يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(0122)الباب الثالث إعادة روح الجهاد إلى المسلمين

(0122)الباب الثالث إعادة روح الجهاد إلى المسلمين


وفيه تمهيد و فصلان:

الفصل الأول: الاقتداء بالرسول في دعوته إلى الله.

الفصل الثاني: السعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية بالأساليب المشروعة


تمهيد


لقد ابتعد المسلمون عن صراط الله المستقيم ابتعاداً ينذر بالخطر الداهم، الذي لم يكن ما أصاب المسلمين من مصائب وما نزل بهم من شقاء في العصور المتأخرة ولا سيما هذا العصر- إلا جزءً يسيراً منه.



وابتعاد المسلمين عن صراط الله المستقيم، يوجب على الدعاة إلى الله أن يجاهدوا جهاداً متواصلاً لرد المسلمين إلى ذلك الصراط، فإذا عادوا إليه عادت إليهم الروح الجهادية التي لا عز لهم إلا بها.


الفصل الأول: الاقتداء بالرسول في دعوته

وفيه ستة مباحث:


المبحث الأول: تقوية الإيمان في النفوس


المبحث الثاني: تبليغ الإسلام للعالم.


المبحث الثالث:إعداد جيل يتحمل تكاليف الدعوة

المبحث الرابع: تعميق معنى الولاء والبراء


المبحث الخامس: بث العزة في نفوس المسلمين.


المبحث السادس: التحذير من الترف والاسترخاء.

المبحث الأول: تقوية الإيمان في النفوس


إن السنة التي سار عليها الأنبياء والرسل في دعوة الأمم، هي البدء بالدعوة إلى الإيمان وغرسه في النفوس وتوطيد العقيدة الإسلامية في القلوب، وهذا واضح في قصص الرسل في القرآن الكريم، وأول صفات المتقين الإيمان بالغيب.



ولقد جاهد الرسول صَلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة في الدعوة إلى هذا الأصل: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.. وما كلفه الله أن يدعو الناس إلى غير ذلك من أحكام الإسلام الأخرى، إلا ما يقوي ذلك الأصل بالنسبة لمن دخل في دين الله، كإقام الصلاة - مثلاً – وما لا بد منه من مكارم الأخلاق، والنهي عن سيئها...وهذه الطريق وحدها هي طريق الدعوة الناجحة وإن طالت، وإن أي طريق سوى هذه الطريق، ليست بطريق الدعوة إلى الله، وليست بمؤدية إلى صلاح البشرية المأمول، ولو كانت هنالك طريق غيرها أفضل منها لما اقتصر الرسول صَلى الله عليه وسلم نفسه - وكذا الرسل قبله - على هذه الطريق.



وقد كانت دواعي سلوك طريق أخرى موجودة، إذ كان المجتمع الجاهلي يرتكس في كل أنواع الفساد، الخلقي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري، فلم يجعل الرسول صَلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك أساس همه في الدعوة والتبليغ، وإنما جعل أساس همه في الدعوة إلى أصل الإسلام وقاعدة قواعده: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" صَلى الله عليه وسلم.



وقد علم الله تعالى أن قيادة البشر إلى السعادة والخير والصلاح، لا تكون بغير هذا الأصل، وأن هذا الأصل وحده هو الذي ييسر سبيل قيادة الناس إلى السعادة والخير والصلاح.





والواقع شاهد على ذلك فإن كل دعوة انطلقت من غير هذا الأصل لم يكتب لها البقاء، بل لم يكتب لها إلا الزوال أو الشقاء والفساد.





قال سيد قطب رحمه الله: "ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله صَلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً كاملة، يحدثه فيها عن قضية واحدة لا تتغير، ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر... لقد كان يعالج القضية الأولى والقضية الكبرى، والقضية الأساسية، في هذا الدين الجديد قضية العقيدة، ممثلة في قاعدتها الرئيسية: الألوهية والعبودية وما بينهما من علاقة. ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء مما يقوم عليها من التفريعات المتعلقة بنظام الحياة، إلا بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما تستحقه من البيان، وأنها استقرت استقراراً متيناً ثابتاً في قلوب العصبة المختارة من بني الإنسان التي قدر الله أن يقوم هذا الدين عليها، وأن تتولى هي إنشاء النظام الواقعي الذي يتمثل فيه هذا الدين" [معالم في الطريق من20ـ21].



وإذا ثبت هذا الأصل في نفس الفرد أو في نفوس الجماعة، كان جديراً باستجابةِ مَن استقر في قلبه لدعوة الحق وتطبيق كل ما فيه صلاحه وصلاح الخلق كلهم، من خلق فاضل وإيثار، وطهارة قلب وثبات وشجاعة، وغير ذلك من خصال الخير، والبعد عن كل فساد وشر.



وهذا هو السر الذي جعل الجيل الإسلامي الأول يستسلم استسلاماً كاملاً لأوامر الله ورسوله، وتطبيق أحكامه في المنشط والمكره حتى زكت نفوسهم وطهرت قلوبهم ورفعوا علم الجهاد مستبسلين في سبيل الله.. وكانوا يتمنون الشهادة في سبيل الله أشد من تمني عباد الدنيا الحياة فيها، ولقد كان الرسول صَلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا بعثهم للدعوة إلى الله ويأمرهم بالبدء بهذا الأصل.كما قال لمعاذ بن جبل رَضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله.. الحديث) [اللؤلؤ والمرجان في ما اتفق عليه الشيخان (1/5)، طبع الكويت] وهكذا كانوا يبدأون بالدعوة إلى هذا الأصل قبل قتالهم الكفار. [راجع صحيح مسلم (3/1356) وما بعدها..].



وهذا هو السبيل الذي يجب أن يسلكه الدعاة إلى الله: البدء بالدعوة إلى هذا الأصل وغرسه في نفوس الناس، وإلا فإن الجهود تذهب دون جدوى وإذا ظهرت لها جدوى بادئ ذي بدء فإن ذلك لا يدوم. وبهذا الأساس بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه: "الأصول الثلاثة" حيث قال: "اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:



الأولى: العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة"



و قال سيد قطب رحمه الله: "كذلك ينبغي أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية، أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة - حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين وتشهد شهادات الميلاد بأنهم مسلمون - يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو أولاً إقرار عقيدة (لا إله إلا الله) بمدلولها الحقيقي وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله... ولتكن هذه القضية هي أساس دعوة الناس إلى الإسلام كما كانت هي أساس دعوتهم إلى الإسلام أول مرة.. هذه الدعوة التي تكفل بها القرآن المكي طوال ثلاثة عشر عاماً كاملة". [معالم في الطريق ص24ـ35].



وقال المودودي رحمه الله: "فأول وأهم ما أمر النبي صَلى الله عليه وسلم أن نؤمن به هو : (لا إله إلا الله) وهذه الكلمة هي التي يقوم عليها بناء الإسلام، وهي التي تميز المسلم من الكافر والمشرك والملحد وهي التي تحدث الفرق العظيم بين الإنسان المؤمن بها والإنسان المعرض عنها.. فالذين يؤمنون بها طائفة لهم الفلاح والسعادة والفوز والرقي في الدنيا والآخرة، والذين يعرضون عنها طائفة أخرى لهم الخسران والخزي والخذلان في الدنيا والآخرة". [مبادئ الإسلام طبع الإتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية ص80].



وإذا ثبت هذا الأصل في النفوس، كانت قابلة لتنفيذ أحكام الله التي يأمر بها، والبعد عما ينهى عنه سبحانه، لذلك جاء التشريع لتفاصيل الحلال والحرام والنهي عن الأمور المكروهة متأخراً، بعد الهجرة إلى المدينة ونزلت الأحكام متدرجة ولم تنزل دفعة واحدة.. وليس معنى هذا أن من آمن واستقر الإيمان في قلبه، انقطع التذكير له بالإيمان وأصبح يتلقى الأوامر والنواهي الشرعية فقط، فإنه مهما بلغ الإنسان من الإيمان لا يستغني عن التذكير به والازدياد منه.



قال محمد قطب: "ومما له دلالة بارزة في منهج التربية الإسلامية أن درس العقيدة لم ينقطع بانتهاء الفترة المكية، بل استمر حتى بعد تكون الدولة المسلمة في المدينة، وبعد رسوخ الإيمان في قلوب المؤمنين إلى حد القتال والاستشهاد في سبيل الله... كل الفرق أنه بعد أن كان الدرس الوحيد في السور المكية، صارت معه دروس أخرى في المدينة من تشريعات وتوجيهات وتنظيمات وتوعية سياسية وإعدادات لمعركة لا إله إلا الله، وأنه بعد أن كان الدرس يلقن هناك على سبيل التأسيس صار يلقن هنا على سبيل التذكير، بعد أن ترسخت قواعده هناك. ولكن استمرار تلقين الدرس للمؤمنين بعد أن آمنوا هو الأمر ذو الدلالة الهامة، لأن معناه أن هذا درس لا ينتهي أبداً مهما كانت حالة المؤمن من الإيمان، فلا بد من التذكير الدائم حتى للمؤمنين، والله هو خالق هذه الفطرة والعليم بمساربها ومسالكها وما هي في حاجة إليه لتقويمها وإصلاح ما ينحرف منها.. فإذا ظل يذكر المؤمنين بالعقيدة وهم مؤمنون، فلأنه يعلم ثقلة الأرض وجاذبيتها وحاجة الناس إلى الجهد الدائب والتذكير الدائم لموازنة ثقلتها، ولأنه يعلم أن الشياطين إنما تتلقف الغافلين". [منهج التربية الإسلامية (2/30) طبع دار الشروق].



بهذا يظهر بأن البدء بغرس الإيمان في النفوس وتقويته، هو طريق الرسول صَلى الله عليه وسلم وطريق الدعاة إلى الله تعالى، وأن ذلك أهم ما يعيد إلى المسلمين الروح الجهادية التي فقدها أكثرهم.



هذا وليعلم أن الداعي إلى الله يجب أن يراعي في ذلك ما يقتضيه الحال، فإن كان يدعو قوماً ليسوا بمسلمين، فإن عليه أن يدعوهم إلى العقيدة أولاً، كما فعل الرسول صَلى الله عليه وسلم في مكة، وكما وصى الرسول صَلى الله عليه وسلم بذلك معاذا رَضي الله عنهعندما بعثه إلى اليمن، وإن كان يدعو مسلمين فإن عليه أن يبدأ بالأهم فالأهم مما يراهم مقصرين فيه من أمور الإسلام مع التذكير بالإيمان.



وإذا رأى الداعي إلى الله انتشار ما يهدم حياة المجتمع مع الشرك، كالظلم والزنا وتطفيف المكيال والميزان، ونحوها فلينه الناس عن ذلك، كما فعل الأنبياء قبل الرسول صَلى الله عليه وسلم، وكما فعل هو كذلك مع المشركين من قريش.



وإن كانوا لا يعترفون بإله ولا دين، فإن عليه أن يجتهد في إقامة الحجج والبراهين على الإيمان بالله وغير ذلك من الإيمان بالغيب وهكذا...



ولا ينبغي أن يترك الداعي إلى الله في صفوف المسلمين الذين في إيمانهم ضعف، أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فيما يتعلق بالأحكام الشرعية من الحلال والحرام، وإن كان يجب أن تكون لتقوية إيمانهم الأولوية في دعوته.



وإذا أمرهم بواجب أو نهاهم عن فعل محرم، فإنه يجب أن يربط ذلك بالإيمان بالله حتى يكون التذكير بالله مستمراً. وما كانت تلك الروح الجهادية في نفوس أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، إلا ثمرة من ثمار قوة إيمانهم رَضي الله عنهم.





السابق

الفهرس

التالي


14434984

عداد الصفحات العام

551

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م