يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(049)الجهاد في سبيل الله-الأمر السابع لمجاهدة النفس: التوبة إلى الله تعالى.

(049)الجهاد في سبيل الله-الأمر السابع لمجاهدة النفس: التوبة إلى الله تعالى.



ومن أعظم الأمور التي تزكى بها النفس وتطهر، حملها على ترك الذنب والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الإنسان بشر والبشر يخطئ ويصيب ويطيع ويعصي، وليس العيب في الخطأ والمعصية مع التوبة، وإنما العيب في الاستمرار على المعصية، فقد أذنب آدم عندما عصى ربه فأكل من الشجرة، ولكنه تاب، فتاب الله عليه وغفر له، وأذنب إبليس عندما امتنع من السجود لآدم، وقد أمره الله به ولم يتب إلى الله، فلعنه الله وأبعده من رحمته، وأطال عمره ليتحمل أوزاره وأوزار من يضلهم، إلى يوم القيامة.



والتوبة من الذنوب واجبة فور وقوع الذنب، أمر الله بها في كتابه، فقال: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31].



ويجب أن تكون التوبة خالصة لله تعالى، متضمنة الرجوع الصادق إلى الله عـز وجل قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا الله توبة نصوحا} [التحريم: 8].



وأمر بها رسوله صلّى الله عليه وسلم، وكان هو صلّى الله عليه وسلم يداوم عليها. ففي حديث الأغر بن يسار المزني رضِي الله عنه قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة)" [مسلم (4/2075)].



وفي حديث أبي هريرة رضِي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)" [البخاري رقم 6307، فتح الباري (11/101)].



وباب التوبة مفتوح، فلا يقنط العاصي من التوبة، ما لم تظهر علامات الساعة القريبة من وقوعها، كطلوع الشمس من مغربها، وما لم يستيقن الموت كأن يغرغر. كما في حديث أبي موسى الأشعري رضِي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها) [مسلم (4/2113)].



وفي حديث عبد الله بن عمر رضِي الله عنهما: "عن النبي صلّى الله عليه وسلم، قال: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)" [الترمذي رقم 3603، تحفة الأحوذي (9/521) وقال الترمذي حديث حسن غريب]. وهذا الحديث حدد فيه الرسول صَلى الله عليه وسلم، آخر وقت يقبل الله فيه التوبة، وهو ما قبل إيقان الإنسان بحضور أجله، ولا يفهم منه عفوا الله تعالى على المذنب قبل ذلك، بل إذا لم يتب الإنسان بعد تعاطيه الذنب مباشرة فهو آثم.



والتوبة النصوح ما توافرت فيها شروط أربعة



قال الإمام النووي رحمه الله: "قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط: أحدها أن يقلع عن المعصية، والثاني أن يندم على فعلها، والثالث أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً، فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته، وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي، فشروطها أربعة: هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها" [رياض الصالحين: 10].



وتوبة العبد يفرح بها ربه لرحمته إياه، كما في حديث أنس رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم، سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) [مسلم: 4/2105].



وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يشتد فرحه ويعظم سروره لتوبة بعض أصحابه، كما في قصة كعب عندما نزلت توبة الله عليه، قال رضِي الله عنه: فلما سلمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: وهو يبرق وجهه من السرور، ويقول: (أبشر بخير يوم مر عليك من يوم ولدتك أمك) [مسلم (4/2120) وما بعدها].



وهكذا كان أصحابه رضِي الله عنهم يفرح بعضهم بتوبة الله على بعض، وفي قصة كعب قال: " فآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عـز وجل علينا حيث صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا".



وكان التائب منهم يفرح بتوبة الله عليه فرحاً لا يعدله فرح في الدنيا، ويدلل على صدق توبته بعمله، فهذا كعب يقول: "يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله" ويقول: "يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت"، ويقول: "والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي". [كل النصوص التي أشير إليها من حديث كعب تراجع في مسلم (4/2120) رقم الحديث 2769].



فإذا ذَكَّر المسلم نفسَه بوجوب التوبة من الذنب، فعلاً كان أو تركاً، وإذا ذكرها بفرح الله بتوبتها، وبفرح رسوله صلّى الله عليه وسلم، وبفرح عباد الله الصالحين، فإن ذلك يكون من دواعي رجوعها إلى الله وتزكيتها بالتوبة إليه سبحانه.



قد يكون التائب من الذنب أكثر حذراً من الوقوع فيه مرة أخرى، لأنه قد ذاق مرارته بالوقوع فيه، وذاق حلاوة التوبة إلى الله بالبعد عن معصيته، كما أنه يحرص على الفضل العظيم الذي من الله به عليه، ومنه كون الله يبدل سيئاته حسنات.



قال ابن تيمية رحمه الله: " فالعبد المؤمن إذا تاب وبدل الله سيئاته حسنات، انقلب ما كان يضره من السيئات بسبب توبته حسنات ينفعه الله بها، فلم تبق الذنوب بعد التوبة مضرة له، بل كانت توبته منها من أنفع الأمور له، والاعتبار بكمال النهاية، لا بنقص البداية… والله تعالى يبتلي عبده المؤمن بما يتوب منه، ليحصل له بذلك من تكميل العبودية والتضرع والخشوع والإنابة إليه، وكمال الحذر في المستقبل والاجتهاد في العبادة، ما لم يحصل بدون التوبة، كمن ذاق الجوع والعطش والمرض والفقر، ثم ذاق الشبع والري والعافية والغنى والأمن، فإنه يحصل له من المحبة لذلك وحلاوته ولذته، والرغبة فيه وشكر نعمة الله عليه، والحذر أن يقع فيما حصل أو لا، ما لم يحصل بدون ذلك.. وينبغي أن يعرف أن التوبة لا بد منها لكل مؤمن، ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله، ويزول عنه كل ما يكره إلا بها". [مجموع الفتاوى (15/55)].





الأمر الثامن: واجب الأمة في محاسبة النفس عن طريق الحسبة والعقوبات الشرعية:



ولما كان الإنسان معرضا لاتباع هواه، وطاعة نفسه الأمارة بالسوء، و غفلته عن كل تلم الأمور التي تعينه على مجاهدة نفسه على طاعة الله وترك معصيته، لزم الأمة الإسلامية أن تعينه على الاستقامة على صراط الله، وعلى السير على منهج الله، و سلوكه مسلك أمته، ولتلك الإعانة وسيلتان: الوسيلة الأولى: الحسبة. والوسيلة الثانية: العقوبات الشرعية: (الحدود والتعزيرات).الرادعة.



(1) الوسيلة الأولى: الحسبة:



كل ما مضى من مجاهدة النفس يتعلق بالإنسان نفسه، وهو الذي يجاهدها ويحاسبها، ويخالفها حتى يطوعها لربها سبحانه وتعالى، ولكن مجاهدة النفس ليست من واجب الأفراد فحسب، بل هي من واجب الأمة أيضاً، لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ومن مستلزمات هذه الولاية، التعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا فلاح للأمة بدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إذا فقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقق فيهم الخسران في الدنيا والآخرة.



قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} [التوبة: 71]. وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104]. وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110]. وقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2]. وقال تعالى: {والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر].



ومن أعظم الأحاديث النبوية الزاجرة للأمة الإسلامية عن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدالة على أنه لا عافية ولا نجاة بدونهما، بل يكون بفقدهما هلاك الأمة ودمارها، حديث النعمان بن بشير رضِي الله عنهما، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبناً خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) [البخاري رقم الحديث 2493، فتح الباري (5/132)]. ترى هل يقدر المسلمون الآن أن يحصوا خروق سفينتهم؟!



(2)الوسيلة الثانية: العقوبات الشرعية:



إذا قصر الفرد المسلم في حق نفسه فلم يجاهدها على فعل طاعة الله، وعلى ترك معصيته، وإذا أُمِر بالمعروف ونُهي عن المنكر، فأصر على عناده وتمادى في طغيانه، فإنه يجب هنا أن يؤخذ على يديه من قبل السلطة أو الحكومة الإسلامية، فتنفذ فيه أحكام الله سبحانه وتعالى.



فإن أرتكب معصية فيها عقوبة محددة في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كالسرقة والزنا، والقتل ونحوها، أقيم عليه ما قدره الله من العقوبات، ليكف ويتوب، ويرتدع غيره ممن تسول له نفسه أن يفعل كفعله، فإن لم يكن الذنب الذي ارتكبه قد حددت له عقوبة مقدرة، فإن في باب التعزير مجالاً لردع الآثم المذنب.



إن إقامة الحدود والتعزيرات من أعظم الوسائل الرادعة للعصاة عن الاستمرار في جرائمهم، التي إذا تركوا وشأنهم فيها انتشرت فواحشهم في الأمة، وصعب بعد ذلك إقلاعه عنها أو متابعته من قبل الحكومة.



وقد كانت الجرائم في الأمة الإسلامية في عصورها الأولى نادرة، بسبب التزكية النبوية وإقامة حدود الله الشرعية، وكلما كانت العقوبات الشرعية قائمة في بلد ما، قلت فيه الجرائم، وكلما كانت مهملة معطلة، كثرت في البلد الذي تهمل فيه وتعطل الجرائم، والرحمة كل الرحمة في إقامة شرع الله، لا في التساهل والتهاون فيه.



قال ابن تيمية رحمه الله: "وبهذا يتبين لك أن العقوبات الشرعية كلها أدوية، نافعة يصلح الله بها مرضى القلوب، وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم، الداخلة في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخير، إذ هو في ذلك جاهل أحمق، كما يفعله بعض النساء والرجال والجهال بمرضاهم، وبمن يربونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم، في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر، ويتركونه من الخير رأفة بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم". [مجموع الفتاوى (15/290)، الآية من سورة الأنبياء: 107].



وقال الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله: "تَعتَبِر الشريعةُ الأخلاقَ الفاضلة، أولى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع، ولهذا فهي تحرص على حماية الأخلاق، بحيث تكاد تعاقب على كل الأفعال التي تمس الأخلاق، أما القوانين الوضعية، فتكاد تهمل المسائل الأخلاقية إهمالاً تاماً [إلى أن قال]: والعلة في اهتمام الشريعة بالأخلاق على هذا الوجه، أن الشريعة تقوم على الدين، وأن الدين يأمر بمحاسن الأخلاق، ويحث على الفضائل، ويهدف إلى تكوين الجماعة الصالحة الخيِّرة. ولما كان الدين لا يقبل التغيير والتبديل، ولا الزيادة ولا النقص، فمعنى ذلك أن الشريعة ستظل ما بقي الدين الإسلامي، حريصة على حماية الأخلاق، آخذة بالشدة من يحاول العبث بها.



والعلة في استهانة القوانين الوضعية بالأخلاق، أن هذه القوانين لا تقوم على أساس من الدين، وإنما تقوم على أساس الواقع وما تعارف الناس عليه من عادات وتقاليد، والقواعد القانونية الوضعية يضعها الأفراد الظاهرون في المجتمع، بالاشتراك مع الحكام، وهم يتأثرون حين وضعها بأهوائهم وضعفهم البشري، ونزعاتهم الطبيعية إلى التحلل من القيود. كذلك فإن هذه القواعد قابلة للتغيير والتبديل، بحسب أهواء القائمين على أمر الجماعة، فكان من الطبيعي أن تهمل القوانين الوضعية المسائل الأخلاقية شيئاً فشيئاً، وأن يأتي وقت تصبح فيه الإباحية هي القاعدة، والأخلاق الفاضلة هي الاستثناء، ولعل البلاد التي تطبق القوانين الوضعية، قد وصلت إلى هذا الحد الآن.



ويترتب على هذا الفرق بين الشريعة والقوانين الوضعية، أن يزيد عدد الأفعال التي تُكَوِّنُ الجرائم الأخلاقية ويتسع مداها في البلاد التي تطبق الشرعية، وأن يرتفع مستوى الأخلاق والقيم الروحية إلى أعلى درجات في هذه البلاد، أما البلاد التي تطبق القوانين، فإن مستوى الأخلاق فيها ينحط إلى أدنى دركاته، وترتفع القيم المادية، بينما تنحط القيم الروحية وتتفشى الإباحية البهيمية وتنكمش الإنسانية، وتقل الأفعال التي تعتبر جرائم أخلاقية حتى لتكاد تنعدم، [انتهى كلام عبد القادر عودة من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي (1/70ـ71)].



وإهمال إقامة العقوبات على مستحقيها، يعمق كثرة الجرائم واستحسانها، وينغص على الناس حياتهم، ويقلق مجتمعهم، ويسبب الفوضى والاضطراب، ويقضي على الأمن بكل أنواعه: الأمن على المال، والأمن على الأرواح والدماء، والأمن على الأعراض والْحُرَم، وإقامة العقوبات تحول بين المجتمع وكل ما ذكر من الشر والفساد.



وتأمل هذه الجمل من الأستاذ القانوني عبد القادر عودة أيضا رحمه الله:



"ولقد كان الحجاز في يوم مضرب الأمثال في اختلال الأمن والنظام، والجرأة على ارتكاب الجرائم وترويع الآمنين والحجاج، والمسافرين، وقطع الطريق عليهم، لنهب مالهم ومتاعهم، ولعل الحالة الاقتصادية والاجتماعية في الحجاز الآن ـ لعله يقصد الأيام الأولى من حكم الملك عبد العزيز ـ ليست خيراً منها يوم كان الفساد مستشرياً في الحجاز.



والفرق بين الحجاز قديماً وحديثاً هو نفس الفرق بين مصر والحجاز اليوم، هو وجود العقوبة الرادعة في الحجاز الآن وانعدامها قديماً، وهو انعدام هذه العقوبة في مصر اليوم، وهذه العقوبة الرادعة هي التي وطدت الأمن في الحجاز، وقضت على السلب والنهب وقطع الطريق، وجعلت الأمن فيه مضرب الأمثال، فلا يسقط من مسافر شيء إلا وجده في دار الشرطة، ولا يضيع لأحد شيء إلا رد عليه حيث كان، ولو لم يبلغ بضياعه، ما دام مع المال ما يدل على اسم صاحبه". [التشريع الجنائي الإسلامي (1/740)].



وبهذا نكتفي في جهاد النفس البشرية، وهو كما ترى لو طبقه الإنسان على نفسه، فجاهدها في الله حق الجهاد، وحملها على طاعته سبحانه بما مضى في هذا البحث، وتعاون المسلمون فيما بينهم فأتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وأقام حكام المسلمين شرع الله في رعيتهم، فطبقوا الحدود الشرعية والعقوبات الزاجرة، إنه لو تم ذلك، لعادت البشرية إلى الله سبحانه وتطهرت النفوس من أدرانها، واتجهت شاكرة إلى بارئها.





السابق

الفهرس

التالي


14435005

عداد الصفحات العام

572

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م