يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(046)الجهاد في سبيل الله-الوجه الثاني: فضل بعض النوافل بأعيانها و أثرها في تزكية النفس:

(046)الجهاد في سبيل الله-الوجه الثاني: فضل بعض النوافل بأعيانها و أثرها في تزكية النفس:



طرق الخير التي يثاب المسلم على فعلها لا تحصى كثيرة. وقد عني بها علماء المسلمين في كتبهم مستدلين عليها من الكتاب والسنة. وقد سبق الكلام على حث الكتاب والسنة على فعل الخير عموماً، وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في أول باب: "بيان كثرة طرق الخير" في كتابه رياض الصالحين هذه الآيات: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 215]، {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} [البقرة: 197]. {من عمل صالحاً فلنفسه} [الجاثية: 15]. ثم ذكر أحاديث شاملة لكثير من أفراد الطاعات [رياض الصالحين ص68].



وهي تعتبر أمثلة، وإلا فإن النصوص في ذلك لا تحصى كما سبق، وبمراجعة أبواب رياض الصالحين وحده، يظهر للقارئ تلك الكثرة، فكيف وهو قد اختصرت فيه نصوص قليلة من القرآن الكريم، وكذلك أحاديث من كتب قليلة من كتب الحديث.

لذلك لا يحتمل هذا البحث التنصيص على كثير من طرق الخير التي تزكي المسلم وتصله بربه، فيكون بذلك أهلاً للانخراط في سلك المجاهدين في سبيله، ولكن لا بد من التنصيص على بعض تلك الطاعات، وحكم غير ما لم يذكر حكم ما ذكر، وإن تفاوتت الطاعات في الثواب بحسب الوقت والحاجة وما أشبه ذلك.



قراءة القرآن بتدبر وسماعه كذلك:

تلاوة القرآن الكريم مأمور بها عبادة الله، إذ هو أفضل كلام يتعبد به في الصلاة وغيرها، لأنه كلام الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} [النمل: 91ـ92].

وتلاوته شاملة لقراءته مطلقاً، وإن كان السياق هنا يدل على قراءته على الناس لتبليغهم وإنذارهم. [انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/378)].

وإذا كانت تلاوة القرآن وسيلة للدعوة إلى الله، فإن كونها وسيلة لتزكية نفس القارئ من باب أولى. [انظر في ظلال القرآن (20/2670)].



ولقد بين رسول الله صَلى الله عليه وسلم منزلة قارئ القرآن الحاذق في حفظه وقراءته، كما بين الثواب الذي يجزله الله لقارئه الذي يشق عليه.

كما في حديث عائشة رضيَ الله عنها قالت: "قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم : (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البرة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه ـ أي في تلاوته لضعف حفظه أو قراءته ـ وهو عليه شاق له أجران). [البخاري: رقم 4937 فتح الباري (8/691) ومسلم (1/459)]. وفي رواية "والذي يقرأ وهو يشتد عليه أجران".



ويكفي قارئ القرآن فضلاً، استماع الله لصوته الحسن بكلامه تعالى، كما في حديث أبي هريرة رَضِي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم : (لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن) (يريد يجهر به) [البخاري رقم 5023، فتح الباري (9/68) ومسلم، برقم (792)].



وتأمل الفرق البعيد بين قارئ القرآن (لا سيما العامل به) وغيره في هذا المثال النبوي الذي تضمنه حديث أبي موسى الأشعري رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر) [البخاري رقم 5427، فتح الباري (9/555) ومسلم (1/549)].



وعن عبد الله ابن مسعود رضِي الله عنه قال: (تعلموا هذا القرآن فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: بألم، ولكن بألف، ولام، وميم، بكل حرف عشر حسنات…) [الدارمي (2/308) قال المحشي: الحديث هنا موقوف على عبد الله بن مسعود، وقد روى نحوه الترمذي مرفوعاً، وقال: حسن صحيح غريب، وهو قطعة من حديث طويل، رواه الحاكم عن إبراهيم البري عن أبي الأحوص عنه مرفوعاً، وقال: تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح. الحديث في المستدرك (1/755) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"].



ولقد أدرك أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم ذلك الفضل العظيم لقراءة كتاب الله، فبالغ بعضهم في قراءته ليستكثر من الحسنات، وكان يقرأه كله في ليلة واحدة، فأنكر ذلك رسول الله صَلى الله عليه وسلم عليه، لما فيه من تفويت بعض حقوق نفسه وحقوق أهله، وما ينبني عليه من أثر العجز عنه والاستمرار عليه، وسبق أن أحب العمل أدومه وإن قلَّ، فأمره رسول الله صَلى الله عليه وسلم أن يقرأه في شهر فقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، فأمره أن يقرأه في سبع ونهاه عن أن يزيد عليها.



عن عبد الله بن عمرو رضيَ الله عنهما، قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم : (اقرأ القرآن في شهر) قلت: إني أجد قوة… حتى قال: (اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) [البخاري رقم 5054، فتح الباري (9/95) ومسلم (3/814)].



وفي رواية (قال: وكيف تختم؟ قلت: كل ليلة) الحديث [البخاري (9/94)].

ولا بد للقارئ أن يتدبر كلام الله ويتفهم مراميه، ليحقق الحكمة من إنزاله، كما قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، وليتذكر أولوا الألباب} [سورة ص: 29].



و بتدبر المؤمن كتاب الله ينجو من مشابهة أولئك المنافقين، الذين أنكر الله عليهم عدم تدبرهم الذي كان من أثره تغييرهم أوامر الله ورسوله، التي تعلمونها منه صَلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} [النساء: 82]. وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها} [محمد: 24]. وقال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: 204].



وبمداومة أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن وتدبره والإنصات له وتطبيقه، وصلوا إلى تلك القمة العالية في التربية والتزكية.



قال محمد رشيد رضا،رحمه الله: "فتربيته الصحابة التي غيرت كل ما كان بأنفسهم من مفاسد الجاهلية، وزكتها تلك التزكية التي أشرنا إليها آنفاً وأحدثت أعظم ثورة روحية اجتماعية في التاريخ، إنما كانت بكثرة تلاوة القرآن في الصلاة وتدبره في غير الصلاة [وفي الصلاة أولى] وربما كان أحدهم يقوم الليل بآية واحدة يكرها متدبراً لها، وكانوا يقرؤونه في كل حال حتى مستلقين ومضطجعين. كما وصفهم الله بقوله: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} [آل عمران:191].



وأعظم ذكر الله، تلاوة كتابه المشتمل على ذكر أسمائه الحسنى وصفاته المقدسة، وأحكامه وحكمه وسننه في خلقه، وأفعاله في تدبير ملكه كما تقدم" [الوحي المحمدي ص163].



عرض الإنسان نفسه على القرآن.



وعندما يقرأ المؤمن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى لهداية البشرية في هذه الحياة إلى صراطه المستقيم،كما قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 19]، عندما يقرأ المؤمن هذا القرآن، وهو يذكر صفات المؤمنين ويمدحها ويثني عليها ويدعو للاتصاف بها، وكذلك يذكر صفات أعداء الله من الكافرين والمنافقين ويذمها ويحذر منها، فإنه بذلك يعلم أهو من عباد الله المؤمنين؟ أهو سائر في طريقهم، أم يزوغ عنه هنا وهناك؟ وبذلك يستطيع أن يُقَوِّمَ نفسَه في إيمانه وسلوكه ومعاملاته، وفي كل شأن من شؤون حياته، على منهج هذا القرآن.



قال شيخنا العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وهذه الآية {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} الكريمة أجمل الله جلّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال، لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة". [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/409)].



وقد أشارت إلى هذا المعنى، عائشة رضيَ الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله صَلى الله عليه وسلم؟ قالت للسائل: ألست تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى، قالت: "فإن خلق نبي الله صَلى الله عليه وسلم كان القرآن" [صحيح مسلم (1/513) وأورد ذلك بن كثير في تفسير قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} في أحاديث متعددة].



وقال ابن كثير رحمه الله: "ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام، صار امتثال القرآن أمراً ونهياً، سجية له وخلقاً تطبعه وترك طبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل" [تفسير القرآن العظيم (4/402)].



وفي القرآن الكريم ما يقوي الإيمان، ويدعو إلى البذل، ويبين صفات المجاهدين التي يجب أن يتحلى بها من يريد أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، وكلما أكثر الإنسان من قراءة القرآن بتدبر، ازداد علماً وعملاً، وحصلت له التزكية التي نزل القرآن الكريم من أجلها، وبعث الرسول صَلى الله عليه وسلم للقيام بها. كما قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليه آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [الجمعة: 2].



وهذا ما دعا عبد الله بن مسعود رضِي الله عنه أن يقول: "إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا..} فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه" [سنن سعيد بن منصور برقم (50) وزاد المعاد لابن القيم (1/113)].



وبهذا يعلم أثر قراءة القرآن بتدبر، في مجاهدة النفس، وتزكيتها وتطهيرها، وإعدادها لجهاد أعدائها.



صلاة التطوع:



الصلوات المفروضة فرض عين هي الصلوات الخمس التي فرضها الله على هذه الأمة خمساً، وجعل ثوابها خمسين ـ الحسنة بعشر أمثالها ـ وقد سبق أنها ركن من أركان الإسلام، وهي الركن الوحيد الذي ربط الله به المسلم خمس مرات في يومه وليلته.



ولعظم شأن الصلاة وما تشتمل عليه من معانٍ تزكي المؤمن وتطهره، شرع الله سبحانه للمؤمن غيرها من الصلوات التي ترافقها، قبل الفرض وبعده أو قبله فقط، وهي التي تسمى بالسنن الراتبة، لتكون القبلية مهيئية صاحبها للإقبال إلى الله تعالى في الفريضة، ولتكون البعدية مذكرة له بدوام ارتباطه به سبحانه، ولتكون كلاهما ـ القبلية والبعدية ـ مكملة لما قد يحصل عليه من نقص في فريضته كما مضى.



قال ابن قدامة رحمه الله ـ مبيناً السنن الراتبة ـ (وهي عشر ركعات: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر) [زاد المعاد (2/102) المغني (2/93)]. و قال: "ورأى بعض العلماء أن الراتبة قبل الظهر أربع، ورأى بعضهم أن للعصر راتبة وهي أربع" ورجح ابن قدامة أن لا راتبة للعصر، وإن كان الرسول صَلى الله عليه وسلم حث عليها. وعلى كلٍ فهي عشر على القول الأول، و أربع عشرة أو ست عشرة ركعة، على ما ذكر بعده، ومن السنن الراتبة ركعتان أو أربع ركعات بعد صلاة الجمعة. كما شرع للمؤمن صلوات أخرى غير الراتبة، مثل قيام الليل، وصلاة التراويح في رمضان، والوتر، وسنة الضحى، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة ـ وهي فرض كفاية ـ ولكنها تصبح في حق من لم تجب عليه تطوعاً، وركعتين قبل صلاة المغرب بعد الأذان، وركعتي تحية المسجد لمن أراد الجلوس فيه، وركعتي صلاة الاستخارة". [المغني (2/93ـ100)].



ولا حاجة لذكر كثرة النصوص الواردة في هذه النوافل، ومن أراد أن يطلع عليها فليرجع إلى كتب الحديث وكتب الفقه التي فصلت ذلك تمام التفصيل. [انظر مثلاً زاد المعاد (2/102 ـ 121) وكذا (2/150ـ156)].



و المقصود ذكر تلك النوافل التي شرعها الله تعالى لعبده المؤمن، منها ما هو متكر مع الفرض وبعضها آكد من بعض، ومنها ما يتكر كل يوم ليلاً أو نهاراً، ومنها ما يشرع لسبب من الأسباب ويشمل الجميع وصف التعيين فهي معينة كما ترى.



ولم يقتصر الرسول صَلى الله عليه وسلم على ذلك، بل حثَّ أمته صَلى الله عليه وسلم على الإكثار من الصلاة ـ غير المفروضة وغير النافلة المعينة ـ وبين صَلى الله عليه وسلم أن الصلاة ترفع الدرجات، وتمحو الخطايا، وتؤهل المكثر منها لمرافقته صَلى الله عليه وسلم في الجنة. كما ثبت في صحيح مسلم عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: "لقيت ثوبان مولى رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صَلى الله عليه وسلم فقال: (عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطّ عنك بها خطيئة)، قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء، فسألته فقال لي مثل ما قال لي ثوبان.



وفي حديث ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: "كنت أبيت مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه، وحاجته فقال لي: (سل) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: (أو غير ذلك)؟ قلت: هو ذاك، قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود). [الحديثان في صحيح مسلم (1/353)].



ومع ملازمة الرسول صَلى الله عليه وسلم التقرب إلى ربه بصلاة النافلة، إذ كان يقوم حتى ترم قدماه، كما في الصحيحين من حديث المغيرة قال: "إن كان النبي صَلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له: فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً)" [البخاري رقم 1130 فتح الباري (3/14)، ومسلم (4/2171)].



مع ذلك كان صَلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أن ينال أصحابه هذا الفضل العظيم، لتزكية نفوسهم وفوزهم بالقرب من الله تعالى وبحبه وتوفيقه، فكان يحذرهم من أن يثبطهم الشيطان عن التنفل بالصلاة، ولا سيما صلاة الليل، فقد ذكر عنده صَلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح ـ أي لم يقم الليل ـ فقال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه). [البخاري رقم 3270 فتح الباري (6/335) ومسلم (1/537)].



وأوضح صَلى الله عليه وسلم حرص الشيطان على حرمان المسلم من هذا الفضل العظيم فقال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدةٍ: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان). [البخاري رقم 1142 فتح الباري (3/24) ومسلم (1/538)].



وكان صَلى الله عليه وسلم لشدة حرصه على أن لا يحول الشيطان بين أصحابه وبين فضل الله العظيم، يتفقد أقرب المقربين إليه، ويحثهم على قيام الليل. كما في حديث علي بن أبي طالب رضيَ الله عنه: أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلةً، فقال: (ألا تصليان)؟ فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك، ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته وهو مولٍّ يضرب فخذه وهو يقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً) [البخاري رقم 1127، فتح الباري (3/10) ومسلم (1/537) والآية من سورة الكهف رقم: 54].



ولقد كان أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم، يسارعون إلى الإكثار من صلاة التطوع حتى تتعب أجسامهم، فيكاد يسقط أحدهم من الإعياء، ولكنه يشعر بالراحة والاطمئنان، فلا يبالي تعب جسمه، فيمد الحبل ليتعلق به عند الإعياء، فيشفق عليهم رسول الله صَلى الله عليه وسلم، ويأمرهم بفعل ما يطيقون. ففي حديث أنس بن مالك رضِي الله عنه قال: دخل النبي صَلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال: (ما هذا الحبل)؟ قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صَلى الله عليه وسلم : (لا، حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد). [البخاري رقم 1150، فتح الباري (3/36) ومسلم (1/541)].



والأحاديث والآثار الواردة في حرص الرسول صَلى الله عليه وسلم وحرص أصحابه على صلاة النافلة أكثر من أن تحصى فليعد إليها من أراد. [انظر مثلاً أول الجزء السادس من كتاب جامع الأصول في أحاديث الرسول صَلى الله عليه وسلم للعلامة الأثير الجزري مطبعة الملاح1392هـ].



ويتضح مما مضى أن من آثار المحافظة على صلاة التطوع، محبة الله تعالى لعبده وتوفيقه إياه لعمل ما يرضيه عنه، وأنها تحقق للعبد شكر لله سبحانه، وترفع درجاته عنده، وتمحو خطاياه، وتؤهله للنعيم الدائم: الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأنها من أهم أسباب مرافقة الرسول صَلى الله عليه وسلم وكفى بذلك وغيره تزكية للنفس وتطهيراً لها وإعدادها للجهاد في سبيل الله ورفع رايته.



أثر قيام الليل في تزكية النفس والصبر على البلاء



هذا وإن من أراد أن ينصب نفسه للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه، فلا بد أن يعلم أنه معرض للابتلاء وكره الناس ووقوفهم ضده، ومحاولتهم إغراءه بشتى أنواع المغريات، ليسكت ويعرض عنهم ويتركهم وما يشتهون، فإن لم يفد معه الإغراء والترغيب، فإنهم لا بد منتقلون إلى الوعيد والتهديد، ووضع كل العراقيل في سبيله، بل سيعتدون على ماله وعرضه ونفسه، فلا يدعونه وشأنه، كما كان أمر جميع الأمم مع الأنبياء، وكما وقع من كفار قريش والجزيرة العربية مع الرسول صَلى الله عليه وسلم.



والصبر على ذلك ليس سهلاً بل هو أمر شاق، بل إنه لا يطيق ـ بدون سند رباني ـ مواصلة الدعوة والجهاد مع تكالب الأعداء عليه، والأعداء دائماً كُثُر، وأعدى أعداء الإنسان وأقربهم إليه نفسه وهواه وشيطانه.



لذلك لا بد من زاد للصبر، وعدة للسير ووقود للاستمرار، وما ذلك الزاد وتلك العدة وهذا الوقود، إلا اللجوء إلى الله والاعتماد عليه، وطلب العون منه بالتقرب إليه، ولا سيما ـ في جوف الليل ـ عندما يأوي إلى فراشه بعد الأتعاب والهموم والأحزان والعراك المتنوع، في هذا الوقت الذي يأخذ الإنسان يحدث نفسه عما لاقاه، وتحاول تثبيطه وتوهينه، لتحول بينه وبين مواصلة الجهاد والكفاح الدائمين حتى يلقى ربه.



هنا لا بد له أن يفزع إلى ربه ويقف بين يديه، طالباً منه المدد والعون، مستمداً منه القوة والعزم على الجهاد في سبيله، ذاكراً له بالتكبير الذي يملأ جوانح نفسه بربه، فلا يهاب إلا إياه راكعاً وساجداً له، فلا يخضع لسواه، مناجياً له بكتابه، متدبراً معانيه متفقها في أوامره ونواهيه، عالماً أسراره وحكمه، فيذهب عنه التعب، لارتياح نفسه بطاعة مولاه، وتنزاح الوحشة عنه، لأنسه بمن يناجيه في جوف الليل الذي سكن فيه الناس إلى مضاجعهم نائمين غافلين عن الله، أو صاخبين فيه على منكراتهم غير مبالين.



عند ذلك تتجدد الهمة وتقوى العزيمة وتخلص النية، فيتمثل أمامه أنبياء الله ولسان حالهم جميعاً يقول للأعداء: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} [هود: 54ـ56].



قال سيد قطب رحمه الله ـ عند قوله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} [المزمل: 5]: "وإن قيام الليل والناس نيام، والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفاسفها، والاتصال بالله، وتلقي فيضه ونوره، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى، وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة، واستقبال إيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ والجهد المرير، الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل، وينير القلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير". [في ظلال القرآن (29/3745)].



صوم التطوع



سبق أن ذكرنا أن صيام رمضان أحد أركان الإسلام، وأنه ذو أثر عظيم في تزكية النفس وتطهيرها، وأنه يؤدي بالصائمين إلى تقوى الله.



وإن نفل الصوم كذلك، وقد كان رسول الله صَلى الله عليه وسلم يُكثر من صيام التطوع. ففي حديث أنس رضِي الله عنه قال: "كان رسول الله صَلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى يظن أنه لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أنه لا يفطر منه شيئاً، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته، ولا نائماً إلا رأيته". [البخاري رقم 1972 فتح الباري (4/115) ومسلم (2/812)].



وصام صَلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وحث على صيامه، كما في حديث ابن عباس عنهـما قال: قدم النبي صَلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: (ما هذا)؟ قالوا: يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: (فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه). [البخاري رقم 2004 فتح الباري (4/244) ومسلم (2/795].



وكان صَلى الله عليه وسلم يكثر الصيام في شهر شعبان، كما في حديث عائشة رضيَ الله عنها قالت: "كان رسول الله صَلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صَلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان". [البخاري رقم 1969 فتح الباري (4/213) ومسلم (2/810)].



وحث صَلى الله عليه وسلم على صيام ست من شهر شوال، وبين أن من صامها بعد رمضان فكأنما صام الدهر. ففي حديث أبي أيوب الأنصاري رضيَ الله عنه: "أن رسول صَلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر)". [مسلم (2/822)].



كما كان صَلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم الإثنين ويوم الخميس، كما في حديث عائشة. [جامع الأصول (ت م س) (6/322)].



وكان يأمر أصحابه صَلى الله عليه وسلم بصيام أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر. [جامع الأصول (6/325) ومسلم (2/817)].



وكان صَلى الله عليه وسلم يقول: (صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله) [البخاري رقم 1979 فتح الباري (4/224)].

وللصيام أثر كبير في تزكية النفس وتطهيرها، لما فيه من التزام المؤمن وصبره عما هو حلال له في الأصل من أجل الله سبحانه، ولذلك أبهم الله أجر الصوم وكان فضل الصوم عند الله عظيماً.



كما أن الصائم القادر على منع نفسه من الطعام والشراب والجماع، التي هي من أكثر الأمور التي تتوق إليها نفس المسلم، لا سيما عند حاجته إليها، قادر كذلك على الصبر على أذى الناس وعدم الرد بالمثل، والصوم يقي صاحبه من الأوضار في الدنيا ومن النار في الآخرة. ففي حديث أبي هريرة رضِي الله عنه أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جنة، فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها). [البخاري رقم 1894 فتح الباري (4/103) ومسلم (2/806 ـ807)].



وخص الله الصائمين في الدنيا، بباب في الجنة، إكراماً لهم لا يدخله سواهم، جزاء لهم وميزه لما كانوا يقاسونه من عطش الصيام، باسم: "الريان". كما في حديث سهل رضيَ الله عنه: "عن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد)". [البخاري رقم 1896 وفتح الباري (4/111) ومسلم (2/808)].



ولما في الصوم من تزكية وتطهير وأجر عظيم، اشرأبت نفوس أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم إليها، أراد بعضهم أن يصوم الدهر كله، فنهاهم الرسول صَلى الله عليه وسلم عن ذلك، رفقاً بهم من أن لا يطيقوا ذلك كغيره من العبادات، وبين لهم صَلى الله عليه وسلم أن صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله [أي لأن الحسنة بعشر أمثالها].



فلما لم تطب نفسوسهم بذلك، أرشدهم بعدم الزيادة على صوم داود: صيام يوم وإفطار يوم، وأخبرهم أن ذلك هو أحب الصيام إلى الله. ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عنهـما قال: "قال لي النبي صَلى الله عليه وسلم : (إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل)؟ فقلت: نعم، قال: (إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس [أي تعبت] لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله). قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: (فصم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى). [البخاري رقم 1979 فتح الباري (4/224) ومسلم (2/814)]. وفي رواية: (وأحب الصيام إلى الله صيام داود).



تأمل كيف ربط النبي صَلى الله عليه وسلم بين جهاد النفس بالعبادة وجهاد الأعداء في سبيل الله. فقال: (ولا يفر إذا لاقى)، فإن في ذلك تنبيهاً على أن التقرب إلى الله إذا أداه صاحبه على الوجه المطلوب الذي يرضي ربه، فإنه يثمر القيام بحق الله في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله مع الثبات وعدم الفرار.



وهكذا كان أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم، كانوا يبيتون ركعاً سجداً، مبتلة لحاهم بدموعهم خشية من الله، فإذا أصبح الصباح فلاقوا العدو استبطأ أحدهم أكل تمرات في يده، شوقاً إلى لقاء الله، فيرمي تمراته ويدخل في الصف ويقاتل حتى يقتل، وكان الذين يتزاحمون على الصف الأول في الصلاة، يتزاحمون على الصف الأول عند اللقاء أيضاً.



وفي الصيام ـ كالحج ـ شبه بالجهاد في سبيل الله، لما فيه من الجوع والعطش والبعد عن الأهل وغير ذلك مما يحتاج إلى صبر وجهد كثير.



تطوع الحج والعمرة:



فُرِض الحج على المسلم بشروطه المبينة في كتب الفقه مرة واحدة في العمر، أما العمرة فاختلف في وجوبها، وليس البحث الآن بصدد بيان حكمها، ولكن على القول بوجوبها فإنها كذلك واجبة مرة واحدة في العمر، ويبقى باب التطوع مفتوحاً بالحج كل عام، وبالعمرة في أي وقت من الأوقات ـ وإن كره بعضهم تكرارها في العام، وكره بعضهم فعلها في بعض الأوقات، كأيام التشريق مثلاً.



والحديث الصحيح يدل على أن الإكثار من العمرة مُزَكٍّ للنفس ومطهر لها، وسُلَّمٌ إلى ثواب الله.



ففي حديث أبي هريرة رضيَ الله عنه: أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) [البخاري رقم 1773 فتح الباري (3/597) ومسلم (2/983)].



وفي حديثه أيضاً قال: "قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). [البخاري رقم 1819 فتح الباري (4/20) ومسلم (2/983)].



هذا مع ما يشتمل عليه الحج والعمرة من مشاق السفر ومفارقة الأهل والوطن، وما يتضمنه كل منهما من أذكار وطاعات كثيرة.



والحديثان شاملان لحج الفرض وحج التطوع لعموم لفظهما، وإذا كانت العمرة إلى العمرة تكفران ما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، والحاج الذي يؤدي حجه كما يرضي ربه يرجع كيوم ولدته أمه، فإن ذلك يظهر ما للحج والعمرة من التزكية والتطهير للنفس البشرية.





السابق

الفهرس

التالي


14434982

عداد الصفحات العام

549

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م