يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(0140)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثالث: إفساد حياة العالم بالكفر والفسوق والعصيان

(0140)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثالث: إفساد حياة العالم بالكفر والفسوق والعصيان


ومن أضرار القعود عن الجهاد إذا غابت رايته، وغشي ظلام الكفر نور الإسلام، وتسلط الكفرة أعداء الله على البشر، فإن منهج حياة الناس يتحول من منهج الإسلام الذي رضيه الله لهم ديناً، إلى منهج الكفر والفسوق والعصيان الذي كرهه الله ورضيه الشيطان، ودعا إليه وأقسم على إغوائهم عن صراط الله المستقيم الذي هو دينه بكل وسيلة..كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:11-17].

فإبليس هو الذي يوحي لأوليائه بمنهج حياتهم ويحضهم على تطبيقه لإرغام الناس عليه، ومنطلق إفساد الحياة البشرية هو الكفر بالله تعالى وبكتبه ورسله واليوم الآخر، لأن الذي يكفر بالغيب لا يضبطه ضابط في نشاط حياته في هذه الدنيا، فهو لا يقر بأمر الله ونهيه، ولا بطاعة رسوله، ولا بتوجيهات كتابه، ولا بثوابه وعقابه. ونشر الكفر والإلحاد بين الناس، هو أول ما يسعى أعداء الله إليه، لأنه كفيل بإفساد حياة الناس بكل شر، إذ بالكفر والإلحاد تختل جميع الموازين والقيم وتنقلب الحقائق، وبالإيمان تستقيم الموازين وتثبت القيم وتظهر الحقائق..

وهذا ما يُفقِد أعداءَ الله سيطرتَهم على الناس، ويفسد خُططهم ويجعلهم يضيقون ذرعاً به وبأهله، ألا ترى فرعون كيف أزعجه إيمان السحرة بموسى عليه السلام..قال تعالى عنه: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُم} [طـه: من الآية71].

وهذا ما يفسر للمسلمين مواقف كثير من الزعماء الذين يكرهون ذكر الإسلام وأهله فضلاً عن تطبيقه - حيث يضيقون الخناق على دعاة الإسلام من ذوي الفقه في الدين. ويفتحون الأبواب على مصراعيها لدعوات الكفر الصريحة كالشيوعية، والنصرانية والوثنية، وغيرها من أنواع الكفر التي قد تلبس اسم الإسلام، كالقاديانية والبهائية والخرافات الباطنية، حتى لا يفقه الناس الإسلام الذي أراده الله، وبينه في كتابه وفي سنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، ومن هنا يدخل أعداء الله إلى إفساد حياة الناس.

ويتلو ذلك سقوط الهمم وهبوط الأهداف، فإذا كان هدف المؤمن رضا الله سبحانه وسعيه كله منصبا في هذا السبيل الذي يحكم تصرفاته، فإن أعداء الله تتعدد أهدافهم بتعدد شهواتهم وأهوائهم وميولهم، فتهبط إلى أدنى من مستوى أهداف الحيوان، وتتدنى هممهم إلى حضيض أهدافهم وقد أجمل الله أهدافهم تلك في قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12].
وبسبب هبوط هممهم لهبوط أهدافهم، يفقدون فائدة أدوات هدايتهم التي سخرها لهم ربهم فيُمنَون بخسارة دنياهم وآخرتهم، قال سبحانه: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

وما قيمة أمة لا يفكر أفرادها إلا في الطعام والشراب واللباس والسكن والمركب والجنس والشهوات المادية الهابطة، ويسيرون كالحيوانات لا تدري ماذا وراء طعامها وشرابها الذي تتمتع به يمنعون انتشار الخير ويسعون في انتشار الشر، ويعتدي بعضهم على بعض دون رادع من دين أو قانون؟ ومن هنا يتخذ من سقطت هممهم وهبطت أهدافهم كل وسيلة خسيسة لتحقيق أهدافهم.

فهم لا يتقيدون بحلال أو حرام، ولا يرعون حرمة لأحد، ومتع الحياة عندهم شبيهة بميتة رماها أهلها، وهم مثل الكلاب من غلب على تلك الميتة ملأ بطنه منها وكلما اشتهاها رجع إليها، وهكذا هؤلاء في مأكلهم ومشربهم ومنكحهم وغيرها، يأتون ذلك ما حل منه وما حرم.

وهذه حال غالب العالَم الذي فقد من يأخذ بيده إلى الهدف السامي، ويرتفع بهمته إلى معالي الأمور، ومن يأخذ بيد البشر إلى ذلك، ويرتفع بهممهم إلى هذه، غير المجاهدين في سبيل الله؟ وعندما تهبط الأهداف وتسقط الهمم وترخص الوسائل يكون نشر الفاحشة هو السبيل لحياة البشر، وبماذا عسى أن يتمتع من هو أضل من الأنعام بغير الفواحش والشهوات؟

والطغاة لا يكتفون بالتمتع بالفاحشة والشهوات فقط، بل إنهم يجتهدون في نشرها حتى تعم الأرض، ويحمونها ويبذلون في نشرها وحمايتها كل ما يقدرون عليه، حتى يكون فعل الفاحشة والولوغ في الشهوات المحرمة هو المعتاد والبعد عنها هو المنكر في نظر الناس.

والسبب في ذلك أن هؤلاء الطغاة لا يريدون أن يظهروا بين الناس غرباء شاذين بفعل الفاحشة وارتكاب الشهوات المحرمة، فيهيئون مجتمعاً يقبل كل ما يحدث فيه من الفواحش والمنكرات، وإن كان زعماؤهم أقدر على تعاطيها من غيرهم لما اختصوا به من المال والسلطة والجاه. وتأمل قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27].
الله يريد لعباده الأوبة إليه، ليقبل توبتهم ويطهرهم ويزكيهم من الدنس، وعباد الشهوات الذين عبر النص عنهم بأنهم {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} يريدون غير ما أراد الله. يريدون الوقوع في المعاصي والشهوات، بل يريدون أن يميل المؤمنون الذين استقاموا على صراط الله ميلاً عظيما عن هذا الصراط إلى الشهوات، حتى لا يبقى في الأرض طاهر من دنس تلك الشهوات. وإذا لم يقم هؤلاء المؤمنون بجهاد أنفسهم وجهاد متعاطي الشهوات، فإن ميلهم إلى الشهوات قليلاً أو كثيراً سيحصل.

وها هي البشرية اليوم قد انغمست في الشهوات والفواحش إلى أذقانها، لغياب الجهاد في سبيل الله الذي لا ينتشلها غيره من ذلك الوحل النتن. قال ابن جرير الطبري رحمه الله - بعد أن ذكر أقوال العلماء في الذين وصفهم الله بأنهم يتبعون الشهوات:

"قال أبو جعفر وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء وغير ذلك مما حرمه الله، أن تميلوا ميلاً عظيما عن الحق وعما أذن الله لكم فيه فتجوروا عن طاعته إلى معصيته وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله وترك طاعته ميلاً عظيما". [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (5/29)].

وقال سيد قطب رحمه الله وهو يتفيأ ظلال هذه الآية {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}. قال:"وتكشف الآية الواحدة القصيرة عن حقيقة ما يريده الله للناس بمنهجه وطريقته، وحقيقة ما يريده بهم الذين يتبعون الشهوات، ويحيدون عن منهج الله - وكل من يحيد عن منهج الله إنما يتبع الشهوات - فليس هنالك إلا منهج واحد هو الجد والاستقامة والالتزام. كل ما عداه إن هو إلا هوى يتبع وشهوة تطاع وانحراف وفسوق وضلال. فماذا يريد الله بالناس حين يبين لهم منهجه ويشرع لهم سنته؟ إنه يريد أن يتوب عليهم، يريد أن يهديهم، يريد أن يجنبهم المزالق، يريد أن يعينهم على التسامي في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة.

وماذا يريد الذين يتبعون الشهوات ويزينون للناس منابع ومذاهب لم يأذن بها الله ولم يشرعها لعباده؟ إنهم يريدون لهم أن يميلوا ميلاً عظيماً عن المنهج الراشد والمرتقى الصاعد والطريق المستقيم…

فأما ما يريده الله فقد بينته الآيات السابقة في السورة، وفيها إرادة التنظيم وإرادة التطهير، وإرادة التيسير، وإرادة الخير بالجماعة المسلمة على كل حال. وأما ما يريده الذين يتبعون الشهوات، فهو أن يطلقوا الغرائز من كل عقال: ديني، أو أخلاقي، أو اجتماعي. يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجز ولا كابح، من أي لون كان، السعار المحموم الذي لا يقر معه قلب، ولايسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت، ولا يسلم معه عرض، ولا تقوم معه أسرة. يريدون أن يعود الأدميون قطعاناً من البهائم، ينزو فيها الذكران على الإناث، بلا ضابط إلا ضابط القوة أو الحيلة أو مطلق الوسيلة، كل هذا الدمار وكل هذا الفساد وكل هذا الشر باسم الحرية وهي - في هذا الوضع - ليست سوى اسم آخر للشهوة والنزوة.

وهذا الميل العظيم الذي يحذر الله المؤمنين إياه، وهو يحذرهم ما يريده لهم الذين يتبعون الشهوات، وقد كانوا يبذلون جهدهم لرد المجتمع المسلم إلى الجاهلية في هذا المجال الأخلاقي الذي تفوقوا فيه وتفردوا بفعل المنهج الإلهي القويم النظيف. وهو ذاته ما تريده اليوم الأقلام الهابطة والأجهزة الموجهة لتحطيم ما بقي من الحواجز في المجتمع دون الانطلاق البهيمي الذي لا عاصم منه إلا منهج الله حين تقره العصبة المؤمنة في الأرض إن شاء الله". [في ظلال القرآن (5/631) وما بعدها..].

ومما يفسد حياة البشر بفقد الجهاد في سبيل الله، كثرة الخلاف والنزاع بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول، لعدم وجود كفء يعود الناس إليه لفض النزاع والحكم المقبول فيما اختلف فيه الناس لعدالة الحاكم وأمانته وخبرته.. وعدم تحيزه وميله لفرد أو طائفة أو دولة.. ولعدم وجود قوة عادلة تقف المتنازعين عند حدودهم.

فتجد القوي يعتدي على الضعيف ويحتل أرضه ويغتصب حقوقه فإذا قوي هذا الضعيف وضعف ذلك القوي انعكس الأمر فيأخذ القوي الجديد بثأره من الضعيف الجديد وهكذا. حتى تُصبح الأرض ميداناً للحروب والقتل والثارات والنهب والغصب والاعتداء، فيختل الأمن ويخاف الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

والذي يراجع ما سجله التاريخ عن الأمم قبل الإسلام سواء كانت ذات ديانات سماوية أو وثنية، من الحروب والقتال بين أمة وأخرى كالفارسية والرومية، أو بين الأمة نفسها كالنزاع بين الفرس واقتتالهم أو النزاع بين الروم واقتتالهم وكذلك الحبش والعرب.. الذي يراجع تاريخ هذه الأمم وغيرها قبل الإسلام يرى ما وقع بها من دمار وفوضى قرونا من الزمان. والذي ينظر إلى حالة الناس في مطلع هذا القرن وما وقع فيه من حروب مدمرة ونزاعات يرى كذلك أمراً مهولاً من الفظائع، ولا زال الأمر حتى هذه الساعة يزداد سوءً..

الخلاف يتسع والتطاحن يتصاعد ونار الفتنة من طغاة الأرض تشتعل في كل مكان، حتى أصبحت شعوب الأرض كلها في خوف وهلع شديد من حروب داخلية أو اعتداء خارجي، وأصبحت الدول القوية المادية تتربص بمثيلاتها وتبتكر في كل يوم يمر سلاحاً جديداً مدمراً تريد أن تتفوق به على غيرها.

ولكن إذا راجع الإنسان تاريخ الإسلام منذ بزوغ شمسه إلى أن سقطت راية الخلافة في مطلع هذا القرن، يرى أن الإسلام صان البشرية من الحروب والخلافات ووقف المعتدي عند حده - ما عدا بعض الحالات التي حالت بعض الأسباب دون وقوفها - وأن البشرية ستبقى معذبة بالخلاف والنزاع والحروب والقتل والتدمير حتى ترتفع راية الجهاد في سبيل الله لتضع كل شيء في موضعه. وبهذا يظهر الضرر العظيم الذي لحق بالبشر من فقد الراية الجهادية العادلة التي تأمر وتنهى وتقود إلى الخير والصلاح.

قال سيد قطب رحمه الله في كلامه على قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام:65]. قال: "ولقد عرفت البشرية في فترات كثيرة من تاريخها ذلك اللون من العذاب كلما انحرفت عن منهج الله وتركت لأهواء البشر ونزواتهم وشهواتهم وجهالتهم وضعفهم وقصورهم... تصريف الحياة وفق تلك الأهواء والنزوات والشهوات والجهالة والضعف والقصور..

وكلما تخبط الناس وهم يضعون أنظمة للحياة وأوضاعاً وشرائع وقوانين وقيما وموازين من عند أنفسهم، يتعبد بها الناس بعضهم بعضاً، ويريد بعضهم أن يخضع لأنظمته وأوضاعه وشرائعه وقوانينه البعض الآخر والبعض الآخر يأبى ويعارض. وأولئك يبطشون بمن يأبى ويعارض وتتصارع رغباتهم وشهواتهم وأطماعهم وتصوراتهم، فيذوق بعضهم بأس بعض ويحقد بعضهم على بعض وينكر بعضهم بعضاً، لأنهم لا يفيئون جميعاً إلى ميزان واحد يضعه لهم المعبود الذي يعنو له كل العبيد حيث لا يجد أحدهم في نفسه استكباراً عن الخضوع له ولا يحس في نفسه صغارآ حين يخضع له.." [في ظلال القرآن (7/7-1124) وما بعدها..].

وهذا الميزان الواحد لا يقيمه إلا المجاهدون في سبيل الله لرفع راية الإسلام، وإذ فقدت راية الجهاد في سبيل الله، نزلت بالعالم المحن وعمته البشر ور، كما هو الحال اليوم، ولو لم يكن من أضرار القعود عن الجهاد في سبيل الله إلا هذا النزاع وهذا التناحر لكفى به ضرراً..

والخلاصة : أن حياة البشر تفسد بفقد الجهاد في سبيل الله في كل ناحية من نواحيها فيصبح كل شيء فيها في غير موضعه. ولو علمت البشرية أن الدواء الناجح للقضاء على فرقتها وخلافها وتطاحنها، هو رفع المسلمين راية الجهاد في سبيل الله لتأديب الطاغي ونصر المظلوم ونشر العدل والسلام لهتفت من كل صقع: يا مسلمون جاهدوا.

ولكن أنى لها أن تعلم ذلك، وهي لم تر القدوة الحسنة التي رأتها الأمم في صدر الإسلام، ففتحت قلوبها للقرآن والسنة، وفتحت قلاعها للمجاهدين وحاربت تحت رايتهم طغاتَها حتى غابوا عن الوجود؟




السابق

الفهرس

التالي


14434792

عداد الصفحات العام

359

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م