[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
(0127)
الجهاد في سبيل الله-المبحث السادس: التحذير من الترف والاسترخاء.
(0127)
الجهاد في سبيل الله-المبحث السادس: التحذير من الترف والاسترخاء.
الأمة المجاهدة لا تكون مترفة، والأمة المترفة لا تكون مجاهدة، فلا يجتمع ترف وجهاد، لأن الترف نعومة وراحة واسترخاء وإغراق في الشهوات والملذات، يصعب على صاحبه مفارقة ما ألفه منه، بل إنه يعيش وهو يفكر في إضافة المزيد منه ويخاف أن يحال بينه وبين ذلك الترف والنعيم.
والجهاد بذل وتضحية ومشقة، وبعد عن الملذات والشهوات ومفارقة للمحبوبات واقتحام للمكاره والعقبات.. المترف يخاف كل شيء يعكر عليه صفو ترفه، والمجاهد لا يخاف في الله لومة لائم..
المترف يتلهف للفسق والفجور والفواحش، والمجاهد يتطلع لقيادة البشر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالمترفون -غالبا-فاسقون والمجاهدون مصلحون.
ولهذا كانت سنة الله في المترفين الفاسقين تدميرهم، والتدمير قد يكون بالاستئصال بعذاب الله كما كان في الأمم الماضية، وقد يكون بإنزال البأس الذي يحول بين المترف وما كان يتمتع به من شهوات، وهو عذاب وتدمير وقد يكون أشق عليه من مفارقة ترفه بالموت.. والعقوبة تعم المترفين ومن لم يقف في وجه ترفهم.. قال تعالى:
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}
[الإسراء:16].
قال سيد قطب رحمه الله: "والمترفون في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال ويجدون الخدم ويجدون الراحة، فينعمون بالدعة وبالراحة وبالسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأعراض والحرمات.. وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم، عاثوا في الأرض فساداً ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها.. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها فتهلك وتطوي صفحتها.
والآية تقرر سنة الله هذه، فإذا قدر الله لقرية أنها هالكة، أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تُدافعْهم ولم تضرب على أيديهم، سلط الله عليها هؤلاء المترفين ففسقوا فيها فعم فيها الفسق، فتحللت وترهلت فحقت عليها سنة الله وأصابها الدمار والهلاك.. وهي المسؤولة عما يحل بها، لأنها لم تضرب على أيدي المترفين ولم تصلح من نظامها الذي يسمح بوجود المترفين، فوجود المترفين ذاته هو السبب الذي من أجله سلطهم الله عليها ففسقوا.. ولو أخذت عليهم الطريق فلم تسمح لهم بالظهور فيها، ما استحقت الهلاك وما سلط الله عليها من يفسق فيها ويفسد فيسوقها إلى الهلاك". [في ظلال القرآن
(5/2217)
].
ولقد تجلت حكمة الله تعالى في اختياره للعصبة المؤمنة ذات الشوكة، للقاء العدو في ساحة المعركة على ما بهم من قلة في العدد وضعف في العدة، مع تفوق عدوهم في ذلك كله في أول معركة فاصلة بين الإسلام والكفر.. تجلت حكمته تعالى في اختياره لهم ذلك، على تمكينهم من العِير الغنية بدون قتال ولا مشقة، منحهم سبحانه مما اختاره لهم - وكانوا حريصين على غيره كارهين له - ما لم يكن في حسبانهم من النصر والغنائم.. ولكن بكد وتعب وجهد ومشقة، ليدربهم سبحانه على الجد والإعداد للجهاد، ويجنبهم الترهل والاسترخاء والميل إلى السهل من الأمور والإخلاد إلى الأرض.. لأنهم بذلك ينصرون الحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وبهذا يترفون وينامون عن معالي الأمور.. قال تعالى:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}
[الأنفال:5-8].
ولقد كان الله تعالى قادراً أن يغني ذلك الجيل الذي حمل راية الإسلام من أول ما حمل الراية، لأنه أولى بفضل الله من غيره، ولكنه تعالى يعلم أن الخير في تدريبه على تحمل المشاق وعلى التقشف والبعد عن التنعم والترف استعداداً للبذل والتضحية والجهاد..
فقد كانوا يقاتلون أعداءهم وهم حفاة تنقب أقدامهم من الحر والحصى والشوك وتسقط أظفارهم، ولا يجدون الظهر الذي يحملهم..كما في حديث أبي موسى رضِي الله عنه، قال: "خرجنا مع النبي صَلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نتعقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا..حدث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك، قال: "ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه". [متفق عليه البخاري رقم
(4128)
فتح الباري
(8/417)
ومسلم
(3/1449)
].
وكانوا رَضي الله عنهم يجاهدون جياعا، ويأكلون أوراق الشجر..كما في حديث سعد قال: "إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ورأيتنا نغزو ومالنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاه ماله خلط، ثم أصبحت بنو سعد تعزرني على الإسلام، خبت إذن وضل سعيي". [البخاري رقم3728، فتح الباري
(7ـ83)
ومسلم
(4/2277)
].
بل لقد كانت تتشقق أشداقهم من أكل أوراق الشجر، وإذا وجد قليل من التمر لا ينال الواحد منهم، وهم في الغزو، إلا حبة تمر واحدة يقتات بها. وإذا أخطأت رجلاً منهم لا يحصل عليها إلا بشهود يثبتون أنه لم ينل تلك التمرة، حرصاً على العدل وعلى ادخار شيء لمستقبل أيام الجهاد. كما في حديث جابر – وفيه: "سرنا مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم، وكان قوت كل رجل منا في كل يوم تمرة يمصها ثم يصرها في ثوبه، وكنا نختبط بقسينا [القسي: العصي] ونأكل حتى قرحت أشداقنا. فأقسم أخطئها رجل منا يوماً فانطلقنا به ننعشه، فشهدنا أنه لم يعطها فأعطيها فقام فأخذها". [مسلم
(4/2306)
].
وجعل الله لتلك العصابة المؤمنة رسولها صَلى الله عليه وسلم وقائدها قدوة لها، فما كان يشبع هو - بأبي وأمي - وآله من طعام البر ثلاث ليال تباعاً..كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبع آل محمد صَلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض". [البخاري رقم 5416 فتح الباري
(9/549)
ومسلم
(4/2282)
].
ولقد أباح الله لعباده الطيبات، وأباح لهم جمع المال من أبواب مباحة وإنفاقه في أبواب مباحة، ومن ذلك استعمال وسائل الراحة في المسكن والمنزل والمركب والملبس وغيرها.. ولكن الإسراف في ذلك سبب لحب الدنيا وإيثارها، والغفلة عن الآخرة بنعيمها وعذابها، وسبب في القعود عن الجهاد في سبيل الله بل في قتل الهمم العالية كلها.. وإذا كان النعيم أثر في بعض أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم في حياته، فكاد يحول بين بعضهم وبين النفير مع الرسول صَلى الله عليه وسلم، وحال فعلاً بين بعضهم وبين ذلك ولم ينفعه من عقاب الله وسخط رسوله صَلى الله عليه وسلم إلا التوبة، فكيف بمن بعدهم؟.
فهذا كعب بن مالك رَضي الله عنه، يتخلف عن رسول الله صَلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ويعرض في سياق حديثه ببعض الأسباب التي أغرته بذلك التخلف، ولم تكن من الترف المألوف عند المبالغين في متع الحياة الملهية عن الله، ومن تلك الأسباب المشقات التي استقبلت المجاهدين... كما قال: "فغزاها رسول الله صَلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً، فجلى للمسلمين أمرهم.."..
ومن تلك الأسباب النعيم ووسائل الراحة المتاحة في المدينة التي كان يميل إليها..كما قال: "وغزا رسول الله صَلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر.. [البخاري رقم 4418 فتح الباري
(8/113)
ومسلم
(4/2121)
…] أي أميل.
وذاك أبو خيثمة رَضي الله عنه، كاد يتخلف - مثل كعب - عن رسول الله صَلى الله عليه وسلم في نفس الغزوة - غزوة تبوك - بسبب البستان الوارف والماء البارد والطعام اللذيذ والمنزل المهيأ للراحة والمرأة الحسناء، ولم ينتصر على نفسه وإخلادها إلى الراحة إلا بعد جهادها في ذات الله. كما
قال ابن إسحاق: "ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صَلى الله عليه وسلم أياماً إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه، قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاماً، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له.. فقال –منكرا على نفسه -: رسول الله صَلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، في ماله مقيم، ما هذا بالنصف.. ثم قال: "والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صَلى الله عليه وسلم، فهيئا لي زاداً ففعلتا، ثم قدم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله صَلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك.. [السيرة النبوية لابن هشام
(2/520)
راجع البداية والنهاية لابن كثير
(5_7)
وزاد المعاد
(3-4)
].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قلت واسم أبي خيثمة هذا سعد بن خيثمة، كذا أخرجه الطبراني من حديثه ولفظه: "تخلفت عن رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فدخلت حائطاً فرأيت عريشاً قد رش بالماء ورأيت زوجتي، فقلت: ما هذا بإنصاف رسول الله صَلى الله عليه وسلم في السموم والحرور، وأنا في الظل والنعيم، فقمت إلى ناضح لي وثمرات فخرجت". [فتح الباري
(8-119)
].
وهذه الوقائع توضح قول الرسول صَلى الله عليه وسلم:
(حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)
[مسلم
(4/2174)
].
وكذلك تحذيره أصحابه من الغنى والتنافس في الدنيا، عندما بدأت الأموال ترد عليه صَلى الله عليه وسلم ويرى أصحابه وهم محتاجون يتطلعون إليها..كما في حديث عمرو بن عوف الأنصاري رَضي الله عنه – وفيه -: "فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافقت صلاة الصبح مع النبي صَلى الله عليه وسلم، فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صَلى الله عليه وسلم حين رآهم، وقال:
(أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء)
؟ قالوا : أجل يا رسول الله، قال:
(فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)
. [البخاري رقم الحديث 3118 فتح الباري
(6/257)
].
وما خشيه الرسول صَلى الله عليه وسلم، وقع بعد انتهاء الخلافة الراشدة، إذ كان المجاهدون يقارعون الأعداء والشباب الناعم يتباهى بالتنعم ويظهر عدم المبالاة بما يصيب المجاهدين من نصب ومشقة، ولكن ملوك المسلمين آنذاك ما زالوا يغارون على دين الله ولا يرضون بالتبجح السافر والمجاهرة المفضوحة، فأخذوا على أيدي المترفين وأجبروهم على مشاركة المجاهدين في جهادهم.. قال ابن الأثير: "في هذه السنة ـ يعني سنة 49 هـ ـ سير معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم فتثاقل واعتل، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد.. فأنشأ يزيد يقول:
ما إن أبالي بما لاقت جموعهم ،،،،،،،،، بالفرقدونة من حُمَّى ومن مُوْمِ
إذا اتكأت على الأنماط مرتفقا ،،،،،،،،،،، بدير مران عندي أم كلثوم
فبلغ معاوية شعره، فأقسم عليه ليلحقن بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس فسار.. [الكامل
(3/458)
والموم مرض وقد ورد في صحيح مسلم في قصة العرنيين الذين اجتووا المدينة
(وقد وقع بالمدينة الموم وهو البرسام)
قال النووي هو نوع من اختلال العقل، ويطلق على ورم الرأس وورم الصدر، وهو معرب وأصل اللفظة سريانية. أ.هـ
(11/156)
شرح النووي على مسلم وفي اللسان
(والموم حمى مع البرسام)
].
وقد عرف أعداء الإسلام والمسلمين، أن داء الترف من أهم الأسباب التي يمكن أن تبعد عنهم شبح الخطر القاضي عليهم من قبل الأمة الإسلامية، فسعوا جاهدين في إغراق المسلمين بكل ما يحتاجونه لمتع حياتهم في المسكن والمأكل والمركب والملبس والاتصالات البعيدة وأنواع المغريات من الشهوات.. وتواصوا فيما بينهم بعدم تمكين المسلمين من التفكير بأي عمل جاد يغنيهم عن الغرب من صناعة ونحوها، حتى يبقوا مترفين مسترخين متثاقلين.. واقرأ ما قاله أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية سنة 1952 م:
"... فلنعط هذا العالم ما يشاء، ولنقوِ في نفسه عدم الرغبة في الإنتاج الصناعي والفني، فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه عن مجاراة الغرب في الإنتاج، فقد بؤنا بالإخفاق الذريع وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة، خطراً داهماً يتعرض به التراث الحضاري الغربي لكارثة تاريخية ينتهي بها الغرب وتنتهي معه وظيفته القيادية". [جند الله ثقافة وأخلاقاً لسعيد حوا ص21].
وإن الترف الذي غرق فيه كثير من المسلمين - وكثير منهم يموتون جوعاً ويمشون عرايا ولا يجدون المأوى الذي يقيهم الحر والبرد - إن هذا الترف قد أوقعهم في الفسق والفجور وأورثهم التثاقل عن النهوض للمعاني السامية ومعالي الأمور.. وقد نجح أعداء الله في إغراقهم بجميع وسائل الترف، حتى أصبح أكثر المسلمين لا يفكرون إلا في المزيد من الفسق والمتع المباحة والمحرمة، تدنت نفوسهم وضعفت هممهم وفقدت عزتهم فما عادوا أمة.. بل أمسوا قطعاناً يسوقها أعداؤها إلى مهاوي هلاكها المحقق، وهي تسير إلى تلك المهاوي في فرح ونشوة، كمجنون رأى لهب النيران يتتابع كالأمواج فأعجبه منظره وأخذ يجري ويقهقه حتى ألقى نفسه فيه فاحترق.
ولقد أبان ابن خلدون رحمه الله، عاقبة انغماس الدول في الترف، وأن زعماءها يصبحون بسبب الترف، بعد قوتهم وشدة عصبيتهم التي أقاموا به الملك وحموه من الدمار وعدوان الأعداء، في الضعف والعجز والجبن، بمنزلة النساء والصبيان، لا يقدرون على مدافعة الأعداء عن دولتهم وملكهم، وأنهم يحاولون أن يغطوا على عجزهم وضعفهم، بما يظهرون من الأزياء والفروسية...للتلبيس على رعاياهم. قال رحمه الله: "....ويبلغ فيهم الترف غايته بما تفنقوه من النعيم وغضارة العيش، فيصيرون عيالا على الدولة، ومن جملة النساء والولدان المحتاجين للمدافعة عنهم، وتسقط العصبية بالجملة، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة، ويُلَبِّسون على الناس في الشارة والزي، وركوب الخيل وحسن الثقافة يموهون بها وهم في الأكثر أجبن من النسوان على ظهورها، فإذا جاء المطالب لهم لم يقاوموا مدافعته" [المقدمة، صفحة
(302)
نشر دار الكتاب اللبناني، و مكتبة المدرسة- بيروت والتَّفَنُّق: التنعم]
وذكر في موضع آخر، أن الصبغة الدينية للدولة، هي التي تزيد الدولة قوة على قوتها العصبية، وتجعلها تنتصر على أعدائها ولو كانوا أكثر عددا وعدة، لأن الدولة عندما تتمسك بالدين، تجتمع كلمة أهلها وتنجو من التفرق والنزاع، كما تنجو من الترف الذي يحول بينها وبين المحافظة على الدولة والمدافعة عنها، إضافة إلى ما يصيب أعداهم من النزاع على المصالح، وما يقعون فيه من الترف.
قال رحمه الله: "الفصل الخامس في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها، والسبب في ذلك كما قدمناه أن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية وتفرد الوجهة إلى الحق، فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم لم يقف لهم شيء، لأن الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم، وهم مستميتون عليه. وأهل الدولة التي هم طالبوها، وإن كانوا أضعافهم، فأغراضهم متباينة بالباطل وتخاذلهم لتقية الموت حاصل، فلا يقاومونهم وإن كانوا أكثر منهم، بل يغلبون عليهم ويعاجلهم الفناء بما فيهم من الترف والذل كما قدمناه. وهذا كما وقع للعرب صدر الإسلام في الفتوحات، فكانت جيوش المسلمين بالقادسية واليرموك بضعة وثلاثين ألفا في كل معسكر، وجموع فارس مائة وعشرين ألفا بالقادسية، وجموع هرقل على ما قاله الواقدي أربعمائة ألف، فلم يقف للعرب أحد من الجانبين وهزموهم وغلبوهم على ما بأيديهم" [المقدمة، صفحة
(278)
]
وهذا أحد أعلام هذا العصر يشكو من تخطيط أعداء الإسلام الماكر لإغراق المسلمين في الترف والفسق والتحلل، واستجابة أبناء المسلمين لأعدائهم.. قال الشيخ حسن البنا رحمه الله: "وقد عمل الأوربيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القتالة، جميع البلاد الإسلامية التي امتدت إليها أيديهم وأوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم، مع حرصهم الشديد على أن يَحْتَجِزوا دون هذه الأمم عناصرَ الصلاح والقوة، من العلوم والمعارف والصناعات والنظم النافعة.. وقد أحكموا خطة هذا الغزو الاجتماعي إحكاماً شديداً واستعانوا بدهائهم السياسي وسلطانهم العسكري حتى تم لهم ما أرادوا...
إلى أن قال: "وجلبوا إلى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريات، وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم وملاهيهم، وقصصهم وجرائدهم ورواياتهم وخيالاتهم وعبثهم ومجونهم، وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوه في ديارهم، وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة التي تعج بالإثم وتطفح بالفجور، في أعين البسطاء الأغرار من المسلمين الأغنياء وذوي الرأي فيهم والمكانة والسلطان". [مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ص 38].
وذكر بعض عوامل التحلل في موضع آخر فعد منها: "الانغماس في ألوان الترف والنعيم، والإقبال على المتعة والشهوات حتى أثر عن حكام المسلمين في كثير من العصور، ما لم يؤثر على غيرهم مع أنهم يقرأون قول الله تبارك وتعالى:
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}
[الإسراء:16].
وبهذا يعلم أن الذين يسهلون سبل الترف التي تفسد المسلمين، هم أعداء المسلمين، لأنهم بذلك يقضون على معنوياتهم ورجولتهم وعزتهم، وأن الواجب على كل قادر أن يسعى جاهداً إلى الحول بين المسلمين والترف والتثاقل والاسترخاء.. حتى تعود إليهم الروح الجهادية التي فقدوها كغيرها من المعاني الإسلامية العظيمة.
والسعي لذلك يحقق أمر الله سبحانه بإعداد العدة التي أهمها وجود الروح الجهادية في نفوس المسلمين، وهذه الروح لا يمكن أن توجد مع الترف والاسترخاء والتثاقل. قال تعالى :
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}
[الأنفال:60].
وهل يُرهب عدوَّ الله مترفٌ منعم، يكاد ينطبق عليه قوله سبحانه:
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}
؟ [الزخرف:18]. ومن أراد أن يخرج أمة مجاهدة، فليكن مثل طالوت:
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
[البقرة:249]. يختبر جنده بالصبر عن شهوات النفس المباحة، فضلاً عن المحرمة، فمن فاز في ذلك الاختبار، كان أهلاً للجهاد، ومن سقط فيه، فليس هو من أهل الجهاد، ودعوة المترفين إلى الجهاد كمن يصنع سفينة تجري به على اليابسة.
قال سيد قطب رحمه الله: "هنا ينجلي لنا مصداق حكمة الله في اصطفاء هذا الرجل أنه مقدم على معركة ومعه جيش من أمة مغلوبة عرفت الهزيمة والذل في تاريخها مرة بعد مرة... وهو يواجه جيش أمة غالبة، فلا بد إذن من قوة كامنة في ضمير الجيش تقف به أمام القوة الظاهرة الغالبة.. هذه القوة الكامنة لا تكون إلا في الإرادة التي تضبط الشهوات والنزوات.. وتصمد للحرمان والمشاق، وتستعلي على الضرورات والحاجيات.. تؤثر الطاعة وتستحمل تكاليفها فتجتاز الابتلاء بعد الابتلاء.. فلا بد للقائد المختار إذاً أن يبلو إرادة جيشه وصبره وصموده أولاً، للرغبات والشهوات، وصبره ثانياً على الحرمان والمتاعب. [في ظلال القرآن
(2/268)
].
ونحن نعلم أن جيوش المسلمين -ومنها العربية-تدرب تدريبات شاقة في أوقات معينة، لا للجهاد في سبيل الله، ولا لحماية الشعوب -في الأساس-بل لحماية الحكام، ولكنها في غالب أوقاتها، تمكن من الترف والاسترخاء، حتى لا تستطيع أن تحمي شعوبها فيوقت الشدة، ويكفي ضرب مثال واحد لجيوش المسلمين كلهم، من جاكرتا شرقا إلى نواكشوت غربا، وهو الاحتلال اليهودي للشعب الفلسطيني الذي مضى له أكثر من ستين عاما، ونسبة عدد اليهود كلهم الذين احتلوه، لا تساوي شيئا بالنسبة إلى عدد جيوش المسلمين!
الفهرس
14434848
عداد الصفحات العام
415
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م