله؟ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه: أم الخير انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه.
فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله؟ فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه..
فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، فقالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك، قالت: نعم..
فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح، وقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم.
قال: ما فعل رسول الله؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله عليَّ ألا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صَلى الله عليه وسلم..
فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجْلُ وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صَلى الله عليه وسلم، قال: فأكب عليه رسول الله صَلى الله عليه وسلم فقبله، وأكب عليه المسلمون ورق له رسول الله صَلى الله عليه وسلم رقة شديدة..
فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي بأس إلا ما ناله الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال فدعا لها رسول الله صَلى الله عليه وسلم، ودعاها إلى الله فأسلمت، وأقاموا مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم في الدار شهراً، وهم تسعة وثلاثون رجلاً، وقد كان حمزة بن عبد المطلب رضِي الله عنه أسلم يوم ضرب أبو بكر رَضي الله عنه" [حياة الصحابة (1/412) الطبعة الأولى].
قصة عمر رضِي الله عنه
واقتدى بأبي بكر عمر رضِي الله عنه، فقد أعلن التوحيد بين طغاة الشرك، ونال ما نال من الأذى وصمد كالجبل الأشم أمام جيش الكفار، كما روى ذلك ابنه عبدالله.. قال: "لما أسلم عمر رضِي الله عنه قال: أيُّ قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه، قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل – وأنا غلام أعقل كل ما رأيت – حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد؟ قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعته أنا، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.. قال: يقول عمر خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت وشهدت ألا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، قال: وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا، قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى، حتى وقف عليهم فقال ما شأنكم؟
فقالوا: صبأ عمر، قال: فمه رجل اختار لنفسه أمراً، فماذا تريدون أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خلوا عن الرجل قال فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه.. قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟ قال ذاك – أي بني – العاص بن وائل السهمي". [حياة الصحابة (1/420) الطبعة الأولى].
قصة عثمان رضِي الله عنه
واقتدى بهما عثمان رضِي الله عنه ، الذي أوثق رباطا وأريد إكراهه على ترك دين الله والرجوع إلى دين آبائه، فصبر على البلاء وبقي على دين الله، فقد: أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية، فأوثقه رباطاً، وقال أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلك أبداً حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين، فقال عثمان: والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه، فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه" [حياة الصحابة (1/422) الطبعة الأولى].
ويبتلى أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم فيصبرون، ويتفاوتون في الصبر ويبلغ بلال رضِي الله عنه القمة.. كما روى ابن مسعود رضِي الله عنه قال: "أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صَلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وسمية وصهيب وبلال والمقداد رضِي الله عنه، فأما رسول الله صَلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه..
وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا، إلا بلالاً، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: (أَحد أحد) [حياة الصحابة (1/426) الطبعة الأولى].
وكانت سمية رضِي الله عنها، وهي زوج ياسر، وأم عمار نموذجاً مضيئاً في درب السائرين فقد كانت أول شهيدة في الإسلام: {حيث طعنها أبو جهل لعنه الله بحربة في قبلها حتى ماتت}.[راجع البداية والنهاية لابن كثير (3/59)].
ومضى سياق قصة أبي ذر الغفاري الذي يعد من نماذج السائرين في درب الإيمان. [ص: البخاري 8361 فتح الباري].
كما مضت قصة أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم الذين أبلوا في غزوة أحد، وأمرهم أن يخرجوا لمطاردة عدوهم وصديد جراحهم يسيل، فلبوا النداء وخرجوا وأعداء الله يحاولون تخويفهم، فلم ينل ذلك التخويف منهم شيئاً حتى وصلوا إلى حمراء الأسد. [ص: البداية والنهاية (4/48)]. وكذا قصة خبيب. [سبقت في هذا الجزء].
|
|