يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(076) الجهاد في سبيل الله-المطلب الثاني: الهدف من التحريف

(076) الجهاد في سبيل الله-المطلب الثاني: الهدف من التحريف



التحريف هو تغيير معنى الكلام الذي قصده المتكلم، أو وضع الكلام في غير موضعه، وفي ذلك إفساد لمعنى الكلام كما هو واضح.

إبليس قدوة المحرفين



وإذا كان هذا هو التحريف، فإن أول حمأةِ فتنةٍ انطلق منها التحريف، إبليس لعنه الله، فإنه وضع الكلام في غير موضعه، فأفسده فصار إماماً لكل محرف يخرج الكلام عن معناه ويفسده، وقد يكون ذلك بسبب سوء التصور، أو سوء القصد، أوبسببهما معاً.



وكان تحريف إبليس ناشئاً من سوء القصد، وقد اعترف بذلك في الدنيا وسيعترف به - كذلك في الآخرة - كما حكى الله سبحانه وتعالى عنه في كتابه. قال تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها، فاخرج إنك من الصاغرين، قال أنظرني إلى يوم يبعثون، قال إنك من المنظرين، قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين، قال اخرج منها مذؤماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين، ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، وقاسمهما: إني لكما لمن الناصحين، فدلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين}.[الأعراف: 11ـ22].



فقد وضع اللعين الكلام في غير مواضعه في عدة أمور:



الأمر الأول: أنه علل عصيانه أمر الله بأن عنصره "النار" خير من عنصر آدم "الطين". فقد جعل نفسه أحكم من الله وأعرف بوضع الأمور في مواضعها، فكأنه يقول - لعنه الله-: أمرك يا رب في غير مكانه، لأن الذي هو خير – يعني نفسه في زعمه - أحق أن يسجد له من هو أدنى منه - وهو آدم في زعمه - وهل يوجد تحريف يتفوه به أحد أشد من هذا التحريف؟!



الأمر الثاني: أن الله سبحانه نهى آدم وحواء عن أن يقربا الشجرة، وأباح لهما الأكل من ثمار الجنة كلها، وبين سبحانه أن قربهما هذه الشجرة، يوقعهما في الكون من الظالمين.



ولكن اللعين عارض ذلك فحضهما على أكل الشجرة، وعلل ذلك بأنه يريد لهما خيراً أراد الله أن يحرمهما منه {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} فالذي جعله الله ظلماً، جعله هو سبباً في العصمة "ملكين" والذي جعله الله سبباً في الخروج من الجنة، جعله هو محققاً للخلود الأبدي {أو تكونا من الخالدين}.



الأمر الثالث: أنه أكد لهما بالقسم، أنه ناصح لهما، في حال كونه ظالماً داعياً لهما إلى معصية الله والوقوع في سخطه، ومتسبباً في إخراجهما من الجنة: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين}.



أما اعترافه بالتحريف فإنه واضح من قوله: {فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم} إلى قوله: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} فإنه فسر ذلك بأساليبه في الدعوة إلى المعصية كما مضى، وهذا اعتراف منه في الدنيا.



ويختصر الخبيث يوم القيامة تحريفه وخداعه وتبريَه ممن أضلهم، فيما حكاه الله عنه: {وقال الشيطان لما قضي الأمر: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، إني كفرت بما أشركتموني من قبل}.[إبراهيم: 22].



فالشيطان إذاً هو أستاذ المحرفين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، مع زخرفة وتزيين وغرور، وإنما أضل الناس بتحريفه المزخرف الذي أفسد به المعاني، فجعل الحسن قبيحاً والقبيح حسناً في نظر من استجاب له. كما قال ابن القيم رحمه الله: "ومن كيد عدو الله أن يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان، وقد أخبرنا الله تعالى سبحانه عنه بهذا فقال: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}[آل عمران: 175].



ومن مكايده أن يسحر العقل دائماً حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذي يضره، حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له حتى يخيل له أنه يضره.



فلا إله إلا الله كم فتن بهذا السحر من إنسان؟ وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة؟ وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة؟ وكم بَهرجَ من الزيوف على الناقدين؟ وكم روج من الزغل على العارفين؟



فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة، وسلك بهم من سبل الضلال كل مسلك، وألقاهم في المهالك في مهلك بعد مهلك، وزين لهم عبادة الأصنام وقطيعة الأرحام، ووأد البنات ونكاح الأمهات، ووعدهم الفوز بالجنات، مع الكفر والفسوق والعصيان، وأبرز لهم الشرك في صورة التعظيم، والكفر بصفات الرب تعالى وعلوه وتكلمه بكتبه في قالب التنزيه، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودد إلى الناس".[انتهى كلام ابن القيم من كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان(1/130)].



وكان من أنجح تلامذته ومريديه اليهود إخوانه اليهود، كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين، لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون: إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.[المائدة: 41]. وقال تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}.[البقرة: 75].



وانتشر تحريف الكلم عن مواضعه في البشرية، فوجد في كل أمة شياطين يجيدون هذا التحريف ويزيفون المعاني لإضلال الناس، وإن كان اليهود أكثر براعة في ذلك من غيرهم.



قال سيد قطب رحمه الله عند قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل، والله أعلم بأعدائكم، وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً، من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون: سمعنا وعصينا، واسمع غير مسمع، وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين، ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم، ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً}.[النساء: 44ـ46]. قال رحمه الله:



"لقد بلغ من التوائهم وسوء أدبهم مع الله عز وجل، أن يحرفوا الكلام عن المقصود به... وتحريف الكلم عن المقصود به ليوافق الأهواء، ظاهرة ملحوظة في كل رجال دين، ينحرفون عن دينهم ويتخذونه حرفة وصناعة يوافقون بها أهواء ذوي السلطان في كل زمان، وأهواء الجماهير التي تريد التفلت من الدين. واليهود من أبرع من يصنع ذلك، وإن كان في زماننا هذا من محترفي دين المسلمين من ينافسون - في هذه الخصلة – اليهود".[في ظلال القرآن(5/675)].



ويظهر مما تقدم من تحريف إبليس ومن تبعه من اليهود وغيرهم من علماء الضلال، ومنافقي هذه الأمة، أن الهدف من التحريف هو إفساد معنى الكلام وإخراجه عما عنى به لموافقة الأهواء.. أهواء المتسلطين على رقاب الناس، وأهواء جماهير الناس الذين يريدون التفلت من الدين كما قال سيد قطب رحمه الله.





السابق

الفهرس

التالي


14435051

عداد الصفحات العام

618

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م