78) الجهاد في سبيل الله-الفرع الثالث: تحريف معنى دار الإسلام ودار الكفر:
المقصود من هذا المبحث ذكر خلاصة يبين فيها معنى دار الإسلام، ومعنى دار الكفر، مما حرره فقهاء الإسلام في هذا الباب، ثم ذكر المفهوم المحرف في أذهان عامة المسلمين، وما ترتب عليه من آثار معوقة عن الجهاد في سبيل الله.
وهنا ورد إلى ذهني السؤال الآتي: ألا يمكن العثور على آيات من القرآن الكريم يستنبط منها معنى الدارين: دار الإسلام ودار الكفر؟ وأخذت أستعرض بعض آي القرآن الكريم وأتأمل فيما أظن أنه يتضمن ما قصدت فخرجت بطائفة – لم أستقص غيرها – ظهر لي منها جلياً ما يمكن به وزن أي دار بأنها دار إسلام أو دار كفر، والقاعدة العامة التي تجمع شتيت المعاني التي دلت عليها تلك الآيات: أن دار الإسلام هي الأرض التي تعلو فيها كلمة الله ويظهر توحيده وطاعته، ويؤمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن دار الكفر هي الأرض التي يظهر أعظم الظلم، وهو الشرك بالله وإعطاء غيره حق التشريع والتحليل والتحريم فيما لم يأذن به، فتحارب بذلك الفضائل وأهلها، ويُمَكَّن للرذائل ويكرم أهلها ويؤمر فيها بالمنكر وينهى عن المعروف.
ويكفي أن يقتصر على سرد تلك الآيات والإشارة إلى ما توزن به دار الإسلام من المعاني الواردة فيها، إن كانت من هذا النوع، أو الإشارة إلي ما توزن به دار الكفر من المعاني، إن كانت الآيات واردة في هذا النوع، ويظهر من آيات سورة الحج التالية أنها قد جمعت بين الميزانين.
قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور}.[الحج: 39ـ41].
فقد نص الله سبحانه على المعنى العام الذي تصير به الدار دار كفر وهو الظلم - والمراد سيطرته لا مجرد وقوعه - وبين سبحانه أعظمه هو الشرك به، وذكر بعض أجزائه، وهو إخراج المظلومين بدون حق وكذلك تهديم أماكن العبادة.
ونص سبحانه على الأصول التي تتفرع عنها المعاني التي تصير بها الدار دار إسلام، وهي إقام الصلاة، وهي رمز لطاعة الله وتوحيده وقوة الصلة به، وإيتاء الزكاة وهي رمز لأداء الحقوق التي يأمر الله بأدائها، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما قاعدة الحفاظ على دين الله والذب عنه، والدعوة إليه والجهاد في سبيل الله من أجل رفع كلمته.
وقال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك ولياً، واجعل لنا من لدنك نصيراً}.[النساء: 75].
فالأرض التي يَستضعِف الكفارُ فيها المؤمنين، بل وغير المؤمنين، الذين يبلغ بهم الأمر أن يلحوا في دعاء الله ليخرجهم منها، بسبب ذلك الظلم وذلك الاستضعاف، وهو لا يكون كذلك إلا إذا سيطر الظلمة وأهل الكفر، ونفذ حكم غير الله في الأرض هذه الأرض أرض كفر، ولو كان الكفر غير مسيطر فيها، لوجد فيها من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويدافع عن المستضعفين، ولعدم وجود ذلك أمر الله المؤمنين بقتال من استضعفهم في صورة إنكار عليهم إذا لم يقاتلوا.
وقال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين}[إبراهيم: 13]. فالأرض التي يسعى رؤوس الكفر الذين بيدهم السلطة فيها، لإجبار المسلمين على العودة إلى الشرك، أو إخراجهم منها هي دار كفر وليست دار إسلام.
وقال تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا، قال أولو كنا كارهين}[الأعراف: 88]. وهي كسابقتها.
وقال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}.[النساء: 97]. فالأرض التي يستضعف فيها المؤمن يجب عليه أن يهاجر منها – ليست دار إسلام وإنما هي دار كفر.
وقال تعالى: {ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه إلا أن قالوا: أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}.[الأعراف: 80ـ82].
فالدار التي تعلن فيها الفاحشة ويفتخر بها، وتصبح هي الممدوحة والمدعومة، وتنتقص فيها الفضيلة وتصبح سبباً للعقاب، وإخراج أهلها من ديارهم. والمفتخرون بالرذيلة والمنتقصون للفضيلة هم كفرة يحاربون حكم الله وأهله، مع تمكنهم وسيطرتهم، لا يمكن أن تكون تلك الدار دار إسلام بل هي دار كفر.
وقال تعالى: {وألقى السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون، قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم، إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، ثم لأصلبنكم أجمعين}.[الأعراف: 120ـ123]. فالأرض التي يجبر نظام حاكمها أهلها، على استئذانه في الإيمان بما تتيقنه قلوبها، وإلا جوزوا هذا الجزاء الظالم دار كفر وليست دار إسلام.
وقال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.[القصص: 4ـ6].
فالدار التي يعلو فيها شأن الكافر، ويظهر فيها الفساد بإيجاد أحزاب متصارعة من أجل إضعافهم وهيمنة هذا الحاكم عليهم، ويستضعف بعض أهلها فلا يجدون ناصراً ولا آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر، بل صاحب المنكر هو الآمر الناهي المحاد لله ولعباده المؤمنين هي دار كفر وليست دار إسلام.
وقال تعالى: {لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قال الملأ من قومه: إنا لنراك في ضلال مبين، قال: يا قومي ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين}.[الأعراف: 59ـ61].
فالدار التي يوصف فيها الداعي إلى توحيد الله وحده، بأنه ضال أو سفيه والذي يصفه بذلك الوصف هم حكامها الكفرة، دار كفر وليست دار إسلام. ومثل ذلك قوله تعالى عن قوم هود: {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين، قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين}.[الأعراف: 66-67].
دار الإسلام هي الأرض التي تظهر فيها أحكام الله، ولا يمكن أن تظهر فيها أحكام الله، إلا إذا كان الحاكمون فيها مسلمين ملتزمين بشريعته مطبقين حكمه في أرضه.
أقوال العلماء في دار الإسلام ودار الكفر
قال الكاساني رحمه الله: "إن دار الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها... وإن دار الإسلام لا تصير دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها".[بدائع الصنائع(9/4374-4375].
ولكن ما معنى ظهور أحكام الإسلام، وظهور أحكام الكفر؟
الذي يظهر من الآيات القرآنية السابقة – وما في معناها – أن المقصود بظهور أحكام الإسلام، أن تكون أحكام الإسلام هي الغالبة، وكلمة المسلمين هي النافذة: تقام شعائر الإسلام وأركانه وتنفذ فيها الحدود والقصاص، ويؤخذ للمظلوم حقه من الظالم، وترفرف راية التوحيد وتنكس أعلام الشرك، أي أن النظام العام الذي يُحترم ويُرجع إليه، هو حكم الله تعالى، لاحكم الكفر.
وأن المقصود بظهور أحكام الكفر عكس ذلك، أي أن تكون أحكام الكفر هي الغالبة، وكلمة الكفار هي النافذة، يستعبد الناسُ بعضُهم بعضاً، ويظلم قويهم ضعيفَهم وترتفع راية الشرك وتختفي راية التوحيد، النظام العام الذي يحترم ويرجع إليه هو نظام الكفر أي قوانين البشر لا حكم الله تعالى.
فظهور أحكام الكفر، هي ميزان الحكم على البلد الذي ظهرت فيه، بأنه دار كفر.
أما المعاصي والفواحش فقد توجد في بلد تظهر فيه أحكام الإسلام، وتقل فيه أحكام الكفر، فهذا البلد لا يحكم عليه، بأنه دار كفر وإنما هو دار إسلام فيها فسوق وعصيان.
وخلاصة الكلام أن دار الإسلام هي الدار التي يظهر فيها حكم الله، ويختفي حكم الكفر، وأن دار الكفر هي التي يظهر فيها حكم الكفر، ويختفي حكم الإسلام.
وهذا ما سجله فقهاء الإسلام في كتبهم. ولكن يجب أن يبين هنا ما تصير به البلاد الإسلامية، دار كفر والباحث يميل إلى القاعدة الآتية، وهي:
أن أي بلد كانت فيه القوة والسلطان للكفار الذين يطبقون أحكام الكفر، ويقصون أحكام الإسلام من حياة الناس، بحيث لا يستطيع المسلمون أن يطبقوا من أحكام الإسلام، فإن ذلك البلد دار كفر وليس دار إسلام، ولو كان غالب سكانه مسلمين، لأن العبرة في دار الإسلام ظهور أحكام الله فيها، ولو كان غالب سكانها كفارا.
وتصير دار الكفر دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها، ودار الإسلام تصير دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها، هو ما نص عليه علماء الإسلام.
قال أبو بكر الكاساني رحمه الله: "لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ دَارَ الْكُفْرِ تَصِيرُ دَارَ إسْلاَمٍ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْإِسْلاَمِ فِيهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ, إنَّهَا بِمَاذَا تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ؟
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهَا لاَ تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ إلاَّ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ:
أَحَدُهَا: ظُهُورُ أَحْكَامِ الْكُفْرِ فِيهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْكُفْرِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لاَ يَبْقَى فِيهَا مُسْلِمٌ وَلاَ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ, وَهُوَ أَمَانُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا...."
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رحمهما الله: "إنَّهَا تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ.
ثم وجه رأي أبي حنيفة ، فقال: "وجه قول أبي حنيفة، أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إضَافَةِ الدَّارِ إلَى الْإِسْلاَمِ وَالْكُفْرِ، لَيْسَ هُوَ عَيْنَ الْإِسْلامِ وَالْكُفْرِ, وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَمْنُ وَالْخَوْفُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الأمَانَ إنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ, وَالْخَوْفُ لِلْكَفَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ, فَهِيَ دَارُ الْإِسْلامِ, وَإِنْ كَانَ الْأَمَانُ فِيهَا لِلْكَفَرَةِ عَلَى الْإِطْلاقِ, وَالْخَوْفُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ, فَهِيَ دَارُ الْكُفْرِ... وَكَذَا الْأَمْنُ الثَّابِتُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لا يَزُولُ إلا بِالْمُتَاخَمَةِ لِدَارِ الْحَرْبِ..."
ثم ذكر وجه قول أَبُي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، فقال: "( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا، أَنَّ قَوْلَنَا دَارُ الْإِسْلَامِ وَدَارُ الْكُفْرِ، إضَافَةُ دَارٍ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى الْكُفْرِ, وَإِنَّمَا تُضَافُ الدَّارُ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى الْكُفْرِ لِظُهُورِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْكُفْرِ فِيهَا, كَمَا تُسَمَّى الْجَنَّةُ دَارَ السَّلامِ, وَالنَّارُ دَارَ الْبَوَارِ; لِوُجُودِ السَّلَامَةِ فِي الْجَنَّةِ, وَالْبَوَارِ فِي النَّارِ.
وَظُهُورُ الْإِسْلامِ وَالْكُفْرِ بِظُهُورِ أَحْكَامِهِمَا, فَإِذَا ظَهَرَ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِي دَارٍ فَقَدْ صَارَتْ دَارَ كُفْرٍ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ, وَلِهَذَا صَارَتْ الدَّارُ دَارَ الإسْلامِ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْإِسْلامِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرِيطَةٍ أُخْرَى, فَكَذَا تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ فِيهَا......" [بدائع الصنائع (7/130]
وفي الموسوعة الفقهية: " دَارُ الْحَرْبِ: هِيَ كُلُّ بُقْعَةٍ تَكُونُ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِيهَا ظَاهِرَةً . [الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ : الْهِجْرَةُ..." ]
وقال عبد القادر عودة رحمه الله: "تشمل دار الإسلام البلاد التي تظهر فيها أحكام الإسلام، أو يستطيع سكانها المسلمون أن يظهروا فيها أحكام الإسلام، فيدخل في دار الإسلام كل بلد سكانه كلهم أو أغلبهم مسلمون، وكل بلد يتسلط عليه المسلمون ويحكمونه، ولو كانت غالبية السكان من غير المسلمين، ويدخل في دار الإسلام كل بلد يحكمه ويتسلط عليه غير المسلمين، ما دام فيه سكان مسلمون يظهرون أحكام الإسلام، أو لا يوجد لديهم ما يمنعهم من إظهار أحكام الإسلام".[التشريع الجنائي الإسلامي(1/275].
وقال عن دار الكفر: "وتشمل دار الحرب كل البلاد غير الإسلامية التي لا تدخل تحت سلطان المسلمين، أولا تظهر فيها أحكام الإسلام، سواء أكانت هذه البلاد تحكمها دولة واحدة، أو تحكمها دول متعددة، ويستوي أن يكون بين سكانها المقيمين إقامة دائمة مسلمون، أو لا يكون ما دام المسلمون عاجزين عن إظهار أحكام الإسلام".[المرجع السابق(1/277].
و قال أبو زهرة رحمه الله: "دار الإسلام هي الدولة التي تحكم بسلطان المسلمين وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين، وهذه الدار يجب على المسلمين القيام بالذود عنها، والجهاد دونها فرض كفاية".[العلاقات الدولية في الإسلام ص53]
هذا ما ظهر للباحث في معنى: دار الكفر ودار الإسلام، وقد أراد أن يطمئن إلى ما ظهر له، فكاتب بعض العلماء المعاصرين في هذا الشأن، فكان فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، رئيس مجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية، هو السباق إلى الإجابة، بل هو وحده الذي وافى بالرد وهذا نصه: "نفيدكم بأن العبرة بمن كانت له الولاية والحل والعقد والتصرف في البلد، فإن كان ذلك للمسلمين، فهي دولة إسلامية، وإن وجد بها كفار، وإن كان الحل والعقد والتصرف والولاية للكفار، فتعتبر الدولة كافرة، وإن كثر فيها المسلمون" أ.هـ. المقصود من رد فضيلته رحمه الله، وهو محفوظ بمكتبة الباحث ورقمه: (422/1) بتاريخ: 7/3/1401هـ.
وهذا لا يخالف ما سبق من أن دار الإسلام هي التي تظهر فيها أحكام الإسلام، وأن دار الكفر هي التي تظهر فيها أحكام الكفر، لأنه إذا كان أهل الحل والعقد، هم المسلمين، فالأصل فيهم أن يظهروا أحكام إسلامهم، وإن كان أهل الحل والعقد هم الكفار، فإنهم يظهرون أحكام كفرهم.
تنبيهات:
التنبيه الأول: أن كثيرا من بلدان المسلمين، يحكمها زعماء من المنتسبين إلى الإسلام، ولكنهم يطبقون فيها قوانين تخالف كثيرا من أحكام الإسلام، في الاقتصاد والحدود وبعض الشئون الاجتماعية، ولكن عامة المسلمين في تلك البلدان، يظهرون ما يقدرون عليه من الأحكام الشرعية، في الشعائر التعبدية، والأحكام الأسرية، في الزواج والطلاق وغيرها، فمثل هذه البلدان، تعتبر دار إسلام، وليست دار كفر.
وما لا يطبق من أحكام الإسلام يكون إثمه على الحاكم، لأنه هو الذي خالف شرع الله، بتطبيق ما خالفه من القوانين الوضعية.
ولكن الواجب على أهل الحل والعقد، أن يأمروا حاكم البلاد بتنفيذ أحكام الإسلام التي لم تنفذ، ولا يجوز لهم التساهل في ذلك، اغترارا بأن الدار دار إسلام، لأن الله قد أكمل هذا الدين، وتنفيذه كاملا فرضٌ على الأمة الإسلامية، وفي عدم تطبيق ما يجب تطبيقه من هذه الشريعة، إثم كبير على القادرين على تنفيذه أو الأمربه.
التنبيه الثاني
أن الحاكم الذي يرفض تطبيق بعض أحكام الإسلام، ويستبدل بها القوانين الوضعيه، وهو يعترف بأن حكمه بالقوانين الوضعية يخالف شرع الله، وأن شرع الله واجب التطبيق، فإنه يكون بذلك كافرا كفرا عمليا وليس اعتقاديا، فلا يخرج بذلك عن الملة، وإن كان على خطر عظيم، وقد يكون في الباطن غير مؤمن بوجوب تطبيق حكم الله، فيكون بذلك منافقا نفاقا عقديا، مخرجا له عن ملة الإسلام، لكن فيما بينه وبين الله.
أما إذا أعلن عدم إيمانه بوجود شريعة في في الإسلام، أو توجد شريعة ولكنه هو لا يؤمن بها ولا بوجوب بتطبيقها، أو زعم أن الحكم بشرع الله غير صالح للتطبيق في عصر من العصور، فإنه بذلك يكون كافرا كفرا أكبر مخرجا عن ملة الإسلام، لما في ذلك من الاعتراض على الله الذي شرع تلك الأحكام، وهو أعلم بما يصلح لعباده منهم.، وآيات القرآن الكريم واضحة في ذلك.
التنبيه الثالث:
أن الواجب على أهل الحل والعقد، من علماء الإسلام، وأعيان البلد، خلع من يرفض أحكام الله ويحارب تطبيقها، و لو بالقوة إذا أصر على حاله، لما ثبت عن الرسول صلّى الله عليه وسلم، كما في حديث عبادة بن الصامت - رَضي الله عنه، - قال : بايعنا رسول الله - صَلى الله عليه وسلم، على السمع والطاعة، في العُسر واليُسر، والمنْشَط والمكْرَه، وعلى أثَرَةٍ علينا، وعلى ألا نُنازع الأمر أهْلَهُ، وعلى أن نقول بالحق أينما كُنّا لا نخافُ في الله لَوْمَةَ لائم. وفي رواية بمعناه، وفيه "ولا نُنازع الأمرَ أهله ». قال: (إلا أن تَرَوْا كُفرًا بَواحًا ، عندكم فيه من الله برهان). [متفق عليه]
ومع وجود الكفر البواح، يشرط أن يكون خالعوه قادرين على خلعه، بدون أن يحدث للأمة ما هو أعظم مفسدة، كأن يغلب على ظنهم بأن القيام بخلعه، قد يحدث من الفوضى والاضطراب ما تزهق به الأرواح، وتفسد الحياة، وتقطع السبل بدون الوصول إلى الهدف من خلعه، ويقع الناس في ضيق وحرج ومشقة لا طاقة لهم بها.
|
|