يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(0132)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثالث ظهور صدق الدعوة للناس

(0132)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثالث ظهور صدق الدعوة للناس


وظهور صدق الدعوة إلى الله للناس، يجعلهم يدخلون في دين الله أفواجاً فيزداد المسلمون بذلك عزاً، ويزداد الكفار ضعفا وذلا، إن المسلمين لو بقوا قابعين في بقعة من الأرض يقيمون فيها شعائر دينهم - لو مكنوا من ذلك وهو بعيد - ويذهب أفرادهم لدعوة الناس إلى هذا الدين، فإذا وقفت في وجوههم عقبات الكفر سكتوا وأووا إلى بقعتهم تلك..



إنهم لو فعلوا ذلك قد يظهر لمن قصدهم واستمع إليهم وخالطهم صدقُ دعوتهم، فيؤمن بذلك أو لا يؤمن، ولكن ظهور صدق دعوتهم للناس كافة - ودعوتهم دعوة عالمية - لا يتحقق بذلك..



وإنما يتحقق ظهور صدق الدعوة للناس كافة بالأمور الآتية:



الأمر الأول: أن يشاهد الناس الدعاة إلى هذا الدين وهم يبذلون من أجله المال والنفس والجاه والمنصب ووسائل الراحة كلها..



إن الناس عندما يرون دعاة الإسلام يبذلون هذا البذل ويضحون هذه التضحية، وليس لهم مطمع في أي أمر من أمور الدنيا، يأخذون في مساءلة أنفسهم.. ترى لماذا هؤلاء الناس يضحون هذه التضحية ويبذلون هذا البذل الذي لا يرجون من ورائه مغنماً من مغانم الدنيا.؟



فيكون الجواب: لو لم يكن ما عندهم حق رضيت به نفوسهم، واطمأنت إليه قلوبهم، لما ضحوا بأنفسهم وأموالهم وجاههم وكل متع الحياة الدنيا في سبيله. ولهذا يبدأ أهل الباطل يساومون أهل الحق ويغرونهم بالأموال والمناصب والمغريات الأخرى، كما فعلت قريش مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم، إذ أرسلوا إليه وفداً يفاوضه ويعرض عليه من أمور الدنيا ما لو كان يسعى لها لأجاب..



قال له عتبة ابن ربيعة: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.. فقال له رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (قل يا أبا الوليد أسمع).



قال: "يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه".. أو كما قال له..حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صَلى الله عليه وسلم يستمع منه قال:



(أقد فرغت يا أبا الوليد؟) قال: نعم..قال: (فاسمع مني) قال: أفعل..فقال: ( بسم الله الرحمن الرحيم: {حَم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت:1-5].


ثم مضى رسول الله صَلى الله عليه وسلم فيها يقرأها عليه، فلما سمع منه عتبه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد..ثم قال: (قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك). [السيرة النبوية لابن هشام (1/293) وراجع تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/90)].



وهذه الأمور التي عرضها عتبة على رسول الله صَلى الله عليه وسلم، هي التي ألف الناس السعي إلى تحصيلها والجد في طلبها، فإذا برز شخص يخالف عادات الناس ويتزعم دعوة ما، فالغالب أنه يسعى ليكون غنياً أو ذا وجاهة في القوم وشرف أو آمراً ناهياً بالملك والرئاسة..



وعندما رفض الرسول صَلى الله عليه وسلم هذه الأمور العظيمة في نظر الناس، التافهة في نظره، وجاهد في الله حق جهاده وربى من استجاب لدعوته على البذل والتضحية، فهجروا الأهل والمال والوطن وبذلوا نفوسهم وكل ما يملكون لربهم، علم الناس أن هؤلاء لا يفعلون ذلك إلا لشيء أغلى من كل ما يسعى الناس لتحصيله في الحياة الدنيا، ولا بد أن يكون حقاً فظهر بذلك صدق هذا الدين.



الأمر الثاني: أن يرى الناس معاني تلك الدعوة تتحرك في أهلها، يرون أهل الدعوة يطبقون ما يدعون الناس إليه في عقيدتهم وعبادتهم وسلوكهم ومعاملاتهم، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بقوة تحرس أهل الحق الذين يطبقونه، لأن أهل الباطل لا يتركون أهل الحق وما أرادوا، بل يقفون في وجوههم ويحاربونهم ويصدونهم عن دينهم ويصدون الناس عنهم..



وكان هذا هو السبب الذي جعل الرسول صَلى الله عليه وسلم وأصحابه يهجرون بلدهم مكة ويهاجرون إلى المدينة، ليقيموا دينهم وهم أقوياء يحرسون الحق من المعتدين..

ونشأ هنالك المجتمع الإسلامي الأول الذي ما كان جبريل ينزل بالأمر أو النهي الربانيين على رسول الله صَلى الله عليه وسلم حتى يبتدره الرسول صَلى الله عليه وسلم وأصحابه بالامتثال للأمر والاجتناب للنهي..



فرأى الناس الإسلام أمام أعينهم، فظهرت لهم محاسنه كما ظهرت بالمقارنة مساوي الكفر والفسوق والعصيان، فظهر للناس بذلك صدق الدعوة إلى هذا الدين وكونه الحق وما سواه الباطل.



ولو كان أداء بعض شعائر الإسلام خُفية، كافياً في أداء حق الله تعالى على المسلم لما كان القاعد عن الهجرة بين ظهراني المشركين آثماً.. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:97-99].



فالآيات تدل على أن القادر على الهجرة القاعد عنها يستضعفه أهل الكفر، عاصٍ لله تعالى جزاؤه جهنم، والقاعد بعذر معفو عنه لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. ومعلوم أنه لا يظهر للناس صدق الدعوة وكونها حقاً، إلا إذا رأوها في سلوك أهلها، ولا يمكن ظهورها في سلوكهم إلا إذا كانت عندهم قوة تحرسها وترد كيد الأعداء عنها.



الأمر الثالث: ما يمنحه الله تعالى لعباده المجاهدين من أسباب النصر التي تخرق الأسباب المادية المألوفة. إن صاحب الحق الذي يدعو إليه الناس، يعلن للناس أن هذا الحق هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده وأنه مكلف إبلاع هذا الدين إلى الناس إن كان رسولاً فبمقتضى بعث الله إياه وإنزاله الوحي إليه. وإن كان من أتباع الرسل فبمقتضى ما كُلِّفَه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبليغ ما علمه من أمور هذا الدين عن طريق الكتاب الذي أنزله الله على رسوله، أو السنة التي علمها الرسول صَلى الله عليه وسلم أتباعه، وهي وحي كالقرآن، وقد جرت سنة الله أن يكون أهل الكفر أكثر من أهل الإسلام وأن يكون الصراع بينهم وبين جند الله وحزبه مستمراً إلى أن تقوم الساعة.



وجرت سنته سبحانه أن ينصر الحق وأهله، ويخذل الباطل وأهله، وقد كان نصره لرسله وأنبيائه السابقين بإنزال عذابه الذي يدمر أهل الباطل ويستأصلهم، أو بالآيات الكونية القاهرة كقلب العصا حية، وإخراج الناقة من الصخرة ورفع الجبل فوق رؤوس المعاندين وغير ذلك.



أما هذه الأمة التي بعث الله فيها محمداً صَلى الله عليه وسلم، فقد اقتضت مشيئته سبحانه أن لا يستأصل المكذبين منها بعذاب كوني عام كما كان يفعل بالأمم المكذبة قبلها، وأن لا تكون الحجة عليها هي الآيات القاهرة التي كان يقهر بها الأمم السابقة، وإنما كتب سبحانه تعذيب المكذبين من أمة محمد صَلى الله عليه وسلم بأيدي المؤمنين المجاهدين، وربط نصره عباده المؤمنين بنصرهم هم لدينه..كما قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14].



وإذا كان هذا الدين هو الحق الذي ارتضاه الله وكلف عباده المؤمنين تبليغه والجهاد عليه، وأهل الكفر أكثر منهم وأقوى عدداً وكانت الغلبة - كالمعتاد عند البشر - للأكثر عدداً والأقوى عُدداً.. فإن الناس لا يقبلون على هذا الدين ولا يلقون له بالاً، بل ينفرون منه، ويَشُكُّون في صدق من دعا إليه ونسبه إلى الله، لأن الله قوي قادر أن ينصر دينه - ولو بأيدي عباده المؤمنين - فإذا لم ينصره فكيف ينسب إليه ويدعى أنه دينه.



لذلك أمر الله عباده المؤمنين بقوة معنوية يتفوقون بها على القوى المادية التي يملكها أعداؤهم: قوة الإيمان في نفوسهم وقوة الاعتماد عليه سبحانه التي تجعلهم يحتقرون كل قوى الأرض المادية ويستهينون بها، وإن أعدوا لها ما استطاعوا من قوة مادية امتثالاً لأمر الله تعالى لهم بذلك..{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60].



ويمدهم كذلك بأسباب أخرى كونية إذا دعت الحاجة إليها، كإنزال المطر والرياح ويمدهم بأهل السماء من الملائكة، وينزل بأعدائهم الرعب الذي يزلزل أقدامهم حتى تكون الغلبة للقلة المؤمنة المخلصة الملتزمة على الكثرة الكافرة، فيظهر بذلك للناس صدق هذه الدعوة فيدخلون في دين الله أفواجاً.



ولكن نصر الله تعالى لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين، مشروط بنصرهم لدينه كما مضى. قال تعالى: وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].



وقال تعالى: وصبرهم على الابتلاء الذي قد يمتحنهم به، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} [البقرة] وقال عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)} [آل عمران]



وصدق الدعاة إلى دينه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات]





السابق

الفهرس

التالي


14434992

عداد الصفحات العام

559

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م