يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(083)الجهاد في سبيل الله-الفرع السابع: إسناد الأمور إلى أهلها

(083)الجهاد في سبيل الله-الفرع السابع: إسناد الأمور إلى أهلها


ومن صفات القائد الكفء الصالح، إسناده الأمور إلى أهلها، وأمور الجهاد كثيرة، منها ما يحتاج إلى الرجل القوي الشجاع، الخبير بأساليب الحرب ورجالها وأرضها وأحوال العدو، ومنها ما يحتاج إلى الذي يكون أكثر أمانة من غيره ليكون خازناً للذخائر والسلاح والمؤن، ومنها ما يحتاج إلى الخادم الذي يقوم بخدمة الجنود في طعامهم وشرابهم وتفقد مركوباتهم، ومنها ما يحتاج إلى أطباء يداوون الجرحى، ويقومون بشؤونهم، وهكذا...



وعلى القائد أن يضع كل عامل في مكانه المناسب، ليقوم بما هو أهل له من أنواع الجهاد، والقائد الذي يفعل ذلك يكون ناجحاً في قيادته، يجني ثمرة عمله من إسناد كل أمر إلى من هو أهل له.



وهذا من أهم الأسباب التي حققت للسلف الصالح في القرون الأولى ما كانوا يصبون إليه، من نشر الدعوة وإعلاء كلمة الله في الأرض، لأنهم أدوا هذه الأمانة التي كلفهم الله إياها وما كانوا يحابون فيها قريباً - مهما كانت قرابته - ولا صديقاً - مهما كانت صداقته - ولا من يتوقع منه نفع لهم - مهما كان نفعه - وإنما كانوا يسندون الأمر إلى أهله من أجل رفع كلمة الله.



وقد كان الرسول صَلى الله عليه وسلم يسند الأمر إلى من هو أهل له، ولو كان أقل فضلاً من غيره ممن هم أقل خبرة منه في ذلك الأمر الذي أسنده إليه، كما فعل صَلى الله عليه وسلم في إسناد عمل الجهاد إلى خالد بن الوليد، الذي كان ماهراً في أساليب القتال قبل دخوله الإسلام، وقد رأى صَلى الله عليه وسلم خبرته القتالية وهو يقاتل المسلمين في صفوف أعدائهم المشركين كما في غزوة أحد.



قال ابن تيمية رحمه الله: "فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضرراً فيها، فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا، كما سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؟ فقال: "أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزو مع القوي الفاجر"- إلى أن قال-: "وإن لم يكن فاجراً كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده، ولهذا كان النبي صَلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم، وقال: (إن خالداً سيف سله الله على المشركين) مع أنه أحياناً قد كان يعمل ما ينكره النبي صَلى الله عليه وسلم، حتى إنه مرة قام، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد) لما أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة، ولم يكن يجوز ذلك، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة، حتى وداهم النبي صَلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم، ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب، لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره، وفعل ما فعل بنوع تأويل".[مجموع الفتاوى(28/254) وما بعدها.



وحديث (إن خالدا سيف الله) في سير أعلام النبلاء (1/366) الطبقات الكبرى (7/395) والاستيعاب (2/430) وهو في جامع الأصول(9/102) قال المحشي بعد أن ذكر له شواهد: "فهو حديث صحيح بشواهده.." وحديث: (اللهم إني أبرأ إليك من خالد في صحيح البخاري رقم (4339) فتح الباري(8/56)]



وهكذا فعل أبو بكر بعد رسول الله صَلى الله عليه وسلم في استعمال خالد على أمور الحرب. وعزله عمر رَضي الله عنه لاجتهاد منه ندم عليه فيما بعد. قال ابن كثير رحمه الله: "بعد أن أبلى خالد في موقعة قنسرين وفتحها الله عليه، قال عمر: يرحم الله أبا بكر كان أعلم بالرجال مني، والله إني لم أعزله عن ريبة، ولكن خشيت أن يوكل الناس إليه"[البداية والنهاية(7/53)، وراجع مجموع الفتاوى(28/275)].



وإسناد الأمور إلى غير أهلها خيانة يترتب عليها الفشل واضطراب الحال، وقد دلت التجارب في تاريخ البشر على ذلك، فما أسند أمر إلى غير أهله، إلا ساءت أحوال ذلك الأمر، وأصيب الناس بما يضرهم، وعرفوا قدر حاجتهم إلى الكفء الذي حرموه، وظهرت شكاواهم من مشكلا غير الكفء التي تواجههم بسبب ذلك.



لذلك حث القرآن الكريم المسلمين على أداء الأمانات التي منها إسناد الأمور إلى أهلها، كما قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}[النساء: 58].

وحضت السنة النبوية عليه كذلك، كما قال النبي صَلى الله عليه وسلم لأبي ذر في الإمارة: (إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)[مسلم(3/1457)].



وفي حديث أبي هريرة رضِي الله عنه: أن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: (إذ وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)[البخاري رقم(59) فتح الباري(1/141)].



وقال ابن تيمية رحمه الله: "فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقه أو صداقة، أو مرافقة في بلد أو مذهب، أو طريقة، أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه، من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى عنه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}[مجموع الفتاوى(28/248) والآية في الأنفال: 27].



والقائد الذي يسند الأمور إلى غير أهلها، مع وجود من هو أهل لها، يكفيه ذلك دلالة على أنه قائد فاشل ليس أهلاً للقيادة، إما لضعفه وعدم معرفة وظيفته ورجالها الذين هم قادرون على تحقيقها، وإما لفشله وخيانته التي تجعله غيرموتمن على مصالح الأمة عند العقلاء من الناس، أو لهما معاً: ضعفه وخيانته.



ولقد نكبت الأمة الإسلامية بقادة يحاربون كتاب الله وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، ويولون أعواناً لتلك المحاربة ممن تعتبر ولايتهم في أي عمل من الأعمال، وبالاً على الأمة، بجهلهم بما يولون عليه، أوبضعفهم الذي لا يقدرون معه على القيام بما ينفع، أوبخيانتهم، وهذه الصفات الهدامة هي التي جعلتهم عند قادتهم أهلاً للولاية، لأنهم ينفذون لهم أوامرهم ورغائبهم، ولو كان في ذلك ما يسخط الله ويضيع الشعوب ويلقي بها إلى التهلكة، لعلمهم بأن الخبير الأمين القوي، لا يمكن أن يستجيب لما يبتغون منه من خيانة وغش، لأن خبرته وأمانته وقوته، تمنعه من تنفيذ ذلك وتدفعه إلى معارضته وإنكاره، ومن تلك الولايات قيادات كثير من الجيوش التي أسندت إلى غير أهلها ممن أضاعوا البلاد والعباد، التي أصبحت تحت سيطرة أعداء الله من الكفار عن طريق الاحتلال المسلح فعلاً، أو خاضعة خضوعاً مزرياً لهم، وكأن أولئك القادة، ما هم إلا سرايا من جيوش الكفر تحرس له الشعوب التي ينتمون إليها، من أن تنفض عنها غبار الذلة والمهانة، فترفع المصحف في يمينها والمدفع في يسارها ملبية نداء ربها، لرفع راية الإسلام في الأرض كلها.



والمتأمل في حال أكثر جيوش الشعوب الإسلامية، يدرك أنها لم تحظ بقادة جهاد يطلبون الموت في سبيل الله لرفع رايته، وإنما هم حراس حكام رفعهم على كراسي الحكم أعداء الإسلام من كفرة اليهود والنصارى والشيوعيين، لتحقيق أهداف الكفر بتلك الجيوش.



والقائد المسلم الذي يسند الأمر إلى أهله هدفه أن يحقق في الأرض العبودية الكاملة لله وحده وتحطيم الطواغيت الذين يبتغون العلو في الأرض، وجعل الناس عبيداً لهم من دون الله. كما قال ابن تيمية رحمه الله: "وجميع الولايات الإسلامية، إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية، وولاية الحسبة".[مجموع الفتاوى(28/66)].



بخلاف قادة الشهوات ومحبي العلو في الأرض، فإنهم يسندون الأمر إلى غير أهله، ليكون عبداً لهم يحقق لهم غايتهم ويعينهم على ظلمهم ومعاصيهم، ومع ذلك فإنهم - أي أولئك القادة - يكونون عبيداً لمن ولوهم، لأنهم يرجون منهم تحقيق رغباتهم ويخافون أن يفضحوهم أو يقفوا ضدهم مع غيرهم.



قال ابن تيمية رحمه الله: "وكذلك طالب الرياسة والعلو في الأرض، قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم، فهو في الحقيقة يرجوهم ويخافهم، فيبذل لهم الأموال والولايات، ويعفو عما يجترحونه ليطيعوه ويعينوه، فهو في الظاهر رئيس مطاع وفي الحقيقة عبد مطيع لهم. والتحقيق أن كلاهما [كذا والصواب: كليهما، لأن كلا وكلتا إذا إضيفتا إلى الضمير تعربان إعراب المثنى] فيه عبودية للآخر وكلاهما تارك لحقيقة عبادة الله، وإذا كان تعاونهما على العلو في الأرض بغير الحق كانا بمنزلة المتعاونين على الفاحشة أو قطع الطريق، فكل واحد من الشخصين لهواه الذي استعبده واسترقه مستعبد للآخر".[كتاب العبودية، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، ص 101].





السابق

الفهرس

التالي


14435049

عداد الصفحات العام

616

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م