[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
(0134)
الجهاد في سبيل الله-المبحث الثاني دخول الناس رغبة في دين الله
(0134)
الجهاد في سبيل الله-المبحث الثاني دخول الناس رغبة في دين الله
وفيه فرعان:
الفرع الأول: استضعاف أهل الباطل لأهل الحق، إذا كانوا أذلة
الفرع الثاني: الواقع يشهد باحترام الحق المحروس بالقوة
الفرع الأول: استضعاف أهل الباطل لأهل الحق إذا كانوا أذلة..
قال تعالى:
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}
[هود:91-92].
فقوم شعيب - كما هو واضح من الآيتين - لا يقيمون وزناً له ولدعوته ولا يحترمونه، ويجاهرونه بأنه ضعيف لديهم لا عزة له ولا منعه، وإنهم يريدون أن يقتلوه شر قتلة وهي قتله بالرجم بالحجارة، ولا يردهم عن ذلك إلا احترامهم لعشيرته التي هي على دينهم..
ولو كان هذا الرهط الذي أبدى قوم شعيب احترامهم على دين شعيب، لما حصل لهم هذا الاحترام، إلا إذا كانوا قادرين على رد عدوانهم وكبح جماحهم. [راجع تفسير الآيتين في تفسير ابن جرير الطبري، وتفسير المنار، وتفسير في ظلال القرآن..].
وقد تمنى لوط عليه السلام عندما أراد قومه الاعتداء على ضيفه أن تكون له قوة يدفع بها عن ضيفه، ولولا ضعفه ما قدروا أن يعتدوا عليهم وما ردهم عن الاعتداء إلا عذاب الله..
قال تعالى:
{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}
[هود:87-80].
تأمل حال لوط عليه السلام وقد ساءه أن ينزل عليه ضيفه الذين أراد قومه الاعتداء عليهم، وهو يستعطف قومه ويعرض عليهم بناته ليتزوجوهن بدلاً من فعل الفاحشة في ضيفه..
ويأمرهم بتقوى الله ويطلب منهم النخوة الإنسانية في احترام الضيف، ويتعجب من أن يكونوا جميعهم على هذا الضلال، ولا يوجد واحد منهم يقف في وجهه من أهل الرشد والرأي. ثم يظهر حسرته وألمه ويتمنى أن تكون عنده قوة مادية يدفع بها عن ضيفه. وذكر الله سبحانه في موضع آخر أنهم أرادوا إخراجه هو ومن اتبعه من ديارهم، بسبب نهيهم عن الفاحشة ولولا أن الله دمرهم ونجاه لفعلوا. كما قال تعالى:
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}
[الأعراف:84].
وقال تعالى عن فرعون:
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى}
[طـه:70-71]. فالحق الذي وقر في نفوس السحرة فجعلهم يؤمنون به، يرى فرعون أن الإيمان بهذا الحق لا يجوز بدون إذنه وهدد المؤمنين به بشتى أنواع التعذيب لأن أهله ضعاف أذلة لا قوة مادية تردعه عنهم. وهكذا كل الأمم مع جميع الأنبياء والدعاة إلى الله لا يحترمون الحق والدعاة إليه وإنما يستضعفونهم ويستهينون بهم.
وما ناله الرسول صَلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة قبل الهجرة كاف لإثبات هذه القاعدة. [راجع فصل الابتلاء في سبيل الله في الباب الثاني من هذا البحث].
الفرع الثاني: الواقع يشهد باحترام الحق المحروس بالقوة
يكفي في هذا الفرع المقارنة بين حالة الرسول صَلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة قبل الهجرة، وحالتهم بعد ذلك في المدينة بعد الهجرة..
فقد كانوا في مكة مستضعفين يفتنون ويعذبون، كما مضى في فصل الابتلاء في سبيل الله. أما في المدينة فقد أسس صَلى الله عليه وسلم دولة للإسلام اكتملت لها المقومات اللازمة. أرض تؤيهم وشعب آمن يطبق منهجا يسكن تلك الأرض ويحميها، وحكومة تصرف شؤون ذلك الشعب، وبدأت سرايا الرسول صَلى الله عليه وسلم وغزواته تنطلق من المدينة المنورة لمناوأة أعداء الإسلام المشركين. ووقعت بينهم وبين المسلمين معارك كان الانتصار في الغالب للمسلمين على المشركين، وبلغت قوة المسلمين ذروتها عندما وقع الصلح بينهم وبين المشركين في الحديبية، حيث اعترف أهل الكفر بدولة تعقد المعاهدات وتفاوض وتصالح وكثر الداخلون في الإسلام.
وعندما نقضت قريش الصلح غزا رسول الله صَلى الله عليه وسلم مكة ففتحها ودخلها منتصراً مظفراً فماذا كان بعد هذا الفتح المبين؟ قال محمد بن إسحاق: "لما افتتح الرسول صَلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه، قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع وأنها كانت تسمى سنة الوفود.... قال ابن إسحاق: وإنما كانت العرب تربص بإسلامها أمر هذا الحي من قريش، لأن قريشاً كانوا إمام الناس وهاديتهم وأهل البيت والحرم وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم وقادة العرب لا ينكرون ذلك. وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صَلى الله عليه وسلم وخلافه، فلما افتتحت مكة ودانت له قريش ودخولها الإسلام عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صَلى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل أفواجا يضربون إليه من كل وجه". [البداية والنهاية
(5/40)
].
وقد روى عمرو بن سلمة حديثاُ صريحاً في تربص العرب بإسلامهم وانتظارهم ما يؤول إليه أمر الرسول صَلى الله عليه وسلم، من قوة يسيطر بها على قريش أو ضعف، وذلك بسيطرة قريش عليه وعلى أصحابه. قال عمرو بن سلمة: "كنا بممر الناس وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه أو أوحى الله بكذا فكنت أحفظ ذاك الكلام فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تقوم بإسلامهم الفتح، فيقولون اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صَلى الله عليه وسلم حقاً.." الحديث. [البخاري رقم 4302 فتح الباري
(8/22)
].واستمر الحال كذلك بعد وفاة رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فكان الجهاد هو الذي يؤدب العصاة والكفرة ويجبرهم على الخضوع للإسلام واحترام أهله..
ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عَنه مدركاً ذلك تمام الإدراك، فكان له موقفان في حادثتين أعز الله بهما الإسلام والمسلمين وجمع أهل الجزيرة العربية بعد فرقة وردهم إلى سبيل الله بعد أن ضل عنه أكثرهم.
الموقف الأول: تصميمه على إنفاذ بعث جيش أسامة الذي عقده رسول الله صَلى الله عليه وسلم قبل وفاته، على الرغم من أن غيره من الصحابة كانوا يرون عدم إنفاذه، ليكون سنداً للمسلمين في المدينة بعد وفاة الرسول صَلى الله عليه وسلم، وما نجم بسبب ذلك من ارتداد الناس والخوف من تألب المرتدين والمنافقين، على أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم الذين أصبحوا بعد وفاة نبيهم كالأيتام الذين فقدوا أباهم وهم صغار. وقد كان لهذا الموقف الجهادي الذي وقفه الصديق رضي الله عَنهأثره الفعال، في إنزال الرعب بالقبائل العربية التي مر بها والتي سمعت به فثبتوا على الإسلام بعد أن عزموا على الارتداد.
قال ابن كثير رحمه الله: "فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد الذين كانوا قد أمرهم رسول الله صَلى الله عليه وسلم بالمسير إلى تخوم البلقاء من الشام حيث قتل زيد بن حارثة وابن رواحة، فيغزوا على تلك الأراضي فخرجوا إلى الجرف فخيموا به. وكان بينهم عمر بن الخطاب، ويقال أبو بكر فاستثناه رسول الله صَلى الله عليه وسلم منهم للصلاة، فلما ثقل رسول الله صَلى الله عليه وسلم أقاموا هنالك. فلما مات عظم الخطب واشتد الحال ونجم النفاق بالمدينة وارتد من ارتد من أحياء العرب حول المدينة. والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على الصديق ألا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم لأن ما جهز بسببه في حال السلامة..
وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك وأبى أشد الإباء إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صَلى الله عليه وسلم، ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة وآمر الحرس يكونون حول المدينة. فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح والحالة تلك، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب، إلا أرعبوا منهم وقالوا ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة فقاموا أربعين يوماً ويقال سبعين يوماً. ثم أتوا سالمين غانمين، ثم رجعوا فجهزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدة ومانعى الزكاة على ما سيأتي تفصيله. قال سيف بن عامر: عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما بويع أبو بكر الصديق وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه، قال: ليتم بعث أسامة وقد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم ! وقلتهم وكثرة عدوهم. فقال له الناس: إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب على ما ترى قد انتقصت بك وليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين، فقال: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صَلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته..
ثم ذكر ابن كثير عن طريق البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عَنه قوله: "والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة؟ فقال: إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله صَلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة. فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا بكر رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله غيره لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صَلى الله عليه وسلم ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله..فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام. [البداية والنهاية
(6/304-305)
].
رضي الله عنك يا أبا بكر، لقد كنت تدرك ما وراء خروج هذا الجيش بعد وفاة رسول الله صَلى الله عليه وسلم التي جعلت أعداء الإسلام يتطلعون للقضاء على الإسلام..كنت تدرك رضي الله عَنهك ما في طاعة الله ورسوله من الخير من جهة، وما في إظهار القوة التي لا يحترم الأعداء سواها من جهة أخرى فكانت هذه النتيجة العظيمة لقرارك القرا التاريخي العظيم.
الموقف الثاني: إصراره رضي الله عَنه على جهاد أعداء الله الذين ارتدوا عن الإسلام، أو منعوا الزكاة، مخالفاً بذلك جمهور الصحابة رضضي الله عنهم وعلى رأسهم – كذلك - عمر بن الخطاب رضضي الله عنه، الذي ندم على رأيه الذي خالف فيه أبا بكر في أول الأمر، وكان يتمنى أن يكون صاحب هذا القرار الفذ الذي كانت نتائجه عظيمة في نصر الإسلام وإعزاز أهله وخذلان أعداء الله وإذلالهم. فقد قال رضي الله عَنه- وقد ذكر عنده أبو بكر فبكى -: "وددت أن عملي كله مثل عمله يوماً واحداً من أيامه، وليلة واحدة من لياليه. أما ليلته رضي الله عَنه التي سار مع النبي صَلى الله عليه وسلم إلى الغار. فلما انتهيا إليه، قال: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، فوجد في جانبه ثقباً فشق أزاره وسد به، فبقي منها اثنان فألقمهما رجليه ثم قال لرسول الله: أدخل، فدخل النبي صَلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام. فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه النبي صَلى الله عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه النبي صَلى الله عليه وسلم، فقال: مالك يا أبا بكر؟ قال: لدغت فداك أبي وأمي، فتفل عليه النبي صَلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتفض عليه وكان سبب موته..
وأما يومه فلما قبض النبي صَلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدي زكاة فقال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم. فقال لي: أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي.. [جامع الأصول
(8/605)
].
وقام أبو بكر رضي الله عَنه بحرب المرتدين وجهز الجيوش لكل ناحية من نواحي الجزيرة العربية فنصر الله الإسلام وأذل الكفر. وكانت النتيجة خلال سنة واحدة كما قال ابن كثير رحمه الله: "استهلت هذه السنة - يعني سنة اثنتي عشرة للهجرة - وجيوش الصديق وأمراؤه الذين بعثهم لقتال أهل الردة، جوالون في البلاد يميناً وشمالاً لتمهيد قواعد الإسلام وقتال الطغاة من الأنام، حتى رد شارد الدين بعد ذهابه ورجع الحق إلى نصابه وتمهدت جزيرة العرب وصار البعيد الأقصى كالقريب الأدنى". [البداية والنهاية
(6/342)
].
ترى لو أن الصديق تأخر قليلاً عن تأديب الطغاة الكافرين والعصاة المعاندين، أكان هؤلاء يحترمون الإسلام - لو تركوا على كفرهم وعصيانهم - أم يتواطأون على حربه وتدمير أهله؟. لقد تجمع أعداء الله وغزوا المدينة وأرادوا القضاء على المسلمين، ولكن خليفة رسول الله الذي قرر الجهاد العاجل فشرح الله صدور جنده لقراره كان لهم بالمرصاد فهزمهم شر هزيمة.. وكان كما قال ابن كثير: "فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حساً ولا همساً حتى وضعوا فيهم السيوف، فما طلعت الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم... واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة وكان أول الفتح، وذل بها المشركون وعز بها المسلمون.. [نفس المرجع
(6/313)
].
ومن أراد أن يعلم شهادة هذا الحدث بأن أهل الباطل لا يحترمون أهل الحق إلا بالقوة والجهاد، فليراجع كل وقعة من حروب الردة ونتائجها فإنه واجد ذلك واضحاً فيها. ومن أصرح شهادة الواقع التاريخي بهذا وقعة القادسية التي بعث كل أهل بلد من يستوضح أمرها، وما تؤول إليه من نصر أو هزيمة، لبقاء ملك العرب أو زواله، ثم رجوع من نقض العهد بعد انتصار المسلمين في هذه المعركة. واقرأ هذا النص الذي ذكره ابن كثير رحمه الله: "وكانت العرب من العذيب إلى عدن أبين يتربصون وقعة القادسية هذه، يرون أن ثبات ملكهم وزواله بها، وقد بعث أهل كل بلدة قاصداً يكشف ما يكون من خبرهم. فلما كان ما كان من الفتح ... وسمع ذلك في سائر بلاد العرب، وقد كانت بلاد العراق بكمالها التي فتحها خالد نقضت العهود والذمم والمواثيق التي كانوا أعطوها خالداً، سوى أهل بانقيا وبرسما وأهل أليس الآخرة..ثم عاد الجميع بعد هذه الموقعة التي أوردناها وادعوا أن الفرس أجبروهم على نقض العهود وأخذوا منهم الخراج وغير ذلك، فصدقوهم في ذلك تألفاً لقلوبهم. [البداية والنهاية
(7/46)
].
الفهرس
14435047
عداد الصفحات العام
614
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م