يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(0146)الجهاد في سبيل الله-الفرع السادس:استحقاق المسلمين العذاب الأخروي

(0146)الجهاد في سبيل الله-الفرع السادس:استحقاق المسلمين العذاب الأخروي


ومن آثار ترك المسلمين الجهاد في سبيل الله استحقاقهم -مع عذاب الدنيا- عذاب الآخرة، والذي يراجع الأدلة الواردة في وجوب الجهاد من الكتاب والسنة والإجماع التي أيدها القياس والواقع، لا يبقى معه أدنى شك في أن فريضة الجهاد من ألزم الفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده، فقد ورد الأمر بقتل المشركين، كما قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:5]. وأمر بقتالهم فقال: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14]. وقال عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].



وقال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:5]. وأمر بقتالهم فقال: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14]. وقال عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].


ولكن هذا القتل الذي أمر الله به، يكون عن طريق دولة إسلامية منظمة منضبطة، وليس لأفراد بدون دولة، لما يترتب على تصرفات الأفراد من فوضى قد تضر عامة المسلمين، كما يحصل الآن من بعض الجماعات التي لم تكتف بقتل غير المسلمين فقط، بل تقتل المسلمين في أوطانهم وفي غير أوطانهم، ويستثنى من ذلك أرض فلسطين المباركة التي يحتلها أعداء الله من اليهود ويفسدون فيها كل أنواع الفساد ويدعمهم الصليبيون المتصهينون في الغرب، فلهم الحق في الدفاع عن أنفسهم وبلدهم، حتى يجلو العدو منها، وبخاصة أن السلطة القائمة فيها قد تنازلت عن جهاد العدو بمفاوضاته التي لم يجن منها الشعب الفلسطيني، إلا مزيدا من الإهانات والقتل والاعتقال والسجن والنفي منذ عشرين عاما، ، وهكذا كل بلد يحتلها العدو، كا جرى في أفغانستان، والعراق وغيرهما.



وأمر الله سبحانه بالنفير، وأنكر التثاقل عن النفير والرضا بالحياة الدنيا من الآخرة، وتوعد من قعد عن الجهاد بالعذاب الأليم وهو شامل لعذاب الدنيا والآخرة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38-39]. وقال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41].


وفي حديث أنس بن مالك رضِي الله عنه: "أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) أخرجه أبو داود والنسائي، وفي أخرى للنسائي: (جاهدوا بأيديكم وألسنتكم وأموالكم)". [أحمد، برقم (12268) وأبو داود، برقم (2504) والنسائي، برقم (3096) والحاكم في المستدرك، برقم (2427) وقال: "حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"



وفي حديث أبي هريرة رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق) [ أخرجه مسلم، برقم (1910) وأبو داود، برقم (2502) والنسائي، برقم (3097)]. والذي يظهر أن قوله: (ولم يغز) المراد به القادر الذي تعين عليه الغزو، وقوله (ولم يحدث به نفسه) المراد به غير القادر، أو القادر الذي لم يتعين عليه وتحديث نفسه بالنسبة لغير القادر، أن يعزم على أنه لو قدر لما تأخر والقادر أنه لو تعين عليه ما تأخر..



وعلى كل فهذه النصوص فيها الأمر بالجهاد في سبيل الله وقتال الأعداء، وفيها الإنكار على من تثاقل عن داعي الجهاد في سبيل الله، وفيها تهديد ووعيد له، وفيها إثبات شعبة من النفاق لمن مات ولم يجاهد أو يحدث نفسه بالجهاد، وكلها واضحة في الدلالة على الوجوب، والواجب إذا ترك أثم صاحبه كما هو معروف، وهذا بالإضافة إلى إثم من لم يحاول المسلمون إنقاذه من الكفر، فإنهم يتحملون إثماً بسببه. [راجع حكم الجهاد في الفصل الأول من الباب الأول من هذا البحث]. وهذا من أعظم أضرار القعود عن الجهاد في سبيل الله.


المبحث الثالث: شقاء العالم وفقده السلام.



وفيه أربعة فروع:



الفرع الأول: حرمان العالم من تبليغ الرسالة إليه


إن الذي يحول بين العالم الذي أنزل الله له هذا الكتاب وبعث إليه هذا الرسول، ورضي له هذا الدين، يعد عدواً لله ولدينه وكتابه ورسوله صَلى الله عليه وسلم. بل إنه عدو للعالم كله، لأنه يحرمه بذلك من أغلى ما منحه الله سبحانه وتعالى إياه وهو الهدي الرباني الذي به سعادته في الدنيا والآخرة.



لكن الأمر يكون سهلاً عندما يقف من يصد الناس عن دين الله، فيجد قوة تسند هذا الدين وتدعو إليه وتجاهد في سبيله، حتى يسمع أهل الأرض أن هناك ديناً تدعو إليه أمة من البشر وتبذل في سبيل إبلاغه والدفاع عنه كل ما تملك، من مال وجاه ومنصب ونفس.



إن الناس سيتجهون إلى صوت الداعي، يسمعون إلى ما يدعو إليه، وينظرون إلى هذا الدين وهو يطبق في الأرض، فيسمعون محاسنه بآذانهم، ويرونها مطبقة فعلاً في أعمال الذين يدعون إليه فيهدي الله من شاء من عباده.. فينضمون إلى أهل هذا الدين عاملين مجاهدين، فيكثر أنصاره وينتشر في الأرض، وهذا ما كان عليه الإسلام في عهد رسول الله صَلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.



أما أن يتصدى أعداء الإسلام لمضايقة من آمن بهذا الدين، ويشوهون معانيه وينشرون أدياناً محرفة، ومذاهب ملحدة، تخالف هذا الدين وتضاده، ثم يقعد المسلمون الذين كلفهم الله حمل أمانة الإسلام والعمل به والدعوة إليه والجهاد لإعلائه، فلا يكونون قدوة حسنة، ولا يبلغون رسالة الله، ولا يحمون ديته وأهله من العدو، فإنهم بقعودهم عن الجهاد في سبيل الله والحالة هذه يكونون أشد إجراماً وأعظم ظلماً للعالم، إذ يحرمونه من دين الله الذي يشقى بفقده في الدنيا والآخرة، وقد تعين عليهم أن يبلغوه إياه.. لأنه لا توجد أمة في الأرض تستطيع أن تبلغ هذا الدين للعالم غير الأمة الإسلامية..



والله سبحانه وتعالى قد قال لرسوله صَلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة:67]. أي وإن لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك، فإنك لم تقم بوظيفة الرسالة التي اصطفاك الله وخصك بها.



وأمره سبحانه أن يبين لأمته أن سبيله هي الدعوة إلى الله على بصيرة هو وأتباعه، كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].


وكان صَلى الله عليه وسلم لشدة حرصه على فهم الناس تبليغه عن ربه يكرر عليهم مثل قوله: (ألا هل بلغت) ثلاثاً، وهم يجيبونه: ألا نعم، لا سيما إذا كان في جمع عظيم، قد يخفى على بعض الحاضرين شيء من كلامه..



كما في حديث عبد الله ابن عمر رضِي الله عنهما، قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة)؟ قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: (ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة)؟ قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: (ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة)؟ قالوا: ألا يومنا هذا، قال: (فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم، إلا بحقها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت) ثلاثاً...كل ذلك يجيبونه: ألا نعم قال: (ويحكم – أو ويلكم- لا ترجِعُنَّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). [البخاري رقم 6785، فتح الباري (12/85)].



وكان إذا بلغ أصحابه صَلى الله عليه وسلم، أمر حاضرهم أن يبلغ غائبهم. كما في حديث أبي بكر في خطبته رضِي الله عنه يوم النحر- هو قريب من حديث ابن عمر السابق - وفيه: (ليبلغ الشاهد الغائب...) الحديث. [البخاري رقم67، فتح الباري (1/157) وراجع صحيح مسلم (2/988)].



وأمره أمته أن يبلغوا عنه ما جاءهم به قل أو كثر عند أحدهم، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضِي الله عنهما: "أن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) [البخاري رقم3461، فتح الباري (6/496)].



قال الحافظ ابن حجر رحمه الله نقلاً عن المعافي النهرواني: "وقال في الحديث: (ولو آية)، أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قل، ليتصل بذلك نقل جميع ماجاء به". [الفتح (6/498)].



وإذا كانت أمة محمد صَلى الله عليه وسلم يشهدون مع نبيهم، على الأمم السابقة، أن أنبياءهم بلغوهم، فهل تعذر هذه بالقعود عن تبليغ الناس هذا الدين؟ لا سيما وقد أمرها الله ورسوله بهذا التبليغ؟. عن أبي سعيد الخدري رضِي الله عنه قال: "قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (يجاء بنوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب فتسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته، فيجاء بكم فتشهدون). ثم قرأ رسول الله صَلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً..} [البخاري رقم7349، فتح الباري (13/316) والآية من سورة البقرة:143].


هذه الأمة التي اختارها الله لحمل هذا الدين وتبليغه، إذا لم تقم بالجهاد في سبيل الله لا يتم تبليغها الناس، لأن التبليغ لهذا الدين ليس بالخطب والمواعظ وحدها، وإنما بها وبإزالة السدود التي يضعها الطواغيت ضد الدعوة إلى الإسلام، إما بإسلامهم وإما بدفعهم الجزية مع الصغار وترك الناس أحراراً يعتقدون ما يريدون دون استعباد ولا ظلم.. وذلك لا يكون إلا بالجهاد في سبيل الله، لأن الطواغيت لا يتركون الدعوة إلى الله تسير في طريقها، يسمعها من يشاء ويهتدي بها من شاء ويتركها من شاء، بل يصدون دعاة الإسلام ويصدون الناس عن سماع دعوتهم..



فلا بد أن تظهر الدعوة للناس في أمة مهابة الجانب، عندها قوة تحمي نفسها وتحمي من استجاب لها، وتؤدب من اعتدى عليها أو صدها.. وإلا فإن العالم سيحرم من تبليغ هذه الدعوة والتمتع بهذا الدين بدون الجهاد في سبيل الله.



ولا يغرنك ما يوجد في بعض دول الكفر الغربية، كأوربا وأمريكا من فتح الباب للدعاة إلى أي دين يعظون ويرشدون دون أن تتعرض لهم الدولة بمكروه في هذا الزمن، فإن سبب سكوتها وعدم معارضتها ثقتها بهيمنة الكفر وأنظمته وقوانينه، وقلة الدعاة وضعف تأثيرهم في الناس، لأن المحيط الذي يدعون فيه قد كثرت فيه وسائل الصد عن سبيل الله، من الشهوات والمغريات والسعي وراء المادة وعدم الاكتراث بشؤون الدين، إلا من النزر اليسير الذي يعد كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو العكس، بدليل أنهم يدعمون الحكومات العلمانية التي تبعد حكم حكم شريعة الله التي فرضها في القرآن والسنة في البلدان الإسلامية، وتتابع فيها كل سبب قد يؤدي إلى وعي المسلمين وفقههم لتلك الشريعة، فيطالبون من يتولى أمرهم بتطبيقها، كما تفعل أمريكا في ضغطها على حكام المسلمين، بتغيير مناهج التعليم، وحذف كل ما تشعر منه بالخطر فيها، سواء في التاريخ أو الجغرافيا أو غيرهما، وقد استجابت لها بعض الحكومات في كثير من مطالبها، ولكنها لا زالت تلاحق ما تظن في بقائه في تلك المناهج من خطر ولو بطريق غير مباشر.



تابع بعض الروابط المتعلقة بحرص أمريكا على تغيير مناهج التعليم في البلدان الإسلامية:



http://alarabnews.com/alshaab/2004/13-02-2004/manaheg.htm





ثم إن الدعوة تصدر من أفراد لا دولة لهم، ولا يتصدون لزعماء تلك البلاد بالدعوة إلي الإسلام، كما كان ذلك أسلوب رسول الله صَلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان..هذه هي الدعوة الصحيحة والتبليغ الشرعي الذي حُرِمَه العالم بسبب قعود المسلمين عن الجهاد في سبيل الله.



ويحسن هنا نقل هذه الصيحة من العالم الجليل شيخنا العلامة، أبي الحسن علي الحسني الندوي، يذكر بها المسلمين إنقاذَ آبائهم في الماضي العالَمَ بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، ويدعوهم إلى الاقتداء لإنقاذ العالم اليوم، بتلك الدعوة وذلك الجهاد، وإلا فإنه سيبقى العالم في الشقاء والتعاسة لحرمانه من هذه الدعوة وذلك الجهاد.



قال رحمه الله: "وقد وقف العالم في القرن السادس المسيحي على مفترق الطرق إما أن يتقدم العرب، ويعرضوا نفوسهم وأموالهم وأولادهم وكل ما يعز عليهم للخطر، ويزهدوا في مطامع الدنيا، ويضحوا في سبيل المصلحة الاجتماعية بأنانيتهم، فيسعد العالم وتستقيم البشرية، وتقوم سوق الجنة، وتروج بضاعة الإيمان، وإما أن يؤثروا شهواتهم ومطامعهم وحظوظهم الفردية، على سعادة البشرية وصلاح العالم، فيبقى العالم في حمأة الضلال والشقاء إلى ما شاء الله..



وقد أراد الله بالإنسانية خيراً، وتشجيع العرب، بما نفخ فيهم محمد صَلى الله عليه وسلم من روح الإيمان والإيثار وحبب إليهم الدار الآخرة وثوابها.. فقدموا أنفسهم فداء للإنسانية كلها، وزهدوا في مطامع الدنيا طمعاً في ثواب الله وسعادة النوع الإنساني، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وضحوا بكل ما يحرص عليه الناس من مطامع وشهوات وآمال وأحلام، وأخلصوا لله العمل والجهاد.. فآتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين.



وقد استدار الزمان كهيئته يوم بعث الرسول، ووقف العالم على مفترق الطرق مرة ثانية، إما أن يتقدم العرب - وهم أمة الرسول وعشيرته - إلى الميدان ويغامروا بنفوسهم وإمكانياتهم ومطامحهم ويخاطروا فيما هم فيه من رخاء وثراء ودنيا واسعة وفرص متاحة للعيش وأسباب ميسورة، فينهض العالم من إساره وتتبدل الأرض غير الأرض، وإما أن يستمروا فيما هم فيه من طمع وطموح وتنافس في الوظائف والمرتبات، وتفكر في كثرة الدخل والإيراد وزيادة غلة الأملاك وربح التجارات، والحصول على أسباب الترف والتنعم، فيبقى العالم في هذا المستنقع الذي يتردى فيه منذ قرون.



إن العالم لا يسعد، وخيرة الشباب في العواصم العربية عاكفون على شهواتهم، تدور حياتهم حول المادة والمعدة، لا يفكرون في غيرهما ولا يترفعون عن الجهاد في سبيلهما.. ولقد كان شباب بعض الأمم الجاهلية الذين ضحوا بمستقبلهم في سبيل المبادئ التي اعتنقوها أكبر منهم نفساً وأوسع منهم فكراً..بل كان الشاعر الجاهلي امرؤ القيس أعلى منهم همة، إذ قال:



ولو أنما أسعى لأدنى معيشة ،،،،،،،،،،،،،،،،كفاني -ولم أطلب- قليلٌ من المال

ولكنما أسعى لمجد مؤثل ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقد يدرك المجدَ المؤثلَ أمثالي



إن العالم لا يمكن أن يصل إلى السعادة، إلا على قنطرة من جهاد ومتاعب يقدمها الشباب المسلم..إن الأرض لفي حاجة إلى سماد، وسماد أرض البشرية الذي تصلح به وتنبت زرع الإسلام الكريم، هي الشهوات والمطامع الفردية التي يضحي بها الشباب العربي في سبيل علو الإسلام وبسط الأمن والسلام، وانتقال الناس من الطريق المؤدية إلى جهنم إلى الطريق المؤدية إلى الجنة، إنه لثمن قليل جداً لسلعة غالية جداً. [انتهى كىم الأستاذ الندوي من كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص303-305].



ولعل الأستاذ الندوي كان قد تأمل عندما كتب هذه الجمل قول الله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال:7-8].



فإن المسلمين ضحوا بغير ذات الشوكة، عير أبي سفيان وغيرها من مطامع الدنيا، وضحوا بأنفسهم وأموالهم كما أراد الله لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

والمسلمون اليوم مدعوون للتضحية بغير ذات الشوكة من متع الحياة التي أخلدوا بها إلى الأرض، وتركوا الجهاد في سبيل الله فحرموا البشرية تبليغ هذا الدين.





السابق

الفهرس

التالي


14434918

عداد الصفحات العام

485

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م