يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(0141)الفرع الرابع-استغلال خيرات الأرض لنشر الظلم

(0141)الفرع الرابع-استغلال خيرات الأرض لنشر الظلم


ومن أضرار القعود عن الجهاد إذا غابت رايته، استغلال خيرات الأرض لنشر الظلم. لقد سخر الله سبحانه للناس ما في السموات والأرض ليشكروه ويعبدوه، لا ليكفروه و يجحدوه أو يشركوا به غيره، وسخر لهم ما في السموات وما في الأرض رحمة منه ونعمة ليسعدوا به، لا ليشقوا.

والمؤمنون من عباده هم الذين يشكروا نعمة الله، وهم الذين يستغلوا ما سخره في طاعته وفي عمارة الأرض وإسعاد أهلها، يوجهون قوتهم إذا مكنهم الله في الأرض إلى عبادة الله والإحسان إلى عباده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41].
وهذا هو لب شكر الله على نعمه وتذكرها والاهتداء بها، اقرأ الآيات التالية في تسخير الله تعالى خيرات الأرض لعباده وما يجب أن تثمره فيهم..{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وتستخرجوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [النحل:10-15].

فالمسلمون الصادقون وحدهم هم الذين يؤدون ما أراد الله من إسباغ هذه النعم على عباده، فهم الذين يتفكرون.. وهم الذين يعقلون.. وهم الذين يشكرون.. وهم الذين يهتدون. ومن عداهم فإنما يتمتع بهذه النعم ويزداد ضلالاً، لا يهديه تفكيره ولا عقله إلى شكر المنعم والاهتداء بهديه، وإنما تهديه الأدوات التي أنعم الله بها عليه، إلى التفكير في التمتع المطلق في الحياة الدنيا والأكل من خيراتها بدون مراعاة لمنهج الله وتوجيهه، لا يبالي أتمتع بحلال أو حرام، بعدل أو ظلم، قال تعالى مخبراً عن أن المؤمنين هم الذين يعقلون ويتفكرون ويذكرون الله شكراً له على نعمه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191]. إلى قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195].
وقال مخبراً عن الكفار: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

لهذا تجد أعداء الله الكافرين - إذا خلا لهم الجو بفقد راية الجهاد التي تؤدبهم، يستغلون خيرات الأرض والسماء التي مكنوا منها في تحقيق مآربهم من التمتع بكل ما تصل إليه أيديهم، لا فرق بين حلال وحرام ومن العلو بها في الأرض على البشر، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} [محمد]

وانظر كيف يستخف فرعون قومه ويحاول تضليل الناس، قيم بأنه هو خير من موسى الذي دعاه إلى الله، محتجا بما يملك من خيرات الأرض: أنهار وبساتين وقصور وأساور. كما قال تعالى عنه: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:51-54].

وكذلك يستغلون خيرات الأرض في استئجار غوغاء الناس من الطامعين في المال والجاه، ليؤيدوا باطلهم على رجال الدعوة إلى الله من الأنبياء والرسل. وقد يكون هؤلاء المؤيدون سحرة كما كانوا في عهد فرعون، وقد يكونون محامين وقضاة كما في عهود أخرى وكما هو في هذا العصر. وقد يكونون على هيئة تشريع وهو ما يسمى بالبرلمانات، وقد يكونون كذلك جواسيس وهم الأحزاب المستأجرة الخفية لأعداء الإسلام. قال تعالى: {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف:109-114].

فالملأ الذين أشاروا إلى فرعون، هم مجلس شوراه الذي اشترى ذممهم والسحرة فيهم شبه بالمحامين في هذا العصر الذين يضللون الناس بما يدعونه من حجج على إدانة أهل الحق بقلب الحقائق. وكذلك القضاة ولم يبدأوا عملهم الذي طلبهم من أجله، حتى علموا الحقيقة من فرعون بأن يعطيهم أجرة على قلبهم الحقائق إن قدروا فزادهم فرعون أمراً آخر وهو الجاه. قال: {نعم وإنكم لمن المقربين} !.

وقد يستغلونها في الفخر والخيلاء والعبث، كالقصور العالية التي يتطاولون بها على الناس والأبراج ومباني اللهو والمجون. تأمل كيف ينكر نبي الله هود على قومه عاد، بناء الأبراج العالية التي لا هدف لهم منها إلا الفخر والخيلاء والعبث بالأموال التي صاحبها اتخاذ مصانع عظيمة وبطش بالضعفاء. {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء:130]. ومثل ذلك بناء الأهرامات في مصر.

وقد يستغلون خيرات الأرض في ظلم الناس واغتصاب أموالهم وسلبها بأي وسيلة - كما هو شأن بنوك الربا في هذا العصر - فهؤلاء قوم شعيب عندما نهاهم عن نقص المكيال، وبخس الناس أشياءهم أنكروا عليه ذلك. كما حكى الله عنهم: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:87].

وأعظم من ذلك كله استغلالها في الصد عن سبيل الله.. يشترون بها السلاح لقتال الدعاة إلى الله، ويبنون بها المعتقلات والسجون للزج بهم فيها، ويشترون أجهزة إعلام يبثون بها المنكر الذي يصد عن دين الله، وغير ذلك من السبل التي يستطيعون الحصول عليها عن طريق الأموال. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].
وهذا ما فعله أصحاب الأخدود بالمؤمنين، وكذلك قوم إبراهيم، وهو الذي يفعله أعداء الله الآن حيث يستغلون خيرات الأرض في الصد عن سبيل الله بكل وسيلة. وبهذا يظهر أن من أضرار القعود عن الجهاد في سبيل الله، علو الكفار في الأرض وهيمنتهم، وأنهم بذلك يُقصون حكمَ الله ويمكنون لحكم الطاغوت ويستعبدون الناس ويفسدون الحياة البشرية، ويستغلون خيرات الأرض في تحقيق مآربهم الخبيثة.




السابق

الفهرس

التالي


14435080

عداد الصفحات العام

647

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م